المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منهج القران في تقوية الارادة وشحذ الهمم


Abeer yaseen
14-02-2019, 01:40 PM
"ان ايجابية المسلم تتحقق علي أرض الواقع بوعيه لحقيقة الآخرة وادراكه قيمة الدنيا ومعرفته حقيقة وجوده وطبيعة رسالته فينطلق لينادي الناس بالرسالة حتي وان خذله الناس وان تكاتفت ضده قوي البغي وليس له نفوذ بين أفراد مجتمعه فهو يسعي سعي الرجل (الذي جاء من أقصي المدينة يسعي ) ينادي قومه : (ياقوم اتبعوا المرسلين ) فلا ينشغل بضعفه وقلة حيلته ولكنه يسرع الخطي من اقصي المدينة ليأتي أمام الكافرين ليعلنها صريحة أمامهم ( اني آمنت بربكم فاسمعون ) ولم يقل الرجل انهم كفروا برسل الله فما تغني كلماتي أو قال : لم يؤمن الناس بالرسل أفيؤمنون بكلام ضعيفهم ..ليزف بعد ذلك الي السماء شهيدا : ( ياليت قومي يعلمون . بماغفر لي ربي وجعلني من المكرمين ) يس : 26 ، 27 فاما نصر واما شهادة ان ايمانه أبي عليه السكون وعدم التحرك وان عقيدته أبت عليه الخضوع والاستكانة اننا مطالبون مع الايمان بهذا الدين أن نكون أنصار الله لكي ينصرنا ربنا وننال عز الدنيا والآخرة : ( فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ) الأعراف : 157 وقوله تعالي : (وأنتم الأعلون ان كنتم مؤمنين ) ال عمران : 139
والتمكين في الأرض يتحقق بتسخير كل الطاقات أخذا بالأسباب وسعادة الآخرة تنال بتقوي الله وبهذا كله تتحقق علي أرض الواقع حضارة اليوم الآخر ثمرة هذا المنهج الرباني الذي أسس علي التقوي من أول يوم فينتصر المنهج بعمل الرجال وتضحياتهم وثباتهم وانتصارهم علي أنفسهم فالمنهج الصحيح للتطلع نحو الآفاق ينبغي أن يمهد له بعمل داخلي يمارس في النفس لأن الأماني والتواكل والتبرير وكل المثبطات تنبع من داخل الذات قال تعالي : (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ) النساء : 123 ويقول الرسول (ص) " ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ماوقر في القلب وصدقه العمل وان قوما ألهتهم الأماني وخرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحسن الظن بالله كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل " حديث صحيح (1)
وهناك من كتب عن موضوع الهمة وكيفية تقويتها من المنظور الاسلامي مثل كتاب "علو الهمة " وفيه نجد فصلا كاملا عن السبيل لارتقاء الهمة ومنها :
1-العلم والبصيرة فالعلم يصعد بالهمة ويرفع طالبه عن حضيض التقليد ويصفي النية ويورث صاحبه الفقه بمراتب الاعمال فيراعي التوازن والوسطية بين الحقوق والواجبات امتثالا لقوله (ص) "اعط كل ذي حق حقه " ويبصره بحيل ابليس
2- التحول عن البيئة المثبطة لأن لها أثرا جسيما علي الانسان خاصة اذا كانت داعية الي الكسل والخمول وايثار الدون فان علي المرء أن يهجرها الي حيث تعلو همته وأشد الناس حاجة الي ذلك حديث العهد بالتوبة
3- صحبة اولي الهمم العالية ومطالعة أخبارهم فكل قرين بالمقارن يقتدي وان العبد ليستمد من لحظ الصالحين قبل لفظهم لان رؤيتهم تذكرهم بالله تعالي فعن أنس قال (ص) : " ان من الناس ناسا مفاتيحا للخير مغاليق للشر " أخرجه بن ماجة وعن بن عباس رضي الله عنهما عن النبي (ص) في قوله تعالي : ( الا ان أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون ) يونس : 62 قال : هم الذين يذكر الله برؤيتهم وقال زين العابدين علي بن الحسن بن علي رضي الله عنهم : " انما يجلس الي من ينفعه في دينه "
أنت في الناس تقاس بالذي اخترت خليلا فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكرا جميلا
