المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فقه ادارة الاختلاف في الاسلام ج1


Abeer yaseen
29-01-2019, 02:29 AM
القرآن الكريم يقرر التعدديه
استبعد القرآن أن يكون الناس أمة واحدة ينتظمهم اتفاق ورأي وإنما هم مختلفين وبقدر ما حرص على تأكيد الوحدانية لله بقدر ما أبرز التعدديات فيما عداه (1) ومما يؤكد ذلك :
قوله تعالى : (ومن ءاياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنشرون 20ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بيمكن مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 21 ومن ءاياته خلق السموات والأرض واختلف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لأيات للعالمين) 22 "سورة الروم"
وقد تعددت مشارب العلماء في تفسير هذه الآية بما يوضح أن الإختلاف والتنوع والتعدد هو من سنن الله الفطرية التي خلق الناس عليها مبددين من خلال هذه الآيات السابقه وغيرها والتي تشير إلى التعددية في بنية المجتمع الإنساني الشبهات التي أثيرت من أن مبدأ التعدد يتنافر مع الوحدة التي يفرضها الإسلام معتبرا الإختلاف والتفرق صنو الجاهلية والكفر..
وفي هذا الصدد يقول الأستاذ جمال البنا "إذا كان القرآن الكريم قد وصف أمة المسلمين أنها واحدة فهذا يعني أنها واحدة في عقيدتها ولكنه لا ينفى عناصر التميز والإختلاف والتنوع بين شعوب وفصائل هذه الأمة داخل الإطار الفسيح للعقيدة الواحدة" (2) وفي موضع آخر يذكر أن مادة "اختلف" كثر ذكرها في القرآن وهي تدل على مساحة واسعة الإختلاف وبالتالي التعددية ودكتور يوسف القرضاوي يذكر أن القرآن يعتبر اختلاف الألسنة والألوان آية من آيات الله تعالى في خلقه يعقلها العالمون منهم مستشهدا بما سبق ذكره من آيات وبأن الصحابة اختلفوا في مسائل فروعية كثيرة وحتى على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه أقرهم على ذلك . وأن عمر بن عبد العزيز أيد وحبذ إختلاف الصحابة لأنه فتح باب السعة والمرونة بتعدد المشارب وتنوع المنازع. فالإختلاف ليس كله شر فهناك اختلاف تنوع وهو مما يثري الحياة ويدفعها للأمام وهذا محمود فالتقدم لا يعنى بالضرورة التفرق (3)
أما دكتور محمد عمارة فإنه يبرز مظاهر هذه التعددية وصورها في القرآن الكريم وأن النظرة الإسلامية إلى التعدديه هى التنوع في إطار الوحدة الإسلامية مؤكدا على هذا المعنى من القرآن فيقول:
ففي القوميات والأجناس تعددية وأن القرآن يعتبرها آية من آيات الله في الإجتماع الإنساني "ومن آياته أن خلق لكم .."
وفي الشعوب والقبائل هناك تعددية تثم التمايز الذي يدعو القرآن إلى توظيفه في إقامة علاقات التعارف بين الفرقاء المتماييزين "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتفارقوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات: 130
وفي الشرائع والمناهج ومن ثم في الحضارات هناك تعدديه يراها القرآن .. حافز للتنافس في الخيرات .. وسبب في التدافع الذي يقوم ويرشد مسارات أمم الحضارات على سبيل التقدم والارتقاء فهى المصدر والباعث على حيوية الإبداع والتجديد الذي لا سبيل إليه إذاغاب التمايز وطمست الخصوصيات بين الحضارات يتضح ذلك في قوله تعالي "ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهما" هود: 18، 19 .
