المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منظومة النجاح في الإسلام


المراقب العام
16-07-2018, 05:30 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif


منظومة النجاح في الإسلام






بسم الله الرحمن الرحيم

النجاح ومسيرة النجاح بنكهة إسلامية قليلٌ من كتب عنه -حسب علم الكاتب-، ومعظم من درّب أو كتب عن النجاح كان ناقلاً عن علماء وكُتاب غير مسلمين، والحكمة ضالّة المسلم أنى وجدها فهو أحق بها، لكن الاستدلال بشكل كبير بأقوالهم وأفعالهم وقصصهم أعتقد أنه منقصة وفي تاريخنا الإسلامي ما يشفي ويكفي .
كان الحديث عن النجاح كثيراً ما يكون عن النجاح في حدود الدنيا، وقليلاً ما يتطرق إلى النجاح الأُخروي، والنجاح في علاقة المرء بخالقه .
قد ينجح الإنسان في علاقته مع الآخرين، ويكون محبوباً منهم، لكنه قد يكون ضعيفاً تماماً في علاقته مع ربه وخالقه، فالجماهير الواسعة، والمديح العظيم من الناس لا يساوي حبة قمح إذا كانت علاقة العبد مع ربه واهية .
قد ينجح نجاحاً رائعاً في العبادة المسجدية، ولكنه ليس زوجاً ناجحاً، وقد ينجح في العمل، وليس زوجاً ناجحاً، وقد يكون زوجاً ناجحاً إلى أعلى درجة، وفي عمله ليس ناجحا، وقد ينجح في بيته وفي عمله، لكن مع ربه ليس بناجح، وقد ينجح في بيته وعمله ومع ربه، ومع صحته ليس بناجح.
وقد ينجح الإنسان في علاقته مع ربه، ويكون كثير العبادة والاتصال بالله، لكنه ضعيفاً في علاقته مع الآخرين؛ بل أحيانا يشكون من سوء أخلاقه، وهذا هو التدين المغشوش.
وقد ينجح الإنسان في كِلا الأمرين مع ربه، ومع الناس، لكنه مع نفسه في صراع، لا يكاد يرتقي بنفسه، ويُصلح من شأنها، ويرتقي بها علمياً وتربوياً .
الإنسان يحيا في تقاطعات عديدة بين المادة والروح والنفس .فإذا انحرف نحو إحداها اضطر إلى إهمال الأُخريات. فلا بد أن يحافظ على قدر من التوازن بين هذه الثلاث، فاختلال التوازن يجعل الإنسان يشعر بالخواء، ولا يعرف أبداً معنى الارتواء.
منظومة النجاح في الإسلام هي النجاح الشامل، فلا يُعد النجاح نجاحاً إلا إذا شمل علاقتك بربك، وعلاقتك بزوجتك وأولادك، وأهلك، وعلاقتك بعملك، وعلاقتك بصحتك، وأي خلل في واحدة يُعتبر شرخ في النجاح .

منظومة النجاح في السلام هي الجمع بين هذه المحاور الثلاثة :النجاح مع الله ، والنجاح مع الناس ، والنجاح مع النفس .

المحور الأول النجاح مع الله : استطيع أن اصف أنسان بأنه قوي العلاقة مع الله إذا حقق أموراً ثمانية ونجح فيها .
1. الصلاة: وهي الصلة بين العبد وربه، ومتى ضعف الاهتمام بها ، ضعفت العلاقة مع الله وفيها مطلوب :
- المحافظة على الصلوات في أوقاتها وخاصة الفجر والعصر.
- الحرص على تكبيرة الإحرام، والمجاهدة لنيل البراءتان من النار ومن النفاق لمن حافظ عليها أربعين يوما مع الإمام كما صح في الحديث، ولو في السنة مرة .
- الخشوع واستحضار عظمة الخالق جل وعلا، وأي صلاة تصليها كأنها آخر ركعات في حياتك ،وصلّ صلاة مودع.
- المحافظة على الرواتب (12) ركعة ، وبها يُبنى لك كل يوم بيت في الجنة كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- المحافظة على الجلوس في المسجد بعد الفجر إلى شروق الشمس ولو مرة في الأسبوع فهي الزاد، والطاقة، والشحنة الإيمانية لليوم بكامله.

