المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأمراض النفسية: أسبابها وعلاجها>>>>>>>>>>>>>>>>>>>


نبيل القيسي
29-08-2018, 03:57 PM
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعدُ:

فلا بد للمؤمن من الابتلاء، وهذا الابتلاء من حكمة الله عز وجل؛ قال العلَّامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الدنيا دار الهموم والغموم، والنَّصَب والتَّعَب البدني والعقلي؛ ولهذا لا تجد شيئًا في الدنيا حَسَنًا إلَّا ومقرون معه السيئ أبدًا... وهذا من حكمة الله عز وجل، أرأيتم لو أن ما في الدنيا من الأشياء الحسنة يبقى حَسَنًا لا سوءَ فيه، فإن الناس يفتتنون بذلك جدًّا، لكن قُرِنَ السُّوء بالحَسَن فيما يتعلَّق بالدنيا؛ ليتَّعِظ الإنسان ويعتبر، ويطلب دارًا أخرى ليس في حُسْنها سيئ، وقال: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [فاطر: 34، 35]، كاملة لا تَعَبَ ولا إعياء أبدًا، لكن الدنيا فيها نقصٌ كبير.



ومن الأمور التي يُبتلى بها العبد المؤمن الأمراض النفسية، وأفضل علاج لها الأدوية الإيمانية، المستوحاة من نصوص الكتاب والسنة، التي يُفصِّلُها ويشرحُها العلماء، والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، له كلام عن أسباب تلك الأمراض، ووسائل علاجِها، وله نصائحُ وتوجيهات في ذلك، جمعتُ بعضَها، أسأل الله الكريم أن ينفع بها جامعَها وقارئَها وناشرَها، كما أسأله الشفاء التامَّ العاجل لكل مَنْ أُصيب بأمراضٍ نفسية على اختلاف مُسَمَّياتها، وأن يجعل ما أصابهم تكفيرًا لذنوبهم ورِفْعةً لدرجاتهم، إنه سميع مجيب.



من أسباب الإصابة بالأمراض النفسية:

الابتلاء من الله عز وجل:

سُئل الشيخ: كانت تُصيبُني آلامٌ كثيرةٌ واكتئابٌ وضَجَرٌ، وخفقانُ قلب وبكاءٌ، وغيرُها، وكنت أحتسِب الأجر والثواب من الله، ولكن قال لي شخص: هذا دليل على ضَعْفِ الإيمان، فهل هذا صحيح؟

فأجاب رحمه الله: هذا ليس من ضعف الإيمان، بل هذا من البلاء الذي يبتلي به الربُّ عزَّ وجَلَّ عبدَه ليبلوه أيصبرُ أم لا يصبر؟ وإذا صبَر الإنسان على هذه الأمراض واحتسب أجْرَها على الله، صارت مُكفِّرةً لسيِّئاتِه ورفعةً لدرجاته، وعليه أن يسأل الله دائمًا العافية، فما أُعطي الإنسانُ شيئًا أعظمَ من العافية، نسأل الله أن يشفيَ صاحبَنا من مرضِه، وأن يُعافيه ويرزقه الصَّبْرَ والاحتساب.



وقال رحمه الله: لا يلزم من ابتلاء الله العبد بهذه المصائب أن يكون الله قد سخِط عليه، فها هو النبي عليه الصلاة والسلام يحصل له المرض، ويحصل له فَقْدُ الأحبَّة، ويحصل له الآلام، كما جُرح في غزوة أُحد وكُسِرَتْ رَباعيَتُه.



ونحن نعلم أن هذا ليس من غضب الله عليه، بل هو ابتلاء من الله عز وجل من أجل أن ينال نبيُّه محمد صلى الله عليه وسلم درجةَ الصابرين؛ فإن الصبر درجته عالية ومنزلته رفيعة، ولا يمكن أن يحصل إلَّا بابتلاء وامتحان؛ ليتبيَّن هل العبد صابر أم ليس صابرًا؟



وقال رحمه الله: الله سبحانه وتعالى يبتلي العبد بالمصائب الكبيرة العظيمة والصغيرة؛ ليبتليه هل يصبر أم يجزَع ويتسخَّط؟ فمَنْ صبَر ورضِي فله الرِّضا والأجر والثواب، ومَنْ سخِطَ فله السَّخَط.



