المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَل


الشيخ محمد الزعبي
12-03-2010, 03:26 AM
‏الجمعة‏، 27‏ ربيع الأول‏، 1431/‏12‏/03‏/2010
{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}التوبة:128.{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }129)
لقد جاءكم - أيها الناس - رسول من البشر مثلكم فى تكوينه ، يشق عليه ما يصيبكم من الضرر ، وهو حريص على هدايتكم ، وبالمؤمنين عظيم العطف والرحمة وهو أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ كما قال الله تعالى: ){النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً}الأحزاب:6 ورحم الله القائل:
نبيٌ له جاهٌ سما عـن مماثلٍ وقدرٌ عليٌ لا يقاسُ به قدرُ
رَؤُوفٌ رَحِيمٌ بالبرية من غدا له العِزُّ بَعْدَ اللهِ والمجدُ والذِكرُ
قد انحصرَت فيه المكارمُ كُلُها ولكنْ ندى كفيه ليسَ لهُ حَصْرُ
.فإن أعرضوا عن الإيمان بك - أيها الرسول - فلا تحزن لإعراضهم ، واعتز بربك ، وقل : يكفينى اللَّه الذى لا إله غيره ، عليه - وحده - توكلت ، وهو مالك الملك ، ورب الكون ، وصاحب السلطان العظيم .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوَقَدْ نَارًا فَجَعَلَ الْفَرَاشُ وَالْجَنَادِبُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُمْ عَنْهَا ، وَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأَنْتُمْ تَفْلِتُونَ مِنْ يَدِي )) وفي رواية (( إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش والدواب يتقحمون فيها فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها))القضاعي في مسند الشهاب
عن جابر قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم}(( مثلي ومثلكم كمثل رجلٍ أوقد ناراً فجعلت الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي)) متفق عليه.
((مثلي كمثل رجلٍ استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتمحن فيها قال فذلك مثلي ومثلكم وأنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار فتغلبونني وتقحمون فيها)) وأخرجه الترمذي بنحوه.و أخرجه الحميدي ومسلم والترمذي عنه-: عند أحمد
وأخرجه أحمد ومسلم .
عَنْ أَبِي مُوسَى ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ الْأَرْضَ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ قَدْ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهِ النَّاسَ فَشَرِبُوا مِنْهَا وَرَعَوْا وَسَقَوْا ، وَأَصَابَتْ طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ فَلَا تُنْبِتُ كَلَأً ، كَذَلِكَ مَثَلِي وَمَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دَيْنِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ " * هذا حديث متفق على صحته رواه البخاري في صحيحه: كتاب العلم، باب: فضل من علم وعلّم, ح: (79).ومسلم في صحيحه:
كلمات الحديث
: (مَثَل): بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَة وَالْمُرَاد بِهِ الصِّفَة الْعَجِيبَة لَا الْقَوْل السَّائِر.
(الهُدَى): أَيْ: الدَّلَالَة المُوَصِّلَة إِلَى الْمَطْلُوب.
(الْعِلْم): المُرَاد بِهِ مَعْرِفَة الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة.(الْغَيْث): الْمَطَر.
(نَقِيَّة): طَيِّبَة.(قَبِلَتْ): بِفَتْحِ الْقَاف وَكَسْر الْمُوَحَّدَة مِن الْقَبُول.
(الْكَلَأ): بِالْهَمْزَةِ بِلَا مَدّ, يَقَعُ عَلَى الْيَابِس وَالرَّطْب, وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَابْن فَارِس: الْكَلَأ يَقَعُ عَلَى الْيَابِس, وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ.
(وَالْعُشْب): هُوَ مِن ذِكْر الْخَاصّ بَعْد الْعَامّ ; لِأَنَّ الْكَلَأ يُطْلَق عَلَى النَّبْت الرَّطْب وَالْيَابِس مَعًا, وَالْعُشْب لِلرَّطْبِ فَقَطْ.
وقال النووي: وَأَمَّا (الْعُشْب وَالْكَلَأ وَالْحَشِيش): فَكُلُّهَا أَسْمَاءٌ لِلنَّبَاتِ, لَكِنَّ الْحَشِيش مُخْتَصّ بِالْيَابِسِ, وَالْعُشْب وَالْكَلَأ - مَقْصُورًا - مُخْتَصَّانِ بِالرَّطْبِ.