2. الدعاء : أكثر العباد علاقة مع الله أكثرهم سؤالاً ودعاءً له، فالدعاء خط ساخن مع الله في أي وقت، وفيه مطلوب :
- اطب طعامك واحرص على الحلال تُستجاب دعواتك .
- أقرب الأدعية استجابةً ما كان في القرآن والسنة، فاحفظها وأدع الله بها .
- بين الآذان والإقامة ودبر الصلوات وفي السجود وعند الآذان وفي الثلث الأخير من الليل كلها أوقات إجابة فاحرص أن يكون لك عندها دعوات .
- لتكن لك دعوات تُلح عليها، وما من دعوة تدعو بها إلا لك بها إحدى ثلاث، "إما أن يعجلها الله لك في الدنيا، وإما أن يدخرها لك إلى يوم القيامة، وإما أن يصرف الله عنك من السوء مثلها".

3. الذكر : قُل لي كم تذكر الله أقول لك كم نسبة علاقتك مع الله. ومن أحب شيء أكثر من ذكره، وفي هذا الباب :
- لا تُقصّر في الذكر المقيّد، بالصلوات والأماكن والأحوال.
- اجعل لك ورد تسبيح، وتحميد، وتكبير، واستغفار، وحوقلة، وحسبلة، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء.
- حاول ربط كل أعمالك وحركاتك بذكر ليتبرمج الدماغ معها وتصبح لك عادة.
- أذكار الصباح والمساء حصن حصين من كل شر فلا تقصر فيها.
- حمّل تطبيق "ذكرني" على جوالك ليكون لك مذكراً في كل وقت، فما وجدت تطبيقاً يعين الإنسان على الذكر مثله.

4. القرآن: روح الحياة وحياة الروح، وتقرّب إلى الله بما استطعت، واعلم بأنك لن تتقرب إلى الله بمثل كتابه، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، وفي هذا الباب:
- ليكن لك ورد تلاوة يومياً، ترفع به رصيدك من الحسنات، وتنهل به من النور المبين والذكر الحكيم.
- ليكن لك خطة لحفظ القرآن ولو لعشر سنوات، فحافظ القرآن حسبه أنه قد استدرج النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى له كما جاء في الصحيح.
- ليكن لك مصحف تدبر ولو لسنة أو أكثر، تعيش فيه مع القرآن، تستخرج كنوزه وتتأمل معانيه، وتتدبر آياته.
- ليكن لك خطة ونية أن يكون أحد أولادك يحفظ القرآن.

5. دوام الاستعانة بالله، والتوكل عليه :شعارك فيه :"يارب إن أعطيتني قبلتُ، و إن منعتني رضيتُ، و إن تركتني عبدتُ، و إن دعوتني أجبتُ" .فبغير الرضا عن الله وبالله والقناعة لو ملكت الدنيا كلها فأنت تعيش في جحيم.

6. حُب الخلوة بالله، والتلذذ بمناجاته، ودوام الإنابة إليه.. عن عطاء بن يسار قال: قال موسى عليه السلام : «يا رب من أهلُك الذين هم أهلُك، الذين تظلهم في ظل عرشك»؟ قال: «هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذُكرت ذُكروا بي، وإذا ذُكروا ذكُرت بذكرهم، الذين يسبغون الوضوء عند المكاره، والذين ينيبون إلى ذكري كما تُنيب النسور إلى وكورها، ويَكْلَفون بحبي كما يَكْلَف الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استُحلت كما يغضب النمر إذا حَرِب» [ عبد الرزاق في مصنفه ج 7/ ص 71 حديث رقم: 34275].

7. الإخلاص التام لله؛ فهو يعمل العمل ابتغاء وجهه ونيل رضاه فلا يهمه رضا الناس عنه أو سخطهم عليه.

8. اتخاذ الله أنيسًا؛ فيأنس دوما بقربه منه، بل إنه ينتظر اللحظة التي يخلو فيها بربه ليناجيه ويبث إليه أشواقه، ويشكو إليه ما وجده من صعوبات وإعراض، ويسأله حاجاته، ويشعر بالاطمئنان في جواره.

