المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وصفات من كُتُب السعادة!


rasha retage
05-06-2016, 06:50 AM
من المتوقع أن تُنشر هذا العام عشرات الكتب حول السعادة وكيفية تحقيقها وتأثيرها الإيجابي على الأداء والإنتاجية في بيئة العمل. السعادة حق إنساني وغاية نبيلة، وهي أحد مؤشرات الاستقرار والنمو التي تتسابق دول قليلة إلى تحقيقها، لا سيما الدول الاسكندنافية التي تنعم برفاهية سياسية ومستويات دخل مرتفعة، ومعدلات بطالة منخفضة، وهوامش واسعة من الحرية والتمكين لمواطنيها والمقيمين فيها.

الإمارات وبوتان دولتان آسيويتان تحاولان التقدم على مؤشرات السعادة العالمية، فمنذ سبعينيات القرن الماضي اتخذت بوتان أذكى قرار يمكن لدولة فقيرة أن تتخذه، وهو التحول في قياس رضا ورفاهية مواطنيها من التعويل على "الناتج المحلي الإجمالي" إلى "ناتج السعادة الإجمالي"، ومن "مستوى دخل الفرد" إلى "مستوى سعادة الفرد"، وها هي بعد 40 عاماً من نضجها الحضاري، تصبح الدولة الوحيدة في العالم الخالية من الانبعاثات الكربونية، مع تناغم مطلق بين حياة سكانها في تجمعاتهم البشرية، وبين البيئة الحيوية التي تشكل الغابات 70% من مساحتها الطبيعية. بوتان دولة صغيرة يبلغ عدد سكانها 700,000 نسمة، ولا يزيد دخلها القومي عن 2 مليار دولار؛ لكنها أدركت أن السعادة مسألة نسبية، وأنه يمكن تحقيقها من خلال البساطة والقناعة وفعل الخير لشعبها والعالم.

وقد أطلقت الإمارات مؤخراً عدداً من المبادرات منها إعلان عام 2016 عاماً للقراءة، وتعيين وزيرة للسعادة كسابقة عالمية لم يعرفها التاريخ من قبل. ومع التزامن والربط الذكي بين "السعادة" و"القراءة" بدأ الناشرون يبحثون عن أي محتوى يمكن نشره في كتب تتناول السعادة الشخصية والمهنية والمجتمعية. من المتوقع أن تَصْدُر بضعة كتب مبحوثة وجادة في هذا المجال، لكن المتوقع أكثر هو أن معظم ما سينشر لن يكون ذا قيمة، وذلك ببساطة لأن هذه الكتب لا تستند إلى فرضيات علمية، ناهيك عن استنادها إلى بيانات أولية مستقاة من البيئة المحلية، تأخذ في الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يعيشها ويواجهها جمهور القراء الذين تتوجه إليهم وتخاطبهم عناوين الكتب التي يجري طبعها.

يمكن لأي مبتدئ في علم النفس أن يأخذ درجات هرم "ماسلو" للاحتياجات الإنسانية الخمس ويشرحها في خمسة فصول، ويخرج بكتاب عن تحقيق الذات وعلاقته بالسعادة؛ ولكن لا أفهم كيف يُمْكن لكتاب عن "السعادة في بيئة العمل" أن يُبْحَث ويؤَلَّف ويُنْشَر من دون الرجوع إلى نظريتي "إكس" و"واي" وكتابات "دوجلاس ماكروجر" في ستينيات القرن الماضي حول الدوافع الإنسانية وعلاقتها بالرضا والتوافق الوظيفي.

السعادة ليست سراً لأنها نسبية؛ فهي تعني في الدانمارك أن تدفع الحكومة تكاليف ولادتك وتعليمك وزواجك وعلاجك ورفاهيتك وسياحتك وسفرك وكل ما تتوقعه وتتخيله. أما في سوريا والعراق فتعني ألا تموت في التفجير القادم سواء كان مصدره برميلاً قادماً من السماء، أو حزاماً ناسفاً مسيلاً للدماء؛ بينما تعني في غزة أن تُفتح المعابر فيُسمح بعبور بعض الغذاء والدواء.

يؤكد "دان جلبرت" في كتابه "التعثر بالسعادة" أن معادلة السعادة تتلخص في: "احتمال وقوع ما نتمنى حدوثه، والقيمة الحقيقية التي نُضْفيها على ما قد حدث فعلاً". فنحن لا نشعر بالسعادة عندما نكتشف أن ما طلبناه لا يساوي ما توقعناه، فقد ثبت مَعمَلِيَّاً وإحصائياً أن من فاز بملايين الدولارات في اليانصيب، ومن أصيب بالشلل بسبب حادث، عاد كل منهما بعد 6 أشهر إلى حالته الشعورية التي كان عليها قبل وقوع الحدث؛ فاستنتج أن السعادة لا تتحقق إلا عندما يتوافق ما نتوقعه مع ما نُقَدِّره، ويتطابق ما نريد مع ما يفيد.

بسبب نسبيَّة "السعادة" وتفاوت قِيَمها، يجب استناد كل كتاب ننشره عنها إلى دراسات وتحليلات تتعلق بالتوقعات والتفضيلات النسبية للجمهور الذي نستهدفه، فهكذا نستطيع أن نفهم أن سعادة المواطن "السويدي" بتخفيض ساعات عمله إلى 6 يومياً، تساوي بيات "السوري" في خيمة بدلاً من العراء، وحصول "المصري" على وظيفة تؤمن لأسرته حياة كريمة، ومَنْح "الأردني" حق انتخاب النواب على أسس الجدارة الفكرية والحزبية لا الصِلات العشائرية، وحصول "البدون" في الكويت على الجنسية لحل معضلة العيش بلا هوية!

بقلم: نسيم الصمادي
Edara | Home page (http://edara.com/MyAccount/calltoaction.aspx?src=39)