"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الاخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة 48
كما يشير دكتور عمارة إلى أن التعدديه مورست عمليا حتى في بداية نشأة المجتمع الإسلامي وتم التأكيد عليها رسميا بالصحيفة أو ما يسمى حديثا بالدستور الذي نظم العلاقات بين أفراد المجتمع الإسلامي حينذاك على تنوعه من مهاجرين وأنصار ويهود (4) أي أنه كان هناك تعددية في إطار وحدة الأمة كما أن المجتمع الإسلامي تحمل أنواعا من التعددية وصلت بالفرقاء إلى حد الصراع المسلح كما في صفين والجمل وقتال علىّ للخوارج فكان القتال بينهم على التأويل واختلافهم فيه لكنهم ظلوا على ولائهم للدين ولم يخرج القتال أي منهم من الملة يؤكد ذلك قول على حين سئل عن آخرة قتلى الفريقين .. "إني أرجو ألا يقتل أحد نفيٌّ قلبه منا ومنهم إلا أدخله الله الجنة (5)
إذا فالإختلاف المذموم الذي نهى عنه الدين ليس هو في إختلاف الأفهام حول معاني آياته كما وقع بين الصحابة وإنما هو الإختلاف على الدين هل هو من عند الله أم لا وهو ما وقع فيه الأحبار والرهبان بتحريفهم لكتبهم كما في قوله تعالى:" أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون 75 وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم على بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون 76 أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون 77 ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون 78 فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون 79 " البقرة
وذم الله تعالى الشك في الكتاب والذي وقع فيه بني اسرائيل فقال تعالى "ولقد اتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم وإنهم لفي شك منه مريب" فصلت
إذا فما سبق يمثل صور الإختلاف المذموم على الكتب السماوية التي أنزلها الله ومثله الذي يقع بين المسلمين لعدم إتباع المنهج الذي أرشد إليه القرآن حين يقع الإختلاف وما يؤدي إليه من تقاتل وتخاصم وتنازع (6) يفكك روابط الإخوة بين أبناء الأمة الواحدة على إختلاف وتنوع عقائدها وأحبنا سها وليس للإختلاف المعرفي والعلمي بمستوياته وتنوعاته المتعددة
ولهذا ومن منطلق تأكيد الإسلام على التعددية وإقراره بالإختلاف بين الناس وضع أداب يجب مراعاتها بين المتجادلين والمتنازعين التزم بها المسلمون منذ العقودة الأولى وحتى حين وصل الإختلاف إلى أعلى قمة الهرم بينهم أو بين غيرهم من أهل الملل الأخرى أو حتى الملاحة (7)
أداب الإختلاف
لقد تحدث علماؤنا قديما وحديثا عن هذه الآداب نظر لما يؤدي غيابها في واقع حياتنا إلى رمي الإسلام بتهم باطلة نتيجة سوء فهم أتباعه له فانبرى علماؤنا لتغيير هذه التهم ومنها الغلو و
التشدد والتعصب وعدم تقبل الرأي الآخر وما يتيح ذلك من رمى المخالفين بالكفر والإثم والإسلام من كل ذلك ميراء
من هنا سنبين الأدب التي دعا إليها الإسلام المسلمين أن يتحلوا بها سواء كان مع مخالفيهم من أهل الملة الواحدة أو مع أهل الديانات الأخرى ومنها.
1- الترحيب بنقد الآخرين
وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة لأمته في هذا الصدد حين أكد على ضرورة تقبل أراء الآخرين بسعة صدر متسامح وحرية المعارضة دون إرهاب أو تخويف وذلك عندما "أمرمناديا فنادى في المدينة .. أن اجتمعوا لوجبة النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمع كل من في المدينة من ذكر وأنثى وكبير وصغير .. فحمد الله ثم قال : يا أيها الناس من جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد –(أي يقتص)- منى ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرض فليستقد منى، ومن أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه ولا يخشى الشحناء من قبلي فإنها ليست من شأني" (8)
وكان الرسول صلى الله علية وسلم ينزل عن رأيه إلى رأي أصحابه إذا لاح له أنه أصوب وخصوصا في أمور المعيشة وشئون السياسة والتعليم (9)
في قضية تأبير النخيل قال لهم: " إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، أنتم أعلم بأمر دنياكم" (10)
وحين أرسل أبا هريرة يعلن في الناس : أن من قال (لا إله إلا الله) دخل الجنة ورأى عمر في ذلك مدعاة لأن يتكل الناس ويدعو العمل فقال : يارسول الله إخلّهم يعملون قال: "خلهم يعملون" وهذا كما يقول د. يوسف القرضاوي ثابت في الصحيح
وكان صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يضيقون صدرا بالنقد على شدته ويتخذونه سبيلا لمراجعة النفس بل يثنون على من يعارضوهم من ذلك ماروى أن أحد الرعية قال لعمر بن الخطاب: اتق الله يا بن الخطاب! فأغضب هذا بعض من حوله وحاول أن ينتهر هذا القائل ولكن عمر قال: دعه فلا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها. ويضاف إلى ذلك المرأة التي عارضت عمر على منبره فرجع عن قوله قائلا : أصابت المرأة وأخطأ عمر
والشافعي يصف معارضيه والحانقين عليه بأهل الفضل والإحسان وهذا قمة الصبر وسعة الصدر وذلك حين يقول :
عداتي لهم فضل علىّ ومنة فلا باعد الرحمن عني الأعاديا!
