المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلب استنار بنور الإيمان


المراقب العام
20-02-2017, 01:15 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :



"لو أنَّ رجلاً ثقة أخبرك بأنَّ ابنك - مثلاً - مريضٌ، وأنه قد حُمل إلى المستشفى، فماذا تفعل؟ إن قلتَ لذلك الرجل: أنت صادق ولقد صدَّقتك في إخبارِك، ثم بقيتَ كما أنت لم تغير جلسةً أو وضعًا، ولم تحاول الاطمئنان على ابنِك فأنت مصدِّق، لكن تصديقَك هذا بارد جامد لا خيرَ فيه، ولا نفع لك ولا لغيرك، وإن قلت للرجل: أنت صادقٌ ولقد صدقتك ثم خرجتَ فورًا بلهفةٍ واهتمام بارزين على كيانك، وسارعت إلى المستشفى وما هي إلاَّ لحظات حتى تكون فوق رأسِ ابنك لتطمئن عليه، فأنت مصدِّق ولكن تصديقَك هو الحي والمعتبر والنَّافع والحار، فهما تصديقان إذًا وشتَّان بينهما، وهكذا الإيمان.

إنَّ الإيمانَ الذي يريدُه الله هو الإيمان الحي الفاعل، هو الإيمان المؤثر النَّامي، هو الإيمانُ القائد الموجه؛ الإيمان الذي ينفعُ صاحبَه، هو الإيمان الذي يُغرس في قلبِه فينمو ويزدهر وينير ويضيء، ويزين هذا القلب بزينته ويملؤه في كلِّ جوانبِه وزواياه، الإيمان الذي يمد أغصانَه وفروعه على كيانِ هذا المؤمن ووجوده، ويلقي ظلالَه على حياته وواقعه، ويعطي ثمارَه له في ليلِه ونهاره، الإيمان المعتبر هو الذي يبعثُ على الحركةِ والهمة، والنشاطِ والسعي، والجهدِ والمجاهدة، والجهادِ والتربية، والاستعلاء والعزة، والثبات واليقين"[1].

إخواني في الله:
"إنَّ الإيمانَ في حقيقتِه ليس مجرد عملٍ لساني، ولا عمل بدني، ولا عملٍ ذهني، إنَّ الإيمان في حقيقتِه عملٌ نفسي يبلغ أغوارَ النفس، ويحيط بجوانبها كلِّها؛ من إدراك، وإرادة، ووجدان، فلا بدَّ من إدراكٍ ذهني تنكشف به حقائقُ الوجودِ على ما هي عليه في الواقع، وهذا الانكشافُ لا يتم إلا عن طريقِ الوحي الإلهي المعصوم، ولا بد أن يبلغَ هذا الإدراكُ العقلي حدَّ الجزم الموقن واليقين الجازم الذي لا يزلزله شكٌّ ولا شبهة؛ ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات : 15]، ولا بدَّ أن يصحبَ هذه المعرفة الجازمة إذعان قلبي وانقيادٌ إرادي؛ يتمثَّلُ في الخضوعِ والطاعة لحكم من آمن به مع الرِّضا والتسليم؛ ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء : 65]، ولا بد أن يتْبعَ تلك المعرفة وهذا الإذعان حرارةٌ وجدانية قلبية تبعثُ على العملِ بمقتضيات العقيدة والالتزام بمبادئها الخلقية والسلوكية، والجهاد في سبيلِها بالمال والنفس"[2].

ما أجملَ الإيمان حينما يخالطُ القلوب، فـ"الإيمان نورٌ؛ نورٌ في القلبِ، ونورٌ في الجوارحِ، ونور في الحواس، نور يكشف حقائقَ الأشياء والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطاتٍ ونِسب وأبعاد، فالمؤمن ينظرُ بهذا النورِ - نورِ الله - فيرى تلك الحقائقَ ويتعامل معها ولا يخبط في طريقِه، ولا يلطشُ في خطواتِه، والإيمان بصر يرى رؤية حقيقية صادقة غير مهزوزة ولا مخلخلة، ويمضي بصاحبِه في الطريقِ على نورٍ وعلى ثقةٍ وفي اطمئنان، والإيمانُ ظلٌّ ظليل تستروحُه النفس، ويرتاحُ له القلب، ظل من هاجرة الشَّكِّ والقلق والحيرة في التِّيه المظلم بلا دليل، والإيمان حياة؛ حياةٌ في القلوبِ والمشاعر، حياةٌ في القصدِ والاتجاه، كما أنه حركة بانية مثمرة قاصدة لا خمودَ فيها ولا همود، ولا عبثَ فيها ولا ضياع"[3].

