المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ أبو زهرة شيخ فقهاء العصر .. قصته ومسيرته العلمية


المراقب العام
24-11-2019, 05:54 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



كان الشيخ أبو زهرة أحد أفذاذ العلماء في عصره، وأحد رواد الفقه والفكر الإسلامي المعاصر، جمع إلى غزارة العلم والمعرفة، دقة الفهم وعمق الفقه، ورحابة الأفق، فكان ملجأ الناس فيما يعنُّ لهم من قضايا ومشكلات، ومفزع أهل العلم حين تلتبس الأمور، حتى شاع إطلاق لقب الإمام عليه.

https://www.islamweb.net/PicStore/Random/1574568782_229240.jpg

اشتهر بين علماء عصره بجرأته في الحق وشجاعته في الذود عن حياض الإسلام، كما اشتهر بسعة فقهه وغزارة علمه وكثرة انتاجه مع صلابة في الرأي معززة بالدليل والبرهان والقدرة الفائقة على الحوار والمناظرة بالحجج البالغة والبراهين الساطعة.
كان رحمه الله راسخ القدم، نافذ البصيرة، بليغ اللسان، قوي الحجة، جهير الصوت، سريع البديهة، يمزج في محاضراته العلم الجاد بالدعابة المرحة.
تميز الشيخ أبو زهرة بالعمل الدائب لخدمة الإسلام والدفاع عنه، وكان ذلك من خلال تدريسه في الجامعة ومن خلال كتاباته في المجلات أو محاضراته في الندوات الأسبوعية التي كان يعقدها أو المؤتمرات الدولية التي كان يحضرها أو المؤلفات الفريدة التي تركها في شتى فروع الثقافة الإسلامية والقانونية، وظل هكذا حتى نهاية حياته وتخرج عليه المئات واستفاد من علمه الآلاف ولا يزالون، من المحامين والقضاة أو المحاضرين في الحقوق أو في الشريعة.
كان الشيخ أبو زهرة بحرًا زاخرًا، وفيضًا متدفقا، خَرَّج تلامذة كبارا أوفياء في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وترك كتبا رائعة ذائعة الصيت، كما ترك ذكرى عطرة وأسوة حسنة ومواقف شجاعة لقول الحق والصدع به مهما كانت العوائق.
كان الشيخ يستشعر أنه واقف على ثغرة من ثغور الإسلام، فلا يبرحها إلا إذا فاضت روحه إلى بارئها، وقد عرض عليه البقاء والعمل بالخارج فقال: "إن وجودي في مصر هنا يؤدي واجبًا أرى أنه أصبح بالنسبة لي أشبه بفرض العين، فأنا على ثغر من ثغور الإسلام، يتأثر بها أي بلد عربي وأي بلد إسلامي، فمصر هي العقل وهي القلب وهي الأزهر".