فهم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فارتكبت المعاليا!(11)
وقد مارس علماؤنا الأفاضل مثل ابن تيمية والشاطبي والغزالي وغيرهم النقد على أعلى مستوياته سواء في الخلافات الفرعية العلمية فيما بينهم أو نقدهم لفكر طوائف من المجتمع وهم في كل ذلك ملتزمين بأداب الحوار والنقد مع المخالفين بل إنهم كثيرا ما ينبذون التقليد داعين إلى حرية الفكر واعمال العقل دون السير في دائرة السابقين وذلك فيما يخص الفروع دون الأصول التي يجمع عليها الكل على اختلاف الزمان والمكان من ذلك.
كلام بن تيمية في نقده للتراث وعرضه على ماأنزل الله من الكتاب والميزان فلا يجوز قبول كل ماجاء عن العلماء السابقين على مالهم من علم وفضل.. ولارده بإطلاق كذلك إنما يؤخذ منه ويترك وفق الموازين العلمية والحقائق الدينية. (12)
وعلى نفس خطى بن تيمية نقد الشاطبي الصوفية والمحدثات التي توارثوها عن السابقين وإن عرف عنهم الفضل والتقوى وعكست ذلك مؤلفاتهم (13) ومن مظاهر التعددية وقبول الرأي الآخر أن سمح علماؤنا بجواز الإجتهاد ونبذ التقليد والتسامح مع المعارضين منهم الشوكاني "الذي حمل على التقليد ودعاته .. واستفاد مما كتبه بن القيم في رد التقليد وما كتبه قبله الإمام ابن عبد البر والإمام ابن حزم وغيرهما وأنكسر القول بسد باب الإجتهاد واعتبر ذلك بدعة شنيعة في الإسلام ويبين أن فضل الله عظيم لم يُقتصر على عصر من العصور ولم يحتكر لعدد من الناس قل أو كثر وإنما هو باب مفتوح لكل من وهبه اليه استعدادا" (14)
إذا فحق النقد يسمح بإبراز وجهات النظر المتعددة وكان يتم ذلك وفق أسس معينة تتضمن أن يتم في جو من الأمن والسلامة وقد أجمع علماء الأمة على أن القدسية هي لكتاب الله وسنة رسوله وماعداهما غير معصوم من الخطأ وكما يقول الإمام مالك "كله يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا المقام" مشيرا إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وكان هذا المنهج الذي سار عليه الرسول وصحابته والعلماء وهو سياج الآمان الذي سمح بحرية إبداء الرأي والنقد في أعلى مستوياته ويوضح ذلك المعنى د.يوسف القرضاوي بقوله عن المباديء التي يجب أن نتعامل بها مع التراث
ضرورة إستعمال الرفق واللين في النقد والمعارضة دون أن يتجاوز ذلك الي الطعن والتجريح وهذا ما دعى إليه وحث عليه علماؤنا وهى من الأداب التي يجب مراعاتها بين المخالفين
وفي هذا الصدد يذكر أن رجلا دخل على المأمون ليأمره وينهاه فأغلظ عليه القول، وقال له ياظالم يا فاجر.. إلخ وكان المأمون على فقه وحلم فقال له يا هذا، ارفق فإن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر منى وأمره بالرفق بعث موسي وهارون وهما خير منك إلى فرعون وهو شر منى فقال لهما: "اذهبا إلى فرعون إنه طغي فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" طه: 43، 44 (15)
والقرآن يقر كما سبق بالإختلاف في المجتمعات وأنه من سنن الله وأن الإتفاق التام هو أمر مستحيل ولذا نها الله سبحانه من محاولة فرض الأراء والأفكار على الأخرين بالقوة حتى على مستوى العقيدة وكما يقول مراد هوفمان
"إن الإسلام ينهى عن التبشير العدواني الذي تمارسه البعثات المسيحية حتى رسول الإسلام نبهه القرآن "إنما أنت نذير" هود : 12 (وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ.." آل عمران 20 "ما على الرسول إلا البلاغ" تكررت في سورتي العنكبوت وغيرهما وتمثل الأية 256- سورة البقرة القلب والعقل في هذا التسامح الفكري والعملي وقبول الإختلاف على أنه من السنن الكونية "لا إكراه في الدين" ولذلك يجب على المسلمين الجدال في المسائل الدينيه بالحسنى بلا إكراه ولا فرض رأي "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهوأعلم بالمهتدين" النحل 125 (16)
ويستشهد الأستاذ جمال البنا بكثيرا من آيات القرآن في مقام اتباع منهج الرفق لأن فرض الرأي يصيب العلاقة بين الناس بسُم العداوة ويثير العناد ولهذا فإن القرآن أحال البت في هذا الإختلاف إلى الله تعالى يفصل فيه يوم القيامة وهو مايغني الفرقاء عن الصراع والكفاح والعمل بكل وسيلة لحمل الآخرين على التسليم لهم (17)
