المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فن التعامل مع عوام الناس ( التنمية البشرية الاسلامية )


Abeer yaseen
03-02-2019, 02:54 PM
(أ) منهج التعامل مع العامة عند الغزالي

عند الدخول في مجلس جماعة يرى الغزالي أنه إذا دخل الإنسان مجلسًا أو جماعة فليسلِّم وليجلس موضعه ويترك التخطي ويخص بالسلام من قرب منه إذا جلس .

(1) مجالس العامة لها شروط عند الغزالي وهي: النهي عن كثرة الكلام أو الإصغاء لحديثهم والتغاضي عن سوء ألفاظهم حيث يقول الغزالي:" إن بلي مجالسة العامة ترك الخوض معهم ولا يصغي إلى أراجيفهم ويتغافل عما يجري من سوء ألفاظهم ويقل اللقاء لهم إلاّ عند الحاجة "وهذا ما أشار إليه ابن قدامة كما سيتضح لاحقا .

(2) التواضع لهم ويكون معيار تقديره لأي شخص منهم هو حسن خلقه وتدينه لا لغناه وفقره فيقول: " ولا يستصغر أحدًا من الناس فيهلك ولا يدري لعله خير منه وأطوع لله منه ولا ينظر إليهم بعين التعظيم في دنياهم لأن الدنيا صغيرة عند الله صغير ما فيها ولا يعظم قدر الدنيا في نفسه فيعظم أهلها لأجلها فيسقط من عين الله"

(3) النهي عن معاداتهم إلاّ ما كان فيه معصية لله من أفعالهم فيقول" ولا يعاديهم فتظهر لهم العداوة ولا يطيق ذلك ولا يصبر عليه إلاّ أن تكون معاداة في الله عز وجل فيعادي أفعالهم القبيحة وينظر إليهم بعين الشفقة و الرحمة"
كما نهى عن معاداتهم حتى عند رفضهم المساعدة له قائلاً: " إذا سأل أحدًا منهم حاجة فقضاها فهو أخ مستفاد و إن لم يقضها فلا يذمه فيكتسب عداوته"

(4) النهي عن الطمع فيهم فيصغر الإنسان في أعينهم قائلاً: " ولا يبذل لهم دينه لينال من دنياهم فيصغر في أعينهم ولا يطمع فيما في أيديهم فيذل لهم ويذهب دينه معهم "

(5) عدم تقوية الصلة بهم أو الاعتماد على موقفهم ورأيهم فيه قائلاً: " ولا يستكثر إليهم في مودتهم له و إكرامهم إياه وحسن بشاشتهم في وجهه وثنائهم عليه فإنه من طلب حقيقة ذلك لم يجدها إلاّ في الأقل وإن سكن إليهم وكله الحق إليهم فهلك ولا يطمع أن يكونوا له في الغيب كما له في العلانية فإنه لا يجد ذلك أبدًا "

(6) النهي عن وعظهم إلاّ إذا كان فيهم من يقبل الموعظة فيقول: " ولا يعظ أحدًا منهم إلاّ أن يرى فيه أثر القبول و إلا عاداه ولم يسمع منه"

(7) النهي عن معاتبتهم لأنه لا يجدي معهم و إنما اللجوء إلى الله في الشكوى منهم إذا مسَّك ضرهم فيقول: "وإذا رأى منهم خيرًا أو كرامة أو ثناء فليرجع بذلك إلى الله عز وجل وبحمده ويسأله أنه لا يكله إليهم و إذا رأى منهم شرًا أو كلامًا قبيحًا أو غيبة أو شيئًا يكرهه فيكل الأمر إلى الله تعالى و يستعيذ به من شرهم و يستعينه عليهم ولا يعاتبهم فإنه لا يجد عندهم للعتاب موضعًا ويصيرون له أعداء ولا يشفي غيظه بل يتوب إلى الله تعالى من الذنب الذي به سلطهم عليه ويستغفر الله منه"
ويلخص الغزالي طريقة التعامل معهم بإجمال في نهاية كلامه بقوله: " ليكن سميعًا لحقهم أصم عن باطلهم" ([1]) أي يراعي حقوقهم التي ندب إليها الشرع ويتغافل الإنسان عن مساوئهم التي تكون بسبب جهل الدين وسوء النشأة وتوجد قاعدة فقهيه اسمها " العذر بالجهل " أي يلتمس الإنسان العذر على ما قد يقع الآخرون فيه من قبح الفعل بسبب جهلهم، وما سبق يمثل أساليب التعامل مع العوام من تعرفهم ومن لا تعرفهم .

