المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابن خزيمة.. الفقيه المحدث..


نبيل القيسي
24-10-2019, 08:12 AM
محمد بن إسحاق بن خزيمة، إمام الأئمة، فقيه الآفاق، المجتهد المطلق، عني بالحديث وحفظ القرآن الكريم منذ حداثته، وعلى سنَّة الزمان ارتحل لسماع الحديث النبوي، فكتب الكثير وصنف وجمع الكثير، حتى أصبح إمام الحديث والعالم الأوحد في عصره، وصار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان.

نسب ابن خزيمة ومولده
هو الحافظ الثبت، إمام الأئمة، وشيخ الإسلام، أبو بكر، محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري[1]، الشافعي، صاحب التصانيف، إمام نيسابور في عصره، كان فقيهًا مجتهدًا، عالـمـًــا بالحديث، ولد بنيسابور سنة 223هـ= 838م[2].

رحلة ابن خزيمة في طلب الحديث
اعتنى ابن خزيمة منذ صغره بدراسة الحديث بنيسابور[3]، ثم بعد ذلك طاف البلاد ورحل إلى الآفاق لسماع الحديث وطلب العلم[4]، واتسعت رحلاته العلمية حتى شملت الشرق الإسلامي حينذاك، فرحل إلى الشام والحجاز والعراق ومصر[5]، وتعلم وسمع على يد الكثير من علماء هذه البلدان، فكان إمام الحديث في عصره والعالم الأوحد[6]، وكان بحرًا من بحور العلم، فكتب الكثير وصنف وجمع الكثير أيضًا، وكتابه الصحيح من أنفع الكتب وأجلها[7]، وصار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان[8]، وتتلمذ على يديه الكثير، ومن أشهر تلاميذه البخاري ومسلم[9].

ثناء الأئمة على ابن خزيمة
ابن خزيمة من العلماء الذين لاقوا ثناء ومدحًا من علماء معاصريهم وممن جاء بعدهم فقال عنه ابن حبان: ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها، حتى كأن السنن كلها بين عينيه إلا محمد بن إسحاق[10]، وقال الدارقطني: كان ابن خزيمة إمامًا ثبتًا معدوم النظير[11]، وسُئل عنه ابن أبي حاتم فقال: ويحكم! هو يسأل عنّا، ولا نسأل عنه، وهو إمام يُقتدى به،[12]، وثقة صدوق[13]، وقال أبو علي النيسابوري: كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة[14]، وقال الحاكم: كان إمام أهل المشرق في زمانه عِلمًا وإتقانًا ومعرفة، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: كان يقال له: إمام الأئمّة، وجمع بين الفقه والحديث[15].

مصنفات ابن خزيمة
قال أبو عبد الله الحاكم: شمائله أشهر من أن يحتملها هذا الموضع، ومصنّفاته تزيد على مائة وأربعين كتابًا، سوى المسائل، والمسائل المصنّفة أكثر من مائة جزء[16]، ومن أهم مصنفاته كتاب التوحيد وإثبات صفة الرب، وصحيح ابن خزيمة[17]، وقد سئل ابن خزيمة: من أين أوتيت هذا العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ"[18]، وإنّي لــمَّـا شربته سألت علمًا نافعًا[19].

سخاء ابن خزيمة وكرمه
كان ابن خزيمة رحمه الله سخيًا جوادًا كريمًا، حتى أنه كان يتصدق بملابسه، وقال محمد بن الفضل: كان جدي أبو بكر لا يدخر شيئًا جهده، بل ينفقه على أهل العلم، وقيل: إنَّ ابن خزيمة عمل دعوة عظيمة ببستان جمع فيها الفقراء والأغنياء ونقل كل ما في البلد من الأكل والحلوى، قال الحاكم وكان يومًا مشهودًا بكثرة الخلق لا يتهيأ مثله إلا لسلطان كبير[20].

زهد ابن خزيمة
كان ابن خزيمة من العابدين الزاهدين، فقيل له يومًا: لو قطعت لنفسك ثيابًا تتجمل بها فقال ما أذكر نفسي قط ولي أكثر من قميصين، وكان له قميص يلبسه وقميص عند الخياط فإذا نزع الذي يلبسه ووهبه غدوا إلى الخياط وجاءوا بالقميص الآخر[21].

وفاة ابن خزيمة
توفي ابن خزيمة بنيسابور سنة 311هـ= 924م عن نحو تسعين سنة[22]، وقيل: كان له ثمان وثمانون سنة حين وفاته، قال عنه ابن حبان: كان ابن خزيمة رحمه الله أحد أئمة الدنيا علمًا وفقهًا وحفظًا وجمعًا واستنباطًا حتى تكلم في السنن بإسناد لا نعلم من سبق إليها غيره من أئمتنا مع الإتقان الوافر والدين الشديد[23].



[1] ابن عبد الهادي: طبقات علماء الحديث، تحقيق: أكرم البوشي، إبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1417هـ= 1996م، 2/ 441.
[2] الذهبي: سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثالثة، 1405ه= 1985م، 14/ 365، والزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر، 2002م، 6/ 29.
[3] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 14/ 365.
[4] ابن كثير: البداية والنهاية، دار الفكر، 1407هـ= 1986م، 11/ 149.
[5] تقي الدين المقريزي: المقفى الكبير، تحقيق: محمد اليعلاوي، دار الغرب الاسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية، 1427ه= 2006م، 5/ 162.
[6] أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: تاريخ نيسابور، كتابخانة ابن سينا، طهران، ص51.
[7] ابن كثير: البداية والنهاية، 11/ 149.
[8] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 14/ 365.
[9] أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: تاريخ نيسابور، ص51.
[10] ابن حبان: المجروحين، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، الطبعة الأولي،1420ه= 2000م، 2/ 88.
[11] السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 1413هـ، 3/ 118.
[12] تقي الدين المقريزي: المقفى الكبير، 5/ 162.
[13] ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند، دار إحياء التراث العربي، بيروت
الطبعة الأولى، 1271هـ= 1952م، 7/ 196.
[14] الذهبي: تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1419هـ= 1998م، 2/ 209.
[15] تقي الدين المقريزي: المقفى الكبير، 5/ 162.
[16] تقي الدين المقريزي: المقفى الكبير، 5/ 162.
[17] الزركلي: الأعلام، 6/ 29.
[18] ابن ماجه: كتاب المناسك، باب الشرب من زمزم، (3062)، وأحمد (14892).
[19] تقي الدين المقريزي: المقفى الكبير، 5/ 162.
[20] السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 3/ 111، 119.
[21] السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، 3/ 111.
[22] تقي الدين المقريزي: المقفى الكبير، 5/ 162، والزركلي: الأعلام، 6/ 29.
[23] ابن حبان: الثقات، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن الهند، الطبعة الأولى، 1393ه‍ = 1973م، 9/ 156.