المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكلب لا يبول إلا على الحائط المائل!


نبيل القيسي
22-08-2016, 06:50 AM
عندما أرادَ الشيخ محمد الغزالي - رحمة الله عليه - توصيفَ جُرأة الآخرين على الدِّين الإسلامي وأهلِه، ذَكَّرنا بالْمَثَل القائل: "الكلب لا يبول إلاَّ على الحيطة المائلة".

وهذا التوصيفُ ينطبق على حال القِس الأمريكي المغمور "تيري جونز"، الذي أرادَ حَرْق نُسخ من القرآن الكريم؛ بدعوى أنَّه يدعو للإرهاب والتطرُّف، ولَمَّا سُئل: هل قرأتَه؟ قال: لا، فكيف حَكَم على شيء يجهلُه، والمفروض أنَّه رجلُ دينٍ؛ أي: لا يأخذ بالشُّبهات، ولا يأخذ بالقِيل والقال، فالرجل اتَّهم نفسَه بعدم الإنصاف والجهْل دون أن يدري.

وهذا حالُ الغرب عندما يتعلَّق الأمر بدراسة الإسلام، فالقوالب عنده ثابتةٌ لا تتغيَّر، وقائمة الاتهامات سابقةِ التحضير طويلةٌ؛ من دينٍ للإرهاب انتشرَ بالسيف، إلى دينٍ يدعو للشهوات ويحتقرُ المرأةَ، إلى قرآنٍ ألَّفه محمدٌ - عليه الصلاة والسلام - أو أخذَه من اليهود، أو مِن أساطير الأوَّلين وغيره.

والعجيبُ أنَّ الغربي حين يَدرس البوذيَّة أو الهندوسيَّة، أو الكونفوشوسيَّة أو الزرادشتيَّة، وغيرها من تلك الديانات الوثنيَّة، يُخضعُها للبحث العلمي المجرَّد، ويتعاملُ معها بإنصافٍ شديد، بعيدًا عن العصبيَّة أو التحيُّز أو الأفكار المسبقة، ولكن عندما يتعلَّق الأمرُ بالإسلام، ينسى الباحثُ الغربي كلَّ ما أَلْزمَ به نفسَه من أُسس علميَّة عند دراسته للديانات الأخرى، ويضع النتائج المسبقة، ثم يبحثُ عن أدلَّتِها بِلَيِّ عُنق النصوص وإخراجِها عن سياقها، أو بالاستشهاد بآراء شاذَّةٍ، هي عند علماء المسلمين لا مكانَ لها إلاَّ في سَلة المهْمَلات.

وهذا القِس لم يقرأ القرآن - كما يقول - وهدَّد بحَرْقه؛ لعِلْمه أنَّ المسلمين لا وزْنَ لهم، ولن يضرُّوه في شيء.

وهذا واقعُ المسلمين الذي لا ريبَ فيه، وهو واقع يناقضُ أيَّام أن بعثَ هارون الرشيد - رحمة الله عليه - إلى إمبراطور الروم - لَمَّا أَسَر جنديًّا مسلمًا - رسالة جاء فيها: "من هارون الرشيد أمير المؤمنين، إلى كلب الروم - وفي رواية: إلى الكافر ابن الكافر ابن الكافرة - أَعِدِ الجُندي مع حامل الرسالة، وإلاَّ أَتيتُك بجيشٍ أوَّله عندك، وآخره عندي"، فما كان من الإمبراطور إلاَّ أنْ أعادَ الجندي مع صاحب الرسالة.

فالغربُ يتعاملُ مع الإسلام من واقعِ الحِقْد والحسد والبغض، ولنُدلِّل على ما بالغرب مِن ضغينة مكتومة بتصريح لمسؤولٍ في الخارجية الفرنسية، قال عام 1952م: "إنَّ العالم الإسلامي عملاق ومُفيد، ولم يكتشفْ نفسَه حتى الآن اكتشافَّا تامًّا، وهو حائرٌ قَلِق ضائقٌ بتخَلُّفه وانحطاطه، وإنْ كان يعاني من الكسل والفَوْضَى، غير أنَّه راغبٌ في مستقبلٍ أحسنَ، وحرية أوفر، وعلينا أن نبذلَ كلَّ جهودنا؛ حتى لا ينهضَ ويحققَ أمانيه؛ ذلك أنَّ فشلنا في تعويق نهضته يُعرِّضُنا لأخطار جسيمة، ويجعل مستقبلَنا في مَهبِّ الريح.

إنَّ صحوة العالَم العربي وما يتبعه من قوى إسلاميَّة كبيرة، تنذرُ بكارثة للغرب، ونهاية لوظيفته الحقيقية في العالَم".

وقبل بذاءات القِس الأمريكي، كانت الصور المسيئة للرسول - صلى الله عليه وسلم - التي نشرتْها صحيفة دنمركيَّة، وتَبعتها باقي الصحف الأوربيَّة، وأثارت الصور احتجاجاتٍ ضخْمةً لدى المسلمين، بالرغم من أنَّها لم تكنْ أبدًا أعلى درجات سُلَّم التشهير بالإسلام والمسلمين، ولكن تصادف تلك المرة أنْ كانتْ تَردُّدات جهاز الاستقبال عند المسلمين في أقْصى درجاتها، ولا تزال أعاصير التشهير، وموجات التهديد، وفيضانات التنكيل بالإسلام والمسلمين، وبراكين الحِقد والضغينة على الإسلام وأهلِه، وزلازل النقمة والغضب، وشلالات الكَيد والدسيسة - مستمرةً منذ ما يزيد على 14 قرنًا، وهي تتنوَّع في صور عديدة، وتأتي كلَّ يومٍ بفيروسات أشدّ فَتْكًا، وأمراض مُزمنة.

