المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدروس العسكرية المستفادة من معركة بدر (1)...........


نبيل القيسي
23-04-2019, 02:46 PM
أولاً: أن الجهاد بالسيف لم يفرضه الله إلا بعد أن توفرت أسبابه، وانتفت موانعه، والذي يتبين من النصوص وحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن الدعوة إلى الله تعالى في المجتمعات التي تكون الشوكة فيها بيد من يحارب الحق وأهله، وينصر الباطل وأهله، أنها لا بد أن تمر بثلاث مراحل:

الأولى: بيان الحق والدعوة إليه بحكمة ورفق.

الثانية: الابتلاء والامتحان في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، والصبر على ذلك.

الثالثة: التميز عن أهل الباطل.



وحينئذ يشرع القتال، وهذه المراحل الثلاث هي التي مرت بها دعوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما يتضح ذلك من سيرته، وقد قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 110].



ثانياً: استحباب مشورة الإمام رعيته، وجيشه استخراجاً لوجه الرأي، واستطابة لنفوسهم، وأمنًا لعتبهم، وتعرفاً لمصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض، وامتثالاً لأمر الرب في قوله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].



ثالثاً: الأصل أن يبذل المسلمون كافة جهودهم في الإعداد لمجابهة العدو، قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّـهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60]. فإذا ما فعلوا ذلك أعانهم ونصرهم وأمدهم بملائكته وجنوده، كما وقع للمسلمين في بدر.



رابعاً: في قصة سواد مع النبي صلى الله عليه وسلم دليل واضح على أن الناس في أخذ الحق منهم وإعطائهم سواء، وهذا هو العدل الذي جاءت به شريعة الإسلام، وأقامه نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم على نفسه وأقاربه والناس جميعاً.



وقد بين صلى الله عليه وسلم أن الأمم تضل وتهلك حين تتنكب هذا الطريق، وقال: "أيها الناس، إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها"[1].



خامساً: القتال على طريقة الصفوف إحدى الطرق التي يستعملها المقاتلون في حروبهم، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، وقد ذكر الله – عز وجل- هذه الطريقة، وأثنى على أهلها، حيث يقول: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4]. وهناك طرق أخرى، وللقائد أن يختار الطريقة حسب ما يقتضيه الحال.



سادساً: أن الأسرى الذين حاربوا الدعوة ووقفوا في طريقها، واشتد أذاهم على أهلها لا ينبغي استبقاؤهم؛ لأنهم عناصر خبيثة يجب إزالتها، ومثل هؤلاء يطلق عليهم بالإصطلاح الحديث: "مجرمو حرب" ومن هذا القبيل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من قتل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وغيرهم.



سابعاً: التركيز على قتل قادة العدو، وزعمائهم مما يضعف شوكة العدو، ويعجل بهزيمتهم، وهذا ما حصل في غزوة بدر، فقتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف،، وأبو جهل بن هشام، وغيرهم، مما أضعف من عزيمة قريش، وعجل بهزيمتهم.



ثامنًا: اختيار المقاتلين المشهورين بالشجاعة، والفروسية ليكونوا في مقدمة جيش المسلمين، وأيضاً اختيارهم لمبارزة العدو، مما يقوي شوكة المسلمين، ويعجل بنصرهم، وهذا ما حدث في غزوة بدر عندما طلب عتبة بن ربيعة ومن معه مبارزة المسلمين، فاختار لهم النبي صلى الله عليه وسلم خيرة المقاتلين، حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث، وانتهت المبارزة لصالح المسلمين مما كان سبباً في قوة شوكة المسلمين، وإقدامهم لدحر العدو.



تاسعاً: بعث العيون لاستكشاف حال العدو، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم عندما أرسل عدياً بن أبي الزغباء، وبسبس بن عمرو، وتعرفا مكان القافلة، وعدد حراسها.



عاشراً: جمع المعلومات عن جيش العدو، واستجواب الأسرى الذين وقعوا في أيدي المسلمين مما يهيِّئ وضع الخطط المناسبة لهزيمة العدو، وكسر شوكته، وهذا ما حدث في بدر عندما أسر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مولى عقبة بن أبي معيط، وسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن عدد المشركين، ومن فيهم من القادة.



