المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة زواج السيدة زينب بنت جحش من النبي


المراقب العام
13-11-2018, 08:46 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif





ربما كنتم تتساءلون عن الصحابية التي سنطوف في رحابها لنعبأ معًا من المعاني العظيمة والمواعظ الجليلة التي يفيضها علينا الحديث عن صحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن أرفع الستار وأفصح لكم عن هوية جلستنا لهذه الليلة أحب أن أذكر لكم هذه القصة عنها:
خرج زوجها من بيته مغضبًا بعد أن تشاجرا وظلت كلماتها التعيرية الاستفزازية تلاحق سمعه وتصك أذنيه، زوجها هذا كان عبدًا مملوكًا حرره الله تعالى على يد نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، وأكرمه بالزواج من سيدة قرشية رفيعة، لكنه اليوم ثائر غضبان من هذه السيدة القرشية الرفيعة، كان يردد في سره وهو يمشي كيف تعيرني بأيام العبودية بعد أن سوى الإسلام بيني وبينها!! ألم تسمع حديث النبي عليه الصلاة والسلام: «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لبيض على أسود إلا بالتقوى» (الصحيح المسند[1536])، والله لأشكونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


قصة هذين الزوجين غريبة وعجيبة حقًا، عبد معتق أسمر البشرة أفطس الأنف يتزوج من شابة حسناء ذات حسب ونسب تهافت الخطباء على بابها راغبين لها وطالبين يدها، ولكنها ردتهم جميعهم حتى كبرت وصار عمرها ثلاثة وثلاثين عامًا وقيل ثلاثة وعشرين، وباتت تدعى بأيم قريش بدلًا من أن يكون عريسها بعد الدلال والرفض شابًا من بني هاشم أو ما يماثلهم ويوازيهم في الحسب، كان عريسًا عبدًا أسود أو شبه أسود ليس له بين العرب حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، لا شك أنكم تتشوقون لمعرفة هذين الزوجين من هما؟ لم ترفضه كما رفضت غيره، وكيف تمكن هذا العبد المعتق من الظفر بتلك الهاشمية الحسناء، أنا أتكلم اليوم عن زواج بطولي فدائي غريب، غريب في بدايته غريب في نهايته وغريب فيما بعد نهايته، لكنه ملئ بالدروس الفائقة والعبر الشائقة.


أنا أتكلم اليوم عن الزوجين الفدائيين: زيد بن حارثة وزينب بنت جحش رضي الله عنهما، وقد سميتهما بالفدائيين لأن إقدامهما على أمر هذا الزواج لم يكن عن رغبة منهما بل تنفيذًا لأمر إلهي، أريد من ورائه حكمة وأي حكمة بل حكم، وأي حكم؟! في السنة الرابعة للهجرة أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يزوج زينب لزيد بن حارثه، في ذلك الوقت لم يكن "زيد" ينسب لأبيه حارثة بل كان يدعى "زيد بن محمد" فلقد كان زيد عبد عند "خديجة بنت خويلد" زوجة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل بعثت النبي عليه الصلاة والسلام، فوهبته خديجة لزوجها "محمد بن عبد الله" ليصبح عبدًا له.


زيد هذا كان من قبيلة عربية قحطانية غزت قومه بعض القبائل العربية فاستلبوه من أمه، وباعوه في سوق من أسواق العرب عبدًا مملوكًا، بحث عنه أبوه "حارثة بن شراحيل" حتى وجده عند "محمد بن عبد الله" فأراد افتدائه بالمال ولكن زيدًا رفض أن يترك سيده، وقال لوالده -الذي ذهل لأن ابنه يفضل العبودية على الحرية-: "إني رأيت من هذا الرجل شيئًا عجبًا ولن أفارقه أبدًا"، عند ذلك أخذ محمد بن عبد الله بيد زيد ودار في دور قريش يشهدهم أنه قد تبناه، وأن زيدًا أصبح ابنه اليوم وارثًا وموروثًا ومنذ ذلك اليوم وزيد يدعى بـ"زيد بن محمد".


لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان زيد من أوائل من آمن بالنبي عليه الصلاة والسلام وصدقه، وكان صلى الله عليه وسلم يحبه حبًا كثيرًا كان يقول فيه: «وأيم الله إنه كان خليقًا للإمارة وإنه لمن أحب الناس إلي» (صحيح ابن حبان [7044])، تروي السيدة عائشة عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لزيد أن زيد قدم إلى النبي وهو في بيتها فقام إليه النبي حتى عانقه وقبله، مشت الحياة بزيد مشيًا طبيعيًا فقد تزوج أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ولدت له ابنهما أسامة الفتى الذي كان يلقبه النبي الكريم بالحب ابن الحب، أسامة الذي صار فيما بعد أصغر قائد يعينه النبي صلى الله عليه وسلم على رأس جيش، سيتوجه إلى بلاد الشام لفتحها ونشر كلمة الله فيها، هذا هو زيد هذه هي عائلته الصغيرة، وحياته البسيطة الهادئة الهانئة، ولكن الأمور لا تسير دائمًا بالطريقة التي يخطط لها المرء في حياته.


شيء ما يحدث في السنة الرابعة من الهجرة كان له في حياة زيد أثر عميق وحقًا أمر يستحق أن نقف عنده مطولًا أن نتأمل فيه وفي نتائجه وتفصيلاته تأملًا دقيقًا، استدعى النبي صلى الله عليه وسلم على عجل وكان زيد آنذاك في التاسعة والأربعين من عمره، وعرض عليه أو لنقل أمره أن يتزوج من ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تسمى آنذاك (بره بنت جحش) فوجئ زيد بهذا العرض، لكنه رضخ لأمر النبي عليه الصلاة والسلام فلسان حاله ومقاله هو دائمًا سمعًا وطاعة يا رسول الله ولسنا نعرف مشاعر زيد آنذاك، وإن كنت أرجح أنه كان خائفًا مشفقًا من الإقدام على تلك الخطوة، لما يعرفه من استحالة زواج كهذا حسب العادات العربية عمومًا وعادات قريش خصوصًا، إذ لا تكافؤ بينه وهو عبد معتق فقير وبين زينب القرشية الهاشمية.


أما زينب بنت جحش فكان وضعها أصعب شعرت بسهام تصيب كبريائها وتطعنها في الصميم، العرب الذين كانوا يتفاخرون بالأحساب والأنساب وتقوم عاداتهم على التمييز بين الأسياد والعبيد، لم يكونوا يألفون أو يقبلون زواجًا كهذا فكيف لزينب إذن أن تخرق هذه العادات المتحزرة في أعماق قومها وفي عقول قومها، أمام هذه المشاعر بدت لزينب رغبة جادة بالرفض، ولكن نظرة واحدة في وجه النبي عليه الصلاة والسلام كانت كفيلة بأن تدفع زينب للرضوخ لأمره، فهو رسول الله وأمره من أمر الله وعصيانه من عصيان الله، لربما كانت زينب تدرك في قرارة نفسها أن هناك حكمة من هذا الزواج، ولكنها في نفس الوقت لم تهضم أن تكون زوجة لمولى معتق لا يملك مفخرة واحدة من مفاخر الدنيا مهما يكن موقفها من هذا الزواج في بداية الأمر فإنها رضخت أخيرًا لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، هذا ما جاء في كتب السيرة والتاريخ، لكن بعض الروايات تذكر أن زينب وأخواها "عبدالله وحمنة" رفضا هذا الزواج بشدة فنزل قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، وأن زينب وأهل زينب استجابوا لله ورسوله بعد نزول تلك الآية، فرضوا بزيد زوجًا.