الرفاهية المادية:

قال الشيخ رحمه الله: نحن في وقت كثُرت فيه أسبابُ الرفاهية المادية، فزادت الأمراضُ النفسية، فالدنيا إذا زادت من وَجْهٍ نقصَتْ من آخر، وقد كان الناس في الماضي أكثر انشراحًا في صدورهم من الوقت الحاضر، لكنهم في الأمور المادية أقل، أمَّا في هذا الزمان فقد كثُرت الأمور المادية وزادت العُقَدُ النفسية؛ ولهذا فما أكثر الذين يشكون من العقد النفسية!



وقال رحمه الله: الدنيا إذا لم تكن وسيلةً إلى الآخرة، فلا خيرَ فيها، حتى لو نُعِّمَ فيها الإنسانُ، فإن هذا النعيم جحيمٌ؛ ولذلك تجد أشدَّ الناس همًّا وأسًى وحُزْنًا وقَلَقًا هم أصحاب الدنيا، ولا يغُرَّنَّكَ ما عندهم من القصور والنعيم والسيارات وغيرها، فقلوبهم واللهِ أسوأ حالًا من أفقر المسلمين!



وقال رحمه الله: وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴾ [يونس: 9] النعيم: كلمة جامعة، تشمل سرور القلب، وترفَ البدن، فالإنسان مُنعَّمٌ فيها في ظاهره وباطنه، أما في الدنيا فلا يمكن أن يجتمع الأمران، فالغالب أن من تنعَّمَ بدنُه فإن قلبه يغتمُّ بحُزْنٍ وعذابٍ، ومن الناس من يُجمَع له بين الأمرين والعياذ بالله.



وقال رحمه الله: لم تكثُر الإصابةُ بهذه الأمور في العصر الحاضر إلَّا بسبب تكالُب الناس على الدنيا، والتماسِهم ترفيهَ أبدانهم دون تنقية قلوبهم؛ ولهذا كثُرت الإصاباتُ جدًّا بهذه الأمور؛ أعني: الأمراض النفسية والهموم والغموم.



المعاصي والذنوب:

قال الشيخ رحمه الله: أشدُّ الناس عذابًا قلبيًّا وقَلَقًا هم الكُفَّار، وكلما كان الإنسانُ أعصى لربِّه كان أشدَّ قَلَقًا وأقلَّ راحةً، وكُلَّما كان أشدَّ إيمانًا وعملًا صالحًا كان أشدَّ طُمَأْنينةً.

وقال الشيخ رحمه الله: وأشدُّ الناس همًّا وغمًّا وإثمًا مَنْ يُنفقون أموالهم في اللهو والمحرَّمات.



وقال رحمه الله: المادِّيُّون يُدخِلون السرور على المريض بالموسيقا والملاهي، ولكنها واللهِ هي المرض؛ لأنه يَعقُبُها الحُزْنُ والبلاءُ والشرُّ.



تصديق الأوهام:

قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((انْزِعْها؛ فإنها لا تزيدُكَ إلَّا وَهْنًا))؛ أي: وَهْنًا في النفس لا في الجسم، وربما تزيده وَهْنًا في الجسم، أما وَهْن النفس فلأن الإنسان إذا تعلَّقَتْ نفسُه بهذه الأمور، ضعُفَتْ واعتمدَتْ عليها، ونسِيت الاعتماد على الله عز وجل، والانفعالُ النفسيُّ له أثرٌ كبيرٌ في إضعاف الإنسان، فأحيانًا يتوهَّم الصحيح أنه مريض فيمرض، وأحيانًا يتناسى الإنسان المرض وهو مريض، فيُصبح صحيحًا، فانفعال النفس بالشيء له أثرٌ بالغ؛ ولهذا تجد بعض الذين يُصابُون بالأمراض النفسية يكون أصل إصابتهم ضَعْف النفس من أول الأمر، حتى يظُنَّ الإنسان أنه مريضٌ بكذا أو بكذا، فيزداد عليه الوَهْمُ حتى يصبح الموهومُ حقيقةً.



