المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وصايا لقمان: منارات الهدى ومصابيح الدجى


المراقب العام
27-11-2019, 06:13 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



وصايا لقمان
منارات الهدى ومصابيح الدجى

شغَلَنا تحصيلُ الرزق وتوفيرُ المال للأبناء عن إسداءِ النصح لهم وإهداء النصيحة، ما عادتْ مجالسُ الآباء مع الأبناء تنتظم، لقد عادت عليها العوادي من وسائل التواصل التي قرَّبت البعيد وأبعدت القريب، اتسعت الهُوَّةُ وبعُدت المسافة بين الآباء والأبناء.

لكن ما الحل الناجع؟ وكيف العودة؟ كيف يتحاورُ الآباءُ معَ أبنائِهم؟ ومتى ينقُلون إليهم خلاصةَ تجاربِهم؟ ومتى يُحيطونهم برعايتهم، ويُهذِّبون نفوسَهم، ويرتقون بفكرهم، ويسلكون في ذلك سبيل الحكمة والموعظة الحسنة؟

لقد ذكر لنا القرآن الكريم أجملَ المواعظِ، وقصَّ علينا أحسن القصص؛ لنستفيدَ من عِبرها، فالغرضُ من سياق القصة القرآنية عمومًا الوقوفُ على مواطن العبرة والعظة فيها؛ لتكون هداية للناس، ومنهاجًا يحذوه الآباء والمربُّون في تربية أبنائهم، قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111].

ومِن هذه المواعظ ما سطره القرآن الكريم في سورة لقمان من وصايا ومواعظَ جامعةٍ تفيض بالحكمة، تتعلَّق بالعقيدة والعبادة والسلوك والأخلاق، نرى فيها لقمان الأب يقوم بواجب التربية نحو ابنه، ويضطلع بمسؤوليته نحوه شفقةً ورحمة به؛ لينشأ الولد على الخير والصلاح، ويضع لقمان أمام الآباء نموذجًا صالحًا لِما يجب أن تكونَ عليه عَلاقة الأب بابنه، وهو الواجب الذي أغفله بل أسقطه كثيرٌ من الآباء من حساباتهم اليوم تجاه أولادهم.

يقول الحق سبحانه وتعالى مؤكدًا هذا الواجب: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6]، وكل الخير في قيام هذه الرابطة بين الآباء والأبناء، والتي لُحْمتها وسُداها حرصُ الآباء على رعاية أبنائهم وتوجيههم ونصحهم.

التعريف بلقمان:
اسمه ونسبه:
لُقمان اسمٌ أعجمي لا عربي[1]، وقد اختُلف في نسبه:
فقيل: لُقمان بن باعوراء بن ناحور بن تارح، وهُو آزر أبُو إبراهيم الخليل عليه السلام.
وقيل: لُقمان بن عنقاء بن سرون، وكان نوبيًّا من أهل أيلة.
وقيل: كان ابن أُخت أيوب عليه الصلاة والسلام، وقيل: ابن خالته[2].

صفاته:
كان مِن أخير الناس، رقيق القلب، صادق الحديث، صاحب أمانة وعفَّة، وعقل وإصابة في القول، وكان رجلًا سِكِّيتًا، طويل التفكُّر، عميق النظر، لم ينَم نهارًا قط، ولم يرَه أحد يبزقُ ولا يتنحنح، ولا يبُول ولا يتغوَّط، ولا يغتسل، ولا يعبث ولا يضحك، وكان قد تزوج وولد له أولاد، فماتوا فلم يبكِ عليهم[3].

مهنته:
كان لُقمان عبدًا حبشيًّا نجارًا، فقال له سيِّده: اذبحْ لي شاة، وأتني بأطيبِ مضغتين فيها، فأتاه باللسان والقلب، فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟! فسكَت، ثم أمره بذبح شاة أخرى، ثم قال له: ألق بأخبث مضغتين فيها، فألقى اللسان والقلب، فقال له: أمرتُك بأن تأتيَني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب، وأمرتك أن تلقي أخبثَها فألقيت اللسان والقلب؟! فقال له: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبُثا[4].

هل كان لقمان نبيًّا أم حكيمًا؟
اختلف السلف في لقمان: هل كان نبيًّا، أو عبدًا صالحًا من غير نبوة؟
والصواب: أنه كان رجلًا حكيمًا، بحكمة الله تعالى، والحكمة هي الفهم والعلم، والقولُ السديد، والرأي الرشيد[5]، ولم يكن نبيًّا، وكان قاضيًا في بني إسرائيل، وذلك المشهور عن الجمهور[6]، قال البغوي رحمه الله تعالى: "اتفق العلماء على أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًّا"[7].

