المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحياة في كنف الله وأسمائه .. ارتقاء ونقاء وصفاء


المراقب العام
18-04-2019, 07:28 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif





الحياة في كنف الله وأسمائه ارتقاء، ونقاء، وصفاء.
ودراسة أسماء الله الحسنى والتدبر في صفاته العلى ـ بما تتضمنه من معان جليلة وأسرار بديعة ـ هي مدرسة البركة الربانية {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام}.



https://articles.islamweb.net/PicStore/Random/1555535752_227230.jpg





إننا نحيا في ملكوت الله الذي أبدعه جمالا ونظاما، وملأه إحكاما واتقانا.
أحلى رحلة في الوجود هي رحلة التأمل في بديع صنع الله الذي أتقن كل شيء، البديع الذي أبدع هذا الكون، دلائل وعجائب وبدائع وروائع تدهش العقول، وتذهل الألباب {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}.

المؤمن يرى ربه في كل شيء وفي كل وقت، يرى دلائل قدرته، وعجائب صنعته فيستدل بها عليه، فهو يراه في كل شيء خلقه، من المجرات الكبرى إلى الذرات الصغرى، وكلما اتسع مجال علمه اتسع أفق رؤيته لربه.
قيل لأحدهم: هل رأيت الله؟
قال نعم: رأيته في بديع خلقه، وفي تنسيق ملكه، وفي عظيم سننه التي تسير الكون، وتحرك الأفلاك، وتنظم البحار والرياح..


فيا عجبا كيف يعصى الإله .. أو كيف يجحده الجاحد
ولله في كــل تســبيـــحة .. .. وفي كــل تهـليلة شــاهد
وفي كل شــيء لــه آيـة.. .. تــدل عــلى أنــه واحـــد
وإذا رأيت الكون أُطرق خــاشعا .. فكأنه يحـكي إلي لأسمعه
آمنت بالله العظيم وخلــقه.. سبحـان من سوى الوجود فأبدعه
لقد كان النظر في إبداع هذا الكون كافيا لأن يقر الناس لله بالوحدانية، ويخروا لعظمته ركعا وسجودا {قل انظروا ماذا في السموات والأرض }.. فكل هذا الإبداع فيما حولنا لابد أن يدل على وجود الصانع العظيم الذي أبدعه، وهو البديع جل جلاله وتقدست أسماؤه.


البديع في القرآن:
ورد اسم البديع في القرآن في موضعين:
في سورة البقرة الآية 117: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}
وفي سورة الأنعام الآية 101: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
وأما معنى البديع فيعود إلى معان منها:



المعنى الأول:عديم النظير في ذاته
فليس شيء يشبهه، فلا مثيل له في ذاته، ولا في أسمائه ولا صفاته ولا أفعاله، فكل شيء مبدؤه منه، وكل أمر راجع إليه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.
وسياق الآيات التي ورد فيها هذا الاسم أو الوصف لله تعالى، إنما تدل على هذا المفهوم، فهي دعوة لعدم الانشغال بالمخلوقات عن الخالق، وعدم الالتهاء بالتفكر في إبداع المخلوق عن التدبر والتمعن في المبدع سبحانه.. وهي أيضا دعوة لتنزيهه عما نسبه إليه الأفاكون من الصاحبة والولد.
ففي سورة البقرة: سبق هذا الوصف حكاية قول المجرمين {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}، فنسبوا إليه الولد كذبا وزورا وبهتانا، فسبح نفسه ونزهها فقال: {سُبْحَانَهُ} أي تقدس وتنزه عما يصفه به الأفاكون، بل كل ما في الكون مملوك له وخاشع له مذلل {بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.
وفي آية الأنعام: كذلك.. فقد سبقها منذ الآية 95 حديث لله تعالى عن نفسه وصفاته وأفعاله وقدرته وعظمته من قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ... } إلى أن نعي على الكافرين جعلهم الجن شركاء له في خلقه، ونسبة الولد له كقول المشركين الملائكة بنات الله، أو قول مشركي اليهود عزير بن الله، وقول مشركي النصارى المسيح ابن الله أو غير ذلك مما نسبوه له كذبا وبهتانا فقال: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }.. فإذا كان بديع السموات وكلها مخلوقة له وليس شيء منها يشبهه، مثل هذا كيف يكون له ولد ولا يصلح أن تكون له صاحبة، بل كل شيء سواه هو خالقه ومنشئه ومبدعه وموجده بعد أن لم يكن موجودا، وهذا من معنى البديع أيضا.
ولهذا قال بعد كل ذلك: {ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ۚ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ}.
فالبديع هنا معناه المتفرد في كل شيء ولا يشبهه شيء، فلا نظير ولا مثيل، ولا مساعد ولا وزير، ولا صاحبة ولا ولد، فلا شيء مثله ولا شيء يشبهه، {قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد}.... يدل على ذلك قدرته في خلقه وإبداعه في كونه.
جمالُ الخَلْقِ يُنبئُ عن جَمالٍ .. .. تكاملَ عند مَنْ خلقَ الجَمالا
تعــالىٰ ربُنا عن كلِّ وصفٍ .. .. فهذا الخَلْقُ، كيفَ به تعالىٰ؟