وقال الشيخ رحمه الله: كثيرٌ من الناس إذا أحَسَّ أدنى مرضٍ، قال: هذه عينٌ، هذا سِحْرٌ، وما أشبه ذلك، فتتولَّد هذه الأوهام حتى تكون عُقَدًا في نفسه، ثم تكون مرضًا حقيقيًّا.



ضَعف الإيمان:

قال الشيخ رحمه الله: ما كثُرت الآن الآفات والأمراض النفسية إلَّا بسبب ضَعْف الإيمان لدى كثير من الناس، وإلَّا فمَنْ عنده قوة إيمان لا يُمكن أن يُصيبه شيءٌ من هذا، وأضرب لكم مثلًا بالقضاء والقَدَر، فإذا اجتهد إنسان يريد أن يصل إلى أمر من الأمور، لكن أُخلِفَ الأمرُ، وكان الواقع على خلاف ما يريد، فمَنْ عنده إيمانٌ بالقَدَر ورضًا بالله عز وجل ربًّا، فإنه يتساوى عنده الأمران، ويقول: ما أُمِرْتُ به فعلتُه، حرصْتُ على ما ينفعُني، واستعنْتُ بالله، وما خرج عن طاقتي فهو إلى ربِّي، وربِّي يفعل بي ما يشاء، ويقول: قدَّر اللهُ وما شاء فَعَلَ، فتجده مطمئنًّا تمامًا، ونفسُه راضية مع الله عز وجل في قَدَره، ومع الله في شرعه، لكن مَنْ عنده ضعف إيمان إذا جاءت الأمور على خلاف ما يريد، فإنه يتكدَّر ويندم، ويقول: يا ليتني ما فعلتُ، ولو لم أفعل كذا لكان كذا، وما أشبه ذلك، ثم تَعتريه الأمراض النفسية والهواجس.



ضَعف التوكُّل على الله عز وجل:

قال الشيخ رحمه الله: أرجو يا إخواني ألَّا يغُرَّنَّكم الذين يكتُبون عن الطالع، وحُسْن الطالع، بُرْجُ الحَمَل فيه كذا وكذا، وبُرج الثَّورِ، وما أشبه ذلك؛ لأنه لا يعلَم ما في المستقبل إلَّا الله عز وجل؛ لذلك يا إخواني لا تغترُّوا بهؤلاء ولا بكلامهم، وما أصاب ما أصاب مِن المسلمين اليوم من التخيُّلات والأفكار والأزمات النفسية إلَّا بمثل هذا التصديق، وما أكثر الأزمات النفسية الآن؛ لأنه أصبح الناس قلوبهم فارغة من التوكُّل على الله عز وجل؛ فتوكَّل على الله، واصدُقْ مع الله عز وجل في التوكُّل عليه، واترُكْ هؤلاء المشعوذين الأفَّاكين؛ فهؤلاء يلعبون بعقول الناس، فدعوا هؤلاء يا أيها المسلمون، والله لن يُصيبنا إلَّا ما كَتَبَ اللهُ لنا.



من وسائل علاج الأمراض النفسية:

الالتزام بأحكام الشريعة:

قال الشيخ رحمه الله: الشريعة كُلُّ أحكامها تُزيلُ القَلَق والهمَّ والغَمَّ ... الشريعة كُلُّها لإزالة الهَمِّ والغَمِّ عن بني آدم، حتى يبقوا فرِحين مستبشرين دائمًا، وهذا كما أنه غذاء للقلب، فإنه غذاء للنفس والرُّوح، وفي نفس الوقت غذاء للبَدَن، فإن البَدَنَ يتمدَّد وتزُول عنه الآلام والأوجاع، إذا صار فرحًا مسرورًا ... وإدخال السرور والفرح أمرٌ ينتعش معه البَدَنُ، والقلب يطمئنُّ.



كثرة دعاء الله جل جلاله وسؤاله بإلحاحٍ وطَمَعٍ في الإجابة:

قال الشيخ رحمه الله: الواجب على مَنِ ابتُلي بمرض نفسي من وساوس وغيرها - أن يلجأَ إلى ربِّه عز وجل، ويُكثِرَ السؤال بإلحاحٍ وطَمَعٍ في الإجابة، وحُسْن ظنٍّ بالله عز وجل.