حقيقة الإيمان:
يقولُ الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "الإيمانُ حقيقةٌ مركبة من معرفة ما جاء به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - علمًا، والتصديق به عقدًا، والإقرار به نطقًا، والانقياد له محبة وخضوعًا، والعمل به باطنًا وظاهرًا، وتنفيذه والدعوة إليه بحسبِ الإمكان، وكماله في الحبِّ لله والعطاءِ لله والمنع لله".

وصدق والله الإمامُ ابن القيم، فالإيمانُ قوةٌ ربانية، وطاقة نورانية محركة إذا استقرَّتْ في القلبِ ظهر أثرها حالاًّ على الجوارح؛ على أقوالِ الإنسانِ وأفعاله وحركاته وسكناته، فهو يصلحُ القلوبَ ويهيء النُّفوسَ ويصنعُ العجائبَ، وينشيء الإنسانَ خلقًا آخر.

إخواني في الله:
إنه من يحيى في رحابِ الإيمان، ويعتصم بحبلِه المتين، ويستضيء بنوره المشرق فهو يعيشُ حياتَه في رؤيةٍ واضحة، يدرك بها حكمةَ الله البالغة ورحمته الواسعة وسنته الماضية وقدرته البالغة، فتطمئن بذلك نفسُه وتصفو سريرته؛ لأنه يؤمنُ أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فلا يتسربُ إلى قلبِه شكٌّ ولا ينفذ إلى وجدانِه القلق، بل يسيرُ في دنياه بخطًى ثابتة ومسيرة موزونة تهدفُ إلى بلوغِ ما يصبو إليه من نهايةٍ صالحة ومصير كريم، فالإيمانُ الصحيح يزود العبدَ بطاقةٍ كبيرة من اليقينِ والثقة، وشحنةٍ عظيمة من الصبرِ والطمأنينة، تأتيه النعمُ فلا يبطرُ ولا يستكبر، بل يحمدُ ويشكر، وتصيبه المحنُ وتحلُّ به الشدائدُ فلا يقنطُ ولا ينهار، أو تمزق قلبَه الهمومُ والحسرات، بل يعتصمُ بالصبرِ ويرضى بالقدرِ ويستمسك بعزائمِ الأمور؛ لأنَّه يعيشُ بعقيدتِه في عطاءٍ دائم وَفْقَ وضوح رؤية، وقوة إدراك، وإرادة ونفوذ بصيرة، يستمدُّ من خلالِ ذلك قوة الصمود إزاء الأحداثِ والفتن، فلا تهزُّه أعاصيرُه العاتية، ولا تنالُ منه محنُه القاسية، ولا يصرفُه شيء عن إيمانه وتحقيقِ رضا ربه مهما كانت من رغبةٍ مغرية أو رهبةٍ مؤذية، بل لا تزيدُه إلا تألقًا وصفاءً، وإخلاصًا وصدقًا، وصبرًا وثباتًا؛ ليصل إلى المنزلةِ التي أخبر عنها النبي - عليه الصَّلاة والسَّلام – بقولِه: ((عجبًا لأمرِ المؤمن؛ إنَّ أمرَه كلَّه له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابتْه سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم (2999).