وقفات مع الوصايا:
1- الحكمة منحةٌ ربانية وهبةٌ إلهيةٌ، يؤتيها الله جل وعلا مَن شاء من عباده:
وأن نيلَها لا بد له من أسباب حتى ينالها العبد، وهذا مستفادٌ من قوله جل وعلا: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ [لقمان: 12]، فالحكمة منَّةُ الله جل وعلا يمنُّ بها على مَن شاء من عباده، ومَن يتأمل قصة لقمان الحكيم وأيضًا يتأمل حياته، يجد أنه عبدٌ صالحٌ عابدٌ لله جل وعلا، مقبلٌ على طاعة الله، أحسَنَ في صلته بربه؛ والله جل وعلا يقول: ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123].

2- أهمية شكر نعم الله وعظيم أثره في ثبات النعمة ودوامها، وأن شكر النعمة يكون بالقلب واللسان والجوارح[8]:
قال عز وجل: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ [لقمان: 12]، فالنعمة إذا شُكرت قرَّت، وإذا كُفرت فرَّت؛ ولهذا يُسمِّي بعض العلماء الشكر: الحافظ والجالب؛ لأنه يحفظ النعم الموجودة، ويجلب النعمَ المفقودة؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقوله: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا ﴾ [سبأ: 13].

وتأمل هذا في قولِ الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي - حديث أبي ذر في صحيح مسلم -: ((يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجرِ قلب رجلٍ واحدٍ، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا))[9].

3- أهمية أسلوب الوعظ في التربية والتعليم:
في قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ [لقمان: 13]، أسلوب الوعظ له أثرٌ بالغٌ في تربية الناس وتعليم النشء؛ والوعظ هو: (الزجر المقترن بالتخويف)، والتخويف والترهيب يعتبران من مقوِّمات التربية السليمة للأبناء؛ إذ التربيةُ تقوم على أصلين؛ هما: الترغيب، والترهيب، فتخويف الأبناء - وعظًا - من عواقب الأمور ونتائج الأعمال السيئة يعتبر تربية سليمة؛ فقد خوَّف الله عبادَه من عقابه وسوء أعمالهم؛ ليحملهم على الإيمان والعمل الصالح.

وخوفُ الأبناءِ من العواقب والمصائر يعد ظاهرةً صحية ودلالة وعي عندهم تحفز دافعيَّتهم، والذي يجب أن يحذر منه إنما هو الخوف السلبي عند الأبناء؛ كخوفهم من ظلام الليل وبعض الهوام والأصوات ونحوها؛ لِمَا يتركه من أثر نفسي في الشخصية[10].

4- أهمية حسن التودُّد وعظيم أثره على المتلقي والمتعلم:
أنت عندما تريد أن تعِظَ إنسانًا وتنصحه ينبغي أن تتودد إليه، ما معنى: (تتودد إليه)؟
يعني أن تذكرَ من العبارات اللطيفة والكلام الحلو الذي يجعل كلامك يدخل قلبه، وأيضًا يجعل قلبه ينفتح لكلامك، ولاحِظْ لقمان وهو يعظُ ابنه جاء بكلام حلو، وأسلوبٍ مؤثرٍ، وكلمات تدخل إلى القلب، وانظر لطفه في حديثه مع ابنه في وعظه، تتكرر عبارة ﴿ يَابُنَيَّ ﴾ [لقمان: 16]، يستخدم الواعظ أسلوب التودد ﴿ يَابُنَيَّ ﴾ [لقمان: 16] تأتي لطيفةً بحنانٍ وأبوةٍ، وعطفٍ ورأفةٍ؛ فينفتح القلب.

5- الشرك أعظم الذنوب وأخطرها، وهو أعظم ما نهى الله تبارك وتعالى عنه:
وهذا مستفادٌ من بَدْء لقمان الحكيم به، أول ما بدأ بالتحذير من أخطر الأمور، وهذا هو سبيل الناصحين.
عندما يَنهى عن أمور خطيرةٍ، يبدأ بأخفها أو بأشدها خطرًا؟
بأشدها خطرًا؛ ولهذا أول ما بدأ لقمان الحكيم بنهي ابنه، نهاهُ عن الشرك، ونلاحظ في هذا السياق المبارك أنه نهاه عن الكبر، ونهاه عن الغرور، ونهاه عن الخيلاء، ونهاه عن أمور عديدة، لكن أول ما بدأ بنَهْيه عنه الشركُ بالله، قال: ﴿ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ [لقمان: 13]، فدلَّنا ذلك على أن الشرك أخطر الأمور، وأشدها ضررًا.

