المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفتاح الجودة الشاملة


rasha retage
05-06-2016, 07:18 AM
على الرغم من كثرة المفاهيم والمنهجيات الخاصة بالجودة، فإنه ثبت أن التطبيق السليم الشامل لمنهجية الجودة الشاملة هو الطريق الأسلم لتحقيق غايات المؤسسات بأسلوب متكامل يخلو من الثغرات، فهي تعمل باتجاه التحسين المستمر، وتسعى إلى تحقيق متطلبات الزبائن واختزال الهدر والأعطال. ويكمن جوهر الجودة الشاملة في قدرتها على إحداث تغييرات ثقافية ملموسة في المؤسسات من حيث قدرتها على استخدام معلومات الجودة بغرض التحسين وليس للعقاب واللوم، واعتبارها سلطة موازية للمسؤولية، وبنائها لنظم الحوافز وتبنيها للتعاون بدلاً من التنافس، ناهيك عن ضمانها للوظائف الآمنة للعاملين في أجواء من العدل والإنصاف مع وجود نظام متوازن للتعويض، ومن ثم إصرارها على ملكية العاملين لجهودهم وإنجازاتهم، وبالحق فقد اندهشت كمقيم وكمرشد في جوائز التميز من ضعف الإجابات المتعلقة بالبند الثقافي وعدم تطرق تلك الإجابات أساساً للبعد الثقافي، مما يدل على ضعف الإلمام بهذا العنصر كنتيجة لضعف الممارسات العملية ونقص الوعي المعرفي بها!

ترتكب الشركات الأردنية في رحلتها لتحقيق الجودة جملة من الممارسات الخاطئة التي تعوق تقدمها وتقودها إلى التيه في بحر الجودة الواسع، ومنها ضعف دعم الإدارة، الالتزام قصير الأمد، ضعف مشاركة العاملين، قلة الموارد وضعف البرامج التدريبية، عدم وجود أبحاث سوقية كافية، توقع نتائج سريعة بدون جهود موازية، ومن ثم الإدارة بالخوف والعقاب! وقد لاحظت أن كثيراً من أصحاب القرار والمسؤولين لا يؤمنون بحقيقة الجودة الشاملة، وإنما يرددون هذا التعبير كشعار فقط، وربما بهدف الحصول على جوائز التميز وبشكل سطحي ظاهري فقط!

إن أي تطبيق إداري حديث يخلو من عناصر ديمنغ الأربعة عشر، ويفتقد عناصر ديمنغ الخاصة بنظرية الإدارة (وهي تقدير النظم، معرفة الاختلافات، إدارة المعرفة والعوامل النفسية)، سيكون بالتأكيد قاصراً وضعيفاً ومجوفاً، وبدون الاحتياط للعيوب الدارجة في معظم المؤسسات، وهي غياب وحدة الهدف، التركيز على الأهداف القصيرة الأمد، اعتماد الإدارة بالأهداف بدون منهجية موازية، ضعف دافعية الإنجاز، استخدام الأرقام المجردة كمؤشرات للإنجاز، ومن ثم التكاليف الطبية الزائدة، وتلك المتعلقة بالمسؤولية القانونية، أقول بدون ملاحظة ورصد هذه العيوب القاتلة فستجد الكثير من المؤسسات نفسها تتخبط تائهة في محيط الجودة الواسع، عاجزة عن تحقيق أهدافها!

يدعونا هذا لتأمل جملة الخصائص التي تتمتع بها الشركات العالمية المطبقة للجودة الشاملة، وهي باختصار:

- السعي لإرضاء الزبائن (كيف يكون ذلك!).
- تحقيق الحد الأدنى من الحوادث وضمان السلامة القصوى (كيف!).
- الزبائن هم الذين يحققون العائد على الاستثمار بينما يحقق العاملون الربح!
- تحسين الاتصالات ودعم برامج التدريب المكثف (كيف!).
- التدريب المكثف على أنماط القيادة الفاعلة (كيف!).
- إشراك الموردين والمقاولين في برامج الجودة الشاملة (كيف!).
- السعي الحثيث للتحسين المستمر الشامل (كيف!).

وقد لاحظت من خبرتي الطويلة في مجال الجودة وتقديم الاستشارات للشركات وجود نقص واضح وكبير في هذه العناصر، وبخاصة في مجال الاتصال والتدريب والأنماط القيادية، ناهيك عن عدم الاهتمام بالموردين والمقاولين واعتماد الأسعار كمعيار وحيد للتعامل معهم! إن إحدى أكبر السلبيات التي نتجت عن انتشار ثقافة التميز هي دفع أصحاب القرار للأخذ ظاهرياً بمعايير التميز دونما فهم حقيقي لمبادئ وفلسفة الجودة التي ترتكز على جملة عناصر منها القيمة المضافة، التفتيش على العمليات وكذلك على المنتجات والخدمات، فهم الانحرافات والتعامل معها إحصائياً وعلمياً، مشاركة الجميع في تحسين النظم والعمليات، ومن ثم العمل جوهرياً على تحقيق رؤية ورسالة المؤسسة، وبشكل عملي شامل ومترابط. إن الخيار الأسلم لقادة المؤسسات يكمن في اعتماد الجودة الشاملة كخيار استراتيجي حقيقي، والقيام بجملة إجراءات لترجمة ذلك على أرض الواقع كخطط عملية فعالة مع جدول زمني محدد.