نشأته
اسمه: محمد أحمد مصطفى أحمد عبد الله أبو زهرة الششتاوي.
ولد في 29 مارس سنة 1898م (1315هـ) في مدينة المحلة الكبرى، إحدى مدن محافظة الغربية، وجده الشيخ مصطفى أبو زهرة الشهير بالششتاوي ممن عرف بالصلاح والتقوى، وله مسجد باسمه في بلدة "ششتا" بالمحلة.
نشأ الشيخ في أسرة كريمة عُنِيت بولدها، فدفعت به إلى أحد الكتاتيب، فحفظ الطفل النابه القُرآنَ الكريم وعمره 9 سنوات، وأجاد تعلُّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل عام 1913م إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا للدراسة، وكان إحدى منارات العلم في مصر، تمتلئ ساحاته بحلقات العلم التي يتصدَّرها فحول العلماء، وكان يُطلق عليه الأزهر الثاني؛ لمكانته الرفيعة، وفيه لفت نبوغه وتفوقه انتباه الشيخ الأحمدي الظاهري شيخ الجامع الأحمدي وقتها فاقترح له مكافأة مالية ومعاملة مميزة.
انتقل الشيخ أبو زهرة بعد ثلاث سنوات من الدراسة بالجامع الأحمدي إلى مدرسة القضاء الشرعي سنة 1335هـ - 1916م بعد اجتيازه اختبارًا دقيقًا كان هو أوَّل المتقدِّمين فيه على الرغم من صغر سنه عنهم وقصر المدَّة التي قضاها في الدراسة والتعليم، وكانت هذه المدرسة التي أنشأها محمد عاطف بركات تعدُّ خرِّيجها لتولِّي مناصب القضاء الشرعي في المحاكم المصرية، ومكث أبو زهرة في هذه المدرسة 9 سنوات 4 في القسم الثانوي و5 في القسم العالي، واصل دراسته في جدٍّ واجتهاد حتى نال عالمية القضاء الشرعي مع درجة أستاذ سنة 1344هـ - 1925م، ثم اتَّجه إلى دار العلوم ليَنال معادلتها سنة 1346هـ ـ 1927م، فاجتمع له تخصُّصان قويَّان الفقه واللغة العربية، اللذان لا بُدَّ منهما لمن يريدُ التمكُّن من علوم الإسلام.
كان من شيوخه محمد الخضري وأحمد بك إبراهيم وعلى الخفيف ومحمد عفيفي وغيرهم.

حياته العملية
عمل في البداية محاميا تحت التمرين ثم عمل في تدريس العلوم الشرعية واللغة العربية في مدرسة تجهيزية دار العلوم لمدة ثلاث سنوات ثم لما ألغيت انتقل للتدريس في مدرسة فؤاد الأول الثانوية بسوهاج عام 1930ثم نقل إلى مدرسة العباسية الثانوية بالقاهرة عام 1931م.
ثم اختير سنة 1352هـ - 1933م للتدريس في كليَّة أصول الدين بالأزهر، وكلف بتدريس مادَّة تاريخ الخطابة والجدل ثم تاريخ الديانات والنحل والملل، فألقى محاضرات ممتازة في أصول الخطابة، وتحدَّث عن الخطباء في الجاهلية والإسلام، ثم كتب مؤلفًا عُدَّ الأول من نوعه في اللغة العربية وهو كتاب (الخطابة)، حيث لم تفرد الخطابة قبله بكتابٍ مستقل. وكذلك كتاب تاريخ الديانات القديمة ثم كتاب محاضرات في النصرانية.
في 2 نوفمبر 1934م نقل مدرسًا للخطابة بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا)، وارتدى الزي الأزهري لأنه كان من مستلزمات تلك الوظيفة، مع بقائه بالانتداب في كلية أصول الدين التي استمر بها إلى يونيو سنة 1942م.