ومن الحكمة في تسمية الأبناء بعبدالله وعبدالرحمن - وقد جاء في الحديث: ((خيرُ الأسماءِ عبدُالله وعبدُالرحمن))[11] - أن ينشأ الابن على التوحيد، أن ينشأ وهو يعرف أنه عبدٌ لله، ليس عبدًا للهوى، ولا عبدًا للدنيا، ولا عبدًا للشيطان، ولا عبدًا لحظوظ النفس؛ وإنما عبدٌ لله تبارك وتعالى، فينشأ على التوحيد.

6- حاجة المتعلم إلى معرفة ثمرة الأوامر، وأيضًا خطورة النواهي:
حتى تتمكن منه الفائدة إذا ذُكر له الأمر، يحتاج أن يُذكَرَ له مع الأمر الفائدةُ والثمرة، وإذا ذُكر له النهي أيضًا يُذكر له الخطر والعاقبة الوخيمة التي ينالُها مَن دخل في هذا الطريق، وهذا مستفادٌ من القصة في عدة مواضع؛ منها: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

7- الوصية بالوالدين برًّا وإحسانًا وإكرامًا ورعايةً للحقوق:
وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]؛ إذًا الوصية بالوالدين لها شأنٌ عظيمٌ، والوصية تكون بالأمور العظيمة، والوصية هنا من رب العالمين جل وعلا.

8- من أعظم الأمور المُعينة على البر بالوالدين تذكُّر الجميل السابق والإحسان المتلاحق، والتذكير بالمصير إلى الله:
من أعظم الأمور المعينة على البر بالوالدين تذكر الإحسان السابق، فهذا يعين الإنسان على البر، وأيضًا يجعله يبتعد عن العقوق والقطيعة، تأمل هذا في قوله: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]، فيُعينك على البر أمورٌ عديدة؛ أهمها أمران:
الأمر الأول: أن تتذكر الجميل السابق.
الأمر الثاني: أن تتذكر أنك سترجع إلى الله، وأنه سبحانه سائلُك عن برك وعقوقك.

9- أن ما تلقاه الأم في الحمل والوضع - كذلك الأمومة - من مشقةٍ وتعبٍ، أمرٌ لا يُدرِك الابن جزاءه مهما بذَل من البر:
ولذا فإن من اللطائف في سؤال العبد الرحمة للوالدين في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا ﴾ [الإسراء: 24]: "أن رحمتَك بهما لا تفي بما قدَّموه لك، ولا تردُّ لهما الجميل، وليس البادئ كالمكافئ، فهم أحسَنوا إليك بدايةً، وأنت أحسنت إليهما ردًّا؛ لذلك ادعُ الله أن يرحمهما، وأن يتكفل سبحانه عنك بردِّ الجميل، وأن يرحمهما رحمةً تكافئ إحسانَهما إليك"[12]، فالولد عاجز عن رد الجميل، والله بكل جميل كفيل.

10- تعهد الأب لابنه بالنصح والتوجيه وهو ما يزال تحت كنفه:
وبالأخص في المراحل الأولى من العمر التي يتهيأ فيها الأبناءُ لاكتساب القيم، وتبدأ فيها وضع البصمات الأولى في تكوين الشخصية؛ فالتربية الناجحة ليست نظراتٍ خاطفةً، ولقاءاتٍ عابرةً، بل هي مراحلُ طويلةٌ، ومجالس متعددة، يلتقي فيها الآباء بالأبناء؛ ليراجعوا الماضي فيُصلحوا ما فسَد، وينظروا في الحاضر والمستقبل فيضعوا لبناتٍ جديدةً من المعارف النافعة والأخلاق الفاضلة بحَسَب حاجات أبنائهم.

ومن جمال التعبير القرآني:
أ- ما ذكره الله عن لقمان: جملة ﴿ يَعِظُهُ ﴾ [لقمان: 13]، جملة فعلية، وهي دالة على الحدوث والتجدد، فقد كان لقمان يتعهَّد ابنه بتلك الوصايا بين حين وآخر بحسب الحاجة، وقد ذكر المفسِّرون في كتبهم بعضَ هذه المجالس، والتي وصلت إلى مائة مجلس[13].

