المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبلغ تعبير عن الرضا ( البكاء فرحاً)


alsofi
30-11-2016, 06:06 PM
😅البكاء فرحا
أبلغ تعبير عن الرضا..😅

أحبابي القراء وأنا راكب هذه الحافلة التي أكل الزمان عليها وشرب وهي تهوي بنا من شارع لشارع في صنعاء كالمذعورة وسائقها قد ملأ شدقية من أوراق القات كالمجنون تحسبه مزمرا أجارك الله من رؤيته يمسك فجأة على فراملها فتسمع لها أطيطا وجرجرة يخيل لك سقفا سيقع عليك دعوني أحدثكم عن بكاءالفرح....


من المعلوم لدى النفس البشرية أن البكاء لا يكون إلا من خوف أو حزن، والخوف توقع مكروه في المستقبل، والحزن التألم من شيئ في الماضي ، وهناك نوع ثالث من أنواع البكاء ، وهو البكاء نفاقاوكذباكبكاء النائحة المستأجرة وبكاء إخوة يوسف كما حكى الله عنهم" وجاؤا أباهم عشاء يبكون" إنهم يذرفون دموع التماسيح ليصدقهم أبوهم أن الذئب قد افترسه في الصحراء فتصنعوا ذلك البكاء، وهناك البكاء من الشوق والحنين كما قال امرؤ القيس في معلقته: ففاضت دموع العين مني صبابة على النحر حتى بل دمعي محملي
أي : سالت دموعي شوقا لها وحنينا إليها ووجدا وغراما حتى بل دمعي حمالة سيفي ، وقد استفتحها بقوله : قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزلِ
وهناك البكاء من الفراق كبكاء مغيث على بريرة ،وهناك بكاء الجمادات" فما بكت عليهم السماء والأرض" فهم لم يعبدوا الله في بقاع الأرض حتى تحن لهم وتبكي عليهم...فوا أسفاه..
وقد بكى جذع النخلة وهو جماد على فراق الحبيب صلى الله عليه وسلم وحن له حنين الصبي، والعجب حتى الشياطين تبكي فقد ورد في مسلم "أن ابن آدم إذا قرأ السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة،وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" وقد يكون البكاء من القهر كتلك الأم التي استوقفتني تحكي لي قصة أولادها السبعة الذين يتعاقبون على ضربها وأرتني بجرح في قدمها يثعب دما من صنيع أحدهم ، وعلى فكرة قلب الأم دائما بكّاء كما قال الشاعر حاكيا عن قلب أمه الذي يلاحقه في الصحو والمنام : فإن رآنيَ في خير بكى فرحا وإن رآني في سوء بكى ألما ..
وهناك بكاء الرحمة كبكاء النبي عليه الصلاةوالسلام على قبر أمه حتى أبكى من حوله، وبكاء عمر حيث لم يتمالك دمعه حينما رأى أثر السرير في جنب النبي عليه الصلاة والسلام والحديثان ثابتان في مسلم.وهناك بكاء الموافقة وبكاء الخور.
🌴غير أن هناك نوع من أنواع البكاء نادرا ما يحصل وذلك من شدة الفرح...


يا للعجب !!!
أيتحول الفرح أحيانا إلى بكاء؟؟ نعم يتحول إلى بكاء إذا زاد عن حده كما قال أحدهم: إن السرور إذا تزايد بامرئٍ أبكاه مثل تزايد الأحزانِ
والعاشقون سريعة دموعهم يبكون في اللقاء فرحا وفي الفراق حزنا فترى أحدهم معذبا في محبوبه..
فيبكي إن نأى شوقا إليه..ويبكي إن دنا حذر الفراقِ
فتسخن عينه عند التلاقي..وتسخن عينه عند الفراقِ

🌴وقد حكت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها عن أول مرة ترى أحدا يبكي من الفرح وهي تتحدث عن أبيها الصديق رضي الله عنه...يوم الهجرة..
تحدثنا كتب التاريخ أن أبا بكر رضي الله عنه من شدة ما كان ينزل عليه من الأذى يأتي دائما يستأذن الرسول في الهجرة، فلا يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم كي يستبقيه عنده، وهكذا بقي رضي الله عنه مرابطا في مكة صابرا على الأذى..وذات يوم وبالتحديد في وقت الظهيرة يأتي إليه النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له: يا أبا بكر إن الله قد أذن لي في الهجرة، فيقول الصديق: فالصحبة يارسول الله، فيقول: الصحبة، فتفيض عيناه دمعا منهمرا ويريد أن يعبر عن فرحه ذلك الذي غمر مشاعره فلا يستطيع التعبير بشيئ فينفجر باكيا...


