المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشفاعة والطريق إلى تحصيلها


المراقب العام
01-03-2017, 03:24 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif


بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :



من مقتضيات الشفاعة، أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى عن عبده فيغفر له الذنوب، أو ينجيه من النار بعد استحقاقها، أو يخرجه منها بعد دخولها، أو يرفع له درجته في الجنّة، ولا شك أن هذه الأمور مما يتمنّى المرء تحقّقها والظفر بها، الأمر الذي يدفعه عن السؤال عن السبيل إلى ذلك.


http://articles.islamweb.net/PicStore/Random/1377508760_188737.jpg


وسوف نستعرض جملةً من الأسباب المحقّقة للشفاعة، مع التنبيه إلى أننا لا نعني شفاعة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بخصوصها، إنما نقصد الشفاعة بمعناها العام، والتي تكون للأنبياء، والصالحين، وشفاعة الأعمال الصالحة للعبد، فنقول وبالله التوفيق:

أولاً: سلامة المعتقد والخلوص من الشرك: وهذا أمرٌ متفقٌ عليه، فالشفاعة إنما تكون في أهل الإخلاص، الذين تخلّصوا من عوالق الشرك المحبط للعمل، ومن أدران الكفر، فهي خالصةٌ لهم دون العالمين، وكلّما كمل توحيد أكمل العبد كان أولى بالشفاعة من غيره، ويدلّ على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه سأل النبي –صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوّلُ منك؛ لما رأيتُ من حرصكَ على الحديث: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة، من قال لا إله إلا الله، خالصاً من قلبه، أو نفسه)، وفي روايةٍ أخرى: (خالصاً من قِبَلِ نفسه)، ومعنى: (أوّلُ منك)، ألا يسبقك إلى هذا السؤال أحد.

والمقصود أن أوفر الناس حظّاً بالشفاعة هم أهل التوحيد، فأمّا أهل الكفر والشرك فليس لهم من الشفاعة نصيب، كما قال الله تبارك وتعالى: { فما تنفعهم شفاعة الشافعين} (المدثر: 48)، ولا يُستثنى من ذلك إلا الشفاعة الخاصة للنبي –صلى الله عليه وسلم- في حق أبي طالب، والتي يكون بها تخفيف العذاب عنه، كما صحّ بذلك الحديث.

والسعادة بشفاعة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام تتفاوت مراتبها بتفاوت الشفاعات النبويّة، فمن الناس من تناله الشفاعة فتقيه من دخول النار بعد أن يستوجب دخولها، ومنهم من يُعذّب في جهنّم ثم تدركه الشفاعة فتخرجه من النار، ومنهم من تناله الشفاعة بدخول الجنة بغير سابقة حسابٍ ولا عذاب، ومنهم من تُرفع له درجته في الجنة بالشفاعة، فكلّ هؤلاء مشتركون في مطلق السعادة، لكن أهل التوحيد الخالص هم أسعد الناس بتلك الشفاعات النبويّة.

وثمّة حديثٌ آخر يؤكّد اختصاص أهل التوحيد بالشفاعة، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجّل كلُّ نبيٍ دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ –أي: حاصلة- إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً) رواه مسلم.

ولنا في الشفاعة ما يدلّ على رحمة النبي عليه الصلاة والسلام ورأفته بالخلق، فقد خُيّر بين دخول نصف أمته الجنّة، وبين قيامه بالشفاعة العامّة، فاختار الثانية؛ لأنها تعمّ العديد من أهل التوحيد وتشملهم، فقد روى عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أتاني آتٍ من عند ربي، فخيّرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً) رواه الترمذي وابن ماجه.

