المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسجد بني أنيف


المراقب العام
25-06-2018, 05:50 AM
https://islamstory.com/images/upload/content/2123883176masged-onaif.jpgملخص المقال

مسجد بني أنيف من آثار السيرة النبوية في المدينة المنورة، فما قصة هذا المسجد؟ وأين يقع؟ وتحقيق الأسماء المشهور بها؟

في المدينة المنورة (https://islamstory.com/ar/artical/3407848/تاريخ-المدينة-المنورة) العديد من المواقع التاريخية التي ارتبطت بـسيرة الرسول (https://islamstory.com/ar/cat/622/السيرة-النبوية) المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إليها, وباتت مقصدًا لزوار المدينة المنورة للاطلاع عليها واستذكار سيرته العطرة, والتعرف على بدايات التاريخ الإسلامي (https://islamstory.com/ar/cat/593/islam-history) من طيبة الطيبة.
ومن هذه المواقع مسجد «بني أُنَيف» الذي يقع في الناحية الجنوبية الغربية من مسجد قباء (https://islamstory.com/ar/artical/1271/بيوت_النبي_ومسجد_قباء), يبعد عنه بنحو مئتى متر أو زيادة تقريبًا، على يمين القادم إِلى المدينة المنورة من طريق الهجرة (https://islamstory.com/ar/cat/%2028/الهجرة), ويُعرف كذلك بـ "مسجد مصبح"، ولا يزال هذا المسجد قائم على حاله، ويتكون البناء الحالي للمسجد من بناء من حجر غير مسقوف, ويقصده الزوار والمهتمين بالتاريخ الإسلامي.
يقول الأستاذ المشارك في جامعة طيبة والباحث في تاريخ المدينة المنورة الدكتور فهد بن مبارك الوهبي أن المسجد يعود لقبيلة بني أنيف (تصغير أنف) من بلي، وهم حلفاء لأهل قباء بني عمرو بن عوف، ويسمى المسجد باسمهم، ويسمى أيضًا عند بعض المؤرخين بمسجد (مصبح)، لما ورد من أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم صلى فيه الصبح يوم الهجرة, مُشيرًا إلى أن هذا المسجد ذكره عدد من المؤرخين عبر التاريخ ومنهم: المطري, والفيروزآبادي, والسمهودي[1].
قصة المسجد وصلاة النبي فيه:

أخرج الطبراني في معجمه الأوسط عَنْ حُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحٍ: أَنَّ طَلْحَةَ بْنَ الْبَرَاءِ، لَمَّا لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مُرْنِي بِمَا أَحْبَبْتَ، فَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا، فَعَجِبَ لِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ، فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ: «اذْهَبْ، فَاقْتُلْ أَبَاكَ» ، فَقَالَ: فَخَرَجَ مُوَلِّيًا لِيَفْعَلَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: «أَقْبِلْ، فَإِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِقَطِيعَةِ رَحِمٍ» ، فَمَرِضَ طَلْحَةُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فِي الشِّتَاءِ فِي بَرْدٍ وَغَيْمٍ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأَهْلِهِ: «إِنِّي لَا أَرَى طَلْحَةَ إِلَّا قَدْ حَدَثَ فِيهِ الْمَوْتُ، فَآذِنُونِي حَتَّى أَشْهَدَهُ وَأُصَلِّي عَلَيْهِ، وَعَجِّلُوهُ» ، فَلَمْ يَبْلُغِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ حَتَّى تُوُفِّيَ، وَجَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ، فَكَانَ فِيمَا قَالَ طَلْحَةُ: ادْفِنُونِي، وَأَلْحِقُونِي بِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَلَا تَدْعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْهِ الْيَهُودَ، وَأَنْ يُصَابَ فِي سَبَبِي، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ، فَجَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ، فَصَفَّ النَّاسُ مَعَهُ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ، الْقَ طَلْحَةَ تَضْحَكُ إِلَيْهِ وَيَضْحَكُ إِلَيْكَ»[2].
والحديث قال عنه الهيثمي في مجمع الزوائد: رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَكَتَ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ حَسَنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ[3].
وقد ضعف الحديث الشيخ الألباني رحمه الله لجهالة بعض رواته[4]، وعلى فرض صحة الحديث، ففي أثناء عيادة الصحابي الشاب طلحة بن البراء رضي الله عنه كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلى صلواته في هذا المسجد مع قرب مسجد قباء منه. فكان بنو أنيف يرشون موضع صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالماء، ويتعاهدونه صيانه له، وحفاظًا على موضعه، ثم قاموا ببناء مسجدهم هذا على ذلك الموضع هناك. فقد أورد السمهودي، عن عاصم بن سويد عن أبيه قال: سمعت مشيخة بني أنيف يقولون: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كان يعود طلحة بن البراء قريباً من أطمهم)، قال عاصم: قال أبي: فأدركتهم يرشون ذلك المكان ويتعاهدونه ثم بنوه بعد[5].
«مصبح» و«العصبة» أسماء مشهورة وتحقيق نسبتها للمسجد:

يقول ضياء بن محمد بن مقبول عطار أحد باحثي المدينة: أضاف بعض مؤرخي المدينة المنورة من المتأخرين لمسجد بني أنيف هذا مسمى آخر، وسموه مسجد مصبح كما سماه بعضهم مسجد العصبة. وأوردوا لهذه التسميات أسبابًا أخرى غير ما سبق ذكره. وممن سماه مسجد مصبح العلامة السيد أحمد الخياري في كتابه تاريخ معالم المدينة المنورة قديمًا وحديثًا، وذكرفيه أن سبب تسميته بذلك يعود إلى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استقبله الأنصار في موضع هذا المسجد صباحًا عند وصوله إلى المدينة بقباء، فلذلك سمى بمسجد مصبح، بمعنى أن هذا المسجد بنى على موضع الاستقبال. وتبعه في ذلك كثيرون بعده حتى اليوم، ومنهم الشيخ إبراهيم العياشي في كتابه المدينة بين الماضى والحاضر. وكذلك الدكتور عبدالعزيز كعكي مؤخرًا في كتابه الدر المنثور. غير أنه اختلف عندهم السبب في تسميته بمصبح خلافًا للسيد أحمد الخياري رحمه الله. ورأى هؤلاء أن تسميته بمسجد مصبح، بالميم ثم الصاد المبهمة ثم الباء المشددة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلّى في هذا المسجد صلاة الفجر صبيحة يوم الهجرة قبل أن يصل إلى قباء، وقالوا: وكان ذلك وراء تسميته بمصبح أو بالصبح.

وبما أن هذه التسميات وهذه التعليلات لم يسبقهم إليها أحد من أعلام التاريخ المدني كالإمام عمرو بن شبة في تاريخه، ولا الجمال المطري في تعريفه، ولا المحب ابن النجار فى درته، ولا الزين المراغى في تحقيقه، ولا الإمام السيد السمهودي في وفائه، ولا الحافظ السخاوي في تحفته، ولا الشيخ أحمد العباسي في عمدته وغيرهم، فلم يذكر أحد من هؤلاء مسجد بني أنيف باسم مسجد مصبح، ولا قص هذه الأسباب، ولا يوجد في كتبهم هذا المسمى لهذا المسجد. ولم يذكرهذا المسمى له إلا السيد أحمد الخياري ومن أتى من بعده دون تحقق. ولذلك أقول:

أولاً: إن هذا المسجد بناه بنو أنيف على مصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما سبق، ولم يكن من أسباب وجوده قصة غير ما سبق ذكره من صلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيهإابان زيارته للصحابي الجليل الشاب طلحة بن البراء رضي الله عنه فقط.