ب- التفريق بين عدم الطاعة والعقوق:
ينبغي أن ينتبه لهذا، فهناك فرق بين عدم الطاعة وبين العقوق، بعض الناس يخلط فيجعل مع عدم الطاعة العقوق؛ وهناك فرق بينهما، ولهذا لاحظ: ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ [لقمان: 15]، لم يقل: فعُقَّهما، وإنما قال: ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، إذًا هناك فرق شاسع بين عدم الطاعة وبين العقوق.

11- أهمية اختيار الجليس:
ليس للمؤمنِ أن يجلس مع مَن شاء، وكم حصل من ضرر للإنسان بسبب المجالس، وذلك مستفادٌ من قوله: ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ [لقمان: 15]، وقد ورد عن لقمان أيضًا: "يا بني، اختَرِ المجالس على عينِك، فإذا رأيتَ قومًا يذكرون الله فاجلِس معهم؛ فإنك إن تكُ عالمًا ينفعْ علمك، وإن تك جاهلًا يُعلِّموك، ولعل الله عز وجل يطَّلع عليهم برحمةٍ فتُصيبَك معهم، وإذا رأيت قومًا لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تكُ عالمًا لا ينفعك علمك، وإن تك جاهلًا يزيدوك عيًّا، ولعل الله عز وجل أن يطلع عليهم بعذابٍ فيصيبك معهم"[14].

12- إحاطة علم الله جل وعلا، وأنه لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء:
﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ﴾ [لقمان: 16]، رأى لقمانُ أن السبيل الأوحد ليحافظَ ابنُه على تلك المواعظ ويعملَ بها، هو أن يغرس في نفسه مراقبة الله تعالى؛ لتبقى هذه الرقابة الحية في ذاتِه حارسًا لإيمانه، ورقيبًا على أعماله، تُوقظه عند الغفلة، وتَحميه من الزلة.

والإيمان بأسماء الله وصفاته له أثرٌ في صلاحِ العبد وزكاء أعماله، فما أروع هذا الأسلوبَ التعليمي التربوي في مخاطبة الوجدان؛ حيث استطاع لقمانُ الحكيم غرسَ المعاني عن طريق عرض المادي المحسوس؛ لينميَ عند ابنه حِسَّ الرقابة الذاتية، وتظهر هنا: أهمية تربية الأبناء على مراقبة الله تعالى.

13- أن الوزن يوم القيامة بمثاقيل الذر:
﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، وهذا مأخوذ من السياق في قوله تعالى: ﴿ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾ [لقمان: 16].

14- استخدام كل الوسائل التوضيحية المتاحة التي تتقرب بها المعاني، وتتضح بها التوجيهات:
وخاصة للناشئة الذين ما زالوا يحتاجون إلى الصور المشاهدة المحسوسة والمألوفة لتلقِّي المعرفة وإدراك المعاني أكثرَ من حاجتهم إلى المعرفة النظرية، ولقد استخدم لقمان عدة وسائل في تعليم هذه الوصايا؛ من ضرب الأمثال، واستخدام الكنايات والتشبيهات، فكان مما قال:
• ﴿ يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾ [لقمان: 16].

• ومنها: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]، قال ابن جرير: "وأصل الصَّعَر داءٌ يأخذ الإبل في أعناقها أو رؤوسها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها، فشبه به الرجل المتكبر"[15].

• ومنها: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]،
وهذه الوسائل التي استخدمها لقمان في وعظه لابنه: (حبة خردل، صخرة، تُصعِّر، صوت الحمير) - كلُّها وسائل محسوسة ومشاهدة ومألوفة في ذلك الزمان، ولا شك أن المدنية الحديثة، والثورة التكنولوجية، والحضارة المعاصرة، جاءتنا بالكثير من الوسائل التي يُمكن استخدامها في تقريب المفاهيم وتوضيح المعاني إلى عقول الناشئة[16].

15- مكانة الصلاة وأهمية إقامتها والمحافظة عليها:
﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [لقمان: 17].
انتقال لقمان بابنِه من أسلوب التحذير إلى أسلوب الربط، وفي ربط الأبناء بأداء الصلاة مع الحضور والخشوع فيها إشباعٌ لحظ الروح من الخَوَاء الروحي الذي أصاب جيل اليوم.

