المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أثر الإيمان باسم الله الحميد


المراقب العام
16-01-2019, 05:15 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif





اسم الله الحميد:

ورد في القرآن في أكثر من موضعٍ؛ من ذلك:

1- قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج:24].

2- ومنه قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].

3- ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28].

واقترن باسمه المجيد كما في سورة هود: {قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} [هود:73].

واقترن باسمه تعالى الحكيم كما في قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].

وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث كعب بن عجرة أنه قال: "سألنا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقلنا: يا رسولَ اللهِ، كيف الصلاةُ عليكم أهلَ البيتِ، فإنَّ اللهَ قد علَّمنا كيف نُسلِّمُ عليكم؟ قال: «قولوا: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ، وعلى آلِ إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ»".

معنى الاسم في حق الله تعالى:

الحميد سبحانه هو المستحق للحمد، سمّى نفسه الحميد علا شأنه وارتفع، حمد نفسه وحمده الموحدون فله الحمد كله. وهو سبحانه المحمود على ما أعطى ومنع وضر ونفع ووهب ونزع.

قال ابن القيم رحمه الله: "{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، أنه المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه، فهو المحمود على طاعات العباد ومعاصيهم ومحمود على خلق الأبرار والفجار".وهي مسألة تشكل على الناس ولا يدرك عدل الله وحكمته فيها إلا المؤمنون حقًا الذين يعرفونه سبحانه، أما من سواهم فيرون هذا ظلمًا والعياذ بالله ولا يدركون رحمة الله فيه.

وهو المحمود على عدله في أعدائه كما هو المحمود على فضله في إنعامه على أوليائه، فكل ذرة في الكون شاهدة بحمده لهذا سبح بحمده السموات السبع والأرض ومن فيهن.

كذلك فإن الله عز وجل هو الحميد الذي يحمده عباده الموحدون لأنهم يعلمون أنه خلق الدنيا للابتلاء وخلق الآخرة للجزاء، فهم يحمدونه في السراء والضراء ويوحدونه في العبادة والاستعانة والدعاء حتى يكرمهم بجنته عند اللقاء؛ فإن ابتلاهم صبروا وإن أنعم عليهم شكروا.

لذلك قال الله في وصفهم: {وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} [الأعراف من الآية:43].

وقال أيضًا سبحانه: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:34].

قالوا: {أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} وهذا يعني أن الدنيا دار شقاء وعناء ومن ابتغى فيها السعادة فهو خاسر، وأن أعظم البلاء حرمان القلوب من علّام الغيوب، وحرمان الجنان من الرحيم الرحمن.

وذكر "غفورٌ شكور" في هذا الموضع وقدم الغفور لأنه هو الذي يستر العيوب والذنوب العظام. فكأن أهل الجنة عندما أمسكوا صحائفهم ورأوا أعمالهم وذنوبهم وعاينوا أهوال الحشر، ثم يرون هذه القبائح العظام قد محيت وضوعفت حسناتهم على ما فيها من تقصير وشوائب، عرفوا وشعروا بمعني الله الغفور الشكور حقًا.

ونحن نحتاج في الدنيا إلى الشعور بهذا المعنى، حسناتك تكثرها وتشكره عليه، وذنوبك تستغفر منها وتشكره وتحمده تعالى على فضله وغفرانه.

الحميد سبحانه وتعالى دال على ذاته الموصوفة بصفة الحمد، واسمه الحميد يلزم منه أن يكون الله حيٌّ، قيُّوم، سميعٌ، بصيرٌ، غنيٌ، كريمٌ، حليمٌ، عزيزٌ، عظيمٌ، إلى غير هذا من أوصاف الجمال والجلال.

وفي قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28].

وهنا وقفة.. لماذا ذكر في هذه الآية اسمه تعالى الوليّ؟

في هذه الآية أخبرنا الله عز وجل أنه يفرج وينزل الغيث عندما يشعر الانسان القنوط واليأس، فمثلًا: متزوج له سنوات ولم يرزق بأولادٍ فيرزقه الله حينما يقنط وينقطع أمله في الإنجاب. حتى تفرح بفضل الله وتتعلم أنه لا قنوط مع قدرته سبحانه..

وأيضًا قال تعالى في الآية: {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ}:

قال: ينشر لأن هذه الرحمة لا تنفع من تنزل عليه فقط بل هي تعم، فالله عز وجل ينشر للمستحق ابتداءً ثم من لا يستحق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عمّن يجالس أهل الذكر: «هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» فيغفر له الله كما يغفر لهم فبذلك ينتفع بمجالسته؛ وقِس على هذا أي شيء.

{وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} ذكره للوليّ هنا لأن منعه ولاية وعطاؤه ولاية، لأنه لا يمنع بخلًا سبحانه وإنما يمنع تربية ومحبة وحماية، فهو الذي يُدبِّر الأمر ففوِّض أمرك إلى الله واجعله وليك وارضى عن أفعاله.

