المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : درع العفاف .. الحياء والحجاب


المراقب العام
26-12-2017, 03:58 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}[آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }[النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب:70-71]
أما بعد:

عباد الله، إن مكارم الأخلاق هبة سنية من الله تعالى لمن يشاء من عباده، تغرس فيهم الائتلاف والتلاحم، والتعاون والتراحم، والأمن والمحبة والسعادة والهناء، وأي أمة ساءت أخلاق أهلها فإن معاول الهدم ستعمل فيها، وتُنشر عليها سحائب الشقاء وتستنزل إليها أسباب البلاء وعوامل الفناء.
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
واعلموا عباد الله، إن عمدة هذه الأخلاق وسيدها خلق الحياء، يقول ابن القيم رحمه الله: "خلق الحياء من أفضل الاخلاق وأجلها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق لم يقر الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد أمانة، ولم يقض لأحد حاجة، ولا تحرى الرجلُ الجميلَ فآثره، والقبيحَ فتجنبه، ولا ستر له عورة، ولا امتنع من فاحشة، وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيئاً من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقا، ولم يصل له رحما، ولا بر له والدا؛ فإن الباعث على هذه الأفعال إما ديني وهو رجاء عاقبتها الحميدة، وإما دنيوي علوي وهو حياء فاعلها من الخلق، فقد تبين أنه لولا الحياء إما من الخالق، وإما من الخلائق لم يفعلها صاحبها".

إخوة الإسلام، إن خلق الحياء شعبة وخصلة من الإيمان، فمن لا حياء له لا إيمان له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار» (رواه أحمد وابن حبان، وهو صحيح).

ولما كان كذلك أحبه الله وأحب المتصفين به من أهل الإسلام، فعن أشج عبد القيس أنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فيك خلتين يحبهما الله عز و جل قلت: ما هما؟ قال: الحلم والحياء، قلت: أقديماً كان فيّ أم حديثاً؟ قال: بل قديما، قلت: الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما» (رواه أحمد، وهو صحيح).

فلا عجب أن كان هذا الخلق هو خلق الإسلام الأعلى حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل ديناً خلقاً، وخلق الإسلام الحياء» (رواه ابن ماجه ومالك، وهو صحيح).

فإذا رفع هذا الخلق من بين الناس فقد رفعت من بينهم أعظم نعمة عليهم ألا وهي نعمة الإيمان قال رسول الله: «إن الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر» (رواه البخاري في الأدب المفرد).

معشر المسلمين، إن خلق الحياء يدعو صاحبه إلى ملازمة الفضائل، والبعد عن الرذائل، ومن الفضائل: القيام بطاعة الله تعالى، ومن تلك الطاعات: العفاف وصيانة العرض.

ومن الرذائل ارتكاب المعاصي والذنوب المتعلقة بحق الله، أو بحق الناس، ومن تلك المعاصي خدش جدار العفة بالجرائم الجنسية ومقدماتها، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحيي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء) (رواه أحمد و الترمذي والحاكم، وهو صحيح).

كم من إنسان أراد مواقعة الفاحشة فنازعه حياؤه وانتزعه من بين أنيابها وقد أوشك أن يكون فريستها:
ولقد أصرِف الفؤاد عن الشيء *** حياء وحبه في السواد
أمسكُ النفس بالعفاف وأمسي *** ذاكراً في غدٍ حديث الأعادي
وقال الآخر:
ورب قبيحة ما حال بيني *** وبين ركوبها إلا الحياء
إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً *** تقلَّب في الأمور كما يشاء
وبهذا الخلق الشريف - يا عباد الله - يظل المسلم مراقباً لربه، خائفا من وقوعه في سخطه، ولو تجمّلت له المعاصي بأبهى الحلل، فإن حياءه يعرِّفه بهرجها الزائف فيباعده عنها مباعدةَ المشرقين فنعم القرين.

إن الحياء حمل صاحبه على احترام الناس وإنزالهم منازلهم، فأحبوه وأكرموه فمنعه ذلك من الإساءة إليهم، وعمل ما يكرهونه منه، أو أن يطلعوا منه على عيب ومنقصة تنزله من عيون التقدير والشرف، قريبين كانوا أو بعيدين، وحينما تدرع به رجعت سهام الخطيئة خائبة كسيرة.

مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض طرق المدينة فسمع امرأة تقول:
دعتني النفس بعد خروج عمرو *** إلى الفحشاء فاطّلع اطلاعا
فقلت لها عجلتِ فلن تطاعي *** ولو طالت إقامته رباعا
أحاذر إن أطعتك سب نفسي *** ومخزاة تجلّلني قناعا
فأُتي بالمرأة إلى عمر فقال لها: أي شيء منعك؟ قالت: الحياء وإكرام عرضي، فقال عمر: إن الحياء ليدل على هَنَات ذات ألوان، من استحيا استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وقي. وكتب إلى زوجها فأقفله إليها.

إخواني الكرام، إن هذا الخلق الكريم يتعرض كل يوم لهجمات شرسة من قبل أعداء العفة ومن بعض الجاهلين والمخدوعين، ويدلنا على ذلك كثرة الجريمة المتنوعة التي وصلت أحياناً إلى المجاهرة والمفاخرة والدعوة إلى ركوبها والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» (متفق عليه).

وما كان ذلك إلا لذهاب الحياء وتلاشيه من نفوس أولئك المذنبين المجاهرين، نسأل الله لنا ولهم الهداية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة إذا لم تستح فافعل ما شئت» (رواه البخاري). وقال عمر رضي الله عنه: "من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه".

وحينما قل الحياء ظهر التبرج والسفور والتلاعب بالحجاب، وتعرضت النساء للمعاكسات والمضايقات في الطرقات، وكثرت رسائل العابثين واتصالاتهم لإيذاء العفيفات والعفيفين، وبدت المقاطع المسيئة للحياء والخلق بالظهور على شاشات الجوالات، وصفحات شبكة المعلومات.

وحينما قل الحياء مُجِّد الذين يبيعون حياءهم بلذة عابرة وينشرون بين الناس التجرؤ على الفحش والخطيئة.

وعندما قل الحياء بدأنا نسمع المناداة بتطبيق الاتفاقيات الدولية المخالفة للشريعة الإسلامية، التي تتعلق بالمرأة لإخراج المرأة من محار حيائها وحشمتها إلى وهج الشمس المحرقة لأجمل صفاتها وأبهى سماتها.
فجمال الرجال عقل رجيح *** والغواني جمالهن الحياء
أمة الإسلام، إن الحياء خصلة حميدة من الناس رجالاً ونساء، غير أنه يحمد من المرأة أكثر من الرجل؛ لأنه السور المنيع الذي يحرسها ويصونها من سهام العيون المعتدية والنيات الآثمة، والأيادي المجرمة.

وهو يجعلها مثلاً للاحترام والتقدير، ومنبعاً صالحاً لإخراج الأجيال الصالحة.

وأصحاب الفطرة السليمة من الرجال يرون المرأة كريمة عظيمة بحيائها وعفتها وصيانتها لنفسها، وحفاظها على شرفها وشرف أسرتها.

وانظروا إلى حياء بنت صاحب مدين عندما عادت إلى موسى عليه السلام لتدعوه إلى مكافئة أبيها على سقيه لهما غنمهما، قال تعالى: {فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }[القصص:25]، قال عمر رضي الله عنه: جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها ليست بسلفع من النساء ولاجّة خرّاجة.
(السلفع من النساء: الجريئة).

عباد الله، إن الحياء إذا قل التمسك به بين النساء وصار الرجال يرون ذلك من قريباتهم ولا يغارون فقد فُتحت على المجتمع أبواب الشرور.
إذا ذهب الحياء من النساءِ *** وأضحى الدُر نهباً في العراءِ
ولم يغرِ الرجال فقد أطلّتْ *** على الأحياء أسبابُ الشقاء
إن الأصل في جبلة المرأة أن تصاحب الحياء ولا تفارقه، فما بال بعض النساء بدأن يكرهن مرافقة هذا الحارس الأمين!!