و في سبتمبر سنة 1935م انتقل إلى تدريس الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول(جامعة القاهرة حاليا)، متدرجًا في مراتبها من مدرس إلى أستاذ مساعد إلى أستاذ كرسي إلى رئيس قسم الشريعة ووكيلاً لكلية الحقوق جامعة القاهرة، لمدة خمس سنوات، انتهت ببلوغه سن التقاعد سنة 1958م، واستمر في التدريس بالانتداب بكلية الحقوق وغيرها كأستاذ غير متفرغ حتى تحددت إقامته في أواخر الستينات ثم رفع بعض الحظر عنه بعد وفاة عبد الناصر.
وقد تولى التدريس في كلية الإدارة والمعاملات بجامعة الأزهر سنة 1963م، وكذلك معهد الخدمة الاجتماعية وغيره من المعاهد.
وإلى جانب هذا كان الشيخ الجليل من مؤسِّسي معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة مع الشيخ الباقوري، وكان يُلقي فيه محاضراته في الشريعة الإسلامية احتسابًا لله دون أجرٍ، وكان هذا المعهد قد أُنشِئ لمن فاتَتْه الدراسة في الكليَّات التي تُعنَى بالدراسات العربية والشرعية، فالتحق به عددٌ كبير من خرِّيجي الجامعات الراغبين في مثل هذه الدراسات.
وبعد صدور قانون تطوير الأزهر اختير الشيخ أبو زهرة عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية سنة 1382هـ - 1962م، وهو المجمع الذي أُنشِئ بديلاً عن هيئة كبار العلماء ، كما كان الشيخ مقررًا للجنة بحوث القرآن ولجنة التفسير الوسيط ولجنة المتابعة ولجنة السنة المطهرة، وشيخًا في لجان تقنين الشريعة للمذهبين الحنفي والشافعي.
كان أيضًا عضوًا بمجلس جامعة الأزهر، والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ومعهد البحوث الجنائية والاجتماعية، والمجلس الأعلى للفنون والآداب، ومجلس محافظة القاهرة.
حصل على أوسمة كثيرة من الدولة من الرئيس السادات وفي العيد الألفي للأزهر في عهد مبارك.
وكان للشيخ نشاط واسع في إلقاء المحاضرات والندوات العامة في مختلف الجمعيات الاجتماعية والإسلامية العامة والخاصة داخل مصر وخارجها.
كما كان له كتابات كثيرة في المجلات والصحف، فعلى سبيل المثال كان للشيخ أبي زهرة في مجلة لواء الإسلام الشهرية أربعة أبواب ثابتة هي: تفسير القرآن الكريم، ومقال اجتماعي، وندوة لواء الإسلام، وباب الفتاوى للرد على أسئلة القراء، هذا على مدى ما يقرب من40عامًا.
وله العديد من الأبحاث التي ألقيت في المؤتمرات والندوات الدولية في دمشق و باكستان والكويت والجزائر والمغرب وزار السودان ليبيا وسوريا وغيرها من بلدان العالم
قام العديد من الباحثين بعمل رسائل ماجستير ودكتوراه عن الإمام محمد أبو زهرة في باكستان والهند وسائر البلاد الإسلامية، كما ترجمت له العديد من المؤلفات.
من أبرز تلاميذه: الشيخ محمد الغزالي ومحمد الطيب النجار ومصطفى زيد وزكريا البري وصلاح أبو إسماعيل ومصطفى عبد الواحد وكمال أبو المجد ومحمد أديب الصالح وعبد الفتاح أبو غدة ووهبة الزحيلي وعدنان زرزور وغيرهم.

