المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العفو وسلامة الصدر طريقك إلى الجنة


المراقب العام
09-06-2019, 06:31 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif




العفو ... وشيء مما جاء في فضله






من تأمّل آيات القرآن وأحاديث السُنّة في الحث على العفو ، والدعوة لسلامة الصدر وجدها كثيرة كاثرة ، وبيّنة ظاهرة ، تدل على سمو هذا الأمر ، ورفعة منزلة أهله ، ووجوب تحلي المسلمين به لِما له من أثر بيّن في استقرار حياة المسلمين وقوة شوكتهم .

🌿 في آيات آل عمران يأمر الله بالمسارعة للجنّة بقوله تعالى :
" *وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *"
ثم يذكر صفات أهلها بقوله :
" *الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* "
وكثيراً ما أقف عند هذه الآيات متعجبًا ، فعندما يأمر الله بالمسارعة لجنّة عرضها السماوات والأرض ثم تذكر الآيات صفات أهلها يدور في خلَدك أنّهم قوّام الليل ، صوام الدهر ، المجاهدون الذين لا يتركون عدوًّا إلا قاتلوه ... ولكنّ الآيات تجيبك أنهم قومٌ صفت قلوبُهم وسلمت صدورهم لإخوانهم فبلغوا ما بلغوا من منازل الجِنان ، وذلك لأنّها صفة عزيزة في النّاس ، وصاحبها يحتاج إلى تجرّد وصدق تعامل مع الله عز وجل .
وحديث صاحب النعلين - مَن بشّر به رسولُ الله وأنّه وارث جنّة - عجيب جد عجيب - رجل قليل صلاة النافلة قليل الصيام ، ولكنّه فاز بخير منزل ، وأشرف دار
بـ" سلامة صدره ، وبعده عن الانتقام "

🌿 أهل العفو والكرامة والإحسان سمت نفوسهم أن يُقابلوا الخطيئة بالخطيئة ، والسيئة بمثلها ، لمعرفتهم أنّ هذا سهل يفعله كلُّ أحد لكنّ مقابلة السيئة بالحسنة ، والإساءة بالإحسان خلُق شريف لا تفعله إلا النفوس الطاهرة التي ترجو بإحسانها الثواب من ربها ، فلذا اتبعوا شريعة ربهم بالعفو وغض الطرف عن الخطأ فكان هديهم :
"....**وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ*.*.."
فأكرمهم الله بدخول الجنّة وتحيات الملائكة الكرام لهم في كل حين " *وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ *"

🌿 وفي آيات التنزيل - أيضًا - حث عجيب على العفو ، وتجريد التعامل مع الله تعالى لأنّه أصدق تعامل ، وأوفى ثواب .
فيدعو الله من كان بينه وبين أحد خصومة أو منازعة بقوله : " *وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ* "
إنّ الأمر بالعفو - هنا - قيل للصديّق رضي الله عنه بعدما قال أحد قرابته ماقال من اتهام عائشة في عِرضها - وهو أبلغ ما يكون من الأذى للرجل - ومع ذلك يعفو أبو بكر عنه لأنّه قد تلا قوله تعالى : " *أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ *"
فقال بلسان حاله ومقاله : بلى ، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا .
عجيب أمر الذين يُصرون على القطيعة ، وهم يقرؤون ويسمعون :
" *وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ *"
الله يدعوهم للعفو والصفح ، ويشجعهم بحب المغفرة ، وهم يقولون : لا ، سننتصر لأنفسنا .

🌿 من عجائب ثواب العفو ( *أنّ أجر صاحبه على الله* ) .
وهذا - والله - يكفي في العفو ، فاللهُ أبهم الأجر تعظيمًا لشأنه ، وتنبيهًا على جلالته .
إذا كان المرء عندما يأتيه كريم صاحب سلطان وقدرة فيقول له : جائزتك عندي ، وحظوتك لدي ، وأنا ضامن لها ، تقوى طمأنينته وثقته بهذا الوعد أضعاف أضعاف ما لو وعده به رجل من عامة الناس.
فكيف إذا كان المثيب على عفوه هو الله الجواد الكريم ، فليذهب عقلُك كل مذهب في تصوّر هذا الأجر ، وليتفكر قلبك في عظيم هذا الإحسان ، وأيقن أنّه لن يصل لحقيقة أجر العافين عن النّاس لأنه باختصار ( *أجره على الله* )

وأختم لك بهذا الحديث لعله يكون دافعًا لك للعفو والتجاوز عن كل من قصّر في حقك .
فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " *ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار*؟ , , قالوا : بلى يا رسول الله ،
قال : " *كل هيّن ، لين ، قريب ، سهل* "

فاختر - أيها المخاصِم - أي طريق شئتَ ؛ إمّا اللين أو القسوة ، وإمّا السهولة أو الفظاظة والغلظة .

وفقني الله وإياك لسلامة القلب ، وحب العفو .


كتبه / عادل بن عبدالعزيز المحلاوي