يالِله،،أي فرحة غامرة هطلت عليه كالغيث المدرار وهو عازم على مصاحبة حبيبه في أخطر رحلة في التاريخ....
ذاكم هو بكاء الصديق فرحا وهو يرى أن الدنيا لا تسعه، والعالم لا يحتويه، وأن الدنيا بما رحبت ليست شيئا أمام فرحه ذاك،،إنه يتوقع أن يقتل ، أن يمزق، أن يسجن ويسحل ويعذب، نعم بل لقد أعطوا لمن يأتي برأسه مائة من الإبل شأنه شأن صاحبه محمد، ومع ذلك يفرح ويفيض فرحه أن يكون مجرد ضحك وابتسام بل دموع تنهمر وبكاء..

ذاك الفرح سطر في التاريخ، وخلده الزمان وهو أعظم فرح في حياة أبي بكر ، بل أسميه أعظم فرح في تاريخ إنسان...تقول عائشة:" فوالله ماشعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ".

🌴بحثت في أشعار الجاهلية وأدب العرب عن البكاء من الفرح فلم أعثر بطائل فتذكرت عندما كنا نحفظ المعلقات العشر قبل أكثر من خمس سنوات في الجامعة أنّا وجدنا في معلقة عمرو ابن كلثوم بيته الذي يقول فيه: بيوم كريهة ضربا وطعنا أقر به مواليك العيونا
وقد وجدنا في شرحها ما ذكره الأصمعي في قولهم : أقر الله عينك، أي أبرد الله دمعك ومعناه : أي سرك غاية السرور، وذكر أن دمع السرور بارد ودمع الحزن حار وهو عندهم مأخوذ من القرور وهو الماء البارد.

🌴وفي الصحيحين نجد مثالا حيا على ذلك عندما يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: إن الله أمرني أقرأ عليك سورة البينة، فيقول أُبي : وسماني، فيقول له : نعم سماك ، فيبكي وتذرف عيناه الدمع الغزير ..يبكي لأن اسمه ذكر في الملأ الأعلى وأي تشريف أعظم من ذلك التشريف ..فليت شعري أي سماء تقله وأي أرض تظله وقد نوه باسمه في الملأ الأعلى وذكرفي حظيرة القدس، ولقد قال بعض من رأى المشهد يومها: والله ماعلمنا أن الفرح يُبكِي إلا يومها"فيا لِروعة وجمال بكائه..إن دموعه ذلك اليوم كقطرات الغيث جادت بها السماء ففرحت بها الأرض كما وصف ذلك ابن خلكان إذ يقول: والروض مبتسمٌ بروض أقاحِهِ لما بكى فرحا عليه غمامُها


🌴وعمر وهو يبشر بالجنة وبجارية حسناء تتوضأ بجانب ذلك القصر وهي رؤيا منامية يراها الحبيب صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين فيسأل لمن هذا القصر، فتجيبه : لعمر ، فيتذكر الحبيب صلى الله عليه وسلم غيرة عمر فيحرف وجهه عن القصر والجارية...ولما أخبر بذلك عمر بكى بكاء شديدا غير أن ذلك البكاء لا أسميه بكاء فرح ،فقد كانوا يخافون من الله أشد الخوف إنما أسميه بكاء خجل من الله...وكأني بعمر وهو ينشج يقول في نفسه: بأي شيئ أستحق ذلك القصر وأنا المقصر في جنب الله..وبما نلت الجارية،ألا أجري إلى الله...

إيه ياعمر...
تالله لقد رفعت راية الإسلام خفاقة إلى يومنا هذا ولست تستحق قصرا بل ألف قصر ، فابك إن شئت فرحا أو خجلا..


🌴وقد بكى فرحا أبوهريرة في أسعد يوم مر عليه في حياته وهو يذهب للرسول عليه الصلاة والسلام طالبا منه أن يدعو لأمه لتسلم فيعود للبيت فيجدها قد أسلمت وكانت من شديدة البغض لرسول الله فلم يتمالك نفسه أن بكى من الفرح..واستمر يبكي من الفرح حتى جثا بركبتيه أمام الحبيب...وقد ورد ذكر إسلامه في مسلم ..فيا لروعة وجمال قلبه وهو يبكي فرحا بإسلام أمه ..لقد جاء في أول النهار يبكي حزنا على أمه بسبب عدم إسلامها ...وفي أخر النهار جاء يبكي فرحا بإسلامها.
وأعظم بكاء جماعي من الفرح هز مدينة بأكملها، هو البكاء فرحا يوم مقدم النبي عليه الصلاة والسلام المدينة لقد بكى الأنصار في ذلك اليوم الأغر يقول أنس حاكيا المشهد:يوم لا أنساه في حياتي وهو يوم قدوم الرسول المدينة فوالله الذي لا إله إلاهو ما كنت أظن أن أحدا يبكي من شدة الفرح حتى رأيت الأنصار يبكون يومها من شدة الفرح " لله درهم ودر دموعهم وهي تسفح كالغيث فرحا في ذلك اليوم البهيج الذي يعد أروع يوم في تاريخ المدينة...وكنت قد خطبت خطبة تحت عنوان أعظم حفل في التاريخ، عنيت به ذلك اليوم الذي تضوعت المدينة فيه بمقدم أطهر وأعظم رجل مشى على الثرى..فيا للعجب كيف لا يبكون وكل المدينة يومها تبكي معهم بجبالها ووديانها وأشجارها ووحشها....وحتى زهور وردها وأغصان شجرها...
🌴وأعظم فرح فرحه إنسان بتوبته ماروي في الصحيح من بكاء كعب بن مالك عندما جاءه البشير يخبره بتوبة الله عليه وقد هجره المسلمون خمسين ليلة حتى ضاقت عليه الأرض، وتنكرت له معالمها ثم سجد شكرا لله وجعل يبكي فرحاعندما بُشر وخلع ثوبيه وأعطاهما البشير وذهب يستعير ثوبا وأقبل يركض إلى الرسول فقال له : ياكعب بن مالك أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك" فيا لله أي فرح فرحه يومئذ وكم استقبل الثرى من دموع عينيه يومها..