(الْأَجَادِب): بِالْجِيمِ وَالدَّال الْمُهْمَلَة، وَهِيَ الْأَرْض الَّتِي تُنْبِتُ كَلَأً. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: هِيَ الْأَرْض الَّتِي تُمْسِكُ الْمَاء, فَلَا يُسْرِعُ فِيهِ النُّضُوب.
(وَزَرَعُوا): كَذَا لَهُ بِزِيَادَةِ زَاي مِن الزَّرْع, وَلِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرهمَا عَن أَبِي كُرَيْب: "وَرَعَوْا" بِغَيْرِ زَاي مِن الرَّعْي, قَالَ النَّوَوِيّ. كِلَاهُمَا صَحِيح.
(وَسَقَوْا): قَالَ أَهْل اللُّغَة: سَقَى وَأَسْقَى بِمَعْنًى لُغَتَانِ, وَقِيلَ: سَقَاهُ نَاوَلَهُ لِيَشْرَب, وَأَسْقَاهُ جَعَلَ لَهُ سَقْيًا.
(وَأَصَابَ مِنْهَا طَائِفَةً): أَيْ: المَاء. وَلِلْأَصِيلِيِّ وَكَرِيمَة أَصَابَتْ أَيْ: طَائِفَة أُخْرَى. وَوَقَعَ كَذَلِكَ صَرِيحًا عِنْد النَّسَائِيِّ. وَالْمُرَاد بِالطَّائِفَةِ الْقِطْعَة.
(قِيعَان): بِكَسْرِ الْقَاف جَمْع قَاع، وَهُوَ الْأَرْض المُسْتَوِيَة الْمَلْسَاء الَّتِي لَا تُنْبِت.
(فَقُهَ): بِضَمِّ الْقَاف أَيْ صَارَ فَقِيهًا.
وقال النووي: وَأَمَّا الْفِقْهُ فِي اللُّغَة يُقَالُ مِنْهُ: فَقِهَ - بِكَسْرِ الْقَافِ يَفْقَهُ فقَهًا بِفَتْحِهَا كَفَرِحَ يَفْرَحُ فَرَحًا, وَقِيلَ: الْمَصْدَرُ فِقْهًا بِإِسْكَانِ الْقَاف. وَأَمَّا الْفِقْهُ الشَّرْعِيُّ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالْهَرَوِيّ وَغَيْرهمَا: يُقَال مِنْهُ فَقُهَ بِضَمِّ الْقَاف. وَقَالَ اِبْن دُرَيْد: بِكَسْرِهَا كَالْأَوَّلِ. وَالْمُرَاد بِقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَقُهَ فِي دِين الله) هَذَا الثَّانِي فَيَكُونُ مَضْمُومَ الْقَاف عَلَى الْمَشْهُور, وَعَلَى قَوْل اِبْن دُرَيْد بِكَسْرِهَا, وَقَدْ رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ, وَالْمَشْهُور الضَّمّ.