ب- منهج التعامل مع العامة عند ابن المقفع

وابن المقفع يرشدنا إلى الطريقة التي نستطيع بها أن نكسب الود و التقدير و الاحترام لدى العامة بالآتي:
1- بالاقتراب من أفهامهم ومخاطبتهم على قدر عقولهم فيقول: " إن أردت أن تلبس ثوب الوقار و الجمال وتتحلى بحلية المودة عند العامة وتسلك الجَدَد ( الأرض المستوية) الذي لا خَبَار ( ما استرخى من الأرض) فيه ولا عثار فكن عالمًا كجاهل وناطقًا كعيي فأما العلم فيزينك ويرشدك و أما قلة إدعائه فتنفي عنك الحسد و أما المنطق ( إذا احتجت إليه) فيبلغك حاجتك و أما الصمت فيكسبك المحبة و الوقار"

(2) عدم المشاركة و التعقب لحديثهم حتى إذا كان لك معرفة سابقة بهذا الحديث ومخالفتك لهذه التعاليم علامة على السخف وعدم الترصن والخفة قائلاً: " وإذا رأيت رجلاً قد علّمته أو يُخبر خبرًا قد سمعته فلا تشاركه فيه ولا تتعقبه عليه حرصًا على أن يعلم الناس أنك قد علّمته فإن في ذلك خفة و شحا وسوء أدب و سخفًا"

(3) ليعرف العامة منك الوفاء بالوعد و أن فعلك أكثر من قولك.
فيقول ابن المقفع: " ليعرف إخوانك و العامة أنك إن استطعت إلى أن تفعل مالا تقول أقرب منك إلى أن تقول مالا تفعل فإن فضل القول على الفعل عار وهجنة( أي زيادة القول على الفعل من القبح والعيب)، وفضل الفعل على القول زينة "
ثم هو يؤكد على هذه الفكرة أيضًا حين يوضح أن الإنسان قد يقول أشياء كثيرة يعجز عن تنفيذها أو تحول الظروف دون ذلك وهنا قد لا يُلتمس له العذر و يتهم بالتقصير فالأفضل له أن يسبق فعله قوله قائلاً:" و أنت حقيق فيما وعدت من نفسك أو أخبرت به صاحبك أن تحتجن (تدخر) بعض ما في نفسك إعدادًا لفضل الفعل على القول وتحرزًا بذلك عن تقصير فعل إن قصّر وقلما يكون إلاّ مقصرًا "([2])
ويتفق مع ابن المقفع في هذا المعنى صاحب كتاب ( 201 طريقة للتعامل ) بقوله : " بتقليلك للتوقعات المرجوة منك ولو بقدر ضئيل فلسوف يبدو ما تمنحه إياه مرضيًا إلى حد بعيد أما أسوأ شئ تفعله هو الإفراط في الوعود وعدم الوفاء بها وحتى لو كان أداؤك جيدًا فلن يرضيه هذا إذ أنك حددت محيطًا للتوقعات قد يؤدي النزول عنه إلى الشعور بالإحباط" ([3])

(4) النهي عن إطلاعهم على أسرارك و التشدد معهم في الحق دون مشاركتهم منكراتهم وهنا ينصح ابن المقفع بالحذر الشديد في التعامل مع العامة وفي المقابل البساطة و السهولة في التعامل مع أهل الثقة من الأصدقاء قائلاً " البس للناس لباسين ليس للعاقل بُّد منهما ولا عيش ولا مروءة إلاّ بهما:لباس انقباض و احتجاز من الناس تلبسه للعامة فلا يلقونك إلا متحفظًا متشددًا متحرزًا مستعدًا وليس هذا من باب الكبر و إنما التحرز من الوقوع في مشاكل معهم حين إفضاء الإنسان بخصوصياته لهم ولباس انبساط واستئناس تلبسه للخاصة الثقات من أصدقائك فتلقاهم بذات صدرك وتُفضي إليهم بمصون حديثك وتضع عنك مئونة الحذر والتحفظ فيما بينك وبينهم " ثم يذكر أن أهل هؤلاء الخاصة قليل جدًا لأن الإنسان لا يعثر عليها إلا بعد اختبار يعكس صدقهم و إخلاصهم قائلاً: " وأهل هذه الطبقة الذين هم أهلها قليل من قليل حقًا لأن ذا الرأي لا يدخل أحدًا من نفسه هذا المدخل إلاّ بعد الاختبار والتكشف ([4]) والثقة بصدق النصيحة ووفاء العهد "([5])