ومن الفرح بالتوبة فرحا يحكيه العلامة محمد بن المختار الشنقيطي يقول: ومن مثل الشيخ ابن باز ، إن كان ليأتيه الخبر عن داعيةضلالةاهتدى إلى الحق ورجع إليه فيندفع الشيخ يبكي فرحا وكأن التائب أحد أبنائه.
وأنت أخي القارئ أما بكيت في حياتك فرحا مرة واحدة قد يبكي المرأ فرحا عندما يبشر بولادة زوجته ويرى طفله يوضع بين يديه، وقد يبكي فرحا لنجاته من حادث، وقد يبكي فرحا لحصوله على كنز ثمين، وحتى قد يبكي فرحا لتولية صالح أو موت فاسد كما ورد في البداية والنهاية أن إبراهيم النخعي العالم الشهير يبكى فرحا لموت الحجاج..
🌴البكاء من الفرح موجود في الشعر العربي الإسلامي إذ يقول صفي الدين الحلي وهو أسطورة شعراء العصر الأندلسي كما يروق لي أن أسميه في قصيدته الشهيرة خلع الربيع على غصون البانِ ، إذ يقول ملخصا فلسفة البكاء من الفرح : طفح السرور علي حتى أنني من كثر ما قد سرني أبكاني
ولقد شاهدت في أحد البرامج رجلا فقيرا لا يمتلك حتى بساطا ينام عليه تزوره جمعية خيرية وبعد حين جهزوا له بيتا أشبه بقصر ثم أدخلوه فيه...وبعد برهة من الوقت أخبروه أنه بيته، فلم يتمالك نفسه إذ عجزت كل الكلمات في شفتيه أن تخرج...فبكى بكاء لو كان حزنا لا نهدت له الجبال لكنه فرحا...فكيف لو دخل الجنة ورأى قصورها ودورها..ليت شعري بماذا سيعبر..إذ أن الدنيا لا تساوي شيئا بجانب ذلك النعيم، وماذا تساوي الحبة أمام القبة،والذرة أمام المجرة..أظننا لو كتب الله لنا دخولها لزاغت عقولنا فرحا لولا أن الله كتب لأهلها الحفظ..فاللهم لا تحرمنا منها..
وقد وقفت مشدوها أمام أحد الشعراء وهو يعاتب عينه بقوله: ياعين قد صار البكا لكِ عادةٌ تبكين من فرح ومن أحزانِ

لقد بكى جدي - خال أبي- رحمه الله فرحا عندما وجد أخاه في مكة بعد سنوات طويلة من الغياب وقد ذهب للحج كي يدعو الله عند الملتزم أن يجد مفقوده وذلك قبل أكثرمن نصف قرن من الزمان فلما وصل هناك تفاجأ وإذا بأخيه أمامه فالتزمه يعانقه ويبكي...
وبعضهم لا يتحمل الفرح فلا يبكي بل يموت كالبخيل الذي ذكره الجاحظ وقد دخل على أحد الملوك فظن أنه سيعطيه عشرة دنانير فأعطاه عشرة آلاف دينار ، فجلس يرتعد يومه ومات عند باب الملك.

معاشر القراء: البكاء من الفرح يحصل إذا زاد الفرح والسرور والاغتباط عن حده وطغى ، حينها تعجز كلمات الرضا عن وصف الموقف،وتتجمد الشفاه أن تنبس، ويثقل اللسان كما لو أن جبلا وقع عليه فلا يكون التعبير حينها بغير الدموع ..وهل هناك أبلغ من لغة الدمع المسفوح؟..
وبعد أيها القراء صاحب الحافلةيحدثنا عن اقتراب الموقف الأخير وأظنكم قد قضيتم معي وقتا ممتعا ، كما أزعم أني حافظت على وقتي وأظن أني سأبكي فرحا لنزولي من هذه الحافلة فقد أُصبت بالدوار والصداع والغثيان والملل..وسلام الله عليكم..
#نقلا عن كتاب جنة الرضا#
#تأليف الشيخ عامر الخميسي#

🌴🌴🌴🌴🌴