ثانياً: قراءة القرآن والعمل به: وهاتان العبادتان من أعظم ما يُتوصّل بهما إلى الشفاعة، والتجاوز عن الذنوب وغفرانها، والعلوّ في الجنة والترقّي فيها، وقد دلّت جملةٌ من النصوص النبويّة على فضل القرآن وقيامه بالشفاعة لصاحبه، ومن ذلك حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اقرءوا القرآن؛ فإنه يأتي شفيعاً يوم القيامة لصاحبه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان، أو كأنهما غمامتان، أو كأنهما فرقانٌ من طيرٍ صوافّ، يحاجّان عن أصحابهما) رواه مسلم، و(الزهراوين) جمع أزهر، وهو ما كان شديد الإضاءة؛ وسمّيت البقرة وآل عمران بذلك لعظيم نورهما وهدايتهما، ومعنى الغمامة والغياية: كل ما أظل الرأس من سحابةٍ أو غيره، والفرقان من الطير الصوافّ: المجموعتان من الطيور التي بسطت أجنحتها، والمتّصلة ببعضها، حتى إنها تُظلّ من يوجد تحتها، والمحاجّة: الدفاع عن صاحبهما.

والمقصود أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد بيّن في السياق السابق استحقاق قاريء القرآن للشفاعة يوم القيامة، وهذا الفضل يتأكّد عند من كان من أصحاب سورتي البقرة وآل عمران فإنهما تتولّيان الدفاع عن قارئهما يوم القيامة.
وقد جاء في حديث آخر ما يدلّ على شفاعة سورة الملك لصاحبها حتى تُغفر ذنوبه، وهو ما أخبر به أبو هريرة رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي سورة: {تبارك الذي بيده الملك}) رواه أصحاب السنن.

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (القرآن شافعٌ مشفَّع، وماحلٌ مُصَدَّق، من جعله إمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار) رواه ابن حبان في صحيحه. ومعنى قوله (ماحلٌ مًصَدّق): مجادلٌ ومدافعٌ عن صاحبه.

ومن شفاعات القرآن الثابتة ما ورد من إكرامه لأهل القرآن القارئين له، العاملين بمقتضاه، والمتدبّرين لآياته، كرامةً خاصّة ليست لأحدٍ سواهم، ونجد مظاهر هذه الكرامة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب! حلِّه. فيُلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب! زده. فيُلبس حُلَّة الكرامة، ثم يقول: يا رب! ارض عنه. فيرضى عنه، فيُقال له: اقرأ وارق. ويزاد بكل آيةٍ حسنة) رواه الترمذي وصحّحه.

والوصول إلى شفاعة القرآن يتطلّب ممن يريدها دوام القراءة والتدبّر والعمل به والأخلاص في ذلك كله، ويُفهم هذا من عموم حديث معقل بن يسار رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اعملوا بالقرآن، وأحلّوا حلاله، وحرّموا حرامه، واقتدوا به، ولا تكفروا بشيء منه، وليسعكم القرآن وما فيه من البيان؛ فإنه شافعٌ مشفّع) رواه الحاكم في المستدرك وصحّحه.




إسلام ويب

http://krrar2007.googlepages.com/faselward2.gif

المراقب العام
01-03-2017, 03:26 AM
تحدثنا في جزء سابق عن استحقاق أهل التوحيد لنيل الشفاعة وتحصيلها، ومكانة القرآن الكريم في الشفاعة لقرّائه وحفّاظه والعاملين بمقتضاه، وهناك أيضاً جملة من الأمور التي تشفع لصاحبها يوم القيامة ومن ذلك:

ثالثاً: الصيام كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفّعني فيه، فيشفعان) رواه الحاكم في المستدرك وصحّحه.

رابعاً: الدعاء عقب الأذان، وذلك بسؤال الله تعالى أن يؤتي نبينا عليه الصلاة والسلام منزلة الوسيلة، وأن يجعل له الشفاعة العامّة، ودليل ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة) رواه البخاري.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إذا سمعتم المؤذن، فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا علي، فإنه من صلّى علي صلاةً، صلّى الله عليه بها عشراّ، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة، حلّت له الشفاعة) رواه مسلم.

ومعنى الحديثين السابقين، أن من سأل الله تعالى لنبيّه أن يؤتيه منزلة الوسيلة، استحق أن يشفع له النبي عليه الصلاة والسلام، مجازاةً لدعائه؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فلمّا دعوا للنبي -صلى الله عليه وسلم- استحقوا أن يدعو هو لهم، فإن الشفاعة نوع من الدعاء، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية.

