المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شيخ اليمامة وروحه الجامعة!


المراقب العام
30-10-2016, 01:04 PM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

شيخ اليمامة وروحه الجامعة!






يوجد في المملكة العربية السعودية رجالات كبار لم يعرف الناس عنهم إلا القليل، وواجب على المحيطين بهم تجلية سيرهم من شتى جوانبها؛ كي تستفيد الأجيال، وتدفع عن أهل الخليج ونفطهم ما علق بهم من افتراءات، ونقص تصور، وجور في الحكم. ومن هذه الشخصيات مع حفظ المكانات والألقاب: صالح الحصين، وعبد الله الطريقي، وعبد الله عمر نصيف، وعبدالعزيز الخويطر، وعبد الله التركي، ومحمد بن لادن، وسالم بن محفوظ، وسليمان الراجحي، وعبد الله السليمان، ومحمد الصبان، ومحمد النويصر، وعبد الرحمن الدوسري، وعبد العزيز الصقير، والقائمة تطول، رحم الله الميت، ونفع بالحي.

ومن أبرز الشخصيات التي لا يعلم الناس عنها شيئاً كثيراً، شخصية شيخ اليمامة الشيخ عبد العزيز العبد المحسن التويجري، أحد أهم رجال الدولة السعودية خلال أزيد من ستين عاماً، والشخصية المحورية في حياة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز آل سعود؛ ويكاد أن يكون الرجل الوحيد من خارج العائلة الحاكمة الذي يتصرف وكأنه واحد منها، وهذا من دهائه البالغ، وتمكنه الكبير، والثقة التي حازها من رئيسه وإخوانه.

وعن هذه الشخصية ذات الأبعاد المتنوعة، نهضت همة كاتب عراقي مشهور، بصدق ومحبة وإعجاب، مع حسن نقل وجمال تفسير، فألف حسن العلوي كتاباً احتفائياً عنوانه: عبدالعزيز التويجري: الروح الجامعة، وهو من منشورات دار الزوراء بلندن، صدرت الطبعة الأولى منه عام(2008 م)، وعدد صفحاته(358)صفحة من القطع المتوسط، ويتكون الكتاب من إهداء، ومقدمة، ثم أربعة عشر قسماً، فالملاحق ثم الفهرس، ولم أجده معروضاً في مكتبة أو عبر المتاجر الإليكترونية! وأهدى لي نسخة منه صديق كبير كريم محب دامت معاليه.

ومن الطبيعي جداً أن يهدي العلوي كتابه للملك عبد الله، وكان توقيع الإهداء في أول يوم من يناير عام 2008م، وأشار المؤلف في مقدمته التي عنونها بأقدار الكتابة إلى أنه فرغ من التأليف عام 1997م، ولكنه أرجأ نشره إلى مشيئة الله موافقة لرغبة ملحة من الشيخ التويجري الذي لم يكن يطرب للثناء خاصة بعد أن خبر الدنيا والناس. وذكر الكاتب بأن التويجري مطوع عصري، وروح جامعة، حضر إلى مجلسه الدهاة والعصاة، والمعارضون والموالون، واليسار مع اليمين، وختم المقدمة التي حوى بطنها كثيراً من المعاني قائلاً: إن الشيخ عقل حر، وحركة حرة، وسيصعب على غير الأحرار أن يسبروه.

وعناوين أقسام الكتاب جميلة ومعبرة، وربما أن العلوي قبس من صاحبه طريقته الخاصة في العناوين الطويلة اللافتة للأنظار، ويحمل القسم الأول عنوان استبطان الذات: شخصية مركبة لتيار البساطة السياسية، ويجزم الكاتب بأن جليس الشيخ سيعرف بعد عشر جلسات أنه لن يفهم أحد هذه الشخصية على حقيقتها إلا بأدوات خاصة لا يمتلكها إلا من خبر أكابر الساسة، وعرف طريقة فحول المفكرين والأدباء، ويعود سبب ذلك إلى أن التويجري صاحب أدوار متعددة؛ وبالتالي فليس له سمة واحدة، وحكم العلوي جاء بعد صحبة لصيقة طوال سبعة عشر عاماً.