جرأته في الحق
- دُعي الشيخ أبو زهرة إلى ندوة إسلامية كبرى بإحدى العواصم العربية التي اشتهرت بالثورية، وكان ضيوف الندوة من كبار العلماء في العالم الإسلامي، وأراد حاكم هذه الدولة أن يجعلهم يؤيدون ما يذهب إليه، ويوم افتتاح الندوة حضر رئيس الدولة ليلقي كلمة الافتتاح، ويقول إنه دعا إلى هذه الندوة ليقرر العلماء أن الاشتراكية هي المذهب الإسلامي، وأن يدافعوا عن هذا الرأي.
بعد كلمة الرئيس عبست الوجوه، وتكدرت النفوس، ولم يتقدم أحد ليعلق على مـا قاله هذا الرئيس، ولكن الشيخ أبا زهرة طلب الكلمة، واتجه إلى المنبر وقال بشجاعة منقطعة النظير: نحن علماء الإسلام وفقهاؤه، وقد جئنا إلى هذه الندوة، لنقول كلمة الإسلام كما نراها نحن لا كما يراها السياسيون، ومن واجب رجال السياسة أن يستمعوا للعلماء، وأن يعرفـوا أنهم متخصصون فاهمون، لا تخدعهم البوارق المضرية، وقد درسوا ما يسمى بالاشتراكية، فرأوا الإسلام أعلى قدراً، وأسمى اتجاهاً من أن ينحصر في نطاقها، وسيصدر المجتمعون رأيهم كما يعتقدون، لا كما يريد رجال السياسة، فهم أولُو الأمر في هذا المجال، ثم توجه الشيخ إلى زملائه قائلاً : هل فيكم من يخالف ؟ ".فرأى الإجماع منعقداً على تأييده، فقال : الحمد لله أن وفق علماء المسلمين إلى ما يرضي الله ورسوله .
وبعد موقف الشيخ محمد أبو زهرة، لم تستمر الندوة في انعقادها أسبوعاً كما كان من المقرر لها من قبل، بل كان حفل الاستقبال هو حفل الختام - كما يقول الدكتور محمد رجب البيومي.
- عندما عُرض فيلم " ظهور الإسلام " المأخوذ عن كتاب " الوعد الحق " لطه حسين ، دعا بعض الكتّاب إلى تمثيل العصر النبوي على الشاشة باعتبارها عامل تأثير في النفوس، وأُقيمت ندوة أدبية لتدعيم هذا الاتجاه، ولم يجرؤ المنظمون لها على دعوة الشيخ أبو زهرة خوفاً من معارضته. ولكنه سعى إلى الندوة مستمعاً، وبعد أن تبارى المشاركون في الحديث عن أهمية هذه الدعوة وأن للفن دوره المؤثر في ذلك طلب أبو زهرة الحديث، واضطر مُنظم الندوة أن يدعو الشيخ للكلام، فقال:
إن الذين يتحدثون عن أثر السينما في الدعاية للإسلام بدليل انكباب الجمهور على مشاهدة فيلم "ظهور الإسلام " لم يوفقُوا فيما يدعون، لأننا نعلم أن هذا الفيلم لم يزد المؤمن إيماناً فوق إيمانه، ولم يردع فاسقاً عن غيه، ولم يدخل أحداً من ذوى الأديان الأخرى إلى حظيرة الإسلام، فهل نفدت كل وجوه الدعايات للإسلام، ولم يبق إلا تمثيل أحداث العصر النبوى بأعلام من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وهل يعقل أن يقوم ممثل اليوم بتمثيل دور " بلال " حين عُذب في ذات الله، ثم يجده المشاهد في رواية أخرى يمثل دور ماجن خليع؟ وهل يُعقل أن تضع ممثلة لبعض الصحابيات الماكياج في وجهها، ثم تزعم أنها تمثل صحابية شهيدة ذهبت روحها فداء لدينها الحبيب؟ وماذا نصنع إذا وجدنا هذه الشهيدة في فيلم آخر تأتى بما ينكره الإسلام في بعض المشاهد المخلة بالآداب أليست هذه إساءة واضحة للصحابيات؟
وهكذا بحجة قوية وبأسلوب سهل بسيط واضح من الشيخ أبو زهرة غيّر رأي المؤيدين لموضوع الندوة، وكان لكلمة أبو زهرة أثرها في عقول وقلوب المشاركين - فخرجوا غير مؤيدين ورافضين للهدف الذي من أجله أُقيمت الندوة.
- في الوقت الذي كان فيه الكتاب والمفكرون الموالون للسلطة يتنافسون في مدح الاشتراكية، ويشيدون بمنهجها في تحقيق العدل، وزعم فريق منهم أنها من أصول الإسلام، كان الشيخ أبو زهرة معارضاً لهذه الآراء، فالإسلام شرعة سماوية فوق المذاهب الوضعية التي تتبدل وتتحول، وتظهر سوءاتها عند التطبيق.
فصدع ذات مرة برأيه، فدعاه الحاكم واتهمه بأنه إقطاعي يتكسب من وراء مؤلفاته، فرد عليه الشيخ أبو زهرة في جرأة صارمة: إنها مؤلفات كتبت لله، ولم تفرض على أحد، ولم تتول الدولة توزيعها قهرًا على المكتبات ودور الثقافة الحكومية لتسجن في الرفوف دون قارئ، وليكسب أصحابها من مال الدولة ما لا يحله الله.
كان منطق الشيخ قوياً، فلم يستطع المسئول جواباً وترك الشيخ ينصرف لكنه أمر بإصدار قرارات لمضايقة الشيخ ومحاصرة فكره.
- وكان مما وقع من الخلاف بينه وبين نظام عبد الناصر مشروع القانون 103 لسنة 1961 الخاص بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التابعة له وصرح الشيخ أنه ليس ضد تطوير أو أي إصلاح ولكن الأزهر صانع الثورات فهل من المنطق أن يدبر أمره في ليلة واحدة، فصدرت قرارات ظالمة ضده وحرمانه من التدريس في الجامعة وإلقاء الأحاديث العامة وأغلقت أمامه أبواب التلفزيون والإذاعة والصحف.
ولكن هذه المضايقات لم تزد الشيخ إلا ثباتاً وتمسكاً بقول الحق ليس في مصر وحدها، بل وفي كل مكان ذهب إليه من بلاد العرب والمسلمين.