أخي الحبيب : مناجاة الله ولو لثوانٍ تمنحك طاقةً هائلة لا تُقدّر بثمن، تجدها حين تحتاجها في المصائب والملمات.
اذا أردت أن تقيس نسبة علاقتك مع الله فضع لكل عنصر من العناصر الثمانية درجة عُليا ولتكن "100"، كم تُعطي نفسك درجة في كل عنصر، ولتكن الإجابة بصدق واخلاص وشفافية، ثم انظر إلى مواطن الضعف عندك، وحاول ترميم النقص، واعمل هذا التمرين بين كل فترة وأُخرى.
---------------------------------
العبادات في الإسلام لها أهداف وحكم ،ومن أهدافها إصلاح الجانب الاجتماعي للفرد، وتصحيح علاقة الفرد مع الآخرين، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتوحد صف المجتمع، والصيام فيه قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم : «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [رواه البخاري (4/16)]، والحج علاج كافٍ لإزالة الفوارق والعصبيات والعنصريات.
والعبادة ليس لها فائدة مع سوء الخلق، فقد قال رجل يا رسول الله إن فلانة تكثِر من صلاتها وصيامِها وصدقتها غيرَ أنها تؤذِي جيرانها بلِسانها، قال: «هي في النار» ، قال: يا رسول الله، إنّ فلانة تذكُر من قِلّةِ صلاتها وصِيامها وإنها تتصدّق ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة» [مسند أحمد (2/440)، صحيح ابن حبان (5764)، والبخاري في الأدب المفرد (119)].
قال يحيي بن معاذ رحمه الله : «سوءُ الخلُق سيّئةٌ لا تنفَع معها كثرةُ الحسنات، وحُسن الخلق حَسنةٌ لا تضرّ معها كثرةُ السيّئات» [الإحياء (3/ 57)] .

المحور الثاني لمنظومة النجاح في الإسلام: النجاح مع الناس، والذي يتضمن النجاح مع أربع جهات :

أولاً :مع الوالدين: فرضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله من سخط الوالدين.
وما نوصي به في هذا الجانب :
- لا تنس الدعاء لهما في حال الحياة وبعد الممات اعترافاً بالتقصير، وأملاً فيما عند الله وردد بين الفينة والأخرى : {رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا } [الإسراء:24].
- تأدَّب في الخِطاب معهما ، ونفّذ ما يريدان بدون تأفف أو كسل.
- رعايتهما ولاسيما عند الكبر وملاطفتهما وإدخال السرور عليهما.
- الإنفاق عليهما عند الحاجة قال تعالى: {قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 215].
- اختصاص الأم بمزيد البر لحاجتها وعظم شأنها وتعبها في الولادة والحمل والرضاعة.
- من بَر والديه بره أولاده، ومن عق والديه عقه أولاده، والجزاء من جنس العمل فكما تدين تدان.
- احذر تفضيل الزوجة عليهما و لو كنت مازحا.

ثانياً: مع الأهل : أهلك المقصود بهم زوجتك وأولادك أنت راعٍ لهم ومسؤول عنهم، وما نوصي به في هذا الأمر:
- تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «كفى بالمرء إثما أن يُضيّع من يعول» [ رواه أبو داود والنسائي بلفظ " من يقوت " وهو عند مسلم بلفظ آخر].
- الدنيا قصيرة فلا تنس أولادك وزوجتك من حنانك وابتسامتك ورعايتك .
- تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم : «خير كم خيركم لأهله» [أخرجه ابن ماجة (1977)، والترمذي (5/ 369)].
- إياك والنقد والعتاب المستمر على كل صغيرة وكبيرة .
- اعط القدوة من نفسك لأهلك ودع أفعالك تتحدث، وتنبئ عن شخصيتك.
- أولادك مرآةٌ يعكسون أخلاقك وأعمالك، إن رأوك معظِّمًا لأبيك وأمك؛ فإنهم سيعاملونك كذلك.
- لا تشغلك الحياة والانشغال بها عن الاستمتاع بحياتك مع أهلك وأولادك .
- تذكر أن التهديد بالطلاق نقصٌ في الرجولة، وضعفٌ في التدين.
- تهديد الزوجة بالزواج بالثانية سلاحٌ ضعيف، ومدمر للحياة الزوجية ولو كنت مازحا، فإذا عزمت فتوكل على الله.