وألمح المؤلف إلى جلوس الشاب التويجري عند شيخ تحت ظل شجرة؛ يتعلم منه، ويقبس من حكمته ونهمه للقراءة، وكنت قد قرأت مثل هذا الخبر في لقاء قديم مع أبي عبد المحسن في مجلة الرجل، ولم يكشف في اللقاء عمن يكون هذا الشيخ الذي فتح عينيه على عالم الفكر والثقافة! حتى عبر عالم التعصب إلى رحاب علاقات مع المختلفين والمشاكسين؛ مع أن البيئة النجدية الصحراوية قلما تحظى بهذا الانفتاح في ذلك الزمن.

ويجزم العلوي بأن معرفة الشيخ طريق محاطة بديواني المتنبي والمعري، والشوقيات والعبقريات، وحينها سيصبح الجليس صديقاً ثم عارفاً، وما أحوج الناس إلى سبر أغوار الشخصيات المهمة والمؤثرة، ومعرفة مفاتيحها، وطريقتها كي نجيد فهمها، ومن ثم التعامل معها ومع طرحها؛ حتى لا نظلم أو نُظلم. وللشيخ أسلوبه الخاص الذكي إذ يطرح السؤال تاركاً للقارئ حرية التفكير ومسؤولية الإجابة، وهذا أسلوب آمن لإيصال الفكرة دونما تبعة أو مصادمة.

ولأن شيخ اليمامة عاش بين الأشواك فلم تعد الوخزات تجفله، ولذا لا يستفزه رأي حاد، ولا يفجعه خبر مفاجئ، وتعلم بأن الجمع بين النقيضين أفضل من التفريط بأحدهما؛ وهذه صفة صعبة، ومتقلبة الأوجه، وقليل من يحسنها، وأقل منه من ينجو من عقابيلها.
وكان مجلسه أشبه بهايد بارك عربي، وهو فيه الدبلوماسي الحازم، كأنه وزارة متحركة، أو سفارة متنقلة، يستعرض شؤون العرب، ويجمع المتعارضين وربما المتخاصمين في جو من التوقير والألفة، وهذه الجلسات الفكرية أجمل استجمام يحظى به، وقد خلط السياسة مع الفكر والأدب، وظل مع ذلك لا يعترف بصلاحياته، ويتواضع في تقدير ملكاته؛ بيد أن البصراء تيقنوا حينها أن الصيد كله في جوف الفراء.

وقد منحه هذا المجلس إلماماً عميقاً بالواقع العربي، وتفويضاً غير مكتوب للقيام بأدوار الوساطة والشفاعة التي شهدتها أروقة العواصم العربية الكبرى؛ بل كان طرفاً أساسياً في التقريب بين الرياض وأحد أهم أطياف المعارضة الشيعية في الخارج، ومثلما كان مجلسه في الرياض من حيث الحضور والحيوية والتنوع، فكذلك مجالسه خارج المملكة، وكأنه غدا مُبايعاً من أحرار العرب لتمثيلهم، وردم الهوة بينهم وبين حكوماتهم، وللشيخ ولع ظاهر بالصلح والسلم وإصلاح ذات البين.

ويؤكد العلوي بأن المكشوف من خبر التويجري في دهاليز السياسة لايتجاوز خمس الحقيقة، والبقية محجوبة في أدراج، وصور، ومحاضر، ورسائل، ومفاوضات مع زعماء وساسة، خاصة أنه لم يكن حامل رسالة فقط، بل إنه أشبه بالمفوض ذي الصلاحية الكبيرة، ولا يتوقع المؤلف الإفراج عنها، ولكني أتمنى أن يخيب توقعه، وأن تظهر للناس يوماً ما؛ بل إني أتوقع ذلك، والأيام كفيلة بإظهار ما خفي.