ومن هذه الآثار التربوية ما يلي[17]:
• إقامة الصلاة دليلٌ على صدق الإيمان، وعلى تقوى الله، وعلى ما يتمتَّع به صاحبها من برِّه بعهده وقيامه على الحق وإخلاصه لله، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].

• الصلاة منهجٌ متناسقٌ لتربية الفردِ والمجتمع، يصل بهما إلى قمة السمو الأخلاقي، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

• الصلاة تمدُّ المؤمن بقوةٍ روحية تُعينه على مواجهة المشقَّات والمكاره في الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].

• الصلاة غذاءٌ روحي للمؤمن يُعينه على مقاومة الجزع والهلع عند مسه الضر، والمنع عند الخير، والتغلب على جوانب الضعف الإنساني، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 19 - 23].

• الصلاة سببٌ لمحوِ الخطايا، وغفران الذنوب، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أرأيتُم لو أن نهرًا بباب أحدِكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا، ما تقولُ ذلك يُبقي من درنِه؟))، قالوا: لا يُبقي من درنِه شيئًا، قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله به الخطايا))[18].

• إن في الصلاة غذاءً للرُّوح لا يُغني عنه علم ولا أدب، فالصلوات الخمس هي وجبات الغذاء اليومي للروح - كما أن للمَعِدة وجباتِها اليوميةَ - تشف رُوحه، وتصفو نفسه، فتسمع كلام الله الذي يقول: ((قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفينِ، ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، قال: مجَّدني عبدي، وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))[19].

16- الوصية بالصبر لا سيما للدعاة إلى الله، ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]:
الصبر من لزوميات الحياة، يستمد منه المسلم قوَّته ومقوِّمات ثباته ليستمر في تحقيق أهدافه، ولَمَّا كانتِ الصلاةُ، والأمرُ بالمعروف، والنهيُ عن المنكر، والصبرُ على المصائب - تكاليفَ شاقَّةً لا يقدر عليها إلا أصحابُ العزائم والإرادة القوية؛ جاء ختم هذه الوصايا بأنها: ﴿ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]؛ أي من الأمور الواجبة التي لا رخصةَ للمسلم في تركها، ويجب بذل الجهد، ومجاهدة النفس، وتحمُّل المشاق للقيام بشأنها.

• وهنا فائدة: لماذا جاء طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منه لابنِه متوسطًا بين الصلاة والصبر؟
لأن الصلاة هي الباعثُ المحرِّض للمؤمن على القيام بواجب النصح للغير، أما الصبر، فهو لازم للاستمرار والثبات على هذا الواجب[20].

17- وصايا تسعى إلى بِناء الشخصية المتوازنة بين الإفراط والتفريط:
إن الفضيلة وسط بين رذيلتين:
فالشجاعة وسطٌ بين الجبن وبين التهور.
والقصد في الإنفاق وسط بين التقتير والإسراف.
والعدل وسط بين البغي والظلم، وبين هضم الحق والتفريط فيه.
والعفَّة وسطٌ بين انتهاك حرُمات الغير وبين حرمان النفس من متعتِها المشروعة.
والحكمة وسطٌ بين الإسراف في استعمال العقل وتعدِّي أموره وبين البلادة والغفلة[21].
وفي الآية دعوة التوسط والاعتدال: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ [لقمان: 19].

وفي الآية: رسَّخ لقمان في ابنِه حسنَ التعامل مع الناس، فحثَّه على التواضع ولين الجانب، والبعدِ عن العُجب والتعالي، وأمره بالتزامِ مكارم الأخلاق، والتحلِّي بالشخصية الرصينة الوقورة، قال سبحانه حكايةً عنه: ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ [لقمان: 18]؛ أي: لا تتكبر فتَحقِر الناس، وتُعرض عنهم بوجهك إذا كلَّموك[22]، بل ألِنْ لهم جانبَك، وابسطْ إليهم وجهَك، فلما نهى ابنه عن الخُلق الذميم، دلَّه على الخُلق الكريم الذي ينبغي أن يستعمله[23]،فقال: ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ [لقمان: 19]، وهو بذلك يُربِّي ولدَه على الرحمة بالناس والإحسان إليهم، وينهاه عن الأذى، فيقول: كفى بك عقلًا أن يَسلَم الناس من شرِّك[24].