ج- التعامل مع العامة عن العلامّة "البستي "*
يحذر " البستي " من الثقة في عوام الناس فأحاديثهم تفتقد إلى التخاطب الجيد الذي يتسم بعدد من الصفات تكسبه مصداقية كالنزاهة و الموضوعية و الخبرة وغير ذلك" وقد خصص بابين في كتابه "العزلة " لهذا الشأن الأول بعنوان " في التحذير من عوام الناس والتحرز منهم بسوء الظن وقلة الثقة بهم وترك الاستنامة إليهم"
وفيه ينصح بأنه عند معاملة عوام الناس بأن نسئ الظن بهم ولا نثق بهم تمام الثقة سواء في معاملتهم أو في كلامهم فقد قال عمر بن الخطاب t : " احترسوا من الناس بسوء الظن " أي لا تغتروا أو تنخدعوا بهم إلا من سبق أن جربته وتعاملت معه فاكتسب ثقتك.
وجعل الباب الثالث عشر لهذا الغرض أيضًا وهو بعنوان: " في ترك الاعتداد بعوام الناس وقلة الاكتراث بهم والتحاشي لهم" قائلاً: "فيجب عدم الاهتمام بما يقوله الناس عنك و ألا تغتر بكلام العوام وثنائهم ومدحهم وألا تثق بعهودهم وإخائهم" ([6]) وفي ذلك راحة للإنسان لما عساه قد يقع فيه من أثر الاتصال بهم فيكون على علم بنفسيتهم فيتعامل معهم بحذر لأن أكثرهم ليس عندهم وفاء لعهد أو احترام لأخوة. وهذا قد أكده ابن قدامة بقوله: " واحذر مجالسة العوام فإن فعلت فعليك بالتغافل عما يجري من سوء أخلاقهم وترك الخوض في حديثهم واحذر كثرة المزاح فإن اللبيب يحقد عليك في المزاح و السفيه يجترئ عليك " ([7])

ثم هو يكشف عن الدافع وراء موقفه هذا من العامة قائلاً: " لأن لكل إنسان بابًا من المعارف وفنًا من الصناعات قد سمحت له به طباعه و أفادته إياه غريزته فصارت لديه كالسجية التي لا حيلة في تركها و الضريبة التي لا سبيل إلى مفارقتها فمتى نقل الإنسان الخادم مما قد أحسنه و أتقنه ومارسه ولابسه و ألفه و اعتاده إلى ما يختاره له برأيه وينتخبه له بإرادته مما ينافر طباعه و يضاد جوهره أفسد عليه نظام خدمته، وجبره في طريق مهنته فعاد كالرَّيض ([8]) ثم لا يفيد مما نقله إليه بابًا إلاّ بنسيان أبواب مما نقله عنه ومتى عاد به إلى الأمر الأول وجده فيه أسوأ حالاً منه فيما نقله إليه" ([9])

المراجع :

([1]) مجموعة الرسائل للغزالي: ص 443 و ما بعدها
([2]) الأدب الصغير و الأدب الكبير: لابن المقفع ص 103
* أبو سليمان أحمد بن محمد كان ثقة ثبتا صاحب تصانيف عديدة روى عنه الكثير مثل الإسفرايني والغزنوي
ت 388 هـ ببغداد.
([3]) 201 طريقة للتعامل مع ذوي الطباع الصعبة : د.ألان اكسيلرود وجيم هولتج ، ص 35
([4]) إظهار ما في النفس
([5]) الأدب الصغير والأدب الكبير، لابن المقفع،ص105-106
([6]) علم النفس في التراث الإسلامي ج1/ص371 نقلاً عن كتاب "العزلة"للبستي عرض د.عبد اللطيف محمد خليفة
([7]) مختصر منهاج القاصدين، ص 105
([8]) المبتدئ الذي يروض الأمر أي يدرب نفسه عليه .
([9]) السياسة: ص 44