المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أقوال الحسن البصري في الاستغفار والدعاء


المراقب العام
25-11-2019, 06:14 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



من أقوال الحسن البصري في الاستغفار والدعاء

إلهي، مَن أولى بالزلل والتقصير مني؟ وأولى بالمغفرة والعفو منك عني؟ وقد خلقتَني ضعيفًا لا أملك لنفسي ضرًّا ولا نفعًا!

إلهي، عِلمك فيَّ سابق، وقضاؤك بي محيط، وأمرك فيَّ نافذ، أطعتُك بإذنك ومعونتك، والمنَّة لك، وعصيتُك بعلمك، والحُجَّة لك، فبوجوب حجتك، وانقطاع حجتي، ثبِّت خوفك في قلبي حتى لا أرجو سواك، ولا أخاف غيرك.

اللهم يا أرحم الراحمين، صلِّ على محمد خاتم النبيين، واغفر لي ولكافة المؤمنين، وحسبي الله ونعم الوكيل.

وروي أنه كان إذا أراد سفرًا قال: يا من إذا استُودع شيئًا حفظه وأداه، أستودعك من غاب عني، ومن حضر من أهلي وولدي، وكل ما ملكته يدي، فاحفظهم يا مَن لا يخيب ودائعه.

وكان إذا عرض له همٌّ، أو أصابه كرب، قال: يا حابس يد إبراهيم عن ذبح ابنه، وهما يتناجيان فيقول ابنه: ارفق يا أبت، ويقول إبراهيم: اصبر لأمر ربنا يا بُني، يا مقيِّض الرَّكب ليوسف في الأرض القَفْر وغيابات الجب، وجاعله بعد العبودية ملكًا، يا سامع همس ذي النون في ظلماتٍ ثلاث، يا رادَّ بصر يعقوب عليه، وجاعل حزنه فرحًا، يا راحم عَبرة داود، وكاشف ضر أيوب، يا من يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويُغيث من استغاث به ورجاه، يا من لا يُعبد رب سواه، يا عالم النجوى، وكاشف البلوى، أسألك أن تصلي على نبيك المصطفى، وعبدك المرتضى، محمد وعلى آله وصحبه، وأن تكفيني ما أهمَّني، وتُفرِّج كربي، يا خير من سُئل، وأفضل من رُجي، وأرحم من استُرحم، افعل بي من الخير ما أنت أهلُه، يا أرحم الراحمين، وحسبي الله ونعم الوكيل.

وكان يقول إذا دخل الجبانة: اللهم رب هذه الأجساد البالية، والعظام النخرة، التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة، ولرحمتك راجية، أرسل عليها روحًا منك وسلامًا مني.

ثم يقول: روي أن العبد إذا قال ذلك، استغفر له كل ميت مذ خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة.

ورُوي أن الحجاج أخافه وطلبه، فقال: يا سامع دعوتي، ويا عدَّتي في مُلمَّتي، وكاشف كربتي وشدتي، ويا راحمي وولي نعمتي، ويا إلهي وإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومحمد ورب الناس كلهم، بحق ﴿ كهيعص ﴾ [مريم: 1]، و ﴿ طه ﴾ [طه: 1]، و﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ [يس: 1، 2]، صل اللهم على محمد، وعلى آل محمد الطاهرين، واكفني شرَّه وشر كل ذي شر، وعافني من الحَجَّاج وحزبِه وأشياعه وجنده، واصرف عني بقدرتك ما يُحاوله، وكفَّ عني أذاه وشره، ولا تجعل له عليَّ سبيلاً يا رب العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وسلم.

وكان يقول إذا مرض: اللهم لا تجعلني ممن إذا مرض ندم، وإذا شُفي فُتن، وإذا افتقر حزن، واكفني اللهم كفاية مَن استكفاك، وعافني عافية من استعفاك، ووفقني اللهم لمحبتك ورضاك، يا من يرحم من استَرحَمه، ويُجيب دعاء من دعاه.

وقيل: كان يغشى مجلسَ الحسن رجلٌ من الخوارج فيُؤذي أهله، فقيل للحسن: ألا تَشكوه للأمير؟ فقال: أرجو أن يَكفينا إياه ربُّ الأمير، فلما قدم الرجل، استقبل الحسن القِبلة وقال: اللهم اكفنيه بما شئتَ، فخرَّ الرجل على دابته، وحُمل ميتًا إلى أهله، فعرَف الحسن، فقال: الحمد لله الذي يكفي من استكفاه، ويقبل دعاء من دعاه، يا ويحه ما كان أغرَّه بربه!

وكان إذا فرغ مجلسُه قال: اللهم ألحقني بصالح مَن مضى، واجعلني مِن صالح مَن بقي، وأعِذْني من شر نفسي، ومن شر كل ذي شر.