نظرةٌ في عمومِ الحديثِ:
إنّ الحديث الذي بين أيدينا بيّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث بالعلم والهدى من عند الله تبارك وتعالى إلى الثقلين كافة من الجن والإنس, وشريعتُهُ عامةٌ للجميع, كما أنَّـها نعمةٌ ورحمةٌ للبشريةِ، ويعمُ نفعُها لكلِ أصنافِ البشرِ, ولكنَّ الناسَ في الاستفادةِ من علمهِ وهديهِ صلى الله عليه وسلم يتفاوتون، فَقَد ضَرَبَ لـهذا بـمثلٍ رائعٍ من نزولِ المطرِ على الأرضِ, ومن ثَمَّ الانتفاعُ بِهِ, وقد شرح النووي رحمه الله تعالى هذا الحديث في شرحه لصحيح مسلم فيقول: "أَمَّا مَعَانِي الْحَدِيث وَمَقْصُودُهُ فَهُوَ تَمْثِيلُ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ بِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَيْثِ,
وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْض ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ, وَكَذَلِكَ النَّاس ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ . فَالنَّوْع الْأَوَّل مِن الْأَرْض يَنْتَفِع بِالْمَطَرِ فَيَحْيَى بَعْد أَنْ كَانَ مَيِّتًا, وَيُنْبِتُ الْكَلَأَ, فَتَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ وَالدَّوَابُّ وَالزَّرْعُ وَغَيْرُهَا, وَكَذَا النَّوْع الْأَوَّل مِن النَّاس, يَبْلُغُهُ الْهُدَى وَالْعِلْم فَيَحْفَظُهُ فَيَحْيَا قَلْبُهُ, وَيَعْمَلُ بِهِ, وَيُعَلِّمُهُ غَيْرَه, فَيَنْتَفِعُ وَيَنْفَعُ. وَالنَّوْع الثَّانِي مِن الْأَرْض مَا لَا تَقْبَلُ الِانْتِفَاعَ فِي نَفْسهَا, لَكِنْ فِيهَا فَائِدَة, وَهِيَ إِمْسَاكُ الْمَاءِ لِغَيْرِهَا, فَيَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ وَالدَّوَابُّ, وَكَذَا النَّوْعُ الثَّانِي مِن النَّاسِ, لَهُمْ قُلُوبٌ حَافِظَةٌ, لَكِنْ لَيْسَتْ لَهُمْ أَفْهَام ثَاقِبَةٌ, وَلَا رُسُوخَ لَهُمْ فِي الْعَقْل يَسْتَنْبِطُونَ بِهِ الْمَعَانِيَ وَالْأَحْكَامَ, وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ اِجْتِهَادٌ فِي الطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ بِهِ, فَهُمْ يَحْفَظُونَهُ حَتَّى يَأْتِيَ طَالِبٌ مُحْتَاجٌ مُتَعَطِّشٌ لِمَا عِنْدهمْ مِن الْعِلْم, أَهْلٌ لِلنَّفْعِ وَالِانْتِفَاع, فَيَأْخُذهُ مِنْهُمْ, فَيَنْتَفِع بِهِ, فَهَؤُلَاءِ نَفَعُوا بِمَا بَلَغَهُمْ. وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ مِن الْأَرْضِ السِّبَاخُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ وَنَحْوُهَا, فَهِيَ لَا تَنْتَفِعُ بِالْمَاءِ, وَلَا تُمْسِكُهُ لِيَنْتَفِعَ بِهَا غَيْرُهَا, وَكَذَا النَّوْعُ الثَّالِثُ مِن النَّاس, لَيْسَتْ لَهُمْ قُلُوبٌ حَافِظَةٌ, وَلَا أَفْهَامٌ وَاعِيَةٌ, فَإِذَا سَمِعُوا الْعِلْم لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ, وَلَا يَحْفَظُونَهُ لِنَفْعِ غَيْرِهمْ. وَالله أَعْلَم. انتهى كلام النووي، (المجلد الخامس), 15/47-48.
(والفقه): الفهم، يقول ابن الأثير: "والفقه في الأصل: الفهم، واشتقاقه من الشق والفتح، يقال: فقِه الرجل- بالكسر- يفقه فِقهاً: إذا فهِم وعلِم، وفقُه - بالضم - يفقُه: إذا صار فقيهًا وعالماً، وقد جعله العرف خاصاً بعلم الشريعة، وتخصيصًا بعلم الفروع منها.
فنقول: والمراد في الحديث: الفهم في دين الله، ولا ينصرف لفقه الحلال والحرام فقط، بل يتضمن فقه العقيدة، والأخلاق، والآداب، والتفسير، وغيرها.
وقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيْره: ضَرَبَ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا جَاءَ بِهِ مِن الدِّين مَثَلًا بِالْغَيْثِ الْعَامّ الَّذِي يَأْتِي فِي حَال حَاجَتهمْ إِلَيْهِ, وَكَذَا كَانَ النَّاس قَبْل مَبْعَثه, فَكَمَا أَنَّ الْغَيْث يُحْيِي الْبَلَد المَيِّت فَكَذَا عُلُوم الدِّين تُحْيِي الْقَلْب الْمَيِّت. ثُمَّ شَبَّهَ السَّامِعِينَ لَهُ بِالْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَة الَّتِي يَنْزِل بِهَا الْغَيْث, فَمِنْهُم الْعَالِم الْعَامِل الْمُعَلِّم. فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض الطَّيِّبَة شَرِبَتْ فَانْتَفَعَتْ فِي نَفْسهَا وَأَنْبَتَتْ فَنَفَعَتْ غَيْرهَا. وَمِنْهُم الْجَامِع لِلْعِلْمِ الْمُسْتَغْرِق لِزَمَانِهِ فِيهِ غَيْر أَنَّهُ لَمْ يَعْمَل بِنَوَافِلِهِ أَوْ لَمْ يَتَفَقَّه فِيمَا جَمَعَ لَكِنَّهُ أَدَّاهُ لِغَيْرِهِ, فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض الَّتِي يَسْتَقِرّ فِيهَا الْمَاء فَيَنْتَفِع النَّاس بِهِ, وَهُوَ المُشَار إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "نَضَّرَ الله اِمْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا ".البخاري وَمِنْهُمْ مَن يَسْمَع الْعِلْم فَلَا يَحْفَظهُ وَلَا يَعْمَل بِهِ وَلَا يَنْقُلهُ لِغَيْرِهِ, فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْض السَّبْخَة أَوْ الْمَلْسَاء الَّتِي لَا تَقْبَل الْمَاء أَوْ تُفْسِدهُ عَلَى غَيْرهَا. وَإِنَّمَا جَمَعَ الْمَثَل بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ الْمَحْمُودَتَيْنِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِانْتِفَاع بِهِمَا, وَأَفْرَدَ الطَّائِفَة الثَّالِثَة الْمَذْمُومَة لِعَدَمِ النَّفْع بِهَا. وَالله أَعْلَم.
وَقَالَ الطِّيبِيّ: بَقِيَ مِن أَقْسَام النَّاس قِسْمَانِ: أَحَدهمَا الَّذِي اِنْتَفَعَ بِالْعِلْمِ فِي نَفْسه وَلَمْ يُعَلِّمهُ غَيْره, وَالثَّانِي مَن لَمْ يَنْتَفِع بِهِ فِي نَفْسه وَعَلَّمَهُ غَيْره. قُلْت: وَالْأَوَّل دَاخِل فِي الْأَوَّل لِأَنَّ النَّفْع حَصَلَ فِي الْجُمْلَة وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبه, وَكَذَلِكَ مَا تُنْبِتهُ الْأَرْض, فَمِنْهُ مَا يَنْتَفِع النَّاس بِهِ وَمِنْهُ مَا يَصِير هَشِيمًا. وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ كَانَ عَمِلَ الْفَرَائِض وَأَهْمَلَ النَّوَافِل فَقَدْ دَخَلَ فِي الثَّانِي كَمَا قَرَّرْنَاهُ, وَإِنْ تَرَكَ الْفَرَائِض أَيْضًا فَهُوَ فَاسِق لَا يَجُوز الْأَخْذ عَنْهُ, وَلَعَلَّهُ يَدْخُل فِي عُمُوم: "مَنْ لَمْ يَرْفَع بِذَلِكَ رَأْسًا " وَالله أَعْلَم.
فلا بُدَّ للاهتداءِ من محلٍ قابلٍ، فإذا لم تكنْ في المحلِ صلاحيةٌ لا يَستفيدُ الإنسانُ من آيات الكتابِ والسنةِ, ولذا قيد الله تعالى في القرآن لهدايته بقيود قيد هدايته بأنه هدى للمؤمنين, المتقين, لقوم يعقلون, ويتفكرون, ولمن قصده الحق، وهذا بيان منه تعالى لشرط هدايته، وهو أن المحل لا بُدَّ أنْ يكونَ قابلاً وعاملاً، فلا بُدَّ لـهدايتِهِ من عَقلٍ وتفكيرٍ وتدبرٍ لآياتِهِ، فالمعرضُ الذي لا يتفكرُ ولا يتدبّرُ آياتِهِ لشا ينتفع به, ومن ليس قصده الحق ولا غرض له في الرشاد, بل قصده فاسد، وقد وطّن نفسه على مقاومته ومعارضته، ليس له من هدايته نصيب, فالأول حرم هدايته لفقد الشرط, والثاني لوجود المانع, فأما من أقبل عليه وتفكر في معانيه وتدبرها بحسن فهم وحسن قصد، وسلم من الهوى, فإنه يهتدي به إلى كل مطلوب, وينال به كل غاية جليلة ومرغوب".وهكذا سنّةُ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم يستفيد منها من كان فيه خيرٌ, فقد بينه بأسلوبٍ شيقٍ وبكلامٍ جذابٍ, فحريٌ بالمعلمِ عامةً وبطالبِ العلمِ خاصةً أن يطلب العلمَ, ويتفقهَ فيه, ويعملَ بِهِ, ويُعلمُهُ غيرَهُ.
