المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العامريون في بلنسية


المراقب العام
11-09-2016, 01:25 PM
http://islamstory.com/sites/default/files/styles/300px_node_fullcontent_img/public/16/09/35/blensya_0.gif

من هم الفتيان العامريون؟
الفتيان العامريون هم الفتيان الصقالبة من موالي الحاجب المنصور محمد بن أبي عامر. برز من هؤلاء عدد كان لهم شأن ونفوذ كبيرين في عهد المنصور وخلفائه، وبعد سقوط الخلافة الأموية في الأندلس والدولة العامرية بقرطبة لوحق الفتيان العامريون في كل مكان وجدوا فيه، فمنهم من قُتِلَ أو سُبِيَ، ومنهم من اختفى مترقبًا ما يجود به الدهر عليه، وانفرد منهم عدد استولوا على بعض المعاقل أو القلاع واعتصموا بها. وقد تميزت دول الطوائف التي قامت في شرقي الأندلس بغلبة العنصر الصقلبي ودوره في تكييف أحداثها. وكانت هذه العناصر الصقلبية التي ألفت في شرقي الأندلس، ميدانًا لنشاطها وأطماعها، هي نفس العناصر التي ظهرت بادىء ذي بدء في ميدان الفتنة القرطبية، وساهمت في أحداثها.

المبارك والمظفر العامريان الصقلبيان:
وكانت بلنسية أعظم قواعد الشرق الأندلسي ومركز تجاذب السلطة، وكان الصراع على النفوذ فيها متواضعًا في أول الأمر، ولم يلبث أن شمل شرقي الأندلس كله، فلما اضطرمت الفتنة في قرطبة وانهارت الدولة العامرية أوائل سنة 399هـ / 1009م، وانتزع محمد بن عبد الجبار المهدي الخلافة من هشام المؤيد، كان على بلنسية أحد الفتيان العامريين هو مجاهد العامري، فثار عليه عبدان من عبيد العامريين، هما المبارك والمظفر الصقلبيان اللذان كانا موكلين بشؤون الري في منطقة بلنسية، فاستقلا بها وحكماها شراكة، ونزلا في قصر الإمارة مختلطَين تجمعهما في أغلب الأحيان مائدة واحدة، ولا يميز أحدهما من الآخر في كسوة أو حلية أو مركوب.

وكان لمبارك التقدم في المخاطبة لصرامته ودماثة المظفر وانصياعه لزميله في سائر الأمور. وبلغت جباية بلنسية وشاطبة في عهدهما مائة وعشرين ألف دينار في الشهر. غير أنهما لم يقصرا في تحصين بلنسية فقويت شوكتها، ووفد الناس عليها بأموالهم، وابتنوا المنازل والقصور الفخمة فيها، والرياض الزاهرة، وكان مبارك ومظفر قدوة في ذلك، فأنشآ القصور الفخمة، واقتنيا نفيس المتاع والرياش والآلات. وكان موكبهما إلى المسجد الجامع ببلنسية، يذكر الناس بفخامته وأناقته، وفاخر ما يرتديانه من اللباس، بمواكب مولاهما عبد الملك المظفر ابن المنصور نفسه.

كما وفد إلى بلنسية كثير من الموالي والصقالبة من الفرنجة والبشكنس وغيرهم من العبيد الآبقين من أنحاء الأندلس، وكان من هؤلاء الصقالبة، الوافدين المشردين، كثير من الفرسان الشجعان، وانتسب معظمهم إلى ولاء بني عامر، واكتسبوا بذلك نفوذًا. ووفد على المدينة أيضًا كثير من أرباب المهن والحرف، وكان لذلك كله أثره في تقدم العمران والرخاء بالمدينة.