أقول هنا هذه الروايات لم ترد في كتب الحديث الصحيحة، أما كتب التفسير فقد ذكرت سببين لنزول تلك الآية أحدهما ما ذكرناه من أنها نزلت بسبب رفض زينب الزواج من زيد، وأسانيد هذا القول لاترقى إلى درجة الصحة،
والآخر هو الأرجح أنها نزلت لسبب آخر لا شأن لزينب به ولذلك فإننا نرجح أن زينب رضخت لرغبة النبي طواعية، رغم ما في قلبها من خوف من هذا الزواج، لذلك يمكن أن نسمى هذين الزوجين بـ(الفدائيين)، فلقد ضحت زينب بشبابها ونسبها لتخوض تجربة زواج يفتقر إلى الكثير من مواصفات، ولكن كان لابد من التضحية فقد كانت تدرك أن أمر النبي واجب التنفيذ وأن تنفيذ هذا الأمر الصعب هو المحك الأساسي لإيمانها والتزامها، ربما لم يدر في خلدها أن حكمة الإسلام من هذا الزواج تهدف إلى إلغاء العادات والامتيازات الطبقية الذميمة المتأصلة في عقول الناس ودمائهم وطبائعهم، ولكنها كانت تدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم رجل حكيم موحى إليه من ربه، وأن اختياره لها لتكون زوجة لزيد له سببه ربما لم تكتشفه بعد:
* قد يكون هذا السبب أنها قريبته وله عليها دال ووجاهة.
* وقد يكون السبب ما تتميز به زينب من حب وطاعة لله ورسوله.
* وقد يكون، وقد يكون..
تذكرت زينب أيام الإسلام الأولى يوم دخلت في دين الله هي وأمها عمة النبي صلى الله عليه وسلم (أميمة بنت عبد المطلب، ووالدها جحش بن رئاب، وأخوتها حمنة وعبد الله وأبو أحمد و عبيد الله) كلهم أحبوا الإسلام ونبي الإسلام ويودون لو يفتدون ذلك النبي بأرواحهم أفحين يطلب إليهم شيئًا من هذا الفداء يتخلون عنه، لا والله.
إذن رضيت زينب بزيد زوجًا باركت عائلتها هذا الزواج وزفت العروس القرشية إلى زوجها العبد المولى المعتق، كان صداقها عشرة دنانير وستين درهمًا وخمارًا وملحفة ودرعًا، حاولت زينب جهدها أن تكون زوجة صالحة وأن تكون عند حسن ظن النبي صلى الله عليه وسلم بها، لكنها لم تستطع أن تحب زيدًا ولم تستطع أن تنسى أنها كانت مطمح وجهاء القوم وساداتهم، فكانت تسيء في بعض الأحيان إلى زيد فتجفوه وتتمنع عليه وتتعالى عليه دون قصد منها، وكان زيد يحس منها ذلك هذه الفجة وذلك التعالي، الأمر الذي أدى إلى التباعد النفسي والعاطفي بينهما، فلم يستطع هو الآخر أن يسكن إليها ويتقرب منها ويتودد إليها، انقلبت حياة الزوجين إلى جحيم لا يطاق رغم محاولة كل منهما التلاؤم مع الآخر ولكن {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]، بعد سنة كاملة من المعاناة تيقن زيد أنه لن يستطيع أن يكمل حياته مع زينب ففكر أن يطلقها، فلما عيرته واستفزته قرر أن ينفذ ما فكر به هرع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أمره، ويخبره بما عقد عزمه عليه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم منعه من ذلك وقال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» (صحيح البخاري [7420])، قد يبدو أن الطلاق في نهاية الأمر هو مصير الزواج عندما يستحيل التفاهم وينعدم الانسجام، وهذا حق.