وسئل الشيخ: أشعر بعض الأحيان بالضيق والاكتئاب، فما العلاج مأجورين؟

فأجاب الشيخ رحمه الله: هناك شيء ينتفع به المرء، وهو أن يقول ما جاءت به السنة: ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87] هذه واحدة.



الثاني: أن يقرأ حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ((اللهم إني عبدُكَ، وابنُ عبدِكَ، وابنُ أَمَتِكَ، ناصيتي بيدِكَ، ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فيَّ قضاؤكَ، أسالُكَ بكلِّ اسمٍ هو لَكَ، سمَّيْتَ به نفسَكَ، أو أنزلتَه في كتابِكَ، أو علَّمْتَه أحَدًا من خَلْقِكَ، أو استأثرْتَ به في علم الغيب عندكَ - أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صَدْري، وجلاء حُزني وذَهاب همِّي)).

وقال رحمه الله: وليُكثر أيضًا من هذا الدعاء: ربِّ اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري.



الإكثار من ذكر الله:

سُئِل الشيخ: ماذا يفعل الإنسان إذا أحسَّ بضيقٍ في نفسه؟

فأجاب رحمه الله: ليعلم أنَّ مَنْ أُصيبَ بمثل هذا ثمَّ أكثر من ذكر الله بلسانه وقلبه، فإنه لا بُدَّ أن تتغيَّر حالُه، ويطمئنُّ قلبُه لقول الله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، لو أن الناس كثُر تعلُّقهم بالله سبحانه وتعالى وبذكره، لزالَتْ عنهم هذه الأمور.



وسُئِل الشيخ: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد، وجِّهُوني مأجورين؟

فأجاب الشيخ رحمه الله: العلاج المناسب هو كثرة ذكر الله عز وجل؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].



الإيمان والعمل الصالح:

قال الشيخ رحمه الله: الإيمان والعمل الصالح يطردُ الخوف، ويطردُ الحزن في الدنيا والآخرة؛ ولهذا كان أشرف الناس صدرًا، وأشدهم طمأنينة - أي: أشدهم طمأنينة في القلب - هم المؤمنين العاملون عملًا صالحًا؛ ولهذا قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالَدُونا عليه بالسيوف.



وقال رحمه الله: لا أحد أنْعَم بالًا ولا أشد انشراحًا في الصدر ولا أطيب نفسًا من المؤمن، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا ازداد صدرُه انشراحًا، وقلبُه طُمَأْنينةً، وصار لا يرى شيئًا يُحزِنُه إلا وفرح به رجاء ثوابه عند الله عز وجل.



وقال رحمه الله: الطاعة لها تأثيرٌ بالغٌ على القلب وانشراح الصدر والسرور، والأُنْس والحياة الطيبة، أسألُ الله تبارك وتعالى أن يُعيننا جميعًا على ذكره وشُكْره وحُسْن عبادته.



وقال رحمه الله: من فوائد قوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام: 84] أن كل محسن فإن الله تعالى يجعل له من كل هَمٍّ فرجًا.



وقال رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3] ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4] فهاتان آيتان تدلان على أن الإنسان كلما اتقى الله زالَتْ عنه الهموم وفُرِّجت عنه.



تناسي مصائب الماضي والاعتماد على الله في أمور المستقبل:

قال الشيخ رحمه الله: الإنسان في الحقيقة له ثلاث حالات: حالة ماضية، وحالة حاضرة، وحالة مستقبلة.

الماضية: يتناساها الإنسان، وما فيها من الهموم، انتهت بما عليه، إن كانت مصيبة، فقل: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، وتناساها.



حال مستقبلة: عِلْمُها عند الله عز وجل، اعتمد على الله، وإذا جاءتك الأمور فاطلُب لها الحلَّ، لكن الشيء الذي أمرك الشارع بالاستعداد له استعدَّ له.