18 - التربية بالقدوة الحسنة قبل الموعظة الحسنة:
وبالحال قبل المقال، وبالسلوك الحسن قبل الكلام الحسن، وبإصلاح النفس قبل إصلاح الأبناء، كما قال أحد الحكماء لمربي أبنائه: "وليكن أوَّل ما تبدأ به من إصلاح بَنِيَّ إصلاح نفسك؛ فإن أعينَهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح عندهم ما استقبحت"[25].

19- عزائم الأمور لا ينهض لفعلها إلا النفوسُ الكبار:
قال السعدي رحمه الله: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]؛ أي: لمِن الأمور التي حث الله عليها وأكَّدها، وأخبر أنه لا يلقَّاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يُوفَّق لها إلا أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر[26].

20- الأبعاد التربوية في مواعظ لقمان لابنه[27]:
نلمح من مواعظ لقمان لابنه عدة أبعاد تربوية، نجملها فيما يأتي:
• استخدام أسلوب الوعظ القائم على التخويف من عواقب الأمور، مما يثير دافعية الابن نحو ترك المنهيِّ وفعل المأمور.

• استخدامه أسلوب التودُّد والتحبب في توجيه المواعظ لابنه؛ حيث ابتدأ خطابه له بقوله: ﴿ يَابُنَيَّ ﴾ [لقمان: 13]؛ لاستمالته وإشعاره بالاهتمام به، والشفقة عليه.

• استخدامه أسلوب (التحذير والربط)؛ فقد حذَّره من الشرك والتكبر، وربطه بالصلاة والصحبة الطيِّبة.

• استخدامه أسلوب (التعليل وبيان الحكمة للأوامر والنواهي)؛ ليكون أدعى للاستجابة عند ابنه، وشحذًا للتفكير المنطقي عنده.

• إثارة الجانب العاطفي ومخاطبة الوجدان؛ ليحملَه على تقدير أمِّه والإحسان إليها؛ حيث ذكَّره الأسلوب القرآني بما تقاسيه الأم طيلة مدة الحمل إلى الولادة.

• الاهتمام بتربية الوازع الديني - الشعور برقابة الله تعالى - ليبقى رقيبًا على أعماله ويُقوِّم اعوجاجها، وهو ما ينمي عند الأبناء حسَّ الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس.

• تقريب المعاني عن طريق التمثيل بالمحسوس، وذلك من خلال الصورة المحسوسة التي عرضها لقمان لابنه، والتي تدل على سَعَة علم الله وقدرته، بغرض حمل ابنه على مراقبة الله تعالى.

• تربية الإرادة وتوطين النفس على تحمُّل المكاره؛ حيث أوصاه بالصبر.
• تكوين اتجاهات إيجابية عند ابنه من خلال دعوته للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه أبناء مجتمعه.

• السمات البارزة في هذه الوصايا:
1- توجيهات تراعي الأولويات، وَفْق ميزان الشرع، فتُقدِّم ما هو أولى بالتقديم، وتُؤخر ما حقه التأخير:
فحق الله في التوحيد الخالص وإفراده بالعبادة أولى بالتقديم من حق الوالدين في الطاعة: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾ [لقمان: 13]، ثم ثنَّى بحق الوالدين، فقال: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ [لقمان: 14]، ثم أكَّد هذا المعنى، فقال: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]، واللهُ الذي أنعم أولًا بتهيئة أسباب الرعاية، والوالدان هما سبب الرعاية، فكان السياق: ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، وإصلاح النفس مُقدَّم على إصلاح المجتمع؛ ولذلك أوصى ولدَه بإقامة الصلاة، التي هي وسيلة لإصلاح النفس، قبلَ أن يوصيه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو وسيلة إصلاح المجتمع: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾.

2- لا تحذِّر مِن المساوئ إلا بقدر ما تعرِّف بالمحاسن، ولا تنهَ عن المنكر إلا بقدر ما تأمر بالمعروف، ولا ترهب من الرذيلة إلا بقدر ما ترغب في الفضيلة:
التربية السلبية هي التي تحذِّر من الشر ثم تترك الدلالة على الخير، ومعنى التربيةِ: التنميةُ، ومَن يكتفي بالتحذير مِن المساوئ، والنهي عن المنكر، والترهيب من الرذيلة، والتخويف من الشر، ثم لا نرى منه تعريفًا بالمحاسن، ولا أمرًا بالمعروف، ولا ترغيبًا في الفضيلة، ولا دلالةً على الخير - هو في الحقيقة يقتصر على الهدم دون البناء، والتربيةُ الناجحة تقوم على الهدم والبناء، على التخلية والتحلية، على التطهير والتنمية.