هذه بداية قصة السيدة زينب بنت جحش وقبل أن نكملها لابد لنا من التوقف هنا عند نقطة هامة يسيء الكثيرون فهمها هذه النقطة هي (الكفاءة بين الزوجين) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم انكحوا الأكفاء انكحوا إليهم» (صحيح الجامع [2928])، عندما نتساءل عن معنى الكفاءة التي حث عليها النبي صلى الله عليه وسلم بين الخاطب والمخطوبة؟ نجد تعاريف كثيرة متناقضة:
* البعض يعتبر التساوي في الحسب والنسب بين الزوجين هو الكفاءة.
* آخرون يجعلون الحالة المادية أمرًا أساسيًا في الكفاءة بينما.
* يفهم آخر أن الدين والأخلاق هي المعيار، عندما نوازن هذه الآراء بما يفهم من الحديث الشريف السابق نقول: الحكمة من طلب الكفاءة بين الزوجين هي: (الحرص على كل ما يؤدي على استمرار الحياة الزوجية السعيدة بينهما) هذا ما يجعلنا نرجح أن الكفاءة هي (كفاءة الدين والأخلاق، وليست كفاءة النسب والمال) طبعًا لا يمكننا أن ننكر أهمية التكافؤ بين العروسين من الناحية العلمية والثقافية لما في هذا من استمرار التفاهم والوئام بين الزوجين، ولما له من دور في هذا كم شهدت أعيننًا وسمعت آذاننا قصصًا عن زيجات ينقصها التكافؤ المادي ولكن كتب لها النجاح بسبب وجود التكافؤ الديني والعلمي.