الحادي عشر: من سنن الجهاد التحريض على القتال عند لقاء العدو، والتذكير بما أعد الله للمجاهدين من الفضل العظيم، وتلاوة آيات الجهاد؛ لتقوية النفوس، وتنشيطها، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وغيرها، واقتدى به المجاهدون من بعده.



الثاني عشر: المحافظة على السلاح، والاستفادة منه في أكبر قدر ممكن، وهذا ما حدث في غزوة بدر فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أصحابه بأن يرموا المشركين حتى يقربوا منهم، فإن الرامي من بعيد قد يخطئ في إصابة الهدف، فيضيع السهم في غير فائدة، وهذا ما أشار إليه بعض شراح الحديث.



الثالث عشر: شجاعة القائد، وثباته في القتال مما يقوي عزيمة جنوده، ويشد من أزرهم لقتال العدو، وهذا ما حدث في غزوة بدر فإن الصحابة لشجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وقوته في القتال، كانوا يتقون به عند اشتداد الكرب والتحام الصفوف، كما ذكر ذلك علي- رضي الله عنه -.



الرابع عشر: حامل لواء الجيش في المعركة ينبغي أن يكون من الفرسان الشجعان، فإن سقوط اللواء قد يكون سبباً لهزيمة الجيش، ولذلك اختار النبي صلى الله عليه وسلم علياً ليكون حامل لواء المسلمين في بدر.



الخامس عشر: المقاتلون الذين يحيطون بالقائد في أي معركة ينبغي أن يكونوا من خيرة الفرسان الشجعان، حتى يقوموا بحماية القائد من أي خطر يتعرض له، وهذا ما حدث في غزوة بدر فإن المحيطين بالنبي صلى الله عليه وسلم هم علي، وأبو بكر، وسعد، وغيرهم من فرسان الصحابة.



السادس عشر: إن كثرة الذكر، والدعاء عند التحام الصفوف، واشتداد الكرب مما يقوي عزيمة المقاتل، ويشد من أزره، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عندما التحم الفريقان، وحمي الكرب لجؤوا إلى الله، وأكثروا من الدعاء، والذكر، وسألوه الثبات، والنصر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأنفال: 45].



وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في غزواته: " اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"[2].



السابع عشر: علّم الله المجاهدين مواضع الإثخان من العدو، وذلك بضرب الرقاب، وقطع الأطراف، فقال تعالى ﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12].



الثامن عشر: من الطرق التي يستعملها الفرسان في الحروب أن يستدرج خصمه، وذلك بأن يولي وكأنه منهزم، ثم يكر عليه فيقتله، وقد أشار إلى ذلك سبحانه بقوله: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الأنفال: 16].



التاسع عشر: أن الفرار عند قتال العدو من أكبر الأسباب التي تؤدي إلى الهزيمة، ولذلك حرمه الله، وجعله النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ ﴾ [الأنفال: 15].



العشرون: أن الثبات والصبر عند لقاء العدو من أعظم أسباب النصر، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في بدر يحث أصحابه على الصبر والثبات، وقال: "لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا"...الحديث[3].




[1] صحيح البخاري ص1295 برقم (6788)، كتاب الحدود، باب إقامة الحدود والانتقام لحرمات الله، وصحيح مسلم ص701 برقم (1688)، كتاب الحدود، باب حد الزنى.

[2] صحيح البخاري ص562-563، برقم (2933)، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة. وصحيح مسلم (3/1363)، برقم (1742)، كتاب الجهاد والسير، باب كراهة تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء.

[3] سبق تخريجه ص30.

د. أمين بن عبدالله الشقاوي

نبيل القيسي
26-04-2020, 01:13 AM
العشرون: أن الثبات والصبر عند لقاء العدو من أعظم أسباب النصر، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في بدر يحث أصحابه على الصبر والثبات، وقال: "لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا"...الحديث[3].

نبيل القيسي
26-04-2020, 01:13 AM
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في غزواته: " اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"[2].