من كلامه
- لقد كان أقصى ما أتمناه أنى عندما أحال على المعاش يكون معاش كالمرتب الذى عينت به وهو خمسة عشر جنيهاً ولكن الله يسر لي فقد أحلت على المعاش وأنا آخذ أربعة وتسعين جنيهاً ويسر لي الله من كتب كتبتها وإني أقول نصيحتي لأبنائي كونوا مع الحق دائماً أخلصوا لله دائماً ولا تمالقوا في حق ولا تكونوا على ضعيف أبداً.
- إن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فيهما كل الغناء ليعرف المسلم عقيدته كلها...، وإن السلف الصالح رضوان الله تبارك وتعالى عنهم كان علمهم من القرآن، وهديهم من محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا مع ذلك أقوى الناس إيمانا وأشدهم يقينا وأكثرهم اطمئنانا، ولقد سلك المسلمون من بعدهم سبيلهم واتبعوهم بإحسان.
- إن النفاق في داخل الإسلام مراتب، وأعلاها أولئك الذين يتملقون الحكام، وينحدرون إلى درجة وضعهم في مقام النبيين ومنهم من يذهب به فرط نفاقه، فيفضل بعض عملهم على عمل النبيين، ..، وقريب منهم الذين يتأولون النصوص من غير حجة في التأويل ويعبثون بظواهرها القاطعة لهوى الحكام.
- كلما اتسع أفق العقل البشري في فهم الكون والحقائق والشرائع اتسع فهمه للقرآن الكريم، ولعل هذا هو الحقيقة التي أشار إليها بعض الصحابة إذ روي عن أبي الدرداء أنه قال: (لا يفقه الرجل حتى جعل للقرآن وجوها) أي اتجاهات متلاقية ولكن بعضها أعمق من بعض وكله حق.
- طلب العلم من مجالس العلماء المختلفة لا يكوّن الملكة العلمية التي ينشأ عليها الناشئ، بل لابد أن يلزم عالما من بينهم، وأن يختصه بكثرة الملازمة وقتا يتم فيه تحصيله وتكوينه، حتى إذا تخرج عليه اتجه إلى الدراسة حرا، بعد أن يكون عنده من العتاد العلمي ما يمكنه من الاستقلال الفكري.
- ولا شيء يوبق الملوك في السيئات يجترحونها أكثر من التزكية الكاذبة، وتبرير كل عمل يعملونه من غير نقد ناقد ولا فحص فاحص، فتمرأ نفوسهم الاستحسان، ويصمون آذانهم عن كلمة الإرشاد والتنبيه.
- إن الرجل الذكي قد تتوافر له كل أسباب العلم من شيوخ موجهين ومواهب مواتية، وبيئة علمية تغذي هذه المواهب، ومع ذلك تشغله شواغل الحياة، وأعراض الدنيا عن العلم، فينصرف عنه، أو لا يعطيه حقه من التفرغ له، إن العلم لا ينتج ولا يثمر إلا بالتفرغ والانصراف، فهو لا يقبل شريكا له في النفس.. ، فإن العالم يحتاج إلى تأمل وعمق نظر، واستقراء واستيعاب وتحصيل، وذلك كله لا يكون مع انشغال النفس بغيره.
- القول البليغ الذي يصل إلى كنه القلوب، يجب أن تتحقق فيه ثلاثة أوصاف: أولها: أن يكون المطلوب حقا، والثاني: أن يكون اللفظ مستقيما والمعنى سليما، فلا يصل الحق إلا بالحق، والثالث، أن يكون القول منبعثا من النفس، بحيث يؤمن العاقل بصواب ما يقول فإنه لا يؤثر إلا المتأثر.

