المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف وسوس إبليس لآدم وهو خارج الجنة؟؟


نبيل القيسي
26-05-2019, 12:41 AM
اختلف أهل التفسير وغيرُهم في كيفية وسوسة الشيطان لآدم، وقد أُخرج وأُهبِط من الجنة:

• فذهب بعضُهم إلى أنه دخل في فَمِ الحية، فمرَّت الحية على الخَزَنة فدخلت به الجنة وهم لا يعلمون!!! وهذه القصة وأمثالها من الإسرائيليَّات التي لا يشهد لها نقلٌ، ثم لا يقبلها عقلٌ، فإن كان خفي أمرُه على الخَزَنة، فهل يخفى على الله؟!



• وقيل: إنَّ الجنة التي أُخرج منها آدمُ ليست جنة الخُلْد التي في السماء؛ بل هي في الأرض؛ لأن لفظ الجنة يُطلق على البستان، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴾ [القلم: 17]، وهذا القول مخالفٌ للأحاديث والآثار الصحيحة، ومنها:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احتجَّ آدمُ وموسى عليهما السلام عند ربِّهما، فحجَّ آدمُ موسى، قال موسى: أنت آدمُ الذي خلقكَ الله بيده، ونفخ فيك من رُوحه، وأسجَدَ لكَ ملائكته، وأسكنَكَ في جنَّته، ثمَّ أهبطْتَ الناس بخطيئتكَ إلى الأرض، فقال آدمُ: أنت موسى الذي اصطفاكَ الله برسالته وبكلامه، وأعطاكَ الألواح فيها تِبيانُ كلِّ شيء وقرَّبكَ نجيًّا، فبِكَمْ وجدتَ الله كتَب التوراةَ قبل أن أُخلَق؟ قال موسى: بأربعين عامًا، قال آدمُ: فهل وجدْتَ فيها ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ [طه: 121]، قال: نعم، قال: أفتلُومُني على أن عمِلتُ عملًا كتَبَه الله عليَّ أن أعملَه قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحجَّ آدمُ موسى))؛ صحيح مسلم.



فالأمر الذي عظم وحزَّ في نفس موسى أنَّ آدمَ أخرَجَ الناس بخطيئته إلى الأرض، ولو كان الإخراج من جنة غير جنة الخُلْد، لما عظَّم موسى هذا الأمر، وطلب من الله رؤية آدم ليلُومَه على فعله.



ومنها: عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تُزلَفَ لهم الجنةُ، فيأتون آدمَ، فيقولون: يا أبانا، استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرَجَكم من الجنة إلا خطيئةُ أبيكم آدم؟))؛ صحيح مسلم.

فالجنة التي أُخرج منها آدمُ هي بعينها التي يُطلب منه أن يستفتحها لهم.



ومنها ما صحَّ موقوفًا - في حكم المرفوع - عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 37]: "قال آدمُ: أيْ ربِّ، ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: أيْ ربِّ، ألم تنفخ فيَّ من رُوحك؟ قال: بلى، قال: أيْ ربِّ، ألم تُسكنِّي جنَّتك؟ قال: بلى، قال: أيْ ربِّ، ألم تسبِقْ رحمتُكَ غضبَكَ؟ قال: بلى، قال: أرأيتَ إن تبتُ وأصلحتُ، أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى، قال: فهو قوله: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 37]"؛ صحَّحه الألباني في كتاب التوسُّل.

فالجنة التي أُخرج منها آدمُ هي بعينها التي يَطلُب أن يرجع إليها.



• وقيل: قد جاء في القرآن أن إبليس كلَّم آدم، وحلف له، كما قال تعالى: ﴿ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [الأعراف: 21]، والقسم يقتضي المشافهة، وهذا القول الحق، ولكن كيف يُمكن أن تكون هناك مشافهة من الأرض إلى الجنة؟ والجواب في نفس السورة - وغالبًا ما إذا وجدنا إشكالًا في آية من القرآن، إذا تدبَّرناه، نجد الجواب في نفس السورة - قال تعالى: ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 50]، فالله بقُدرته يجعل أصحابَ الجنة يسمعون ما يقوله أصحابُ النار وهم في الدركات، فكما يُسمِع الله هؤلاء، أسمَعَ آدمَ وحواءَ ما قاله الشيطان ووسوس به، وما ذلك على الله بعزيز.



وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرُكَ وأتوبُ إليك، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلِّم تسليمًا كثيرًا.


محمد حباش