القسم الثاني عنوانه استبيان السيرة: مدرسة اليتيم تحت شجرة يتيمة، وقال الكاتب بأن أقدم حوار صحفي أجراه الشيخ كان مع الصحفي محمد الوعيل، في صحيفة الجزيرة، بتاريخ 23 من يناير 1981م. وكثيراً ما كرر التويجري لزواره ومحاوريه بأنه لم يدخل مدرسة أو جامعة، وهذا لا يعد نقصاً؛ بل يشاركه فيه قامات كبيرة كالعقاد والرافعي وشاكر والجواهري، ويجزم العلوي بأن فقد الصفة الأكاديمية كانت خيراً على الشيخ وأمثاله؛ إذ أبعدت عنهم التنفخ بالألقاب، والاكتفاء بالمظاهر عن الإبداع نثراً وشعراً.
ويلتزم شيخ اليمامة بمشي ساعة يومياً، ويحب الأكلات الشعبية، ويشعر بالغربة وهو بين أولاده أحياناً؛ فيفزع إلى أحب أعماله وهي القراءة، وتزداد سعادته كلما انتهى من قراءة كتاب، ويختلف مع من حوله كي يجد وقتاً يمضيه في القراءة، لأن فعلها هو البلسم الشافي لهمومه، وهذه المشاعر الجميلة لا يعيها إلا قارئ نهم.

ومن خبر الروح الجامعة أنه ولد في سنة الرحمة-وهي سنة موات كبير في نجد والعالم بسبب الإنفلونزا الأسبانية عام 1337(1918م)، والتحق بالعمل في الحكومة عام 1352-وهو عام تكوين الدولة وتسميتها-، وقبلها وبسبب ضيق الحال فكر الشاب التويجري بالهجرة للعراق بيد أن رجلاً أشار عليه بالتوجه للرياض، وكانت خيراً له، حيث أوكل له الملك عبدالعزيز العمل مكان أخيه حمد التويجري في بيت المال، وظل في هذه الوظيفة منذ عام 1357 وحتى 1381، وهو العام الذي انتقل فيه إلى الحرس الوطني، فكانت نقلة مفصلية في حياته.
وعند شيخ فريد، وتحت شجرة يتيمة، تعلم الطفل اليتيم الذي فقد أباه وهو في السادسة من عمره، ولم يتعلم الحروف ومبادئ الحساب فقط، بل أولع بالأدب والقراءة، وأدرك جفاف بيئته، وأيقن ألا مناص له من صناعة نفسه بنفسه، وهكذا حفر في أعماق ذاته حتى غدا واحداً من المؤثرين الكبار محلياً وإقليمياً ودولياً من خلال السياسة تارة، وبواسطة الفكر والثقافة تارات أخر.

ولدى التويجري عاطفة أبوية متدفقة، وأبان عنها في رسالته لابنه الأكبر عبد المحسن، ولابنته نوال، ومع ذلك وازن بين عشقه لأبوته، وبين مسؤولياته الجمة، واهتماماته الكثيرة. ولا يتحرج من جواب أي سؤال فضولي شخصي، ونقل العلوي بأن الشيخ تزوج أربع عشرة امرأة، واقتصر وهو في الثلاثين على زوجة واحدة، وهذا الخبر معلول عندي عقلاً ونقلاً؛ إذ كيف يتزوج هذا العدد الكبير، ثم يتوقف وهو في قمة النضج وفوران الرغبة؛ ويظل على ذلك مدة ستين عاماً؟ وأما نقلاً فقد روي لي عن أحد أهم أنجال الشيخ بأنه تزوج تسعاً وثلاثين مرة!
التويجري وعلماء النفس هو عنوان القسم الثالث، ومن عجب أن يصرح الشيخ من تلقاء نفسه بأنه عرض أمر نفسه على عالم نفس مصري مشهور عام 1957م! ونشر التراسل معه في كتابه"رسائل خفت عليها الضياع"، وخلص الشيخ إلى أهمية أن يكون المستشار مجرباً وليس حامل أوراق، ثم عرض العلوي صاحبه على نظرية عالم الاجتماع العراقي الكبير د.علي الوردي التي أسماها التناشز الاجتماعي، وملخصها تزاحم قيم البداوة مع قيم الحضارة في مجتمع واحد، أو إنسان واحد، وكم تمنى المؤلف لو التقى الشيخ النجدي بالعالم العراقي.