بالمقابل كم سمعنا ورأينا قصصًا أخرى لزيجات باءت بالفشل بسبب افتقارها للدين وللعلم والأخلاق واعتمادها على النسب والجاه والمال وحده، الحقيقة أن التكافؤ في المادة والنسب أمر هامشي ثانوي ليس شرطًا من شروط الزواج وتقديره متروك للحالات الفردية، قصة زينب وزيد خير برهان على ذلك فقد كان الإسلام يهدف من هذا الزواج أن يؤكد أن ترك عادات العرب وموازين العرب التي تجعل التكافؤ في هذه المسائل من أولويات الزواج، واكتفى بالدين وحده مقياسًا للكفاءة أو عدمها، أو القبول أو الرفض.
طبعًا رضا الفتاة وأهل الفتاة بالعريس أو الفتى وأهله بالعريس متروك لهم ولما تهوى أنفسهم بشرط أن لا يكون التكبر هو السائق إلى اعتبارا الزواج غير متكافئ من جهة النسب أو المادة، قد يكون من الأمور المقبولة اليوم أو المنطقية أن ترفض البنت وأهلها أو الشاب وأهله الزواج ممن لا يتكافئون معهم حسبًا ونسبًا أو مادة منبتًا اجتماعيًا ما يسمى (البرستيج الإجتماعي) قد يمكن أن يرفضوا هذا خوفًا من فشل هذا الزواج، لما قد يعلمونه عن ابنتهم من عدم القدرة على التأقلم مع الوضع الجديد أخذًا بمبدأ درهم وقاية خير من قنطار علاج، ولكن هذا لا يعني أن هذه هي القاعدة الوحيدة والمثلى بل ينبغي أن ينظر في الزواج إلى الدين والأخلاق أولًا، فإن اجتمعت معها باقي الأمور فهي نعمة، وإلا فالجاه والمال والحسب بمعزل عن الدين والخلق، سيكون طامة وفجيعة يقاسي لها الزوج والزوجة وأهلهما معًا، أحب أن أذكر -الإخوة- بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» (صحيح ابن ماجه [1614]).
نعود إلى الفدائيين (زينب، وزيد) وقد تم الطلاق بينهم بعد زواج دام قرابة سنة ونصف اعتدت زينب عدة الطلاق في بيت الزوجية حتى إذا ما انتهت عدتها أرسل عليه الصلاة والسلام يخطبها لنفسه بناء على أمر الله تعالى له، كان ذلك في السنة الخامسة للهجرة، كان عمرها آنذاك خمسة وثلاثين وقيل خمسة وعشرين عامًا، تكثر الروايات الضعيفة والمغرضة حول خطبة النبي صلى الله عليه وسلم لزينب ،منها روايات تذكر (أن النبي صلى الله عليه وسلم طرق باب بيت زيد قبل طلاق زيد لزينب، فتحت زينب الباب وأنها كانت تلبس ملابس سيدة متزينة في دارها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أعجب بها، فولى عائدًا وقد وقعت زينب في قلبه موقعًا، فلما أراد زيد طلاقها قال له عليه السلام: «امسك عليك زوجك واتق الله»، وأخفى في نفسه أنه يرغب بزينب زوجة له، بناء على هذه الروايات الضعيفة فسر البعض قول الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاه} [الأحزاب:37]، راقت هذه الروايات في الحقيقة الضعيفة للمستشرقين فتبنوها واتخذوها مطعنًا استدلوا من خلاله، على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتزوج حبًا بالنساء وإرضاء للشبق، ولكن منطق العقل السليم والروايات الصحيحة تفسد على المستشرقين ما يحاولونه من طعن في ذلك النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام.
النبي عليه الصلاة والسلام كان يعرف زينب حق المعرفة قبل تزويجها لزيد هي ابنة عمته، شبت أمام عينيه وعلى مرأى منه، وهو الذي خطبها لزيد وزوجه إياها ولو كان مغرمًا بالنساء كما يصفون لأعجبته منذ أن رآها ولتزوجها وهي بكر، ولم يزوجها لزيد ولا لغير زيد، هذا فضلًا عن أن في حالة خروجها بثياب تظهر مفاتنها أمام من يطرق باب بيتها، ولو كان الطارق النبي عليه الصلاة والسلام الروايات الصحيحة تفسر قول الله تعالى للنبي عليه الصلاة والسلام {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} بأن الله تعالى أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيتزوج زينب حينما يطلقها زيد، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كتم هذا عن الناس، فزيد كان ولده بالتبني قبل أن يفسد الإسلام التبني، كان من غير المقبول في ذلك المجتمع أن يتزوج الأب زوجة ابنه إن طلقها ولو كان هذا الابن ابنه بالتبني فكيف يقدم النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج من مطلقة ابنه زيد؟! لقد خشي عليه الصلاة والسلام مما سيتقوله الناس في هذا الزواج، فكتمه حياءً وحرجًا فنزلت الآية الكريمة تعاتبه في ذلك، لأن أحد أهداف الإسلام من هذا الزواج هو إعلان إبطال الإسلام لمفهوم وعادة التبني من أساسها، وإثبات أن زوجة المتبني ليست كزوجة الابن، وأن من كان متبنيًا لشخص فإن هذا التبني باطل هو وكل آثاره الاجتماعية والعرفية لذلك يقول "أنس بن مالك" في هذه الرواية حسب رواية مسلم: "لو كان النبي صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا من الوحي، لكتم هذه الآية بما تحتويه من المعاتبة للنبي صلى الله عليه وسلم" بالمناسبة هذه الآية من سورة الأحزاب التي تعاتب النبي صلى الله عليه وسلم على كتمان خبر السماء وتتبعها بالتزويج من زينب، لم تنزل حين جاء زيد من النبي شاكيًا يريد طلاق زينب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «وامسك عليك زوجك»، بل تأخر نزولها إلى أن مضت عدة زينب من زيد تأكيدًا من أن الإسلام لا يجوز لأحد أن يخطب المرأة أثناء عدتها.
عندما انتهت عدة طلاق زينب أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من يخطبها له حسب ما أراده الله تعالى؟ من الذي تولى أمر هذه الخطبة؟! لم تتصوروا!! أنه زيد بن حارثة الزوج السابق أو الطليق كما يقال اليوم أو كما يسمى!!،

ذهب زيد إلى مطلقته زينب وعرض عليها الزواج برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك أن زينب لم تكن تتوقع هذا العرض من قريب ولا من بعيد لست أشك أن الفرحة غمرت قلبها، ولكأني بها عندما سمعت عن ذلك الخبر لم تسعها الدنيا من الفرحة والسرور، ولكن إنها كشأن أي أنثى وقالت لزيد موارية فرحتها: "لست بصانعة شيئًا حتى أستخير ربي"، ذهب زيد من عندها قامت زينب لمصلاها تسجد بين يدي ربها حامدة شاكرة وهي تتذكر أيامًا قاسية على نفسها مضتها مع زيد، لم تشعر فيها بطعم الهناءة والسعادة حقًا، لقد تركت زينب متع الحياة الدنيا لله فلن يضيعها الله، وكان ثوابها الزواج من خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم.


