المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مكارمَ الأخلاق بناء شيَّده الأنبياء وبُعث النبي ليتم هذا البناء


المراقب العام
13-08-2019, 05:30 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif





قال رسول الله الله عليه وسلم: «إنما بُعثت لأتممَ مكارم الأخلاق» فكأن مكارمَ الأخلاق بناء شيَّده الأنبياء، وبُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتم هذا البناء، فيكتمل صرح مكارم الأخلاق ببِعثته - صلى الله عليه وسلم - ولأن الدِّينَ بغير خُلق كمحكمة بغير قاضٍ، كذلك فإن الأخلاقَ بغير دِين عبث.


لقد بين رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأسلوب أهمية الخُلق، بالرغم من أنه ليس أهمَّ شيء بُعث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من أجله؛ فالعقيدة أهم منه، والعبادة أهم منه، ولكن هذا أسلوب نبوي لبيان أهمية الشيء، وإن كان غيرُه أهمَّ منه، فإن قال قائل: ما وجه أهمية الخُلق حتى يقدَّم على العقيدة والعبادة؟ فالجواب: إن الخُلق هو أبرز ما يراه الناسُ، ويُدركونه من سائر أعمال الإسلام؛ فالناس لا يرون عقيدةَ الشخص؛ لأن محلَّها القلبُ، كما لا يرون كلَّ عباداته، لكنهم يرَوْن أخلاقه، ويتعاملون معه من خلالها؛ لذا فإنهم سيُقيِّمون دِينَه بِناءً على تعامله، فيحكُمون على صحتِه من عدمه عن طريق خُلقه وسلوكه، لا عن طريق دعواه وقوله
لم يعُدِ الإسلام الخلق سلوكًا مجرَّدًا، بل عده عبادةً يؤجر عليها الإنسان، ومجالاً للتنافس بين العباد؛ فقد جعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أساسَ الخيريَّة والتفاضل يوم القيامة، فقال: (إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون). وكذلك جعَل أجر حُسن الخُلق ثقيلاً في الميزان، بل لا شيء أثقلُ منه، فقال: (ما من شيءِ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن حُسن الخُلق).


وجعَل كذلك أجرَ حُسن الخُلق كأجرِ العبادات الأساسية، مِن صيام وقيام، فقال: (إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم)، بل بلَغ من تعظيم الشارع لحُسن الخُلق أنْ جعَله وسيلة من وسائل دخول الجنة؛ فقد سُئل - صلى الله عليه وسلم - عن أكثرِ ما يُدخِل الناسَ الجنَّةَ؟ فقال: «تقوى اللهِ وحُسن الخُلق»، وفي حديث آخرَ ضمِن لصاحب الخُلق دخولَ الجنة، بل أعلى درجاتها، فقال: (أنا زعيمٌ ببيت في ربَضِ - أطراف - الجنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيتٍ في وسَط الجنة لِمَن ترَك الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّة لمن حسُن خلُقه).
والأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها ويدلُّ على ذلك قول الله تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ [الإسراء: 16].


الشروق