لعل من الأسباب تواتر الذنوب وكثرتها، والمعاصي لها عقوبات، ومن عقوباتها: ذهاب الحياء يقول ابن القيم رحمه الله: "من عقوبات المعاصي: ذهاب الحياء الّذي هو مادّة حياة القلب، وهو أصل كلّ خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصّحيح "الحياء خير كلّه ". والمقصود أنّ الذّنوب تضعف الحياء من العبد، حتّى ربّما انسلخ منه بالكلّيّة حتّى إنّه ربّما لا يتأثّر بعلم النّاس بسوء حاله، ولا باطّلاعهم عليه، بل كثير منهم يخبر عن حاله وقبح ما يفعل، والحامل له على ذلك انسلاخه من الحياء، وإذا وصل العبد إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه مطمع. وإذا رأى إبليس طلعة وجهه حيّا وقال: فديت من لا يفلح، ومن لا حياء فيه ميّت في الدّنيا شقيّ في الآخرة، وبين الذّنوب وقلّة الحياء وعدم الغيرة تلازم من الطّرفين، وكلّ منهما يستدعي الآخر ويطلبه حثيثا، ومن استحيا من اللّه عند معصيته استحيا اللّه من عقوبته يوم يلقاه، ومن لم يستح من معصيته لم يستح اللّه من عقوبته".

أيها المسلمون، إن الإعلام السيء كان له دور كبير في إبعاد النساء عن ملازمة الحياء بما يبثه من برامج ومسلسلات ولقاءات وليس فيها شيء اسمه الحياء، فصار بعض النساء تتعلم مما تشاهد وتطبقه في واقع حياتها.

وغدت لا تبالي بالاختلاط، وتراه مسألة سهلة، وجرأة محمودة، ولا تدري أن الاختلاط مع الرجال يفقدها الحياء يوماً بعد يوم.

وبعض النساء لا تكتفي بإذهاب حيائها وحدها، وإنما تدعو غيرها لمثل أفعالها، فلتكن المسلمة الحريصة على حيائها بعيدة عن هذه الأمثلة السيئة ولا تغتر بهن.

عباد الله، إن المسلم يحتاج إلى تفقد دينه وأخلاقه كما يتفقد أمور دنياه، فينظر من نفسه جوانب الإيجابيات فيستمر عليها، وجوانب السلبيات فيصلحها ويزيل أسبابها، ومن ذلك خلق الحياء فانظر إلى نفسك يا عبدالله، هل تستحي من الله ومن خلقه وما هي براهين ذلك؟

فاسعَ ما استطعت إلى تقوية حيائك؛ فإنه حياتك السعيدة في الدنيا والآخرة، قَوِّ في قلبك تعظيم الله وخشيته والخوف منه بمعرفة الله وأسمائه وصفاته ودينه الذي شرعه لعباده.

جالس أهل الحياء وتعلم منهم، واقرأ عنهم، واسلك طريقهم ومنهجهم، وأبعد نفسك عن القنوات والبرامج التي تسرق منك الحياء، وأنت تشعر أولا تشعر، وربِّ أولادك وخاصة البنات على الحشمة والحياء بالقدوة الحسنة، وإعطائهم البرامج النظيفة التي تنشئهم نشأة صالحة.

إخوة الإسلام، إن الحياء الذي حمدناه وتحدثنا عن فضله وأهميته ليس معناه التماوت والخجل، وترك قول الحق والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما هو: خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق يمتنع به صاحبه من التقصير في حق ذي الحق.

فليس من الحياء أن نرى المنكر يُفعل ونسكت، ونرى المعروف يترك فلا نأمر، فهؤلاء ساداتنا أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام كانوا على أعلى قمم الحياء ومع ذلك كانوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر.

قالت عائشة رضي الله عنها في حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها" (متفق عليه).

أما في الأحوال التي ليست لها علاقة بالأمر والنهي فقد كان عليه الصلاة حييًا جدا، فقد كان بعض الصحابة يأتون إلى منزله فيطيلون الجلوس للاستئناس بالحديث فيستحي عليه الصلاة والسلام أن يقول لهم: انصرفوا، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}[الأحزاب:53].

وهذا نبي الله موسى عليه السلام يقول عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ موسى كان رجلاً حييّا ستّيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل. فقالوا: ما يستتر هذا التّستّر إلّا من عيب بجلده: إمّا برص وإمّا أدرة، وإمّا آفة، وإنّ اللّه أراد أن يبرّئه ممّا قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده فوضع ثيابه على الحجر ثمّ اغتسل، فلمّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر. ثوبي حجر، حتّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق اللّه، وأبرأه ممّا يقولون. وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فو اللّه إنّ بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا فذلك قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً» (متفق عليه).