ثالثاً: مع الجيران: الجار له في الإسلام منزلة عظيمة، فالإحسان إلى الجار من أفضل الأعمال والقربات، كيف لا وهو سبب من أسباب نيل محبة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وفي حق الجار:
- عليك أن تبدأه بالسلام وتعوده في مرضه وتعزيه في مصيبته،وتهنئه في أفراحه وتصفح عن زلاته، وأن لا تتطلع من السطح على عوراته، وأن لا تصب الماء أو تضع القاذورات أمام داره، وأن تستر ما ينكشف له من عيوبه وأخطائه، وأن لا تغفل عن ملاحظة داره حال سفره وغيابه.
- عليك بغض البصر عن حريمه، والتلطف مع أولاده في الكلام، مع إرشادهم إلى أمور دينهم، وأمرهم بالمعروف بمعروف ونهيهم عن المنكر بمعروف.

رابعاً: عامة الناس: علاقتك بالناس وحُسن معاملتك لهم تحجز بها مقعد بجوار النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» [أخرجه الترمذي في الأدب (2018)، وأخرجه أحمد (2/185)، والبخاري في الأدب المفرد (272)، والبيهقي في الشعب (7986)، وصححه ابن حبان (485ـ ـ)]
- روِّض نفسَك على الحِلْم والصبر والعفو، وطهِّر قلبك من أن يصرَّ على حِقد أو كراهيّة للمجتمع، فمن طهّر قلبُه وسلم من الغلّ والحِقد عاش بخيرٍ وفي سعادة وطمأنينة.
- جِماع حُسن الخلق مع الناس أن تصل من قطعك بالسلام والإكرام، والدعاء له والاستغفار، والثناء عليه والزيارة له، وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال، وتعفو عمن ظلمك في دم أو مال أو عرض .
- حُسن الخلق مع الناس يعني احتمال الأذى، وقلة الغضب، وبسط الوجه، وطيب الكلام.
- حُسن الخلق وحُسن المعاملة تساوي درجة الصائم القائم ،فقد خرّج الإمام أحمد وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي قال: «إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم» [ أخرجه أبو داود (4798) وابن حبّان (1927) والحاكم (1/ 60) -وصحّحه على شرطهما].

أخي القارئ: اذا أردت أن تقيس نسبة علاقتك مع الناس فضع لكل عنصر من العناصر الأربعة درجة عُليا ولتكن "100"، كم تُعطي نفسك درجة في كل عنصر، ولتكن الإجابة بصدق واخلاص وشفافية، ثم انظر إلى مواطن الضعف عندك، وحاول ترميم النقص، واعمل هذا التمرين بين كل فترة وأُخرى.
وبهذا يكون الفرد قد نجح في جانب مهم من جوانب النجاح في الإسلام وهو الجانب الاجتماعي، ويتضح جلياً أن الإسلام ليس دين عبادات وشعائر فقط بل هو دين معاملات ومشاعر، ويبقى الركن الثالث من منظومة النجاح في الإسلام وهو النجاح مع النفس وهذا ما سنذكره في المقال الثالث من هذه المنظومة ، وبالله التوفيق والعون.
---------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

لا تكتمل منظومة النجاح حتى تأتي المرحلة الثالثة بعد النجاح في العلاقة مع الله، ثم العلاقة مع الناس إلى النجاح مع النفس للارتقاء بها، وانتشالها من وحل الذنوب والجهل بالتزكية والعلم، وللنجاح مع النفس يتطلب ما يلي:

أولا: التزكية : الحياة المعاصرة وكثرة مشاغلها وتعدد متطلباتها، قد تُنسينا أن نتعاهد أنفسنا بالتربية والتزكية، ومن ثم تقسو القلوب، ونتثاقل عن الباقيات الصالحات، ونركن إلى متاع الدنيا وزخرفها.
فصلاح العبد ونجاته وفلاحه منوط بتزكية نفسه، قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس، آية 7-1 ] .
وقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى، آية 14 -15] .
وتزكية النفس سبب الفوز بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، كما قال عز وجل: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى. جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه، آية 75، 76] . أي طهّر نفسه من الدنس والخبث والشرك، وعبد الله وحده لا شريك له واتبع المرسلين فيما جاءوا به من خبر وطلب [انظر تفسير ابن كثير 3/ 156] .
والتزكية دعوة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -حيث كان يدعو: «اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها» [ أخرجه مسلم في الصحيح 4/ 2088 كتاب الذكر].
ومن وسائل تزكية النفس:
(1) العمل على تطهير النفس من أخلاقها الرذيلة كالرياء والعُجب والشُّح والبخل، والحرص والطمع، والأمن من مكر الله ...
(2) تحليتها بالأخلاق الحميدة الفاضلة بعد أن أصبحت جاهزة لها بتخليها عن الأخلاق الدنيئة، وهذه الأخلاق هي مثل: الإخلاص، والإنابة، والخوف من الله، والشكر، والتواضع ....
(3) المحافظة على الفرائض؛ لأنها أفضل طاعة يتقرب بها العبد إلى مولاه بنص السُّنة الصحيحة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «قال الله تعالى من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه،.....»
(4) الإكثار من النوافل فإنها أفضل شيءٍ يُتَقَرب به إلى الله تعالى بعد الفريضة بنص السنة الصحيحة كما في تكملة الحديث السابق: (....وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته».
(5) تدبر القرآن، فهو جلاء القلوب وإذا صفى القلب زكت النفس، والله تعالى يقول: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص:29]
وفي هذا الباب أنصح بقراءة كتاب اعتقد بعد قراءته مرتين أو ثلاث سيجعلك تُعيد النظر مع نفسك وتزكيتها، وهو كتاب :"تهذيب مدارج السالكين لعبد المنعم صالح العلي".

ثانياً: العلمُ النافع:
مما يرتقي بالنفس ويهذبها ويطوّرها العلم النافع، و هو كل علم يقرِّب من الله سبحانه، ويزيد الخشية منه، ويدفع إلى العمل الصالح.
العلم زينٌ فكن للعلمِ مكتسبا ... وكُن له طالبًا ما عشت مقتبسا
اركن إليه وثق بالله واغن به ... وكن حليمًا رزينَ العقلِ محترسا
وكُن فتًى سالكًا محضَ التقى ورعًا ... للدينِ مُغتنمًا في العلم منغمسا
فمن تخلّقَ بالاَداب ظلَّ بها ... رئيس قومٍ إذا ما فارق الرؤسا
ومفتاح العلم السؤال والقراءة، قل لي كم تقرأ أقل لك من أنت .
القراءة بها يطوي المرء المسافات، ويفيد من تجارب الآخرين، فيسمو فكره، ويحتد ذهنه، وتسرع بديهته وفطنته، ويتسع أفقه، وتثري معارفه، وتزيد ثقافته، وتكبر همته، ويحسن رأيه، وتُصقل شخصيته، ويستقيم لسانه، ويستثمر وقته، وتكثر براهينه، وتقوى حججه، ويرتفع قدره، ويعلو شأنه .[ أمة اقرأ لا بد أن تقرأ :ص41].
قد تسأل أخي القارئ ماذا اقرأ وكيف اقرأ ومتى اقرأ؟ وخشية الإطالة أحيلك إلى كتابي الموسوم ب(أمة اقرأ لا بد أن تقرأ) وهو متوفر على شبكة الإنترنت بطبعته الثالثة. وكتاب كيف اقرأ ؟ لطارق السويدان ،وفيصل باشراحيل، وإن شاء الله ستجد الجواب الشافي لذلك.

ثالثاً: علو الهمة: من أهم وسائل وأسباب الارتقاء بالنفس علو همة العبد ،فالناس إنما تعلو أقدارهم ، وترتفع منازلهم بحسب أنصبتهم من علو الهمة وشرف المقصد. فمن علت همته اتصف بكل جميل، ومن دنت همته أتصف بكل خلق رذيل، فالنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها .
والهمة العالية لا تزال بصاحبها، تضربه بسياط اللوم والتأنيب، وتزجره عن مواقف الذل واكتساب الرذائل حتى ترفعه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد.
وفي هذا الموضوع أنت مخيّر أخي القارئ بين ثلاث درجات للقراءة والغوص حول موضوع الهمة أعلاها كتاب: (صلاح الأمة في علو الهمة لسيد العفاني )، وأوسطها كتاب: (الهمة العالية معوقاتها ومقوماتها لمحمد بن ابراهيم الحمد) ، وأقلها كتاب:( الهمة طريق إلى القمة لمحمد موسى الشريف) .