ضرب الأمثلة: أثرها واستعمالها في القرآن والسنة:
إن الأمثال لها تأثيرٌ بالغٌ على الإنسانِ؛ لذا نرى في الكتابِ والسنةِ كثيراً ما يستشهد بـها, ويُستفادُ منها في أمورٍ كثيرةٍ: في التذكيرِ، والنصحِ, والوعظِ, والحثِ, والترغيبِ, والترهيبِ، والتعليمِ، والتربيةِ، والزجرِ, والاعتبارِ, والتقريرِ, وتقريبِ المرادِ للعقل, وتصويرِهِ بصورةِ المحسوسِ, فإن الأمثالَ تُصورُ المعاني بصورةِ الأشخاصِ؛ لأنها أثبت في الأذهان لاستعانة الذهن فيها بالحواس, ومن ثم كان الغرض من المثل تشبيه الخفي بالجلي, والغائب بالشاهد. يقول الله تعالى: { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } [سورة الزمر: 27].وقال أيضاً: { وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43].
يقول أحدُ العلماءِ في تفسير هذه الآية: أي: "لأجلهم ولانتفاعهم وتعليمهم لكونـها من الطرق الموضحة للعلوم, ولأنـها تُقربُ الأمورُ المعقولة بالأمورِ المحسوسةِ, فيتضحُ المعنى المطلوبُ بسببها, فهي مصلحةٌ لعمومِ الناس.وقد كتب العلماء في تصانيفهم كثيرًا عن تأثير هذا النوع من الأسلوب, فيقول الزمخشري: "التمثيل إنما يصار إليه لكشف المعاني، وإدناء المتوهم من الشاهد, فإن كان المتمثل له عظيمًا كان المتمثل به مثله, وإن كان حقيرًا كان المتمثل به كذلك".
وقال الأصبهاني: "لضرب العرب الأمثال واستحضار العلماء النظائر شأن ليس بالخفي, في إبراز خفيات الدقائق, ورفع الأستار عن الحقائق, تريك المتخيل في صورة المتحقق, والغائب كأنه مشاهد, وفي ضرب الأمثال تبكيت للخصم الشديد الخصومة, وقمع لسورة الجامح الأبي, فإنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثر في وصف الشيء في نفسه".
وقد أكثر الله تعالى في كتابه الأمثال. مثل قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [سورة البقرة: 17-20]. ضرب الله فيها مثلين للمنافقين: مثلاً بالنار, ومثلاً بالمطر.يقول الطبري: مثل استضاءة هؤلاء المنافقين في إظهارهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بألسنتهم من قولهم: آمنا بالله وباليوم الآخر, وصدقنا بمحمد وبما جاء به, وهم للكفر مستبطنون فيما الله فاعل بهم مثل استضاءة موقدٍ نارًا بناره, حتى أضاءت له النار ما حوله, يعنى ما حول المستوقد.
وقال أيضا: وتأويل ذلك: مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام مع استسرارهم الكفر, مثل استضاءة موقد نارٍ بضوء ناره, على ما وصف جل ثناؤه من صفته, أو كمثل مطر مظلم ودقه تحدر من السماء, تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة, وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه. وقوله تعالى: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [سورة البقرة: 266].