ثانيًا: إن الكلام بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصل إلى المدينة المنورة فجرًا، وصلّى فيه الصبح فهو كلام لا يستند إلى دليل. وقد تضافرت الأخبار في كتب السيرة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يصل إلى المدينة يوم الهجرة إلا عند اشتداد حر الظهيرة. وقد كانت الأنصار ينتظرون كل يوم مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على سند الحرة، ثم يعودون إلى ديارهم ورحالهم مع اشتداد حرالظهيرة، وفى اليوم الذي وصل فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم انتظروا كعادتهم، فلما اشتد حر الظهيرة عادوا إلى رحالهم. فلم يلبثوا إلا أن طلع على سماء المدينة بدر محيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منيرًا من ثنية الوداع بقباء، فرآه عن بعد يهودي من أهل المدينة كان يعمل في وقت الظهيرة فصاح بأعلى صوته: يا بني قيلة، يعنى بذلك الأنصار: هذا جدكم أي حظكم الذى كنتم تنتظرونه كل يوم. فخرجوا مسرعين واصطفوا لاستقبال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند ذلك، ولم يكن الوقت ساعتئذ صباحًا حتى تتلاءم هذه التسمية بموضوع هذا المسجد كما ذكرها السيد أحمد الخياري.

ثالثًا: إن القول بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلى فيه صلاة الصبح يوم قدومه المدينة قبل أن يصل إلى قباء. يعنى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان قد حل بقباء في بنى أنيف منذ الفجر، ويقتضى أن الناس قد رأوه في ذلك الموضع منذ صلاة الصبح، فإن كان الأمر كذلك لم يكن هناك داع لانتظاره صلّى الله عليه وسلّم في سند الحرة حتى تشتد الحرارة، وحتى يعود الناس إلى رحالهم بعد انتظار طويل، وحتى يصيح فيهم الرجل من اليهود، يعلمهم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد جاء.

رابعًا: لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد صلى صلاة الصبح بموضع هذا المسجد كما يقولون، فإنه لم يكن يحتاج إلى أن يصل قباء من الوقت إلا لدقائق معدودة، وليس لساعات حتى تشتد حرارة الظهيرة. فإن المسافة التى بين مسجد قباء ومسجد بني أنيف لا يتجاوز للماشي على قدميه من الوقت إلا لعشر دقائق تقريبًا.

خامسًا: إن القول بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان قد وصل قباء فجر يوم الهجرة حتى صلى الصبح بهذا المسجد يتعارض تعارضًا صريحًا مع صريح الأخبار التى تضافرت عند علماء السيرة بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد وصل ثنية الوداع بقباء مع اشتداد الحرارة من الظهيرة.

وبناء علي ما سبق: تسميته مسجد بنى أنيف بمسجد مصبح لا يسنده دليل، ولا يقره النقل المتواتر من أخبار سيرته صلّى الله عليه وسلّم عن يوم وصوله والصواب الذى يعتمد عليه: إن المسجد هو مسجد بنى أنيف الذى بناه بنو أنيف على مصلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذى صلّى فيه إبان زيارته لطلحة بن البراء رضى الله كما سبق. وإطلاق اسم مصبح عليه لا أساس له ولا لتلك الأسباب التى رويت فيه.

بقى لدينا شيء آخر: وهو أن البعض سماه مسجد العصبة، والحال فإن المسجد ليس واقعًا بالعصبة كما يقولون، وليس بقباء هو أيضًا، رغم تقارب المسافات بينهما. وإنما هو بين العصبة وبين قباء كما قاله الإمام زين الدين المراغي في تاريخه تحقيق النصرة. والحال إن قباء كانت منازل بني عمرو بن عوف، وكانت العصبة من منازل بني جحجبا، وموضع المسجد وحوله كانت من منازل بني أنيف. وعليه فإن مسجد بني أنيف لا يصح فيه أن يقال: أنه مسجد العصبة[6].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
[1] موقع الجزيرة أون لاين 31/05/2018.
[2] «المعجم الأوسط» للطبراني (8168) دار الحرمين - القاهرة.
[3] «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» للهيثمي 366/9 مكتبة القدسي، القاهرة : 1414 هـ، 1994م.
[4] انظر: الحديث رقم (3232) من «سلسلة الأحدايث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» للشيخ الألباني.
[5] «خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى» 348/2؛ علي بن عبد الله بن أحمد الحسني السمهودي (المتوفى: 911هـ).
[6] صحيفة المدينة 06/08/2014.