ماذا يمكن أن تُقدم هذه الوصية للفرد والمجتمع المسلم في زمان العَوْلَمة[28]؟
ارتكزت الوصية على أربعة محاور:
1- سلامة العقيدة والتصور:وبذلك تحمي المجتمعَ من الاختراق ومحاولة إفراغ هُوِيَّته من قِبل الغرب المتربص.
2- التطبيق العملي:وهو ربط الفكر بالسلوك، فالعَوْلَمة تحاول إيجاد أفراد ذوي شخصيات مبتورة عن واقعها وتاريخها، وإغراق البشر بالماديات.
3- الإيجابية:التفاعل مع المحيط الخارجي للإنسان، فبعدَ أن يستكمل لنفسه مُقوِّمات الحياة السليمة، يلتفت لغيره موجِّهًا ومرشدًا.
4- تهذيب النفس والارتقاء بها وضبطها: من آثار العَوْلَمة تفكُّك الأُسر والمجتمعات، ومعلوم أن من أهم أسباب تحقيق أهداف التربية تهيئةَ البيئة المناسبة للتربية، وإشباع الحاجات العاطفية للمتلقي باستخدام أعذب الألفاظ، كما في ﴿ يَا بُنَيَّ ﴾.

• علاقة وصية لقمان بسورة العصر:
هذه السورة الصغيرة (سورة العصر) ذات الآيات الثلاث تُمثِّل منهجًا كاملًا للحياة البشرية كما يريدها الإسلام، إنها تضع الدستور الإسلامي كلَّه في كلماتٍ قصار، وتصف الأمة المسلمة - حقيقتها ووظيفتها - في آية واحدة: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3][29]، فسورة العصر تُمثِّل نموذجًا للإعجاز التشريعي للقرآن؛ لأنها تحمل المنهج الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن تستقيم عليه حياة البشر، فكذلك وصايا لقمان تمثل نموذجًا آخر للإعجاز التشريعي؛ لكونها ترسم الإطار العامَّ للمنهج الذي ارتضاه الله للبشرية؛ لأن تلك الرسالة التي حملتها سورة العصر هي تلك التي تضمَّنتها وصايا لقمان، فسورة العصر تشكل الخطوط العريضة لوصايا لقمان[30]، وسورة لقمان تمثل التفصيل بعد الإجمال.

وقد أقسم الله عز وجل في هذه السورة بالعصرِ الذي هو الدهر، وهو محل الحوادث من خير وشر، فأقسم الله عز وجل به على أن كل الإنسان في خُسْرٍ، إلا مَن اتصف بهذه الصفات الأربع: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر[31].

وبعد هذه الرحلة الماتعة، نوصي أنفسنا والمربِّين من الآباء والأمهات والمعلمين:
• حاوروا أبناءكم بالرفق واللِّين قبل الشدة والعنف.
• كن معلمًا بالقدوة والعمل قبل القول.
• استخدموا وسائل التربية القرآنية والنبوية.
• علِّموهم بالقصة والحوار، والوعظ، والترغيب والترهيب، وضرب الأمثال.
• ليكُنْ هدفكم: إصلاح أنفسهم، وإصلاح أولادهم، وتعبيدهم لله، وتهذيب أخلاقهم، وتعليمهم ما يُنجِّيهم في الدنيا والآخرة.
• جنِّبوهم كل ما يُفسدهم، جنِّبوهم الترف والميوعة.
• لا تهملوا أوقات فراغهم؛ فالوقت هو الحياة.
• جنبوهم الخلافات العائلية، والمفسدات والخصومات.
• لا تُسرفوا في إنفاق الأموال عليهم، ولا تَمنعوهم ما يحتاجون إليه فتفسدوهم.
• علِّموهم آداب المجالس، وآداب الطريق، والحرص على عدم إيذاء المسلمين.