عاد زيد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بجواب زينب وأنها تريد أن تفكر وتستخير، لكن الأمور أسرع منه ومن زينب ومن تفكيرهما ومن استخارة زينب، عندما كان زيد يتحدث مع زينب، يخطبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، نزل جبريل إلى النبي ليخبره بأن الله تعالى زوجه من زينب، فكأن الله تعالى ولي زينب في هذا الزواج، وكان جبريل سفيره، وذاك أمر لم يحصل مع زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم لا قبل زينب، ولا بعد زينب، هنا في هذا الوقت الذي نزل فيه جبريل بأمر السماء هذا نزلت أيضًا الآية في سورة الأحزاب التي تعاتب النبي صلى الله عليه وسلم على إخفاء إخبار الله له، لأنه سيتزوج زينب بسبب خشيته من قول الناس.


طبعًا أخفى هذا بسبب خشيته من قول الناس بأنه تزوج زوجة متبناه، وتخبره أيضًا بأن الله تعالى قد زوجه زينب من فوق سبع سماوات، ما هي الآية الكريمة التي زوج الله تعالى به رسوله الكريم من زينب، اسمعوا معي قوله تعالى في سورة الأحزاب {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [37] أما في سورة الأحزاب أيضًا إبطال حكم التبني في الإسلام وجوب أن ينسب المرء لأبيه، فإن لم يعرف من هو أبوه فلا ينسب إلى أحد بل هو أخ لجميع المسلمين بالإسلام الجامع بينهما، يقول تعالى أيضا في سورة الأحزاب: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [4] ويقول: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}[الأحزاب:5].


أريد هنا أن أتوقف عند الحكمة من تحريم الإسلام للتبني؛ هذا التبني الذي كان سائدًا في الجاهلية وصدر الإسلام، والتبني: إلحاق نسب شخص غريب بنسب عائلة ما ليصبح ابنا لها يخالط أفرادها الإناث والذكور يعيش معهم ويرث منهم ويقاسمهم حياتهم كأنه أحد محارمهم أي كأنه أخوهم مثلًا مع أنه في الحقيقة ليس أخاهم وليس بمحرم عليهم، لا يخفى ما في هذا التبني من أخطار شرعية واجتماعية على العائلة والمجتمع، إذ يدخل على الأسر عناصر غريبة عنها مما يؤدي إلى:
* اختلاط الأنساب.
* وضياع الأموال.
يطرح بعض الناس هنا مسألة إنسانية دقيقة تتعلق بتربية اللقطاء أو أبناء الميادين والملاجئ، يتساءلون هل يحرم الإسلام على المسلم أن يمد يد المساعدة لهؤلاء المحتاجين الذين كتبت عليهم أقدار الله تعالى أن يفتحوا عيونهم على الدنيا فيجدوا أنفسهم بلا أب أم وبلا معين؟! أقول: التبني الذي حرمه الإسلام هو خلط الأنساب ببعضها زورًا وبهتانًا بشكل ينافي ويجافي الحقيقة، أما تربية اللقطاء واحتواءهم في العائلة دون إلحاقهم بنسب العائلة فهذا أمر رغب فيه الإسلام وحث عليه، لأنه إحياء لنفس بشرية محتاجة للعون ومن أحيا نفسًا فكأنما أحيى الناس جميعًا، ولكن بشرط تطبيق الأحكام الشرعية كـ (الحجاب، ومنع الخلوة بين ذلك الشخص وبين أفراد العائلة من الجنس الآخر، وحساب الميراث بدون أن يكون للغريب فيه حصة مقسومة) طبعًا لم يمنع الإسلام من تحسين أوضاع هؤلاء الناس بالإحسان إليهم وتخصيصهم بوصية تجبر خواطرهم وترفع من مستواهم المعيشي، ولكن ضمن الحدود الشرعية المعروفة عند السادة الفقهاء والعلماء.

لينا الحمصي.