وكان من أهم أعمال مبارك العسكرية محاربته لمنذر بن يحيى التجيبي صاحب سرقسطة. وذلك أن الفتى لبيبًا العامري كان يحكم طرطوشة من أعمال الثغر الأعلى، فثابت لمنذر رغبة في الاستيلاء عليها، وهاجمها، ففر عنها لبيب وسار إلى بلنسية واستغاث بمبارك، فخرج معه في خمسمائة من خيرة فرسانه، ولقيهم منذر فغلبوا عليه وهزموه هزيمة شنيعة. وعاد مبارك إلى بلنسية ظافرًا، واستفحل أمره، ودانت له جماعة الموالي.

واستمر مبارك ومظفر في حكم بلنسية بضعة أعوام، من سنة 401هـ إلى وفاة المظفر سنة 409ه، واستمر مبارك من بعده، فترة يسيرة. وفي ذات يوم خرج للنزهة فحدث حين عبوره فوق قنطرة النهر، أن عثرت به فرسه، فسقط منها، واصطدم ببعض أخشاب خرجت من القنطرة فشج وجهه وبطنه ومات لساعته.

ومن الغريب أن مباركًا ومظفرًا بالرغم من جهلهما، وبعدهما عن ميدان التفكير والأدب، كانا يستخدمان في بلاطهما طائفة من كتاب العصر النابهين مثل ابن التاكرني، وابن مهلب، وابن طالوت، وكانا يرتبان هؤلاء الكتاب في دولتهم على نسق مشيخة الوزراء في قرطبة، ويرجعان إلى رأيهم ومشورتهم في معظم الأمور، وكانا يعملان في حكم بلنسية مستقلين تمام الاستقلال، لا يعترفان في ذلك برياسة قرطبة أو غيرها.

ومما هو جدير بالذكر أيضًا أن مباركًا ومظفرًا كان لهما نصيب من مديح الشعر المعاصر، وقد مدحهما شاعر العصر، أبو عمر بن درّاج القسطلي بقصيدة رائعة هذا مطلعها:

ورياك أم عرف المجــــامر أشعلت *** بعـود الكباء والألوَّة ناركِ
ومبسمك الوضاح أم ضوء بــــــارق *** حداه دعائي أن يجود دياركِ
وطرة صبح أم جبينك سافـــــــــــــــرًا *** أعرت الصباح نوره أم أعاركِ

حكم لبيب ومجاهد العامريَّيْن:
حكم بلنسية بعد وفاة الشريكين الفتى لبيب العامري صاحب طرطوشة مدة سنتين، وهو فتى صقلبي آخر من العامريين، وشاركه في حكمها مجاهد صاحب دانية، وكانت الخطبة تصدر باسميهما، ثم دب الخلاف بينهما ففر لبيب إلى طرطوشة واستأنف رياسته بها، وانفرد مجاهد بحكم بلنسية مع حكمه لدانية في نفس الوقت.

ولاية عبد العزيز المنصور بن عبد الرحمن شنجول العامري:
ولم يلبث أن ثار على مجاهد العامري بقية الفتيان العامريين، وبايعوا أحد أحفاد المنصور هو أبو الحسن المنصور عبد العزيز بن الناصر عبد الرحمن سنشول العامري (ت452هـ)، وذلك في سنة 411هـ / 1021 م، الذي يعدّ أول سلاطين الدولة العامرية في بلنسية.

نشأ بقرطبة وكان أبوه قد منحه لقب الحاجب وهو طفل ونعته بسيف الدولة، فلما نُكِبَ أبوه وقتل نحو سنة 380هـ استقر بسرقسطة في كنف صاحبها منذر بن يحيى التُّجيبي، ولما خلت بلنسية من أميرها كاتبه أهلها وولوه أمرهم سنة411هـ، وتوطد سلطانه من غير منازع، وجمع شمل المشردين من أهل بيته فآواهم، وأغدق عليهم، واستخدم في ديوانه أربعة من أشهر كتاب عصره، كانوا يعرفون بالطبائع الأربع، وهم ابن طالوت، وابن عباس، وابن عبد العزيز، وابن التاكرني كاتب رسائله. ولما أعلن القاضي ابن عباد صاحب إشبيلية في سنة 426هـ / 1035م ظهور هشام المؤيد ودعا لخلافته، كان عبد العزيز المنصور في مقدمة الأمراء الذين بايعوه، واعترفوا بخلافته.