حظ العبد من اسم الله الحميد:

أولًا: أن نُكثِر من حمد الله سبحانه وتعالى على سائر الأحوال ونسبح بحمده كما يسبح كل شيء في الكون بحمده سبحانه: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء من الآية:44] وكلمة {شَيْءٍ} أي: الموجود، تطلق على سائر الموجودات، أي ما من مخلوقٍ موجودٍ إلا ويسبح بحمد الله.

واعلم أن حمد الله سبحانه وتعالى يستوجب رضاه فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ تعالى لَيرضى عن العبدِ أنْ يأكلَ الأكلةَ، أو يشربَ الشربةَ، فيحمدُ اللهَ عليها» (صححه الألباني).

والحمد مستوجب لغفران الذنوب وعلو المكانة عند الله وبلوغ مقام الرضا. ولا أفضل من مقام الرضا فلنحمد الله بالقلب وباللسان وبالجوارح بالتعبُّد والخضوع لله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الطَّهورُ شطرُ الإيمانِ، والحمدُ للهِ تملأُ الميزانَ، وسبحان اللهِ والحمدُ للهِ تملآنِ -أو: تملأُ- ما بين السماواتِ والأرضِ» (رواه مسلم).

والحمد لله من أحب الكلم إلى الله، كما جاء في الحديث: «أحبُّ الكلامِ إلى اللهِ أربعٌ: سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ. لا يضرُّك بأيِّهنَّ بدأتَ» (رواه مسلم).

وقال سليمان عليه السلام: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [النمل من الآية:19]، يطلب من الله عمل صالح يرضيه لأنه ليس كل عمل صالح يرضيه. فالغني الذي يتصدّق بخمس جنيهات ليس كالفقير الذي يتصدّق بتلك الخمس ولا يقارن هذا بذاك. فإذا ليس كل عمل صالح يرضيه.

وقال الله عز وجل: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ من الآية:13].

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث مطرح رضي الله عنه قال: "قال لي عمران: إني لَأُحدِّثُكَ بالحديثِ اليومَ، لِينفعَك اللهُ عزَّ وجلَّ به بعدَ اليومِ، اعلمْ أنَّ خيرَ عبادِ اللهِ تبارك وتعالى يومَ القيامةِ الحمَّادونَ".

وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للهِ ملائكةً سيَّاحين في الأرض فُضْلًا عن كُتَّابِ الناسِ، يطوفون في الطُّرُقِ، يلتمسون أهلَ الذِّكرِ، فإذا وجدوا قومًا يذكرون اللهَ تنادوا: هَلُمُّوا إلى حاجاتِكم، فيَحفُّونهم بأجنحتِهم إلى السماءِ الدنيا، فيسألهم ربُّهم، وهو أعلمُ منهم: ما يقول عبادي؟ فيقولون: يُسبِّحونك، ويُكبِّرونك، ويحمَدونك، ويمجِّدونك، فيقول هل رأوني؟ فيقولون: لا واللهِ ما رأوك، فيقول: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك كانوا أشدَّ لك عبادةً، وأشدَّ لك تمجيدًا، وأكثرَ لك تسبيحًا، فيقول: فما يسألوني؟ فيقولون: يسألونك الجنَّةَ، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا واللهِ يا ربِّ ما رأوها، فيقول: فكيف لو أنهم رَأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشدَّ عليها حِرصًا، وأشدَّ لها طلبًا، وأعظمَ فيها رغبةً، قال: فمم يتعوَّذون؟ فيقولون: من النَّارِ، فيقولُ اللهُ: هل رأوها؟ فيقولون: لا واللهِ يا ربِّ ما رَأوها، فيقول: فكيف لو رأَوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فرارًا، وأشدَّ لها مخافةً، فيقول: فأُشهدِكُم أني قد غفرتُ لهم، فيقولُ ملكٌ من الملائكةِ: فيهم فلانٌ ليس منهم، إنما جاء لحاجةٍ! فيقول: هم القومُ لا يَشْقى بهم جليسُهم» (صححه الألباني).

فأول معنى في اسمه تعالى الحميد: أن تشكر ربك على كل أحوالك في الرخاء والبلاء.

الأمر الثاني: اسمه تعالى الحميد مستوجب لمحبته لا محالة فيزداد لله حبًا بهذه اللطائف والمنن.

والأمر الثالث: هو الحياء.. أن يستحي من ربه فالله سبحانه فهو حميدٌ وشاكرٌ ومحمودٌ من كل الخلق فهذا يستوجب الحياء ولا شك.

والحياء يبعث على مقامٍ رابع.. وهو الذل والانكسار وهذا هو المعنى الرابع (الذل والانكسار لله الحميد) فالكل يقوم بمقام العبودية، وأنت مُقصِّر فتذل وهذا يبعث على الأنس بالله والشوق إليه.

----------------------------------------------------
[1]- (أخرجه ابن رجب في جامع العلوم والحكم؛ وقال: "حسنٌ جيد") .
هاني حلمي عبدالحميد