- إن التوزيع (للميراث) الذي تولاه الله في كتابه العزيز يقوم على دعائم ثلاث:
أولاها: أنه يعطي التركة للأقرب الذي تعتبر حياته امتدادا لشخص المتوفى من غير تفرقة بين كبير وصغير.
ثانيتهما: الحاجة، فيكثر القدر في الميراث كلما كانت الحاجة أشد ولعل ذلك هو السر في نصيب الأولاد أكثر من نصيب الأبوين، وميراث الذكر ضعف ميراث الأنثى.
ثالثتها: أن الشريعة الغراء بنص القرآن وصحيح الحديث تتجه بالميراث إلى التوزيع دون التجميع.


المؤلفات والبحوث:
يسر الله للشيخ محمد أبو زهرة الكتابة والتأليف، فكان انتاجه غزيرا وكثيرا، وكانت مؤلفاته الفريدة والمبتكرة واسعة الانتشار، ولاتزال وبعد مرور السنين الطويلة تمثل مراجع مهمة لطلاب الدراسات العليا في علوم الشريعة في المعاهد العلمية المختلفة.
وقد امتازت كتاباته بجمال العرض والوضوح، والإحاطة والابتكار، وربط العلم بواقع العصر، كما كان يسعى دائمًا لتقديم الجديد والفريد للمكتبة العربية والإسلامية، رافضًا أن تكون كتاباته تردادًا لأقوال الآخرين.
وجاءت مؤلفاته متنوعة في شتى مجالات الشريعة والقانون ، فألف في الشريعة والفقه وأصول الفقه والقانون والخطابة ومقارنة الأديان والسيرة وتراجم سير أصحاب المذاهب وتاريخ المذاهب والتفسير وغير ذلك.
ونذكر هنا قائمة بمؤلفاته وكتبه:
1- الخطابة أصولها وتاريخها،1934م.
2- تاريخ الجدل، 1935م.
3- مقارنات الأديان، تاريخ الديانات القديمة،1938م.
4- محاضرات في النصرانية،1942م.
5- الإمام أبو حنيفة: حياته وعصره، آراؤه وفقهه،1945م.
6- الإمام الشافعي: حياته وعصره، آراؤه وفقهه،1945م.
7- الإمام مالك: حياته وعصره، آراؤه وفقهه،1946م.
8- الإمام أحمد بن حنبل: حياته وعصره، آراؤه وفقهه،1947م.
9- شرح قانون الوصية، 1947م.
10- أحكام التركات والمواريث،1949م.
11- الأحوال الشخصية،1950م.
12- الإمام ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه،1952م.
13- الإمام ابن حزم الأندلسي: حياته وعصره، آراؤه وفقهه،1954م.
14- تحريم الربا تنظيم اقتصادي،1955م.
15- محاضرات في الميراث عند الجعفرية،1955م.
16- محاضرات في مصادر الفقه الإسلامي،1956م.
17- الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي،1956م.
18- محاضرات في أصول الفقه الجعفري،1956م.
19- أصول الفقه، 1957م.
20- نظرية الحرب في الإسلام، 1958م.
21- محاضرات في عقد الزواج وآثاره، ،1958م.
22- تاريخ المذاهب الإسلامية جزءان في مجلد واحد،1959م.
23- محاضرات في الوقف،1959م.
24- الإمام زيد: حياته وعصره، آراؤه وفقهه،1959م.
25- الإمام الصادق: حياته وعصره، آراؤه وفقهه،1960م.
26- بحوث في الربا،1961م.
27- شريعة القرآن من دلائل إعجازه 1961.
28- الغزالي الفقيه،1962م.
29- ابن خلدون والفقه والقضاء،1962م.
30- فلسفة العقوبة في الفقه الإسلامي،1963م.
31- "الجزائر المسلمة المجاهدة" محاضرات ألقيت بمعهد الدراسات الإسلامية في الموسم الثقافي الثالث عام (1963-1964م)
32- التكافل الاجتماعي في الإسلام 1964م.
33- العلاقات الدولية في الإسلام،1964م.
34- تنظيم الإسلام للمجتمع،1965م.
35- تنظيم الأسرة وتنظيم النسل،1965م.
36- المجتمع الإنساني في ظل الإسلام،1966م.
37- الولاية على النفس،1966م.
38- العقيدة الإسلامية كما جاء بها القرآن الكريم،1969م.
39- القرآن المعجزة الكبرى،1970م.
40- الدعوة إلى الإسلام،1970م.
41- خاتم النبيين: ثلاثة أجزاء في ثلاثة مجلدات،1970م.
42- الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية،1971م.
43- الوحدة الإسلامية،1971م.
44 - الرد على مشروع قانون الأسرة لوزارة الشؤون الاجتماعية 1974م.
45- تفسير القرآن الكريم (زهرة التفاسير)، حتى الآية 73 من سورة النمل، لم يكتمل وصدر بعد وفاته.
46- فتاوى الشيخ محمد أبو زهرة، صدر بعد وفاته.