من ثمرات الإيمان:
1- طمأنينة القلب وسكينته:
إنَّ النفسَ تطمئنُّ إذا كانت في كنفٍ قوي غني قادر، سميع بصير لا تخفى عليه خافية، ولا يعجزه شيء، تجدُ عنده الملجأ والملاذَ والحماية والرعاية، بيده الرزقُ والأجل، بيدِه العطاءُ والمنع والنفع والضر، بيده العزةُ والذُّلُّ والحياة والموت، فمن هنا تأتي الطمأنينة في النفسِ على قدرِ الله فيها، فهي لا تغيبُ عن علمِه طرفةَ عين ولا أقل منها؛ "فللسكينةِ مصدرٌ واحدٌ؛ هو الإيمانُ باللهِ واليوم الآخر؛ الإيمانُ الصادق العميق الذي لا يكدرُه شكٌّ ولا يفسده نفاق، هذا ما يشهدُ به الواقع الماثل، وما أيده التاريخُ الحافل، وما يلمسُه كلُّ إنسانٍ بصير منصف في نفسِه وفيمن حوله، لقد علمتنا الحياةُ أنَّ أكثرَ النَّاسِ قلقًا وضيقًا واضطرابًا وشعورًا بالتفاهة والضياع - هم المحرومون من نعمةِ الإيمان وبردِ اليقين، إنَّ حياتهم لا طعمَ لها ولا مذاق، وإن حفلت باللذاتِ والمتع؛ لأنهم لا يدركون لها معنًى، ولا يعرفون لها هدفًا، ولا يفقهون لها سرًّا، فكيف يظفرون مع هذا بسكينةِ نفس أو انشراحِ صدر؟ إنَّ هذه السكينةَ ثمرةٌ من ثمارِ دوحة الإيمان، وشجرةُ التوحيد الطيبة التي تؤتى أكلها كلَّ حينٍ بإذن ربها، فهي نفحةٌ من السماءِ ينزلها الله على قلوبِ المؤمنين من أهل الأرض؛ ليثبتوا إذا اضطربَ النَّاسُ، ويرضوا إذا سخط النَّاس، ويوقنوا إذا شكَّ النَّاسُ، ويصبروا إذا جزع النَّاس، ويتحلموا إذا طاش الناس"[4].

2- الحياةُ الطيبة لقوله - تعالى -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل : 97]؛ والمرادُ بالحياةِ هي الحياة الدُّنيا، وطيب هذه الحياة يجيء من نفحاتِ الإيمان بالله، تلك النفحاتُ التي تثلجُ الصدر بالطمأنينة والرِّضا، وتدفئ النفسَ بالرَّجاءِ والأمل بتلك القوةِ التي لا حدودَ لها؛ والتي منها مصادرُ الأمور وإليها مصائرها، وذلك كلُّه من عاجلِ الثواب الجزيل الذي أعدَّه الله لعبادِه المؤمنين.

3- نيل ولاية الله الخاصة لقولِه - تعالى -: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس : 62 ، 63]، فلا ولايةَ بغير الإيمان بالله؛ إذ الولاءُ حبٌّ وطاعة وعبادة، ولا حبَّ إلا بعد معرفة، ثم إيمان، ثم طاعة وعبادة، ولا تتحقَّقُ الولاية للهِ إلا بمراقبتِه واتقاء محارمه والتوكل عليه والرجاء فيه، وقطع كل رغبةٍ فيما سواه.

4- أنَّ الله يدفعُ عن المؤمنين جميعَ المكاره وينجِّيهم من الشَّدائد: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج : 38]، فيربط على قلوبِهم، ويثبت أقدامَهم على طريقِ الهدى، ويمدهم بالصبرِ على احتمال المكاره.

5- إنَّ صلاح وكمال جميع الأعمال والأقوال بحسب ما يقومُ بقلبِ صاحبِها من الإيمانِ والإخلاص؛ لقوله - تعالى -: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [الأنبياء : 94].

"هذا هو قانونُ العمل والجزاء، لا جحودَ ولا كفران للعملِ الصالح متى قام على قاعدةِ الإيمان، وهو مكتوبٌ عند الله لا يضيع منه شيء ولا يغيب، ولا بد من الإيمانِ لتكون للعملِ الصالح قيمتُه، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده، ولا بد من العملِ الصالح لتكون للإيمانِ ثمرتُه، بل لتثبت للإيمان حقيقتُه، إنَّ الإيمان هو قاعدة الحياة؛ لأنَّه الصلةُ الحقيقية بين الإنسان وهذا الوجود، والرابطةُ التي تشدُّ الوجودَ بما فيه ومَن فيه إلى خالقِه الواحد، وترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه، ولا بد من القاعدةِ ليقوم البناءُ، والعملُ الصالح هو هذا البناء، فهو منهار من أساسِه ما لم يقم على قاعدته"[5]؛ وهذا ما أكَّده الله - تعالى - في قولِه: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان : 23].