خامساً: الصلاة على النبي –صلى الله عليه وسلم-: ورد في ذلك حديث لأبي الدرداء رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلّى عليّ حين يصبح عشراً، وحين يمسي عشراً، أدركته شفاعتي يوم القيامة) رواه الطبراني في المعجم الكبير.

سادساً: استيطان المدينة النبويّة، والصبر على شدائدها، والموت بها: ودليله ما رواه مسلم في صحيحه، أن مولى المهري جاء أبا سعيد الخدري رضي الله عنه ليالي الحرة، وهي فتنةٌ مشهورة حدثت في ذلك الزمان، كَثُرَ فيها السلب والنهب، فاستشاره المولى في الجلاء من المدينة والفرار منها، وشكا إليه أسعارها وكثرةَ عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها وشدّتها، فقال له: ويحك لا آمرك بذلك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(لا يصبر أحد على لأوائها، فيموت، إلا كنت له شفيعاً - أو شهيداً - يوم القيامة، إذا كان مسلماً) وهذا الحديث يقتضي أن فضيلة استيطان المدينة والبقاء بها، باقيةٌ إلى يوم القيامة.

سابعاً: الصبر على موت الأولاد: جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من الناس مسلم، يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم) رواه البخاري، وقوله: (لم يبلغوا الحنث) يريد أنهم لم يبلغوا أن تجرى عليهم الأقلام بالأعمال.

وعن أبي النضر السلمي رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: (لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد، فيحتسبهم: إلا كانوا له جنة من النار)، فقالت امرأة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أو اثنان؟ فقال: (أو اثنان)، رواه مالك في الموطأ.

ثامناً: كثرة من يصلي على من مات من المسلمين: دليله حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من ميّت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة، كلّهم يشفعون له، إلا شُفّعوا فيه) رواه مسلم.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أنه مات ابنٌ له فقال لمولاه: يا كريب، انظر ما اجتمع له من الناس -يسأل عن عددهم-، يقول كريب: فخرجت، فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال ابن عباس: تقول هم أربعون؟ قال: نعم، قال: أخرجوه، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: (ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا، لا يُشركون بالله شيئاً، إلا شفّعهم الله فيه) رواه مسلم.

تاسعاً: الإكثار من الصلاة: ويمكن فهم ذلك من الحديث الذي رواه أحمد، عن خادم للنبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه عليه الصلاة والسلام كان مما يقول للخادم: (ألك حاجة؟) حتى كان ذات يوم، فقال الخادم: يا رسول الله، حاجتي، فقال له: (وما حاجتك؟) قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة، فقال عليه الصلاة والسلام: (ومن دلّك على هذا؟)، قال: ربي، فقال –صلى الله عليه وسلم-: (فأعني بكثرة السجود) رواه أحمد.

عاشراً: التوكّل على الله عز وجل، وعدم طلب الرقية من الناس، وترك الطيرة والاكتواء: ويمكن فهم مدى ارتباط هذه الأمور بمسألة الشفاعة من خلال حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (سألتُ الله عز وجل الشفاعة لأمتي، فقال لي: لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، فقلت: يا رب زدني، فقال، فإن لك هكذا: فحثا بين يديه، وعن يمينه، وعن شماله) رواه ابن الجعد في مسنده.

وجاء في حديث آخر أن النبي –صلى الله عليه وسلّم- سأل جبريل عليه السلام عن السبب الذي لأجله تجاوز الله تعالى عن حسابهم وعذابهم، فقال جبريل: (كانوا لا يكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيّرون، وعلى ربهم يتوكلون) رواه البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري.

يقول الإمام السفاريني: "شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه في إدخال قوم من أمّته الجنة بغير حساب، فإن هذه خاصة به أيضاً -صلى الله عليه وسلم-، كما قال القاضي عياض، والإمام النووي".

فهنيئا لمن جعل الدنيا كساعة، واشتغل فيها بالطاعة، قياما بأمر الحبيب صلى الله عليه وسلم، باذلاً كل الأسباب المشروعة لنيل الشفاعة ، جعلنا الله منهم بوجهه الكريم، من غير سابقةِ حساب أو عذاب.