وغيرها الكثير من البحوث والمقالات والمحاضرات والندوات المنشورة في المجلات المتخصصة المصرية والعربية.

الدفاع عن الإسلام لآخر نفس (حسن الختام):
ظل الشيخ محل تقدير الناس واحترامهم، وإن سعى من بيدهم الأمور إلى محاربته، وتقييد حريته، وحرمانه من إلقاء الأحاديث العامة، وإغلاق أبواب الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب أمامه، لكن هذا لم يَحُل بينه وبين الجهر بالحق والتنديد بالباطل، فظل واقفًا على الثغرة يدافع عن الدين، ويُظهر أحكامه، ويُجلِّي ما أُبهم عن الناس.
وكان آخر جهاده رحمه الله أن قرر إقامة مؤتمر شعبي في سرادق كبير في شارع العزيز بالله أمام منزله بضاحية الزيتون، لمناقشة الرد على قانون الأسرة الذي فيه تقييد تعدد الزوجات والطلاق والولاية وغير ذلك، وقام بمعاينة المكان وإنشاء السرادق مبكرًا في صباح يوم الجمعة 19 ربيع الأول 1394 هـ الموافق 12أبريل 1974م، ثم عاد إلى حجرة المكتب بالدور العلوي وشرع في إكمال تفسير سورة النمل حتى أذان الظهر، وأثناء نزوله حاملاً القلم والمصحف والورق الذي به ما كتب في التفسير تعثر – رحمة الله عليه – وسقط على الأرض، واستمر في غيبوبته إلى ما بين المغرب والعشاء ثم فاضت روحه الكريمة إلى بارئها عن ستة وسبعين عاما وصلي عليه في الجامع الأزهر، وأم المصلين الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر، رحم الله شيخ مشايخ عصره وأرضاه، وأسكنه فسيح جناته وأجمل فراديسه، وجعله مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
ورثاه الشيخ خالد محمود إبراهيم سالم بقوله:
مضيت إلى رحاب الله برا فأعوزت الورى مثلا مجيدا
وهبت العلم كل قواك بحثا وتنقيبا فقدمت المفيدا
..
ورأيك حلة الآراء طرا إذا جمعت يتوجها عميدا
إذا أشكلت آراء قوم فرأيك لم يزل فينا سديدا
..
لئن ودعت دنيانا فهذي مآثركم تظل هنا شهودا
وإن أوتيت أجرك عند ربي فإنا نسأل الله المزيدا
إلى الفردوس يا بطل المعالي حييت بروضها فضلا وجودا
نعتك قلوبنا وبكت نهانا وودعنا بكم علما فريدا

اسلام ويب