يحب الناس العمل في بيئة نظيفة وآمنة، كما أنهم شبعوا من الشعارات البراقة ويريدون تحمل مسؤولية عملهم وإنجازاتهم ويرغبون في أن يحفزوا بشكل عادل ومتكافئ ومنصف، ويعلم معظمهم أن القياس هو الوسيلة المثلى لتقييم الإنجازات ضمن الحيز الزمني، كما يرغب معظمهم في استخدام مبادئ الجودة الشاملة بغرض إنجاز العمل الصحيح من المرة الأولى وبشكل صحيح وكل مرة! لقد نجحت الجودة الشاملة في اليابان نجاحاً بارزاً لأنها ارتبطت بالجهد المتواصل والوعي والحس والذوق السليم، وحققت إنجازات عظيمة في الواقع العملي. وواقعياً فإن أسهل الطرق لتحقيق الجودة الشاملة يكمن في تحقيق معايير جوائز التميز العالمية والمحلية وبشكل جدي وجذري وشامل، هكذا نجد شركات عالمية (كبكتل وفلوريدا باور وموتورولا) قد استخدمت معايير الجوائز لقياس التقدم الحقيقي في مختلف عملياتها الأساسية، مع اعتماد الرقابة والديمومة للمحافظة على الإنجازات، وعلى شركاتنا ومؤسساتنا أن تحذو الحذو ذاته وبجدية ومثابرة واهتمام، وليس كادعاء وتظاهر ورغبة في تحقيق الجائزة فقط، كما لاحظت حقيقة في بعض مؤسساتنا للأسف، وعلى الرغم من كونها تقدم خدمات إنسانية فإن الحس التجاري والرغبة في جذب الزبائن بغير وجه حق هما الحافزان الرئيسيان لدخولها سباق الجوائز دون أدنى اهتمام بأهمية التحسين الحقيقي النزيه لخدماتها!

عندما أسعى للعمل كمرشد في إحدى الشركات فإن أول أهدافي هو إعادة هيكلة الشركة جذرياً بحيث تتبنى نظم ومناهج الجودة الشاملة، وبطريقة تشبه علاج طبيب الأسنان الماهر الذي يعالج جذور الأسنان جراحياً بدون الخلع والترقيع والحشو، وبذلك فهو يضمن سلامة السن وديمومة استخدامها! وكل ما أحاول تجنبه هو مجرد السعي لإيجاد إجابات عاجلة عن أسئلة المعايير والعمل رجوعاً للتأكد من وجود منهجيات داعمة مع المراجعة والتقييم، فقد وجدت هذا الأسلوب الذي يعتمده معظم المرشدين يفتقر صراحة إلى التوجيه والإرشاد اللازمين لإنجاز العمل بشكل صحيح، كما أنه عاجز عن تحقيق أهداف التميز بشكل جذري متكامل، وربما تنجح شركة، أو شركتان، في الوصول إلى هدفها عبر هذا الأسلوب المبني على التسرع، ولكنها بالتأكيد ستعجز لاحقاً عن تحقيق أي إنجازات حقيقية في مجال تطبيق الجودة الشاملة!

لقد قام باحثون أجانب بقياس المقاربة ما بين تحقيق جوائز التميز والإنجازات الربحية للشركات الرابحة، وتم إيجاد معطيات رقمية إيجابية واضحة، وما أطمح إليه هو قيام باحثين جامعيين بإنجاز دراسات عليا في هذا الصدد بغرض التأكد من وجود علاقة مماثلة في السوق الأردنية لربط الجوائز بالنجاح والأرباح المؤسسية!

يمكن ببساطة عرض مراحل تطبيق الجودة الشاملة على النحو التالي:

وضع أهداف وغايات – الالتزام الكامل للإدارة – التعرف على مراحل التطبيق – تحديد المسؤوليات – وضع تواريخ للتنفيذ ضمن فرق عمل محددة – التخطيط المسبق – والتفتيش الذاتي عن جودة العمليات والإنجاز، قد يبدو ذلك سهلاً من الناحية النظرية، ولكنه في الواقع العملي يحتاج الجهد والكفاءة والمثابرة والمتابعة والالتزام.

إن فاقد الشيء لا يعطيه، لذا نجد كثيراً من المسؤولين غير قادرين على وضع النموذج العملي للتميز بسبب افتقارهم إلى خصائص القيادة وبحس المسؤولية الذي يتطلب جهوداً لبناء هذا النموذج، ومنها التدريب على أدوات حل المشاكل، التطوير المهني المستمر، تأسيس حس المشاركة والتفاعل وزيادة الحافزية لتستقبل أفكاراً جديده، بناء الثقة والإخلاص مع كل العاملين، نشر المعرفة والتدريب على بناء المهارات الجديدة وبناء علاقات احترام متبادل، ومن ثم تطوير ديناميكيات عمل جماعي، وكل هذه العناصر تحتاج إلى تدريب متخصص للقيادة ولا تأتي وحدها!