4- المبادرة والمثابرة في كل الظروف فكبير الهمة لا يستنيم للأمر الواقع بل يبادر ويبادئ في أقسي الظروف فهذا شيخ الاسلام بن تيمية يكتب فتواه وهو في السجن ويرسلها الي تلاميذه ولما أصدر السلطان أمرا باخراج ماعنده من كتب وأقلام ظل يكتب فتواه ورسائله بالفحم وعلي جدار السجن اقتداء بأنبياء الله فيوسف الصديق عليه السلام يغتنم سؤال السجينين عن رؤياهما ليبث اليهما دعوة التوحيد (ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) يوسف : 39 والله سبحانه يدعونا الي الصبر وتحمل المشاق (الذي هو نتيجة مجابهة الظلم والفساد وليس صبرا بمايعني الخنوع والاستسلام والرضي به دون مقاومته ) والدليل علي ذلك قوله تعالي : (وجاهدوا في الله حق جهاده ) الحج : 78 ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وان الله لمع المحسنين ) العنكبوت : 69 (يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) ال عمران : 200 ( فالصبر مع الرباط وليس مع الضعف والذل )
5- ارادة الأخرة قال تعالي : ( ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ) الاسراء : 19
"وقد تواردت نصوص القران الكريم في الحث علي ارتياد معالي الأمور والتسابق في الخيرات والتحذير من سقوط الهمة وتنوعت أساليب القران في ذلك منها :
1-ذم ساقطي الهمة وتصويرهم في أبشع صورة :
كما قص الله علينا من قول موسي عليه السلام لقومه : (أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير ) البقرة : 61 وقوله تعالي : ( واتل عليهم نبأ االذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد الي الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) الأعراف : 175 ، 176
وقال تعالي واصفا حال اليهود الذين علموا فلم يعملوا : ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لايهدي القوم الظالمين ) الجمعة : 5 كما عاب القران حرص اليهود علي حياة أي حياة ولو كانت ذليلة فقال عز وجل : ( ولتجدنهم أحرص الناس علي حياة ) البقرة : 96 وقد انتقل الينا نحن المسلمين هذا الداء من اليهود ولذلك وجدنا الامام محمد عبده يحاول احياء النفوس التي استكانت للذل والهوان والاستسلام لواقعها المؤلم دون محاولة تغييره فيقول : " ياقوم فان شئتم فارحموا أنفسكم والا فأنتم ساقطون فيما فيه تخافون ياقوم يؤثر في كتبكم من كلام أسلافكم : الشجاع محبب حتي لعدوه والجبان مبغض حتي لأبيه وأمه ماعز قوم بالخضوع ولا استهين شعب بالاباءة ...لماذا تعدون أنفسكم في الدرجة الدنيا عن سواكم ؟ ألستم تمتازون بالايمان الصادق ؟ والعقائد الصحيحة ؟ فان قمتم بطلب حقوقكم يصيبكم أكثر مما يصيب أعداءكم ؟ ان كان الموت فهم يخشونه وان كان الخسار فهم يرهبونه انهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون لأي شئ يخاطر عدوكم بماله ودمه للتغلب علي ماليس له ؟ ولأي سبب لا تقدمون شهامتكم في حفظ ماهو لكم ؟ ان هذا لشئ عجاب هل نذكركم بقول شاعركم :
لايسلم الشرف الرفيع من الأذي حتي يراق علي جوانبه الدم
2-ثناء الله سبحانه علي أصحاب الهمم العالية وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلين :
( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ) الأحقاف : 35 كما قصر مواقف الهمة العالية علي المؤمنين كما في قصة موسي عليه السلام قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فاذا دخلتموه فانكم غالبون ) المائدة : 23 وكما في قصة مؤمن ال فرعون الذي كان يكتم ايمانه وقصة حبيب النجار في سورة يس وقصة داود وجالوت والتي قال الله فيها : ( قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله ) البقرة : 249 كما عبر عن أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات علي الطاعة والقوة في دين الله فقال تعالي : (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة ) النور : 36 ، 37 وقال تعالي : ( من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر ومابدلوا تبديلا ) الأحزاب : 23 كما أن الله سبحانه أمر المؤمنين بالهمة العالية والتنافس في الخيرات فقال عز وجل : (وسارعوا الي مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والارض أعدت للمتقين ) ال عمران : 133 وقال سبحانه : ( فاستبقوا الخيرات ) البقرة : 148 وامتدح أولياءه بأنهم ( يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ) المؤمنون : 61 (2)
المراجع :
1- والله ليتمن الله هذا الامر : جمعة أمين عبد العزيز نقلا عن محاضرة للاستاذ طلعت فهمي ، دار الدعوة
2- علو الهمة : محمد اسماعيل المقدم بتصرف