وحال حاضرة: هي التي بإمكانك معالجتها، حاول أن تبتعد عن كل شيء يجلب الهمَّ والغمَّ والحزن، لتكون دائمًا مستريحًا، منشرح الصدر، مقبلًا على الله عز وجل، وعلى عبادته، وعلى شؤونك الدنيوية والأخروية، وإذا جربت هذا استرحْتَ، أما إن أتعبت نفسك بما مضى، أو بالاهتمام بالمستقبل على وجه لم يأذن به الشَّرْعُ، فاعلَم أنك ستتعب، ويفوتك خيرٌ كثيرٌ.



البُعْد عن كل ما يجلب الاكتئاب والضيق:

قال رحمه الله: كل ما يحدث الندم للإنسان، فإن الشرع يأمرنا بالبُعْد عنه، ولهذا أصول منها: أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿ إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا ﴾ [المجادلة: 10]، والله تعالى إنما أخبرنا بذلك من أجل أن نتجنَّب هذا الشيء، ليس مجرد خبر أن الشيطان يريد إحزاننا؛ بل المراد أن نبتعد عن كل ما يُحزِن؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يتناجى اثنان دون الثالث، من أجل أن ذلك يحزنه))؛ [متفق عليه]، فكُلُّ ما يجلب الحُزْن للإنسان فهو منهيٌّ عنه.



ثانيًا: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر مَنْ رأى رؤيا يكرهها ((أن يتفل عن يساره ثلاث مرات، ويستعيذ بالله من شرِّها، ومن شرِّ الشيطان، وينقلب إلى الجنب الثاني، ولا يُحدِّث بها أحدًا، ويتوضَّأ ويُصلِّي))؛ [متفق عليه].



كل هذا من أجل أن يطردَ الإنسان عنه هذه الهمومَ التي تأتي بها هذه المرائي؛ ولهذا قال بعض الصحابة: "لقد كنا نرى الرؤيا فنمرض منها، فلما حدَّثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، يعني: استراحوا" ولم يبق لهم همٌّ، فكل شيء يجلب الهمَّ والحزنَ والغَمَّ، فإن الشارع يريد منا أن نتجنَّبَه؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]؛ لأن الجِدال يجعل الإنسان يحتمي، ويتغيَّر فكرُه من أجل المجادلة، فيحصُل له همٌّ يُلْهيه عن العبادة، المهم اجعل هذه نصبَ عينيك دائمًا أن الله عز وجل يريد منك أن تكون دائمًا مسرورًا، بعيدًا عن الحزن.



قراءة القرآن:

قال الشيخ رحمه الله: هناك أمراض لا ينفع فيها الأدوية الحسيَّة مثل الأمراض النفسية، فلا ينفع فيها إلا القراءة، وليعلم أن الذي يشكُّ في قراءة القارئ أو في نفثه لا يستفيد.



عدم اليأس فالله جل جلاله على كل شيء قدير:

قال الشيخ رحمه الله: من آمن بأن الله على كل شيء قدير، فإنه يطرد عنه اليأس؛ لأن الإنسان قد يُصاب بمرض مثلًا فيَيْئَس مِن برئه بعد العلاج، فيُقال له: لا تيئس، إن الله على كل شيء قدير، وأنت إذا أراد الله أن يبقي المرض بك، فقد يكون خيرًا لك؛ لأنك تكسب من ورائه الثواب من الله عز وجل؛ لأنه لا يصيب المؤمن من همٍّ ولا غمٍّ ولا أذًى حتى الشوكة يُشاكها، إلَّا كفَّر الله به - يعني: من ذنوبه - فأنت لا تيئس إذا أصابك مرضٌ لا يُرجى زوالُه مثلًا، فإن الله على كل شيء قدير.



قول: قدر الله وما شاء فعل عند إصابة الإنسان بشيءٍ غير مرغوب:

قال الشيخ رحمه الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابَكَ شيءٌ فلا تقُل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان))؛ [أخرجه مسلم].



جزى الله عنا نبيَّنا خيرَ الجزاء؛ فقد بيَّن لنا الحكمة من ذلك؛ حيث قال: ((فإن لو تفتح عمل الشيطان))؛ أي: تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا، فلا تقل هكذا والأمر انتهى، ولا يمكن أن يتغيَّرَ عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تُخَلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت.