ثم شرع بتشبيه الشيخ التويجري بعدة شخصيات عراقية ومغربية وعربية كبيرة يلتقي معها في جانب، ويختلف في جوانب أخرى، وجعله كأبي الهلال الصابئ صاحب رسوم دار الخلافة الذي كان أديباً لكن وظيفته الاجتماعية تتجاوز جدران القصور، ولم يثنه عمله الإداري عن نشاطه الفكري، ولم يحرم قصور الدولة من رونق أدبه، وكان أبو عبد المحسن في جميع أحواله إنساني الفكر والسلوك في آن واحد.

ولأن الشيخ متسع الأبعاد في عالم الثقافة، فقد صنع للجنادرية اسماً في لوائح الجغرافيا الثقافية، وجدد أيام العرب في أرض جزيرتهم من تحت ستار التراث الشعبي الذي يخفي تحته كماً هائلاً، وكيفاً غير معهود من مواد فكرية وسياسية وحضارية؛ جذبت المخالف قبل الموافق؛ حتى غدت محفلاً بزَّ المربد وجرش وأصيلة، وكان الشيخ خطيب هذا المحفل؛ حتى خلت من حضوره نسخته الثالثة والعشرون، وإن أصبح موضوعها الفكري بإرادة ملكية.

والشيخ مغرم بالحوار، ولا يفهم الحوار إلا إذا كان بين مختلفين، ولذا بزغت في أيامه مارثونات الحوارات الوطنية والإقليمية والدولية التي يرعاها الملك عبدالله بنفسه كثيراً. وكان الشيخ يتأفف من انحرافات بعض شباب بلده السلوكية، ويبرأ منها، ويبرئ ساحة مجتمعه منها؛ ولعمركم أين من يرمي مجتمعنا بالغلو بسبب أفعال قلة قليلة؟!
وحين توقف قلب الشيخ في المستشفى التخصصي فجر يوم الأحد الرابع والعشرين من شهر جمادى الأولى عام 1428 الموافق للعاشر من شهر يونيو عام 2007م، ترك خلفه أربعة عشر كتاباً، وعدداً ضخماً من الصور والرسائل والوثائق، وأسراراً مخبوءة، وهي حق يتجاوز عائلته إلى مجتمعه وبلده، وعسى أن يًكشف عنها يوماً ما.

ثم انتقل المؤلف إلى قسم جديد أسماه رجال الدولة لا يكتبون في سن مبكرة، وذكر بأن الشيخ شبكة مواصلات فكرية على مستوى العالم العربي، دون أن يتقيد بالتناظر الفكري، فالمحافظ صديقه كما الثائر، وعلاقته سواء بالحاكم والمعارضة، وحباله ممدودة باتجاه اليسار واليمين، ونحو آخرين يوصمون بالتشدد، وباتجاه غيرهم ممن يوصف بالتفلت، حتى أصبح بيته قاعة ترانزيت يحط المسافرون شرقاً وغرباً رحالهم فيها زمناً يطول أو يقصر، ومرة قد تتكرر مرات وكرات.