وفي هذا يقول الله تعالى: "ثم إلىّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون" آل عمران 55 "ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" الأنعام: 164
"فالله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون" الحج: 69
"وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون" النحل: 124
2- التسامح والتحرر من التعصب
روح التسامح الذي أمر به الإسلام ورعاها المسلمون الأوائل وعملوا بمقتضاها فبعدوا عن ضيق الأفق وقامت التعددية في المجتمع دون أي اضطراب أو خلل يعوق مسيرته وهذا ما حدث في فكرنا الإسلامي حيث أدى إلى ظهور العديد من الفرق والمذاهب الإسلامية وخلافهم لايرجع إلى الأصل الكتاب والسنة وإنما إلى حظوظهم من الفهم والتقدير والوزن. واختلاف الأراء والأحكام ظاهرة طبيعية في كل تشريع يتخذ من أعمال الناس مصدرا له وهذا الخلاف رحمة للناس لهم أن يتخيروا ما تطمئن إليه قلوبهم دون إجبار وما كان لواحد منهم أن يلزم غيره بفتواه وهذا يدل على قمة التسامح الذي قلل من حجم التعصب وتوقف الفتن والحروب التي قد تنشأ بدونه (18)
فالخلاف العلمي في ذاته لاخطر فيه إذا اقترن بالتسامح وسعة الأفق وتحرر من التعصب والإتهام وضيق النظر ومعرفة أن منطقة ما يجوز فيه الخلاف أوسع بكثير مما لايجوز وهذه معاني أكد عليها د.يوسف القرضاوي ناصحا الشباب البعد عن الغلو والسير على درب العلماء الأفاضل في تسامحهم مع مخالفيهم قائلا "أدب الخلاف" هو أدب ورثناه من أئمتنا وعلمائنا الأعلام علينا أن نتعلم منهم كيف تتسع صدورنا لمن يخالفنا في فروع الدين. كيف تختلف أراؤنا ولاتختلف قلوبنا؟ كيف يخالف المسلم أخاه المسلم في رأيه دون أن تمس أخوته أو يفقد محبته أو إحترامه لمخالفته..
ودون أن يتهمه في عقله أو في علمه أو في دينه (19) وهو يرى أن هذه الأداب يجب اتباعها لأن أسباب الخلاف لا يمكن رفعها بالكلية لأنها قائمة في طبيعة البشر ةالحياة واللغة والتكليف.
3- عدم التوبيخ أو اغفال محاسن الخصم
فتعامل الأئمة والعلماء الكبار مع مخالفيهم بالعدل والإعتدال والحب ولم تدفعهم المخالفة في الرأى أو المذهب إلى الخصومة أو الطعن والتجريح وسع بعضهم بعضا وصلى بعضهم وراء بعض(20)
وكان الشافعي يقول "رأيصواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ومن يقول عكس ذلك فهو يضفى قدسية وعصمة على رأيه وفكره وحي يوحى مع أنه فكر بشرى غير معصوم (21)
4- حرمة التكفير للمختلف
كلمة التكفير التى تلقى على الألسن بسهولة ويسر من الإنسان إلى معارضيه أو المختلفين نعه كان الرسول وصحابته والعلماء والأفاضل أشد تورعا في استعمالها مهما بلع الخلاف مداه بين أهل الملة الواحدة وبلع التحذير بشأنها درجة كبيرة والدليل على ذلك:
الحديث المتفق عليه عن ابن عمر: أيما رجل قال لأخيه (يا كافر) فقد باء بها أحدهما"(22) ، "من قذف مؤمنا يكفر فهو كقتله"(23)
وفي الصحيحيين من حديث أبي هريرة أن من قال (لاإله إلا الله) فقد عصم بها نفسه وماله وحسابه على الله" (24)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية "لايجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة فإن الله تعالى قال :"آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين آحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تجمل علينا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لاطاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين" البقرة: 285: 286 وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم (25) وكان السلف مع الإمتثال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين.. فيقبل بعضهم شهادة بعض ويأخذ بعضهم العلم عن بعض ويتوارثون ويتناكحون..(26)
وكان أبي الحسن الأشعري حين قرب آجله بعث إلى رجل يقال "أحمد السرخسي " فقال له أشهد علىّ: أني لا أكفر أحد من أهل القبلة لأن يشيرون إلى معبود واحد وإنما هذا كله اختلاف العبارات .