رابعاً: إدارة الوقت :كل ما سبق في هذه المنظومة قد يتلاشى ويضعف شيئاً فشيئا إذا لم يهتم المسلم بوقته ويعرف كيف يديره حتى لا ينفرط عقده من بين يديه ويضيع العمر هباء.
الوقت من أغلى النعم التي منحها الله تعالى للإنسان، ولا يمكن تعويضه، ويمضي سريعاً، و يمر أسرع من مر السحاب، ولا يمكن زيادته، وضياعه ضياع المصالح كلها؛ فوقت الإنسان عمره في الحقيقة، به إما يفوز بالجنة والنعيم المقيم، أو يكون نصيبه الضنك و العذاب الأليم .
ولتدير وقتك بفاعلية احرص على:
(1) راجع أهدافك و خططك وأولوياتك؛ لأنه بدون أهداف واضحة وخطط سليمة وأولويات مرتبة لا يمكن أن يستطيع أن ينظم وقته .
(2) احتفظ بخطة زمنية أو برنامج عمل( مفكرة) توضح فيها الأعمال والمهام والمسئوليات التي سوف تنجزها، وتواريخ بداية ونهاية انجازها، والمواعيد الشخصية
(3) ضع قائمة انجاز يومية .
(4) سِد منافذ الهروب التي تصرفك عن من مسؤولياتك التي خططت لإنجازها مثل: (الكسل، والتردد، والتأجيل والتسويف، والترويح الزائد عن النفس ...الخ) .
(5) اغتنم الأوقات الهامشية والضائعة مثل: (استخدام السيارة، الانتظار لدى الطبيب، السفر، انتظار الوجبات، توقع الزوار.....الخ)، وهي تزيد كلما قل تنظيم الإنسان لوقته وحياته. وفي المقابل تضع خطة عملية للاستفادة منها قدر الإمكان ( مثل : ذكر الله عز وجل، الاستماع إلى المحاضرات والمقاطع المفيدة، والاسترخاء، والنوم الخفيف، والتأمل، والقراءة، والتفكير مراجعة حفظ القرآن ...الخ) .
(6) لا تستسلم للأمور العاجلة غير الضرورية .
(7) احذر مضيعات ولصوص الوقت: ( المقاطعات والزيارات المفاجئة، الاتصالات الهاتفية غير المنتجة، الاجتماعات غير الفعالة، التسويف أو التأجيل بأعذار واهية، عدم القدرة على قول ”لا“، الإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي، القنوات الفضائية .....الخ.
(8) اقرأ عن حرص السلف رضوان الله عليهم على وقتهم، وأفضل ما أوصيك بالاطلاع عليه كتاب لم أجد كتاباً مثله في بابه وهو كتاب:( قيمة الزمن عند العلماء للشيخ عبد الفتاح أبو غدة) .

أخي القارئ: اذا أردت أن تقيس نسبة علاقتك مع نفسك فضع لكل عنصر من العناصر الأربعة درجة عُليا ولتكن "100"، كم تُعطي نفسك درجة في كل عنصر، ولتكن الإجابة بصدق واخلاص وشفافية، ثم انظر إلى مواطن الضعف عندك، وحاول ترميم النقص، واعمل هذا التمرين بين كل فترة وأُخرى.

وإلى هنا نختم الحديث عن منظومة النجاح في الإسلام، ولا شك أن هناك جوانب أُخرى ذات أهمية للنجاح مثل : الجانب الاقتصادي المالي ، وكذلك الجانب الصحي الجسمي واعتقد أن الاهتمام بما ذكرنا من الجوانب كفيل بإصلاح هذين الجانبين.

أخي القارئ لا تبخل علي بما لديك من إضافات أو ملاحظات، وان استفدت مما ذُكر فلا تنس كاتب هذه السطور بدعوة في ظهر الغيب حفظك الله ورعاك .

محبكم د/امير بن محمد المدري