ولأن التويجري رجل دولة وليس رجل سلطة، ولأن الكتابة لم ترتفع به إلى المناصب، بل ربما كانت المناصب أحد روافده الفكرية، ولأنه في مجتمع شديد الحذر، قرر التريث في النشر، وحين أصدر للناس انتاجه استعظم من لا يعرفه ذلك، وجزم آخرون بأنه يستأجر مؤلفين وكتبه، ولذا زاره غيرما مثقف مختبراً، وكان الشيخ يتعمد كتابة إهداءات طويلة على كتبه أمام المهداة إليه ليزيل الريبة من نفسه. ودافع العلوي عن صديقه بدفاع منطقي ملخصه بأن المنتحل لا يقوى على مواجهة أصحاب الصنعة، بينما يغص مجلس التويجري بالمفكرين والكتاب، يناقشهم، ويورد عليهم، وقد يفلجهم برأيه دون أن يجرحهم، ولو كان مدعياً لتحاشى أي لقاء يكشف دعواه.

ولأجل ذلك خرج عدة رموز فكرية من مجلس الروح الجامعة، وقد آمنوا أن هندسة الشيخ متطابقة مع سلوكه الأدبي وإنتاجه الفكري، بما يجعل الانفكاك بينهما صعباً، وعبر عن ذلك اليساري العربي رجاء النقاش من خلال عدة مقالات أثنى فيها على أمانة الشيخ مع قرائه، واحترامه لأفكارهم وحرياتهم في الرأي والتوجه.

ويشترك التويجري مع الآباء والأجداد من العقيلات في عنوان القسم الرابع إذ المعشوقة نجد.. والهوى عراقي، فالشيخ صريع الجاذبية العراقية من خلال ذاكرته البدوية، وإحساسه القومي، ويزيد العقيلات عليه من خلال ذكرياتهم التجارية المتينة في العراق الأشم وما جاوره. واعتبر المؤلف أن التويجري قد استفاد من الشيخ العراقي علي الشرقي الكتابة والحديث بأسلوب ابن عم الكلام، وهو أسلوب فيه تحضر ورقي، ويمتاز بأنه غير مباشر، ومليء بالتلميحات، ويبتعد عن لغة الحسم.

والتقى الشيخ مع زعماء العالم ستمئة مرة أو أكثر، منها عشرون لقاء مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ومع أن التويجري لم يكن متعاطفاً مع صدام، إلا أنه استنكر على المؤلف قسوته في الكتابة عن أبي عدي-علما أن العلوي كتب عن صدام وهو في سدة الحكم ثم أمسك عنه حين سقط، وهذه منقبة-، وطالب التويجري الأمريكان بمحاكمة عادلة لصدام، مما أثار عليه غضب المعارضة العراقية التي كانت محل عناية الشيخ إنسانياً مع مقته لها سياسياً، وكان الروح الجامعة على سرير مرضه الأخير حين أعدم صدام وهو ثابت شجاع يوم عيد الأضحى عام 1427.

ثم تحدث الكاتب عن العلاقة والتشابه والاختلاف بين التويجري والجواهري شاعر العراق الكبير، وأذكر أن الأخير حينما حلَّ ضيفاً على الجنادرية حظي بتكريم خاص من الملك عبدالله. واستعرض حسن العلوي بعد ذلك جهد الشيخ التويجري التوثيقي المهم لتاريخ الملك عبد العزيز من خلال كتابه " لسراة الليل هتف الصباح"، واعتبره بمثابة حافظ السر الملكي. ومن بعد نظر التويجري أن اختار رياض الريس ناشراً لكتابه، ومحمد حسنين هيكل لكتابة مقدمته، وهما من المشهورين بمعارضة السعودية، وبذلك أستطاع أن يجذب جمهوراً جديداً لقراءة سيرة ملك ودولة لم يكونوا على وفاق معها.