روى البخاري عند تفسير هذه الآية: عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ الله عَنْهُ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ } ؟ قَالُوا: الله أَعْلَمُ. فَغَضِبَ عُمَرُ. فَقَالَ: قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ أَخِي قُلْ: وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: أَيُّ عَمَلٍ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ. قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ بَعَثَ الله لَهُ الشَّيْطَانَ فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أعماله. وقوله تعالى: { أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ } [سورة الرعد: 17].
قال القرطبي: ضرب مثلاً للحق والباطل؛ فشبه الكفر بالزبد الذي يعلو الماء, فإنه يضمحل ويعلق بجنبات الأودية, وتدفعه الرياح, فكذلك يذهب الكفر ويضمحل.
وقال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [سورة العنكبوت: 41].
يقول الشيخ السعدي: "هذا مثل ضربه الله لمن عبد معه غيره, يقصد به التعزّز والتَّقَوِّي والنفع, وأن الأمر بخلاف مقصوده, فإن مثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتًا يقيها من الحر والبرد والآفات, { وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ } أضعفها وأوهاها { لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ } . فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة, وبيتها من أضعف البيوت, فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفًا,كذلك هؤلاء الذين يتخذون من دونه أولياء, فقراء عاجزون من جميع الوجوه, وحين اتخذوا الأولياء من دونه يتعززون بهم ويستنصرونهم, ازدادوا ضعفًا إلى ضعفهم, ووهناً إلى وهنهم.
وكذا نجد الأمثال تستعمل بكثرة في السنة, فإليك البعض منها :
"فعَن ابْنِ عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَثَلُ المُنَافِقِ: كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ؛ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً، وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً"(1).
(الْعَائِرَة) أَيْ: الْمُتَرَدِّدَة بَيْن قَطِيعَيْنِ مِن الْغَنَم، وَهِيَ الَّتِي تَطْلُب الْفَحْل فَتَتَرَدَّد بَيْن قَطِيعَيْنِ وَلَا تَسْتَقِرّ مَعَ إِحْدَاهُمَا, وَالْمُنَافِق مَعَ الْمُؤْمِنِينَ بِظَاهِرِهِ وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ بِبَاطِنِهِ تَبَعًا لِهَوَاهُ وَعَرْضه الْفَاسِد فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ تِلْكَ الشَّاة.رواه مسلم
وعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ, _ ثَمَر مَعْرُوف يُقَال لَهَا: تُرُنْج جَامِع لِطِيبِ الطَّعْم وَالرَّائِحَة وَحُسْن اللَّوْن وَمَنَافِع كَثِيرَة._ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ, وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ, وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرّ". رواه البخاري.
قال ابن حجر: قِيلَ: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْأُتْرُجَّة بِالتَّمْثِيلِ دُون غَيْرهَا مِن الْفَاكِهَة الَّتِي تَجْمَع طِيب الطَّعْم وَالرِّيح كَالتُّفَّاحَةِ لِأَنَّهُ يُتَدَاوَى بِقِشْرِهَا وَهُوَ مُفْرِح بِالْخَاصِّيَّةِ, وَيُسْتَخْرَج مِن حَبِّهَا دُهْن لَهُ مَنَافِع, وَقِيلَ: إِنَّ الْجِنّ لَا تَقْرَب الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْأُتْرُجّ, فَنَاسَبَ أَنْ يُمَثِّلَ بِهِ الْقُرْآن الَّذِي لَا تَقْرَبهُ الشَّيَاطِين, وَغِلَاف حَبّه أَبْيَض فَيُنَاسِب قَلْب الْمُؤْمِن, وَفِيهَا أَيْضًا مِن الْمَزَايَا كِبْر جُرْمهَا, وَحُسْن مَنْظَرهَا, وَتَفْرِيح لَوْنهَا, وَلِين مَلْمَسهَا, وَفِي أَكْلهَا مَعَ الِالْتِذَاذ طِيب نَكْهَة وَدِبَاغ مَعِدَة وَجَوْدَة هَضْمٍ, وَلَهَا مَنَافِع أُخْرَى مَذْكُورَة فِي الْمُفْرَدَات.
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

monyhussein
26-05-2014, 07:07 PM
ياااااااااااااااااااااااااااااااااااااااارب

monyhussein
26-05-2014, 07:09 PM
يااااااااااااااااااااااااااااااااارب