عدم الاهتمام بالدنيا:

سُئِل: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟ فأجاب الشيخ رحمه الله: من العلاج ألَّا يهتمَّ الإنسانُ بأمور الدنيا، وألَّا يكون له همٌّ إلا الآخرة.



الصدقة وبذل المعروف:

قال الشيخ رحمه الله: من فضائل الصدقة أنها سبب لشرح الصدر وسرور القلب؛ لأن الإنسان كلَّما كثُر إنفاقُه في الخير، ازداد انشراحُ صدره للإسلام، وفرِح بذلك.



سُئل الشيخ: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟ فأجاب رحمه الله: من العلاج أن يكون الإنسان باذلًا لمعروفه، سواء ببذل المال، أو ببذل المنافع، وبذل البدن يساعد إخوانه، أو ببذل الجاه، فإن هذا يوجب انشراح الصدر.




إرشادات وتوجيهات:

البكاء نتيجة الضغوط النفسية لا يعتبر تسخُّطًا من القضاء والقدر:

سُئل الشيخ: إذا بكى الإنسان نتيجة الضغوط النفسية، هل يعتبر ذلك البكاء منافيًا للصبر واعتراضًا على القضاء والقدر؟ فأجاب رحمه الله: لا يُعتبر اعتراضًا على القضاء والقدر، ولا تسخُّطًا من القضاء والقدر؛ لأن هذا أمر تُمليه الطبيعة، وليس باختيار الإنسان، وتجد الإنسان حازمًا قويًّا، وإذا نابه نائبةٌ من الدهر جعل يبكي كأنه صبيٌّ، مع أنه لا يُحِبُّ هذا.



الموت لا يحلُّ المشكلات:

قال الشيخ رحمه الله: كون هذه المرأة لا ترى حلًّا لمشكلاتها إلَّا بالموت أعتقد أن ذلك نظر خاطئ، فإن الموت لا تنحلُّ به المشاكل؛ بل ربما تزداد به المصائب، فكم من إنسان مات وهو مُصابٌ بالمشكلات والأذى، ولكنه كان مسرفًا على نفسه لم يُستعتب من ذنبه، ولم يتُبْ إلى الله عز وجل، فكان في موته إسراعٌ لعقوبته، ولو أنه بقِي على الحياة، ووفَّقه الله تعالى للتوبة والاستغفار والصبر، وتحمُّل المشاقِّ، وانتظار الفرج - لكان في ذلك خيرٌ كثيرٌ له.



لا يجوز الدعاء على النفس بالموت:

قال الشيخ رحمه الله: لا يحلُّ لأحد أن يدعو على نفسه بالموت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنَّينَّ أحدٌ منكم الموت لِضُرٍّ نزل به، فإن كان لا بُدَّ مُتمنيًا للموت فليقُلِ: اللهُمَّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي))، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتمنَّى الإنسان الموت، فكيف بالذي يدعو على نفسه بالموت؟ والواجب على مَنْ أُصيب بأمرٍ يضيق به صدرُه، ويزداد به غمُّه أن يصبر، ويحتسب الأجر من الله، وينتظر الفَرَج، فهذه ثلاثة أمور: الصبر، واحتساب الأجر، وانتظار الفَرَج من الله عز وجل.



ما يُعين على الصبر على الابتلاء والأمراض:

قال الشيخ رحمه الله: يُعين المرء على ما يحصل عليه من الابتلاء عدة أمور؛ منها:

الأمر الأول: الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى ربُّ كُلِّ شيءٍ ومليكه، وأن الخلق كلهم خلقه وعبيده، يتصرَّف فيهم كيف يشاء لحكمة قد نعلَمها وقد لا نعلمها، فلا اعتراض عليه سبحانه وتعالى في ملكه؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23].



الأمر الثاني: أن يؤمن بأن هذه المصائب التي تصيبه تكفيرٌ لسيئاته، فتحطُّ عنه الخطايا ويُغفَر له بها الذنوب؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل يقول: إني إذا ابتليتُ عبدًا من عبادي مؤمنًا، فحمِدني على ما ابتليتُه، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمُّه من الخطايا))، وقد ذكر أن امرأة من العابدات أُصيبَتْ في أصبعها، ولكنها لم تتسخَّط، ولم يظهَر عليها أثرُ التشكِّي، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارةَ صبرها.