المعنى الثاني للبديع:
ـ المبدع في خلقه.. الذي أوجده لا على مثال سابق.. ولا نموذج متقدم، ولا على هيئة مسبقة... بل أوجده على أجمل صورة وأكمل هيئة، وأتم حكمة، وأحكم نظام {مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ ۖ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ}.
إن أعظم عبادة هي عبادة التفكُّر.. اسبح بعقلك، وانطلق بخيالك، واذهب بفكرك إلى أبعد مدى في هذا الكون الفسيح، وتأمل في خلق الله البديع.
املؤوا عيونكم وقلوبكم بحياة التأمل والتفكر بمخلوقات الله، لتعمر حياتكم بالجمال الذي لا ينتهي. {قل سيروا في الأرض فانظروا}، {أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء}، {قل انظروا ماذا في السموات والأرض}، {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها}
• فما أعظم (التفكر) في ملكوته.
• وما أجمل (النظر) في مخلوقاته.
• وما أفضل (التدبر) في إعجاز آياته.
• وما أمتع (التأمل) في النجوم، في الغيوم، في الليل، في النهار، في الربيع، في الشتاء، في الجبال، في الطيور، في الفراشات، في الزهور، في الأنهار، في الأمطار، في الهواء، في السماء، في الرمال، في التلال، في كل شيء.
ارفــعْ عيونك للسمــاءِ لكــي تــرى .. .. عقد النجوم يزيّنُ الأفلاكا
والروض فــاح بكلّ عطـــر مذهـل .. متّعْ عيونكَ كي يزول أساكا
والطير يصدحُ فوق غصنٍ شاهق .. شكراً لربّ الكون كمْ أعطاكا
وانظــر إلى الكــون البديــعِ تَاَمُّلاً .. .. كيف المهيمن ناطقاً سوّاكا


ومن معاني البديع
ـ واهب الإبداع وملهم المبدعين : فيفتح على بعض خلقه ببعض الفهوم والعلوم، يلهمهم حسن النظر في مخلوقاته، والتوصل إلى عجائب وأسرار مصنوعاته التي توصلهم إلى اكتشافات جديدة لم يعرفوها من قبل فتسمى إبداعا أو ابتكارا جديدا.. وفي كل يوم يطلع علينا العلم باكتشاف جديد وإبداع غير مسبوق، ليتعرف الناس على شيء جديد من إبداع الله جل في علاه.
فكل ما في هذا الكون من جلال وجمال هو من إبداع البديع ذي الجلال، أبدع في صنعه، وأحكم في خلقه {صنع الله الذي اتقن كل شيء}.
وعلى المسلم إذا آتاه الله حظا زائدا من الملكات والمواهب التي تمكنه من الإبداع والابتكار، أن يستعمل ذلك في الخير وهداية الخلق إلى الله، ودلالتهم عليه.
وعلى الأمة أن تبحث عن المبدعين وتحفزهم وتكرمهم، وتطلق طاقاتهم، وتفتح لهم الأبواب حتى تحقق نهضتها، وتنافس أمم الأرض. وذلك بتشجيع أبنائها على كل إبداع نافع محمود.
إذ الإبداع نوعان: محمود نافع مفيد، ومنه مذموم سيء ضار..
فالأول الإبداع المحمود: الذي ينشر العمران، ويحقق الطمأنينة والسلام، ويسهل معايش الناس، ويحقق رفاهيتهم، ويخلصهم من أوجاعهم، ويقلل من آلامهم، ويحقق سعادتهم في هذه الحياة.
والآخر الإبداع المذموم: فهو الإبداع في الشر: الإبداع الذي يسبب الدمار، ويهلك الأنام، وينشر الفواحش ويروج للرذائل..
ومن الابداع المذموم الابتداع في الدين، وهو داخل في مفهوم الإبداع، فهو اختراع شيء جديد في الدين لم يكن له وجود، وقد نهينا عنه أشد النهي [إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار]
وخير أمور الدين ما كان سنة .. وشر الأمور المحدثات البدائع

اللهم ألهمنا إبداعا وتجديدا، وعملا طيبا سديدا رشيدا.. اللهم اجعلنا من المبدعين ولا تجعلنا من المبتدعين.





إسلام ويب