6- محبة الله عزَّ وجلَّ لقولِه - تعالى -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم : 96]؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصَّلاةُ والسلام - أنه قال: ((إنَّ الله - عزَّ وجلَّ - إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: يا جبريلُ إني أحب فلانًا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهلِ السماء: إنَّ الله يحب فلانًا فأحبوه، قال: فيحبه أهلُ السماء، ثم يوضع له القَبول في الأرض))؛ رواه مسلم (6873).

إنَّ منزلةَ المحبة لهي باب صحبة الملأ الأعلى في السماءِ، وعنوان القبول في الأرض، فيا لجمال الأُنس ويا لجلال القرب!

7- الإيمان الصحيح يمنعُ العبدَ من الوقوعِ في المُوبقات المُهلكة:
فعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ اللهِ - عليه الصلاة والسلام -: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرقُ حين يسرقُ وهو مؤمن، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن))[6].

8- الإيمان هو الطريق إلى الرضا:
فالمؤمن راضٍ عن نفسِه وعن وجوده ومكانه في الكونِ؛ لأنه يعلم أنه ليس ذرة ضائعة ولا كمَّا مهملاً ولا شيئًا تافهًا، بل هو قبس من نور الله، ونفخة من روحِ الله، وخليفته في أرضِ الله، وهو راضٍ عن ربِّه؛ لأنه آمن بكمالِه وجماله، وأيقن بعدلِهِ ورحمته، واطمئنَّ إلى علمِه وحكمته، أحاط سبحانه بكلِّ شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة، لم يخلقْ شيئًا لهوًا، لم يخلق شيئًا سُدًى، له الملكُ وله الحمد، نعمُه عليه لا تُعد، وفضله عليه لا يُحد، فما به من نعمةٍ فمن الله، وما أصابه من حسنةٍ فمن الله، وما أصابه من سيئةٍ فمن نفسِه.

9- الهداية إلى الحقِّ وإلى الصراط المستقيم: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [الحج : 54].

10- الفوزُ برضا اللهِ ودارِ كرامته: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة : 72].

الطريق إلى قوةِ الإيمان[7]:
1- معرفةُ أسماءِ الله الحسنى الواردة في الكتابِ والسنة، والحرص على فهمِ معانيها والتعبد لله بها:
إنَّ معرفةَ الأسماء الحسنى هي أصلُ الإيمان، والإيمان يرجع إليها، فكلما ازداد العبدُ معرفةً بأسماء الله وصفاته ازداد إيمانُه وقوي يقينُه، فينبغي للمؤمنِ أن يبذلَ مقدورَه ومستطاعه في معرفة الأسماء والصفات، وتكون هذه المعرفةُ متلقاه من الكتابِ والسنة وما رُوي عن الصحابةِ والتابعين لهم بإحسان، فهذه المعرفةُ النافعة تجعلُ المؤمنَ في زيادة في إيمانِه، وقوة يقينه وطمأنينة في أحوالِه.

2- تدبر القرآن الكريم:
القرآنُ الكريم هو أفضل وسيلةٍ لزيادة الإيمان؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال : 2]؛ وهكذا المؤمنُ إذا تلا آيات الله أو تُليتْ عليه خشع لها، وأشرق قلبُه بنورها، فازداد بذلك إيمانًا على إيمان، ثم انتهى به ذلك إلى أن يكونَ عبدًا ربَّانيًَّا يسلم أمرَه كلَّه لمن بيدِه الأمر كلُّه، "فإذا أردنا أن نعرفَ تلاوتنا ونتبصر بها فلننظرْ إلى نتائجِها ونهايتها، فإذا هي أثَّرت في هذه النفوسِ فآبت إلى رشدِها، وأعرضت عن غيِّها، وذكرت ما قامت به من عقوقٍ، وذكرت ما عليها من حقوقٍ لله وللناس، فأصلحت عقوقَها وأدَّتْ حقوقَها، وزال ما فيها من شكٍّ وريب، وحاولت أن تصلحَ كل نقص وعيب، وهذا كلُّه دليلٌ وعلامة على زيادةِ الإيمان - كانت تلاوة المتدبر الذاكر"[8].