ومن المعلوم أن الصبر درجة عالية لا تُنال إلا بوجود شيء يصبر الإنسان عليه حتى يكون من الصابرين؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].



الأمر الثالث: أن يتسلَّى بما يصيب الناس سواه، فإنه ليس وحده الذي يُصاب بهذه المصائب، بل في الناس مَنْ يُصاب بأكثر من مصيبته، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق عند الله يُصاب بالمصائب العظيمة، حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا، ومع ذلك يصبر ويحتسب، وفي التسلي بالغير تهوينٌ عن المصاب.



الأمر الرابع: أن يحتسب الأجر على الله عز وجل بالصبر على هذه المصيبة، فإنه إذا احتسب الأجر على الله عز وجل بالصبر على المصيبة، فإنه مع تكفير السيئات به يرفع الله له بذلك الدرجات بِناءً على احتسابه الأجر على الله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أن كثيرًا من الناس منغمرٌ في سيئاته، فإذا جاءت مثل هذه المصائب: من المرض، أو فِقدان الأهل، أو المال أو الأصدقاء، أو ما أشبهَ ذلك هان عليه الشيء بالنظر إلى ما له من الأجر والثواب على الصبر عليه، واحتساب الأجر من الله، وكلما عظُم المصابُ كثُر الثواب.



الأمر الخامس: أن يعلم أن هذه المصائب من الأمراض وغيرها لن تدوم؛ فإن دوام الحال من المحال، بل ستزول إن عاجلًا أو آجلًا، لكن كل ما امتدَّت ازداد الأجر والثواب، وينبغي في هذه الحال أن نتذكَّر قول الله تبارك وتعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، وأن يتذكَّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((واعلَم أن النصرَ مع الصبر، وأن الفَرَج مع الكرب، وأن مع العسرِ يسرًا)).



الأمر السادس: أن يكون لديه أمل قوي في زوال هذه المصيبة، فإن فتح الآمال يوجب نشاط النفس، وانشراح الصدر، وطُمأنينة القلب، والإنسان كلما مضى عليه ساعة رأى أنه أقرب إلى الفَرَج وزوال هذه المصائب؛ فيكون في ذلك منشطًا نفسه حتى ينسَى ما حلَّ به، ولا شكَّ أن الإنسان الذي ينسى ما حلَّ به أو يتناساه، لا يُحسُّ به، فإن هذا أمر مشاهد إذا غفل الإنسان عمَّا في نفسه من مرض أو جرح أو غيره، يجد نفسه نشيطًا وينسى، ولا يحسُّ الألَمَ، بخلاف ما إذا ركَّز شعوره على هذا المرض أو على هذا الألم، فإنه سوف يزداد.



الأمر السابع: أن يؤمن بأن الجزَع والتسخُّط لا يزيل الشيء؛ بل يزيده شدَّة وحَسرةً في القلب، كما هو ألم في الجسد.



تأثير الأدوية الشرعية في علاج الأمراض النفسية أسرع من تأثير الأدوية الحسية:

قال الشيخ رحمه الله: لا شكَّ أن الإنسان يُصاب بالأمراض النفسية، وتفعل الأمراض النفسية بالبدن أكثر ما تفعل الأمراض الحسِّية البدنية، ودواء هذه الأمراض بالرُّقية الشرعية أنجحُ من علاجها بالأدوية الحسية كما هو معلوم؛ لكن لما ضعُف الإيمانُ ضعُف قبول النفس للأدوية الشرعية، وصار الناس يعتمدون على الأدوية الحسية أكثرَ من اعتمادهم على الأدوية الشرعية، ولما كان الإيمان قويًّا كانت الأدوية الشرعية مؤثرةً تمامًا، بل إن تأثيرها أسرعُ من تأثير الأدوية الحسِّية.



اللهم يا رحمن يا رحيم، مُنَّ بالشفاء العاجل التامِّ على كل مَنْ أُصيبَ بمرض نفسيٍّ أو غيره، واجعل ما أصابه كفَّارةً لذنوبه، ورفعةً لدرجاته، واجعله ممن يُوفَّق للصبر واحتساب الأجر وانتظار الفَرَج. فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