المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العبادات تنتهي وذكر الله باق !!!!!!!!!!!!!


نبيل القيسي
24-10-2019, 08:32 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، أمر عباده بذكره، وأنعم عليهم بذكرهم في ملأ أعز شأناً، وأرفع مكاناً بقوله سبحانه: (فاذكروني أذكركم)، والصلاة والسلام على خير الشاكرين الذاكرين، وعلى أصحابه الأبرار، أهل العبادة والأذكار، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن ذكر الله حياة تحيا به الروح، وهو روح لهذه الحياة، هي عبادة ميسرة لأهل الطاعة، أمر الله عبادة بالإكثار منها بقوله: ( والذاكرين الله كثيراً والذاكرات) وقوله : (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً ) وكثنائه على أولي الألباب (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) وكقوله: (واذكر ربك كثيرًا وسبح بالعشي والإبكار) وكقوله عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي عن ابن بسر :(لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) صححه الألباني، ونبه ربنا _عز وجل_ على خصلة ذميمة لأهل النفاق بقوله: ( ولا يذكرون الله إلا قليلاً )، وقد ذكر العلماء فضائل كثيرة للذكر قال ابن القيم رحمه الله: " وفي الذكر أكثر من مائة فائدة"، وهي مبثوثة في مظانها، ولعل من أهم الكتب في ذلك كتاب: الوابل الصيب لابن القيم الجوزية، حيث عدد فضائل الذكر وأوصلها إلى ثلاثة وسبعين فائدة، وكذلك كتاب الأذكار للنووي حتى قيل في مدحه: ( بع الدار واشتر الأذكار) .

ولعلي في مقالتي هذه سأقتصر على بعض الآثار الواردة حول أهمية الذكر بعد العبادة، وأنه ينبغي للإنسان ألا ينتهي من عبادة حتى يربطها بعبادة أخرى، قال ابن رجب رحمه الله في لطائفه عند قوله تعالى: (فإذا قضيتم مناسككم ...):" وفي الأمر بالذكر عند انقضاء النسك معنى و هو أن سائر العبادات تنقضي و يفرغ منها و ذكر الله باق لا ينقضي و لا يفرغ منه بل هو مستمر للمؤمنين في الدنيا و الآخرة" من الأمثلة على ذلك:

الموضع الأول: الذكر بعد فراغه من الصلاة فالمصلي ما أن ينتهي من صلاته إلا ويقول: (استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام...) ويقول بعد ذلك: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة ، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة ، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين مرة، وتمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كما يسن له في نهاية صلاته أن يدعو بالإعانة على ذكر ربه كما أخبر بذلك نبينا لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، قال ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع:" إن الاستغفار يسن عقيب الصلاة مباشرة؛ لأن المصلي لا يتحقق أنه أتقن الصلاة، بل لا بد من خلل، ولا سيما في عصرنا هذا، فالإنسان لا يأتيه الشيطان إلا إذا كبر للصلاة".

الموضع الثاني: كما أنه ما أن ينتهي من عبادة صلاة الوتر إلا ويسن له أن يقول بعدها: (سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس، سبحان الملك القدوس). قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: " يختم وتره بعد فراغه بقوله: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاثا، ويمد بالثالثة صوته" .


الموضع الثالث: قوله تعالى في سورة الجمعة: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون ) قال العلامة السعدي في تفسيره: " ( واذكروا الله كثيرا ) أي في حال قيامكم وقعودكم وعلى جنوبكم، ( لعلكم تفلحون ) فإن الإكثار من ذكر الله أكبر أسباب الفلاح ".


الموضع الرابع: قال تعالى بعد ذكر صلاة الخوف: ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم...) قال ابن كثير رحمه الله: " يأمر الله تعالى بكثرة الذكر عقيب صلاة الخوف، وإن كان مشروعاً مرغباً فيه أيضاً بعد غيرها، ولكن هاهنا آكد لما وقع فيها من التخفيف في أركانها، ومن الرخصة في الذهاب فيها والإياب وغير ذلك، مما ليس يوجد في غيرها " وقال العلامة السعدي عن صلاة الخوف والذكر الله بعدها: " والمعلوم أن صلاة الخوف لا تحصل فيها هذه المقاصد الحميدة بسبب اشتغال القلب والبدن والخوف فأمر بجبرها بالذكر بعدها" .

الموضع الخامس: قال تعالى في ثنايا آيات الصيام: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) فحري بك بعدما أنعم الله عليك بإكمال صيام شهر رمضان كبّره على ما هداك من نعمه وآلاه سبحانه لتكون من الشاكرين.

الموضع السادس: قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) قال العلامة السعدي: " أن الذكر لله تعالى مع الصبر والثبات سبب للفلاح والظفر بالأعداء، فأمر بالإكثار منه في هذه الحال إلى غير ذلك من الحكم" .

الموضع السابع: قال تعالى مخاطباً حجاج بيته إذا انتهوا من مناسكهم: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا...) قال ابن كثير رحمه الله: "والمقصود منه الحث على كثرة الذكر لله عز وجل" لا ما يفعله أهل الجاهلية من الفخر بآبائهم، "فيقول الرجل منهم: كان أبي يطعم ويحمل الحَمَالات [ويحمل الديات]. ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم" وكما قال ابن رجب رحمه الله: " و في الأمر بالذكر عند انقضاء النسك معنى و هو أن سائر العبادات تنقضي و يفرغ منها و ذكر الله باقٍ لا ينقضي و لا يفرغ منه ".


الموضع الثامن: بعدما ينتهي الإنسان من التلبية في عند رمي جمرة العقبة يقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك... ) فإذا رمى جمرة العقبة كبّر وانقطع من التلبية إلى التكبير، كما روى الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة" ، فلما رمى كبّر .


والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
أبو نوّاف
وفقه الله