3- التفكر في الكونِ والنظر في الأنفس:
"إنَّ التفكرَ في الكون وفي خلق السموات والأرض وما فيهنَّ؛ من المخلوقاتِ المتنوعة، والنظر في الإنسانِ وما هو عليه من الصِّفاتِ - يقوِّي الإيمانَ؛ لما في هذه الموجوداتِ من عظمةِ الخلق الدَّال على قدرةِ خالقها وعظمته، وما فيها من الحسنِ والانتظام والإحكام الذي يحير الألبابَ، الدال على سعةِ علم الله وشمول حكمتِه، وما فيها من أصنافِ المنافع والنعم الكثيرة التي لا تعدُّ ولا تُحصى، الدالة على سعةِ رحمة الله وجُوده وبرِّه، وذلك كلُّه يدعو إلى تعظيمِ مبدعها وبارئها وشكره واللهج بذكره، وإخلاص الدين له وهذا هو روحُ الإيمان وسره"[9].

4- الإكثار من ذكرِ الله في كلِّ وقت:
إنَّ ذكر الله يغرسُ شجرةَ الإيمان في القلبِ ويغذيها وينميها، وكلَّما ازداد العبدُ ذكرًا لله قوي إيمانه، كما أنَّ الإيمانَ يدعو إلى كثرةِ الذكر، فمن أحبَّ الله أكثر من ذكرِه، ومحبة الله هي الإيمان، بل هي روحُه.

فيا قلبي العليل:
الإيمانُ دواؤك الشافي لكلِّ ما تعانيه من الحيرةِ والاضطراب، فلماذا أعرضتَ عنه؟

الإيمانُ زينتك التي تتجمَّلُ بها، فبأي شيء زينتَ قلبَك؟

الإيمان له حلاوةٌ لذيذة وطعم حلو، فهل ذقتَ حلاوتَه؟

الإيمان نور مشرق مضيء ينير حياتَك فيجعلها سعيدة هانئة، فلماذا آثَرْتَ البقاءَ في الظلمات؟!

الإيمان إذا فقدته أصبحت كالريشةِ في مهبِّ الريح؛ لا تستقرُّ على حال ولا تسكن إلى قرارٍ، لا تعرف حقيقةَ نفسِك ولا سرَّ وجودِك، الإيمانُ حصنك فاحتمِ به، ودرعك فاحرص عليه، وطوق النجاة فتشبث به.

دعاء القلب الموصول بالله:
• اللهم ارزقني إيمانًا صادقًا يباشرُ قلبي، حتى أعلمَ أنَّ ما أصابني لم يكن ليخطئني وما أخطأني لم يكن ليصيبني.

• اللهم حبِّب إلينا الإيمانَ وزينه في قلوبِنا، وكرِّه إلينا الكفرَ والفسوقَ والعصيان، واجعلنا من الرَّاشدين.

[1] في ظلال الإيمان ص (67 -70) باختصار؛ د. صلاح الخالدي.

[2] الإيمان والحياة ص (17 - 18)؛ د. يوسف القرضاوي.

[3] في ظلالِ القرآن ج 5، ص (2939)؛ سيد قطب.

[4] الإيمان والحياة، ص (87).

[5] في ظلالِ القرآن ج 4، ص (2397).

[6] متفق عليه؛ رواه البخاري (2475)، ومسلم (211).

[7] لمزيد من الأسباب راجع كتاب الإيمان بالله ص (139 -151)؛ د. علي الصلابي، فقد استفدت منه كثيرًا.

[8] خماسيات مختارة في تهذيبِ النفس الأمَّارة ص (89)؛ د. فضل عباس.

[9] شجرة الإيمان ص (50)؛ الشيخ عبدالرحمن السعدي.




د. هاني درغام







http://krrar2007.googlepages.com/faselward2.gif