المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقتلاعٌ لجذور الفخر والغُرور


المراقب العام
17-12-2017, 03:14 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif

النقدُ العلميُّ اقتلاعٌ لجذور الفخر والغُرور


السعيد صبحي العيسوي



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد، وعلى آله وصحبه؛ وبعد:
قديماً قيل:
وكُنَّا إذا الجبَّارُ صعَّرَ خدَّهُ ... أَقَمنا لهُ منْ رأسهِ فتقوَّما[1]
***
لا شكَّ أنَّ النقد الـمُحكَم سياطٌ تشفي من أوهام الزهو والغرور العلمي, وإذا أُحكم نسيج الردِّ وقويت مادته كان البرءُ من مخايل الغرور والعظمة أنجع؛ فالقلب الشرود المستشرف لا يزعجه ويوقظه إلا اصطدام بالحقائق المثبتة الراسخة التي تكشف حقيقة حاله، ليعلم أن ستار الزهو أضحى منكشفاً.
وهذا أمر يراه المرء في نفسه وإخوانه كثيراً..
فإن القلم قد يطغى، كاللسان تماماً، ويشتد طغيانه إذا لم يجد من يستوقفه، أو إذا وَجدَ مَن يحابيه وينصره، أو مَن يماريه، فإذا أراد الله بعبده خيراً وفق له من يرده عن التمادي في إعظام النفس ورؤيتها على غير ما هي عليه، وكذلك يرده عن آرائه وأخطائه التي تشي باعتداده بنفسه واغتراره بإمكاناتها واستعجاله؛ لعله يراجع نفسه ويقف على معايبها.
ومما ينبغي التأكيد عليه: الالتزام بضوابط النقد وشروطه، وكذلك الإنصاف والورع، والرد بعلم وبيِّنة واضحة، ولا يكون الهدف من ذلك إسقاطه، بل تقويمه والنصح له وللأمة.
وإذا ضُمت إلى النقد كلماتٌ طيبةٌ تستميل قلب المنصوح للخير فإنه يرتجى له حصول المراد وانتفاء المحذور إن شاء الله تعالى.
وعلى المزهو أن لا يحرم نفسه من التماس النصح والاستماع له والانقياد خاصة من أهل العلم والديانة؛ ويقال له:
(عوِّد نفسك الصبر على من خالفك من ذوي النصيحة والتجرع لمرارة قولهم وعذلهم، ولا تسهلن ذلك إلا لأهل العقل والسن والمروءة لئلا ينتشر من ذلك ما يجترئ به سفيه أو يستخف به شانئ)[2].
***
ومما ذكره السخاوي رحمه الله في ترجمة أحد الأعيان أنه (قد اشتهر أمره وأشاع أتباعه أنه يحفظ الصحيحين وأنه إمام الناس في المذهب الشافعي والحنفي وفي غيره من العلوم على جاري عادة العجم في التفخيم والتهويل، بحيث كان حاملا لنوروز[3] على الاجتماع به فراج عليه سيما لما حدَّثه عن ملوك الشرق فولاه تدريس الصلاحية به بعد الشهاب ابن الهائم، فباشرها ولم يلبث أن دخل المؤيد القدس بعد قتله نوروز فراج أمره عليه أيضا، وعظم في عينيه، فأقره على الصلاحية. ولما رجع لمصر هاداه الهروي وكاتبه وسأله في القدوم عليه فأذن له فقدم القاهرة في صفر سنة ثماني عشرة بعد أن خرج الطنبغا العثماني لتلقيه وصعد به إلى القلعة وبالغ السلطان في إكرامه وأجلسه عن يمينه، ثم أنزله بدار أعدت له وأنعم عليه بفرح بسرج ذهب وقماش ورتب له في كل يوم ثلاثين رطل لحم ومائتي درهم وتبعه كثير من الأمراء والمباشرين والأعيان في إكرامه بالهدايا الوافرة فتزايد اشتهار الدعاوى العريضة منه وأنه يحفظ عن ظهر قلب صحيح مسلم بأسانيده وصحيح البخاري متنا بلا إسناد بل تارة يقول أنه يحفظ اثني عشر ألف حديث بأسانيدها، فعقد له المؤيد مجلساً بين يديه بالعلماء وألزم بإملاء اثني عشر حديثاً متباينة فلم يفطن لذلك، ولا عرف المراد به ولا أملى ولا حديثاً واحداً بل لم يورد حديثا إلا وظهر خطأه فيه بحيث ظهر لمن يعتمد مجازفته وأن كل ما ادعاه لا صحة له وما أمكنه إلا التبري مما نسب إليه)[4].
قال السخاوي بعد إيراد ترجمته:
(وكان معدوداً من أعيان الأئمة العلماء، لكنه لم يرزق السعادة في مناصبه؛ لأنه كان ظنيناً بنفسه معجباً بها إلى الغاية، فعجزه الله)[5].
هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه،،

تم تقييده يوم الخميس الموافق 26/ 3/ 1439هـ


-----------------------------------
[1] نسبه ابن أبي زمنين في تفسيره (3/ 376) للمتلمس (جرير بن عبدالمسيح)، ونسبه أبو عبيدة معمر بن المثني في مجاز القرآن (2/ 127) لجابر بن حُنَيٍّ التغلبي، والنص المثبت أعلاه من تفسير ابن أبي زمنين.
[2] الأدب الكبير والأدب الصغير لابن المقفع، ص21.
[3] صاحب مملكة الشام، كما ذكر السخاوي.
[4] الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (8/ 151- 152) باختصار مواطن منه.
[5] الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (8/ 154).