المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإصلاح بين الناس عبادة عظيمة يحتاجها المجتمع المسلم


المراقب العام
20-08-2019, 05:23 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif





وجود المشاكل، وما يسبب الفرقة بين الناس، وفي مجتمعاتهم، قدر كوني لابد منه، مهما بلغ الناس، في مجتمعاتهم، من الدين والورع والعبادة، فإن ذلك أمر لا بد من وجوده، روى الإمام مسلم عن جابر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)، ولكن الدين يعمل على خلاف ذلك، بل يأمر بالقضاء علي كل أمر من شأنه ان يكون الفرقة بين المسلمين، لأن الفرقة شر، ووجودها علامة خطر في المجتمع، فإذا كان الجار يختلف مع جاره، والزميل مع زميله، والقريب مع قريبه، والزوج مع زوجته، ولا يكون من بينهم مصلح يصلح بينهم، فان المجتمع يصيبه الضرر، قال وتعالى : ﴿وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. ويقول أيضا: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾.


فالدين يحارب الافتراق، ويحذر من أسبابه، وفي الوقت نفسه، يتشوف إلى الإصلاح، ويسعى له، وينادي إليه، بل ويأمر به : يقول تعالى في سورة الأنفال : ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ويقول في سورة الحجرات: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ ويقول: الرسول (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصدقة والصلاة قلنا بلى يا رسول الله، قال إصلاح ذات البين).


فالإصلاح بين الناس، عبادة عظيمة، يحتاجها المجتمع المسلم، والذي يسعى في الإصلاح بين الناس، له أجر عظيم فكم عصم الله بالمصلحين من دماء، وكم حفظ بالمصلحين من أموال، وكم قضى على فتن شيطانية خطيرة، وكم أعاد المصلحون بناء أسر كادت أن تتهدم على أفرادها، ولهذا يقول أنس من أصلح بين اثنين أعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة، وقال الأوزاعي : ما خطوة أحب إلى الله من خطوة في إصلاح ذات البين، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءة من النار.
ولكي ندرك أهمية الإصلاح والقضاء على الخلاف وإنهاء النزاع، نتأمل في أن الدين، أباح كبيرة من الكبائر، وجعلها جائزة بسبب الإصلاح، وهي الكذب، الذي حذر الدين منه اذ يجوز إذا كان في سبيل الإصلاح، والدليل قول النبي في الحديث المتفق عليه عن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط قالت : سمعت رسول الله يقول : (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فيَنمي خيرا، أو يقول خيرا) وفي رواية لمسلم قالت : ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث : الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها. فالدين أجاز الكذب لأهمية الإصلاح بين الناس، وفي هذا دليل على خطورة النزاع والافتراق والخلاف وما يترتب عليه من هجر وحقد وغيبة ونميمة وغير ذلك من الثمار المرة، الناتجة عن وجود مثل تلك الأمور بين الناس.



قد يقول قائل : أريد أن أذهب إلى فلان لاتصالح معه لكن أخشى أن يردني أولا يستقبلني أو لا يعرف قدر مجيئي إليه فان النبي صلى الله عليه وسلم قد امرنا بان نذهب إليه ولو طردنا.. ولو تكلم علينا وحثنا على ان نسارع إليه بالهدية ونتلطّف معه.. يقول صلى الله عليه وسلم ( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً ). فأنت إذا عفوت زادك لله عزا. وإذا أصلحت زادك الله عزا.. إن البعض قد يهتم بالإصلاح. ويريد أن يصلح. لكن يبقى عليه مترددا بسبب ما حوله من المؤثرات. من بعض أقاربه. أو بعض أصدقائه. أو بعض أهل السوء. الذين يسعون ويمشون بالنميمة.
وعلى المصلح أن يتأدب بآداب الإصلاح ومن أعظمها :أن يخلص النية لله فلا يبتغي بصلحه مالاً أو جاهاً أو رياء أو سمعة وإنما يقصد بعمله وجه الله «ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً». وعليه أيضا أن يتحرّى العدل ليحذر كل الحذر من الظلم «فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين» ولا تتعجل في حكمك وتريّث الأمر فالعجلة قد يُفسد فيها المصلح أكثر مما أصلح وعليك أن تختار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين بمعنى أنك لا تأتي للإصلاح حتى تبرد القضية ويخف حدة النزاع وينطفئ نار الغضب ثم بعد ذلك تصلح بينهما. والأهم أيضا التلطّف في العبارة وعدم الانتصار لاحد المتخاصمين فان ذلك يغير صدر الاخر ولا يساعده على قبول مساعي الصلح لاعتقاده بعدم حياد المصلح .


الشروق