وكان على علاقات طيبة مع ملوك الإسبان النصارى، ولاسيما فرناندو الأول ملك قشتالة لقرابته منه عن طريق جدته. وتمكن بحنكته وإصراره من ضم كثير من البلاد إلى مملكته، فكانت له بلنسية وشاطبة ومرسية وألمرية وجزيرة شُقر. واستطالت إمارة عبد العزيز المنصور لبلنسية زهاء أربعين عامًا. ثم توفي في شهر ذي الحجة سنة 452هـ / يناير 1061م.

إمارة عبد الملك بن عبد العزيز المنصور:
وقام بالأمر من بعده ولده عبد الملك (ت نحو 458هـ) بإجماع أهل الدولة، وبويع في بلنسية وشاطبة، واستقر في بلنسية، ولقب بنظام الدولة، وبالمظفر. وكان حدثًا يافعًا، فتولى تدبير الدولة، وزير أبيه أبو عبد الله محمد بن مروان بن عبد العزيز القرطبي المشهور بابن رويش، وكان رجلا وافر العلم والحنكة، فأحسن تدبير الأمور، واستقر على يديه النظام والأمن، بالرغم مما كانت تعانيه بلنسية من نقص في المواد والرجال، وفساد في الأعمال. وكان يمالئ المأمون يحيى بن ذي النون صاحب طليطلة، الذي كان والد زوجة عبد الملك، ويتعاطف معه ويدعمه.

بلنسية تحت حكم المأمون بن ذي النون بطليطلة:
ثم طمع المأمون بن ذي النون في مملكته بعد أن ساءت سيرته، حيث كان عبد الملك حسبما يخبرنا ابن حيان: "منهمكًا في الشراب، غاربًا عن الخصال المحمودة مع رقة الديانة ونقص المروءة، وكثرة الاستمهال، والانحطاط في مهاوي اللذات"، كما وبالغ في إهانة ابنة المأمون، فقبض عليه وأخرجه مع ابنه إلى حصن إقليش سنة 457هـ فأقام به مدة قصيرة إلى أن مات، وضُمَّت بلنسية إلى مملكة بني ذي النون في طليطلة، وكان ذلك في ْشهر ذي الحجة سنة 457هـ / نوفمبر سنة 1065م، واستخلف المأمون عليها الوزير أبا بكر بن عبد العزيز (ابن رويش)، وكان أبو بكر مثل أبيه عالمًا حازمًا. فضبط بلنسية، وسار في حكمها سيرة حسنة، واتبع الرفق والعدل، وأجزل العطاء للعمال والجند.

بلنسية تحت حكم القادر بن ذي النون:
وبعد وفاة المأمون سنة 467هـ قام بالأمر من بعده حفبده القادر يحيى بن ذي النون، فظهر عجزه عن تصريف الأمور، وبدأت بلنسية تستقل بنفسها شيئًا فشيئًا، واستعان القادر بألفونسو (الإذفنش) السادس ملك قشتالة كي يسترد سلطته على المدينة، فلم يتردد في مساندته مقابل تسليمه طليطلة، وانتهى الأمر به إلى تسليم عاصمته إلى الإسبان سنة 478هـ، وقامت دولة ذي النون الثانية في بلنسية تحت حراب الإسبان وتسلُّطهم حتى سنة 495هـ حين استردَّها المرابطون.

المراجع:
- محمد عبد الله عنان: دولة الإسلام في الأندلس، الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة: جـ2، ط4، 1417هـ - 1997م.
- محمد وليد الجلاد: العامريون في بلنسية، الموسوعة العربية العالمية.



قصة الإسلام