كثيراً ما يطلب مني مراجعة نماذج استبيانات الزبائن، وللأسف ففي حالات كثيرة أجدها سطحية وعاجزة عن استخلاص التغذية المرتدة الضرورية لتحسين التجاوب مع هذه المتطلبات، وبعضها يخلو من عناصر أساسية مثل: تزويد ما وعدت الشركة به في منتجاتها وخدماتها المقدمة، التفاعل مع الرغبات الخاصة للزبائن من المنتجات والخدمات، اللطف والكياسة، ماذا سنفعل للتحسين؟ ما الذي تراه الأحسن؟ ما الذي تراه الأسوأ؟ ما الخدمات والمنتجات الأهم بالنسبة إليك؟ ... الخ.

في ختام مقالي هذا أجد من الضروري تأكيد عنصر مفتقد في معظم ممارساتنا العملية، وهو عنصر الأدوات، فبدون أدوات لا يمكن تخيل كيفية بناء منزل أو شق طريق أو إنجاز مشروع ما، والأدوات المقصودة هنا هي أدوات الجودة السبع الأساسية، وهي مخططات الانسياب، السبب والتأثير، مخططات الرقابة، المدرجات التكرارية، مخططات التفتيش، باريتو، مخططات الانتشار والجريان، وقد لاحظت أنه على الرغم من التدريب والتكرار فإن معظم الشركات تعتبر هذه الأدوات ذات طابع "تجميلي" فقط، وتستخدمه لأهداف وأمثلة استعراضية وتعجز عن تبنيها كأدوات عملية لحل المشاكل، علماً بأن بعض علماء الجودة قد وضحوا أن استخدام هذه الأدوات بكفاءة كفيل بحل معظم مشاكل الجودة (85% - 90%)، وبشكل جذري فاعل!

في الخلاصة فإن الهدف هو تطبيق الجودة الشاملة بشكل واقعي وشامل وديناميكي وهادف لتحقيق متطلبات الزبائن، بل وإرشادهم وتوعيتهم بكيفية الاستفادة القصوى من هذه المنتجات والخدمات، وذلك مع ضمان التميز وتحقيق عائد ملموس على الاستثمار، وخفض التكاليف، ومنع الهدر، وتحسين بيئة العمل ضمن منهجية التحسين المستمر، وإذا ما ضمنا ذلك فإنه يصبح من السهل عندئذٍ التحضير لدخول مسابقات جوائز التميز بثقة، وهذا ما تطمح إلى تحقيقه معظم المؤسسات الناجحة.

ويسرني من واقع خبرتي العملية في مجال تأهيل الشركات لتطبيق استراتيجيات ناجحة في الجودة الشاملة أن أنصح بما يلي:

1- تأكيد استخدام منهجيات إدارة التغيير والتمكين وإدارة الوقت وآليات العمل الجماعي والقيادة الفاعلة، وكل هذه تحتاج إلى تدريب متخصص في ورش عمل ناجحة.
2- تفعيل منهجية التفاعل والتغذية المرتدة والابتعاد عن التلقين، مما يؤدي إلى إنجاز المهمات بجدية، وحسب الجدول الزمني.
3- تأكيد إيجاد حالات عملية وأمثلة ومعززات نموذجية ذات شمولية وتحسين مستمر.
4- العمل على تحويل المؤسسات إلى منظمات تعليم وتدريب متواصل!
5- التدريب العملي على الثقة بالنفس ومعرفة كيفية إظهار عناصر القوة، والخبرات الخاصة، والكم المعرفي.
6- تعزيز ومتابعة استخدام أدوات الجودة والتحسين والتدريب المتواصل عليها، وجعلها متكاملة مع طريقة إنجاز المهمات.
7- اعتماد منهجية القياس للأداء والمهمات، وبذل جهود حثيثة لتحقيق المعطيات الرقمية بطريقة منهجية متكاملة.
8- محاولة إدخال وتطبيق منهجيات عمل فاعلة وتطبيقها بشكل تجريبي أولاً.
9- تأكيد عناصر التخطيط الاستراتيجي، وربطها مع الجودة الشاملة ضمن جدول زمني متسلسل يبدأ من الرؤية والرسالة والقيم مروراً بمخططات (SWOT) وبطاقات التوازن الرقمي (BSC) – خطط الإنجاز العملية والمراجعة والإجراءات التصحيحية مع التغذية المرتدة، ومن ثم الاحتفال بالإنجاز وإتمام دورة العمل.... الخ.
10- الاستعانة بالخبراء والمستشارين المؤهلين والتأكد من خبراتهم وقصص النجاح!

أرجو أن أكون قد وفقت في كتابة هذا المقال بحيث يعتمد كمرجع مختصر مباشر للمهتمين بتطبيق الجودة الشاملة بكفاءة وتميز.

م/ مهند النابلسي
باحث متخصص في الحيود السداسي
والجودة الرشيقة والتميز المؤسسي
Edara | Home page (http://edara.com/MyAccount/calltoaction.aspx?src=39)