ثم تجول الكاتب على مراسلات الشيخ وما كتبه الآخرون عنه، ويمكن سبر غوره بفحص محتويات كتابه: رسائل خفت عليها الضياع، والحقيقة أن رسائله للمنحرفين عن طريق الإسلام عامرة بالدعوة للإيمان والعودة لدين الله، ورسائله الأخرى حافلة بالحكمة ونصح الأبناء والأقارب، فضلاً عن حوارات المثقفين والمفكرين. وفي رسالة لابنه عبد المحسن يوصيه بنفسه وإخوانه ويغلظ عليه في طاعة عمه-شقيق الشيخ-، ويحذره من الخمر والنساء، بينما يؤكد لابنته نوال ضرورة الاستمساك بقيم الإسلام والعروبة في كل مكان، وأما رسالته للدكتور محمد الأحمد الرشيد-زوج ابنة أخيه عبد الله- فمنهج مهم لذوي المناصب الكبرى؛ لأنه أرسلها له قبيل تسميته وزيراً للتربية. وأثنى المؤلف على رسالة ماجستير كتبها الباحث أحمد المزاح عن الشيخ وبعض كتبه، وكثيراً ما دعى العلوي مثقفي السعودية للغوص في أعماق شيخ اليمامة والدهناء.

وللشيخ رأي لو أخذ به القوميون لاستراحوا وأراحوا؛ إذ أنه يجزم بالتلازم بين العروبة والإسلام، فلا داعي لاصطناع التشاحن بينهما، والعرب كانوا قبل الإسلام بغير قيمة تذكر، وإنما كان عزهم وظهورهم بهذا الدين الحنيف. ويقول الشيخ لدعاة الحداثة دونما بصيرة: لا تستعجلوا تمزيق ملابسكم! ومما أفادته السنون والبصيرة بطبائع البشر أنه لم يعد يتألم من شيء! ويقف الروح الجامعة مناجياً مولاه قائلاً: إن إنساناً تقف به مطاياه في عرض الطريق بعيداً عنك لإنسان خاسر!
ولأن الشيخ تعرض للشريف ثم جلوب باشا فمن الطبيعي أن يجد حرجاً مع الملك حسين ملك الأردن الراحل، بيد أن الجليد ذاب بالزيارات المتبادلة والحوارات الثنائية، وكان للشيخ علاقة بالرئيس السوري الراحل بشار الأسد، ويتبادل الحوار معه ساعة في السياسة، وثلاث ساعات في الفكر والثقافة والتربية. ولأن الشيخ مغرم بالشعر فقد عاش مع المتنبي والمعري كشاعرين حكيمين وكتب عنهما كتابين، وكثيراً ماردد شواهد شعرية في كتبه وحواراته؛ ولو جمعت لتبينت ذائقة الشيخ الراقية.

لقد اشترك الشيخ عبد العزيز التويجري مع الشيخ عبد الله السليمان في تداخله الفريد مع بيت الحكم حتى غدا وكأنه واحد منهم، بيد أن شيخ اليمامة تميز بعمق ثقافي فريد، وطول المدة التي قضاها، وكان يستطيع أن يكون مؤثراً في نقل الدولة إلى مرحلة جديدة تواجه فيها متطلبات العصر ومتغيراته؛ دون المساس بمكوناتها وأسسها، لكن الفرصة تأخرت كثيراً، وحين واتته خاضعة منقادة، كان ينوء بحمل تسعة عقود، ومرض على شيخوخة لم يمهلاه كثيراً.

وفي حياته وبعد مماته، كان الشيخ ونتاجه يحظيان بثناء أو نقد؛ وبعض هذه الآراء كانت دوافعها مصلحية معه أو ضده، واليوم حين أصبح الشيخ في ذمة التاريخ، وغدا تراثه منشوراً لكل ذي علم كي يقول رأيه بصدق وتجرد، فما أحراه أن يُنصف دون أن يبخس حقه، ومن غير أن يوهب ماليس له، وهذا واجب على الباحثين والكتاب، وأما أولاده فهم أمناء على تراث الشيخ خاصة المخبوء منه، وقمين بهم أن يتيحوه للجادين من الباحثين والمفكرين، فهو حق مشترك لأبيهم، ولورثته، وللبلد، ولتاريخه السياسي والفكري، وآمل أن يفعلوا في وقت مناسب قريب.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض



http://krrar2007.googlepages.com/faselward2.gif