[1] إرشاد الساري في شرح أحاديث البُخاري؛ أحمد الخطيب (7/ 288).
[2] الكشاف؛ الزمخشري: 3/ 211، والجامع لأحكام القُرآن؛ القُرطُبي (14/ 59).
[3] البداية والنهاية؛ ابن كثير (2/ 124).
[4] الكشاف؛ الزمخشري: (3/ 211)، والقُرطُبي: الجامع لأحكام القُرآن (14/ 60).
[5] تفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير ( 16/ 335)، تحقيق: سامي بن محمد السلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999م.
[6] تفسير القرآن العظيم؛ ابن كثير ( 3/ 443).
[7] معالم التنزيل في تفسير القرآن؛ البغوي، تحقيق: عبدالرزاق المهدي، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط 1، 1420 هـ (3/ 490).
[8] فوائد مستنبطة من قصة لقمان الحكيم؛ عبدالرزاق البدر، الدار الأثرية، القاهرة، ط 1، ص 8.
[9] رواه مسلم في صحيحه، كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم، برقم (2577).
[10] فوائد مستنبطة من قصة لقمان الحكيم؛ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر ط/ الدار الأثرية، القاهرة، ط 1، ص 15.
[11] أخرجه مسلم في كتاب الآداب، باب/ النهي عن التكني بأبي القاسم (ح3982)، وأخرجه أيضًا أبو داود (ح4949)، والترمذي (2/ 136)، وابن ماجه (ح3828)، وأحمد (2/ 24)، والحاكم (4/ 274).
[12] تفسير الشعراوي؛ محمد متولي الشعراوي (14/ 8466) دار أخبار اليوم.
[13] دراسة منهجية في وصايا لقمان الحكيم؛ نادر محمد العريقي، موقع مقالات شبكة المعلومات.
[14] جامع بيان العلم وفضله؛ ابن عبدالبر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري (1/ 439)، دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1994 م.
[15] جامع البيان في تأويل القرآن؛ محمد بن جرير الطبري (10/ 214) تحقيق: أحمد محمد شاكر، ط: مؤسسة الرسالة، ط1، 1420 هـ - 2000 م.
[16] (دراسة منهجية في وصايا لقمان الحكيم)؛ نادر محمد العريقي، موقع مقالات على شبكة المعلومات.
[17] معالم أصول التربية الإسلامية من خلال وصايا لقمان لابنه؛ عبدالرحمن بن محمد الأنصاري، قسم التربية بكلية الدعوة وأصول الدين، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، السنة الثامنة والعشرون، 1417هـ - 1418هـ.
[18] رواه البخاري في صحيحه، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 2/ 11، كتاب مواقيت الصلاة (9)، باب الصلوات الخمس كفارة (6)، رقم (528).
[19] رواه مسلم: صحيح مسلم بشرح النووي ( 4/ 345) - كتاب الصلاة (4) باب وجوب قراءة الفاتحة، الحديث 38/ 395.
[20] الملامح التربوية في مواعظ لقمان؛ زهير عبدالرحمن الأتاسي، موقع المختار الإسلامي (بتصرف يسير).
[21] السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة؛ محمد أبو شهبة، (2/ 602)، دار القلم، دمشق، ط 8 - 1427 هـ.
[22] معالم التنزيل في تفسير القرآن؛ البغوي، حققه وخرج أحاديثه محمد عبدالله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الرابعة، 1417 هـ - 1997م، 6/ 289.
[23] الجامع لأحكام القرآن؛ القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ - 1964م، (14/ 71).
[24] حلية الأولياء؛ أبو نعيم الأصبهاني، (6/ 6)، ط السعادة، القاهرة، 1394هـ - 1974م.
[25] البيان والتبيين؛ عمرو بن بحر الجاحظ، (1/ 249) ط دار ومكتبة الهلال، بيروت، عام النشر: 1423 هـ.
[26] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالله السعدي، ص684، تحقيق: عبدالرحمن بن معلا اللويحق، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى 1420هـ - 2000 م.
[27] الملامح التربوية في مواعظ لقمان؛ زهير عبدالرحمن الأتاسي، موقع المختار الإسلامي.
[28] المضامين التربوية لوصايا لقمان؛ د/ نوف بنت ناصر التميمي، ص 92، دار طيبة، الطبعة الأولى (1429هـ، 2008م).
[29] في ظلال القرآن؛ سيد قطب، (6/ 3964)، ط/ دار الشروق - القاهرة، ط/ 17- 1412 هـ.
[30] المضامين التربوية لوصايا لقمان؛ د/ نوف بنت ناصر التميمي، ص 93، دار طيبة، ط/ الأولى (1429هـ، 2008م).
[31] مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، جمع وترتيب: فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان، الناشر: دار الوطن - دار الثريا، الطبعة: الأخيرة - 1413 هـ.
عادل محمد إبراهيم أبو الهيثم