الخطبة الثانية

حمداً لمن يسند إليه كل حمد، وصلاة وسلاماً على رسوله محمد، وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار، أما بعد:

أيها المسلمون، إن من ثمرات الحياء عند المرأة: لزومها للحجاب الشرعي الذي أمر الله تعالى به، ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وحجاب المرأة عبادة تتقرب بها إلى ربها عز وجل، وليس عادة وعرفاً وطنياً، فإذا خرجت من بلد الحجاب نزعته كما يحدث من بعض النساء في الأسفار وعلى متن الطائرات، وغيرها من وسائل المواصلات.
حجابك مفخر يكسوكِ عزاً *** يزيدك في الورى حسناً مبينا
يصونك من أذية كل مؤذٍو *** يصبح منك حارسَك الأمينا
وليس بعادة فينا ولكن *** قضاه الله تشريعاً ودين
عباد الله، إن حجاب المرأة واجب ديني شرعه الله تعالى صيانة للمرأة، وحماية لها، وسلامة للرجال من دواعي الفتنة، وأسباب الخطيئة، وحفظاً للمجتمعات من الفساد، وتنزيهاً للأعراض من الريبة، وهو بذلك أمر من الخالق العليم الحكيم الذي يعلم مصالح عباده فيشرع لها ما يحفظها، ويعلم المفاسد التي تضر الخلق فيشرع ما يدفعها.

والحجاب مصلحة للمرأة والرجل والمجتمع في كل زمان ومكان، وما على المخلوق إلا التسليم لأمر خالقه والانقياد له، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}[الأحزاب:59]، أي: يسترن جميع البدن ولا يظهر منه شيء قاله ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: (وليضربن على جيوبهن)، شققن مروطهن واختمرن بها" (رواه البخاري).

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت لما نزلت هذه الآية: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة، وعليهن أكسية سود يلبسنها.

معشر المسلمين، إننا - بحمد الله - في هذه البلاد ما زلنا بخير في حجاب المرأة، ولكن هذا الخير بدأ يتناقص ويطوى شيئاً فشيئاً بمظاهر ووسائل متعددة، ومن ذلك صفة الحجاب.

وتعلمون جميعاً - إخوتي الكرام - أن الله شرع الحجاب للستر، ومنع العيون المرسلة، وليس لتجميل المرأة وتزيينها أمام الناس الأجانب، فقد ظهر في أيامنا أنواع من الأحجبة والعبايات التي تحسن المرأة ولا تسترها؛ لكونها مزركشة ومزينة وضيقة أو شفافة أو لامعة ونحو ذلك مما يدعو الناظرين إلى النظرة الحرام.

هذا ليس الحجاب الذي شرعه الله للنساء، إنما الحجاب الذي شرع للمرأة أن يكون ساتراً سميكاً وسيعاً غير شفاف ولا وصّاف ولا يجذب العيون بما عليه من أسباب الجذب.

ولكن بعض النساء - بسبب الجهل أو الغفلة أو الانهزام النفسي أو التقليد الأعمى أو حبها لإعجاب الرجال بها - تسارع إلى شراء تلك الحجابات غير الحاجبة والعبايات غير الساترة، وهنا يجيء دور أولياء الأمور في النظر في حجاب زوجاتهم أو بناتهم، فالأب راع ومسؤول عن رعيته، والزوج راع ومسؤول عن رعيته، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم.

وعلى أولئك الخياطين الذين يخيطون هذه العبايات الفاتنة أن يتقوا الله في نساء المسلمين؛ فلا يخيطون ما يفتن النساء والرجال؛ فإن الكسب من هذا الفعل كسب حرام، وقد جعل الله لهم من الحلال متسعاً، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

فيا أيها المسلمون، الحفاظَ الحفاظَ على خلقي الحياء والحجاب؛ فإنهما يحميان بناء العفاف، ويوصلان إلى جعله خلقاً راسخاً في النفس، والتربيةَ التربية للأولاد ذكوراً وإناثاً على الاهتمام بذلك، ولنوقن جميعاً أن التقصير في هذا قد يخدش العفاف، ويوصل الإنسان إلى ما لا تحمد عقباه.

نسأل الله أن يستر عوراتنا، وأن يؤمِّن روعاتنا، وأن يصلحنا وأزواجنا وذرياتنا.

{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:74].

هذا وصلوا على خير البشرية....
عبدالله بن عبده نعمان العواضي