المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسول الله ومصارعة ركانة>>>>>>>


نبيل القيسي
08-04-2019, 08:13 AM
لقد سمع بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ من أهل البادية اشتُهر بالقوَّة الجسدية، والعنفوان المفرِط، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدَّاه، لا في أمر الإيمان، أو أمر الحجج والأدلَّة والبراهين؛ ولكن في أمر الصراع والمنازلة الجسدية!

وواضح أن الرجل لا دراية له بالمناقشات العقلية، أو الحوارات الجدلية، إنما فقط يُتقن فنَّ المصارعة! ومع ذلك لم يُفَوِّت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الفرصة، إنما أعطاه من وقته، لعلَّه يستنقذه من النار بهذا الباب من أبواب الرياضة والقتال!

وردت هذه القصة بسند صحيح -ولكنه مرسل- عند أبي داود والبيهقي، ووردت بسند جيد متصل يصلح كشاهد عند أبي بكر الشافعي([1])، ووردت كذلك بإسناد ضعيف عند الترمذي والحاكم وغيرهما([2])، وسنكتفي هنا بذكر الروايتين الصحيحتين.

عن سعيد بن جبير رحمه الله: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِالْبَطْحَاءِ فَأَتَى عَلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ رُكَانَةَ، أَوْ رُكَانَةُ بْنُ يَزِيدَ، وَمَعَهُ أَعْنُزٌ([3]) لَهُ، فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي؟ فَقَالَ: «مَا تَسْبِقُنِي» قَالَ: شَاةٌ مِنْ غَنَمِي. فَصَارَعَهُ، فَصَرَعَهُ، فَأَخَذَ شَاةً، قَالَ رُكَانَةُ: هَلْ لَكَ فِي الْعَوْدِ؟ قَالَ: «مَا تَسْبِقُنِي» قَالَ: أُخْرَى. ذَكَرَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ وَاللهِ مَا وَضَعَ أَحَدٌ جَنْبِي إِلَى الأَرْضِ، وَمَا أَنْتَ الَّذِي تَصْرَعُنِي. يَعْنِي: فَأَسْلَمَ، وَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَنَمَهُ»([4]).

وفي رواية نقلها الألباني عن ابن كثير في صحيح السيرة النبوية أن الصراع كان على مائة شاة في المرَّة الواحدة! قال ابن كثير: روى أبو بكر الشافعي

من تصانيفه: الفوائد المنتخبة العوالي عن الشيوخ، المشهورة بالغيلانيات. انظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 3/483، والذهبي: تاريخ الإسلام 8/76. أبو بكر الشافعي بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن يزيد بن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل مرَّة على مائة من الغنم، فلما كان في الثالثة قال: يَا مُحَمَّدُ مَا وَضَعَ ظَهْرِي إِلَى الأَرْضِ أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْكَ. وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. فقام عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وردَّ عليه غنمه([5]).

إن هذه المواقف الثمينة لتوضِّح لنا جانبًا رائعًا من جوانب فنِّ الدعوة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو يُخاطب كل شريحة بما يُناسبها، ويتعامل مع كبار المفكِّرين بما يفهمونه ويُقَدِّرونه، ويتعامل كذلك مع عامَّة الناس وبسطائهم بما يُمكن أن يستوعبوه، وقد رأيناه في هذا الموقف يُجاري ركانة فيما يُريد، ويلعب معه لعبته المفضَّلة؛ بل ينتصر عليه، وعندما تمَّ هذا الانتصار أدرك ركانة أن هذا أمر خارق للعادة، خاصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس في هيئة المصارعين، وليس كبير الحجم كركانة، فشعر ركانة أن هذه معجزة، وكانت هذه الهزيمة التي تعرَّض لها هي مفتاح قلبه!

إن هذه المرونة التي رأيناها في طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهي من ألزم الصفات التي ينبغي للداعية أن يتَّصف بها، فليس كل الناس صورة واحدة، وليست العقول متساوية، وهذا المنهج هو الذي فتح الله به قلوب العباد، فلا مناص من تعلمه، وقد رأينا آثاره في حياته صلى الله عليه وسلم.

[1] «عن أبي الحسن العسقلاني، عن أبي جعفر بن محمد بن علي بن ركانة، عن أبيه، أَنَّ رُكَانَةَ صَارَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم». أخرجه البخاري: التاريخ الكبير 1/82، 338، وأبو داود (4078)، والترمذي (1784)، وأبو يعلى (1412)، والحاكم (5903).

[2] أَعْنُز؛ جمع العَنْز والماعِزَة: وهي الأُنثى من المعز والأَوْعال (جنس من المعز الجبلية) والظِّباءِ.

[3] أبو داود: المراسيل (308)، والبيهقي: السنن الكبرى (20255)، وقال البيهقي: وهو مرسل جيد. وعن رواية أبي داود قال ابن حجر: إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير، إلا أن سعيدًا لم يدرك ركانة. انظر: التلخيص الحبير 4/397، وحسنه الألباني، انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 5/329.

[4] ابن كثير: البداية والنهاية 3/129، والألباني: صحيح السيرة النبوية ص217. أ.د. راغب السرجاني

marwabalal
28-04-2019, 06:14 AM
بارك الله فيك وجزاك الله خير

romiovip
17-06-2019, 06:42 PM
مشكوور لك أخي الكريم

khalido
18-07-2019, 05:11 PM
جزاك الله خيرا