ولما انتهى إلى الحسن موت الحجاج قال: اللهم إنه عقيرك[1] وأنت قتلتَه، اللهم فأَمِتْ حاشيته.

وكان إذا ختم القرآن قال: صدق الله الذي لا إله إلا هو الحي الذي لا يموت، وبلَّغت الرسل الكرام، ونحن على ما قال ربنا ومولانا من الشاهدين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه المنتجبين[2]، وأزواجه أمهات المؤمنين.

اللهم إنك علمتنا القرآن قبل رغبتنا في تعليمه، واختصصتَنا به قبل معرفتنا بفضله، ومننت علينا به قبل علمنا بنفعه، اللهم فإذا كان ذلك منًّا منك وجودًا، وكرمًا ولطفًا لنا، ورحمةً وسعتنا من غير حولنا ولا حيلتنا، ولا قوتنا ولا قُدرتنا، اللهمَّ فهب لنا رعاية حقه، وحسن تلاوته، وحفظ آياته، والعمل بمحكمه، وتبيين متشابهه.

اللهم اهدِنا بهدايته، ونوِّر قلوبنا ببصيرته، اللهم إنك أنزلته شفاءً لأوليائك، وشقاءً على أعدائك، وعمًى على أهل معاصيك، فاجعله اللهم دليلاً لنا على عبادتك، وحصنًا حصينًا من عذابك، ونورًا نهتدي به يوم لقائك، ونستضيء به بين خلقك، ونجوز به صراطك، ونصل به إلى جنتك.

اللهم إنا نعوذ بك من العمى عن علمه، والحور عن قصده، والتقصير دون حقه.

اللهم احمل عنا ثقله، ويسِّر لنا حفظه، واجعلنا ممَّن يقوم بحقه، ويؤدي فرائضه، ويؤمن بمتشابهه، ويستسنُّ بسنَّته، ويُحلُّ حلاله، ويُحرِّم حرامه.

اللهم وانفعنا بما صرفت فيه من الآيات، وذكِّرنا بما ضربت فيه من الأمثال، وكفِّر بتلاوته السيئات، ولقِّنا به البُشرى عند الممات.

اللهم انفَعنا بالقرآن العظيم، وبالآيات والذكر الحكيم.

اللهم إنا نعوذ بك من قساوة قلوبنا، ونسألك العفو عن جرائمنا وذنوبنا.

اللهم إنك جعلت القرآن مباركًا، فارزقنا به من كل بركة، ونجِّنا به مِن كل هلَكة.

اللهم اجعله لنا شافعًا مشفعًا، ونورًا وشفاءً وهدىً وموعظةً.

اللهم ألزم قلوبنا به السكينة والوقار، ويسِّر لنا به كثرة الاستغفار، واجعل لقلوبنا ذكاءً في تفهمه، ولذةً في تردده، وعبرةً عند ترجيعه؛ حتى لا نبتغي به بدلاً، ولا نشتري به ثمنًا، ولا نُؤْثر عليه من الدنيا غرضًا، إنك سميع الدعاء، قريب مجيب.

اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، وشفاء صدورنا، ونور أبصارنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، وقائدنا ودليلنا إلى جنات النعيم.

اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا غائبًا إلا رددته، ولا ميتًا إلا رحمته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا حاجةً من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضًا، ولنا فيها فائدة، إلا أتيت على قضائها في يُسر منك وعافية يا أرحم الراحمين، يا غياث المستغيثين، يا مجيب دعوة المضطرين.

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين.

[1] يقال: عقرت الفرس، إذا كسفتَ قوائمه بالسيف، وفرس عقير وخيل عقرى، وعُقرَت الناقة، عن الأصمعي قال: ويقال: "ما رأيت كاليوم عقيرة بين قوم": الرجل إذا كان سريعًا ثم قُتل، أصابته ظبة سيفه فانعقر؛ انظر: غريب الحديث للحربي.
[2] لعلها كلمة دخيلة على أقوال الحسن البصري رضي الله عنه، فهي من الكلمات التي تجري على ألسنة الشيعة وفي كتبهم، ويقصدون بها عددًا محددًا من الصحابة ربما لا يتجاوز الستة على أكثر الروايات، ولعلَّ الجذر اللغوي للكلمة هو (نجب)؛ قال ابن منظور: وفي الحديث: إن كل نبي أُعطي سبعة نُجباء رفقاء، قال ابن الأثير: النجيب: الفاضل، وقد نَجُب يَنجُب نجابةً إذا كان فاضلاً نفيسًا في نوعه، ومنه الحديث: ((إن الله يحب التاجر النجيب))؛ أي: الفاضل الكريم السخي؛ انظر: ابن منظور: لسان العرب.

د. أحمد عبدالوهاب الشرقاوي