قال الذهبي: وينحو هذا أدبنا وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لاأكفر أحداً من الأمة ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لايحافظ على الوضوء إلا مؤمن" فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم" 27)
إذا فمن خلال مراعاة أداب الإختلاف من تسامح وتقبل النقد وعدم التوبيخ للمعارضين أو إغفال محاستهم والتماس القدر لهم وعدم تكفيرهم أو تأثيمهم نمت في المجتمعات الإسلامية التعددية والتي قلما شهدت فى روعتها في مجتمعات أخرى وهذا ما أدى إلى اندهاش واعتراف الغرب بسماحة الإسلام وبهذه الروح التسامحية العظيمة انتشر الإسلام إلى بقاع الأرض واستطاع أن يحتضن أمما شتى على اختلاف ثقافاتها تحت لوائه ولم تكن هذه الأداب حكرا على المسلمين من أهل الملة الواحدة وإنما هى أداب روعيت حتى مع أهل الملل الأخرى حين نبذ روح التعصب والغلو والتشدد التي استأصلوا شأنتها من عقولهم وقلوبهم وفي ممارستهم العملية في واقع الحياة
المراجع :
(1) جمال البنا : التعددية في مجتمع إسلامي" ص 10، 11 دار الفكر الإسلامي
(2) المرجع السابق ص 11
(3) يوسف القرضاوي: من فقه الدولة في الإسلام ص 153، 154
وفي إطار وحدة الدين وتعددية الشرائع جاء القرآن بتقرير هذه الحقيقة "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيم الدين ولاتتفرقوا فيه" الشورى 13
وقول النبي صلي الله عليه وسلم: "الأنبياء إخوة لعلاّت-(أي أمهات متعددات)- دينهم واحد وأمهاتهم شتى" رواه البخاري ومسلم وأبو داود والإمام أحمد.
5- لمزيد من التفصيل ينظر إلى مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة ًص: 5-20، محمد عمارة: هل الإسلام هو الحل ص 54
6- محمد عمارة " هل الإسلام هو الحل" نقلا عن الباقلاني (التمهيد في الرد على المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة) ص 2337، 238 تحقيق محمود محمد الخضيري
7-شرعية الإختلاف: عمران سميح نزال ص 5: 38 ، ط، القراء، سوريا
8- ينظر في هذا الصدأ آيات سورة الأنعام (153:159( والشورى 13،14) والأنفال (45،46)
9-ينظر إلى "أخلاق العلماء" للآجري ورسائل الماجستير والدكتوراة قسم الفلسفة الإسلامية كلية دار العلوم وهى عن آداب الجدل والمناظرة" عند المسلمين أو مع المخالفين من أهل الملك الأخرى، وتاريخ الجدل: للإمام محمد أبوزهرة
10-رفاعة الطهطاوي (نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز) الأعمال الكاملة ج 11- ص 387، 388 دراسة وتحقيق د. محمد عمارة
.12-"الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد" يوسف القرضاوي ص 231
13-رواه مسلم عن عائشة وأنس
14- ينظر إلى الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد ص 230
15. كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والإختلاف؟" يوسف القرضاوي ص 37
16. "الإعتصام" للشاطبي المرجع السابق ص 35
17- كيف نتعامل مع التراث والتمذهبي والإختلاف ص 68
18- المرجع السابق ص 41
19 "من فقه الدولة في الإسلام" يوسف القرضاوي ص 128 نقلا عن الإحياء للغزالي
20-الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف: د.يوسف القرضاوي ص 126، 127
21- كيف نتعامل مع التراث، يوسف القرضاوى ص 55 ولمزيد ينظر أ، 52:55
22- المرجع السابق ص 149، 150 ولمزيد ينظر ص 151: 154
23- اللؤلؤ والمرجان (39)
24- .متفق عليه عن ثابت بن الضماك وكان من أصحاب الشجرة. الؤلؤ والمرجان (70)
25- متفق عليه الؤلؤ والمرجان (14)
26- كيف نتعامل مع التراث والتمذهب والإختلاف: يوسف القرضاوي ً 236
27- المرجع السابق ص 238