فالسيناتور الأمريكي "توم تنكريدو" - عضو الكونجرس الأمريكي عن ولاية "كولورادو" - ألقى يومًا بواحدة من هذه البراكين، عندما قال: "سندمر مكة، ونُسَوِّي قِبلة المسلمين ومسجدهم الحرام بالتراب، وسنزيل أماكنَهم المقدَّسة من على الخريطة".

ولا أحسبُ أنَّ أحدًا من المسلمين على هذا المستوى طالَبَ قطُّ بتدمير الفاتيكان أو كنيسة المهْد.

ولَمَّا اعترف "مارشيلو بيرا" - رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي سابقًا - بأنَّ هناك صِدامَ حضارات بين الغرب والإسلام، غَضِب "روبرتو كالديرولي" - وزير الإصلاحات الإيطالي - ليس لأنَّ الأوَّل تحدَّثَ عن صِدام الحضارات؛ ولكن لأنَّه أساءَ عندما بالَغَ ووصَفَ الإسلام بالحضارة.

وشيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي، الذي لم يعتبرْه أحدٌ يومًا مُناوئًا للغرب أو مُعاديًا له؛ بل على العكس اتُّهم بمهادنة الغرب على حساب دين المسلمين، وإصدار فتاوى تؤيِّد مواقف الغرب الكافر، اعتبرته صحيفة "أفنبيري" الإيطاليَّة - المعبِّرة عن رجال الدِّين النصراني - رئيسَ أكبر هيئة إسلاميَّة تشرِّع لِمَا وصفتْه بالإرهاب الانتحاري.

فلقد سيْطرتْ كراهية المسلمين على عقول وعيون الناس، والحكومات وأجهزة الإعلام في الغرب، فكلُّ مَن شَهِد أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، يُعتبر بدويًّا وقاتلاً، ووحشيًّا وإرهابيًّا، ومُغتصِبًا للنساء.

أصبح على المسلم أن يختارَ صورة من اثنين؛ إما صورة الإرهابي، أو صورة شهريار، دون هذه الخلفيَّة لا يُمكن فَهمُ ما يُنشر من كتابات ورسومات تَسْخر من الدِّين الإسلامي ورسوله الكريم، وليس صحيحًا أنَّ صحف الدنمرك هي التي بدأتْ بتلك السخرية المؤْلِمة، أو هي وحْدَها التي تَنفردُ بها، فما نشرتْه من رسومات يُعَد قطرة في بحر، وشجرة في غابة، فلا تُوجد صحيفة واحدة في الغرب لم ترتكبْ تلك الخطيئة، إنَّ باب: "اضحكْ مع محمد" بابٌ ثابتٌ في كثيرٍ من الصحف النيوزيلانديَّة، ويحتاج هذا الباب إلى أعصاب قويَّة ونحن نتأمَّل رسوماته، والسيدة عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - عليه الصلاة والسلام - وابنة صاحبه أبي بكر، تأخذُ حظَّها من السخرية، فهناك كاريكاتور يصوِّرها طفلة صغيرة تضعُ حقيبة المدرسة وراء ظهْرِها، وتنظرُ بفزعٍ إلى امرأتين منتقبتين بجانب الرسول - صلى الله عليه وسلم.

وفى تلك الصحف كذلك مسلسل كاريكاتوري يصوِّر النبيَّ - الذي أرسَلَه الله رحمةً للعالمين، وليس للمسلمين فقط - وهو يردُّ على رسالة جاءتْه على بريده الإلكتروني عن الرسوم الكاريكاتوريَّة التي تُسيء إليه، ورأْيه في التعامُل مع الرسَّامين الذين فعلوا ذلك، فكان الردُّ: هل أنت غبي؟ ألاَ تقرأ كلامَ الله الذي يقول: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140]؟

ثم يستطرد: هل يُمكن أنْ ترسلَ لي نسخة من تلك الرسومات؛ إنَّ الصحف تأتي إلينا متأخِّرة.

جريمة عالمية منظمة:
وهذه العيِّنة الوقِحَة من الرسومات الساخرة، وبعدها موقف القِس الأمريكي "تيري جونز"، هي أسهل ما يُمكن العثور عليه على شبكة الإنترنت، وربَّما كانتْ رسومات صحيفة "بولاندس بوست" الدنمركية التي نشرت الرسوم المسيئة للرسول - عليه الصلاة والسلام - رغم سخافتها، أرحمَ منها، ولعلَّ ما يفعلُه الشيعة الروافض في لندن، وعلى رأْسهم الزنديق "ياسر الحبيب" الذي احتفل بموت الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق عائشة - رضي الله عنها - أُمِّ المؤمنين، ووقَفَ الخبيث وهو يأتي باستشهادات وأدلِّة شيطانيَّة على أنَّ أمَّ المؤمنين مُخلدة في نار جهنم، وأنَّها مُعلَّقة الآن من قَدَميها في النار، فكأنَّ الجريمة البشعة التي ترتكبُ في حقِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصَحْبه الكِرام، وأزواجه الأطهار، هي جريمة عالمية مُنظمة، تعكسُها كراهية المسلمين، وتشعلُها الحربُ الثلاثية: الصليبية "النصرانيَّة"، الماسونيَّة "اليهوديَّة"، الشيعيَّة الرافضيَّة "الخمينيَّة الإيرانية"، التي تُشَنُّ ضدَّ الإسلام والمسلمين باسم مقاومة الإرهاب والقضاء عليه.


عبدالفتاح أنور البطة