المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صور عطرة من حياة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين


المراقب العام
28-11-2019, 05:06 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



صور عطرة من حياة الصحابة
إيثارهم، معيشتهم، همومهم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعدُ:
فالصحابة رضي الله عنهم جيل فريد متميِّز في كلِّ شيءٍ؛ في عقيدتهم، وعبادتهم، وأخلاقهم، وتعامُلهم، ينبغي للمسلمين أن يترسموا خطى ذلك الجيل الفريد، إن راموا أن يعود لهم عِزُّهم، ومكانتهم بين الأُمَم، فالفرق كبير والبون واسع بين واقع المسلمين وحال الصحابة رضي الله عنهم.

فحياتهم رجالًا ونساءً حبٌّ للخير، ومبادرة إلى طاعة الله، وسرعة لامتثال أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام، وطُهْر وعفاف، وتضحية وإيثار، وصدق وصراحة، وحياء، وخوف من الله، وزهد، وورع، ومحبة، وتناصُح، ورحمة، وتواضُع، وجهاد للنفس وللأعداء.

وهذه صور لحياتهم في بعض تلك الجوانب، أسأل الله الكريم أن يُبارك فيها، وأن ينفع بها، كما أسأله أن يوفِّقنا للاقتداء بأولئك الأخيار الذين بذلوا الغالي والنفيس لنُصْرة هذا الدين، وأن يتجاوز عنا ويرحمنا.

عباداتهم ومسابقتهم إلى الخير
الصحابة رضي الله عنهم، لم يكونوا يجتهدون في فعل الطاعات، وأداء العبادات فقط؛ بل كانوا يتسابقون إلى فعلها، ويتنافسون في ذلك؛ ابتغاء ما عند الله من أجر وثواب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، "قالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم، قال: ((كيف ذاك؟))، قالوا: صلوا كما صلينا، وجاهدوا كما جاهدنا، وأنفقوا من فضول أموالهم، وليست لنا أموال، قال: ((أفلا أخبركم بأمر تُدركون من كان قبلكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله؟ تُسبِّحون في دبر كل صلاة عشرًا، وتحمدون عشرًا، وتكبرون عشرًا))"؛ [متفق عليه].

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه دليلٌ على فوائد، منها: حرص الصحابة رضي الله عنهم على المسابقة إلى الخير.

وعن حذيفة رضي الله عنه، قال: "جاء أهل نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، ابعث إلينا رجلًا أمينًا، فقال: ((لأبعَثَنَّ إليكم رجلًا أمينًا، حقَّ أمين، حقَّ أمين))، قال: فاستشرف لها الناس، قال: فبعث أبا عبيدة بن الجراح"؛ [متفق عليه].

قال العلامة العثيمين رحمه الله: وفي الحديث دليلٌ على فوائد، منها: تسابُق الصحابة إلى الخير، والاطلاع إليه؛ لقوله: "فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"،وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فصلَّى وخطب، ثم أتى النساء فوعظهن، وأمرهن بالصدقة، فرأيتهن يهوين إلى آذانهن وحلوقهن يدفعن إلى بلال"؛ [متفق عليه].

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: في هذا الحديث دليل على فوائد، منها: أن نساء الصحابة كرجال الصحابة أشدُّ الناس مبادرةً في فعل الخير.

مسابقة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى فعل الخير واجتهاده في العبادة:
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: سمِعت عمر بن الخطاب يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدَّق فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئتُ بنصف مالي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقَيْتَ لأهلِكَ؟))، فقلتُ: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقَيْتَ لأهلِكَ؟))، قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه، قُلتُ: لا أُسابِقُكَ إلى شيءٍ أبدًا"؛ [أخرجه أبو داود].

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: مرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وأبو بكر، على عبدالله بن مسعود وهو يقرأ، فقام فتسمَّع قراءته، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ((مَنْ سرَّهُ أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزِل فليقرأه من ابن عبد)) فأدلجت إلى ابن مسعود، لأبشِّره بما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمِع صوتي، قال: ما جاء بك الساعة؟ قلتُ: جئتُ لأبشِّرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قد سبقك أبو بكر، قلتُ: إن يفعل فإنه سبَّاقٌ بالخيرات، ما استبقنا خيرًا قَطُّ إلا سبقنا إليه أبو بكر"؛ [أخرجه أحمد].

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم صائمًا؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن اتَّبَع منكم اليوم جنازة؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟))، قال أبو بكر: أنا، قال: ((فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟))، قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمعن في امرئٍ إلَّا دخل الجنة))؛ [أخرجه مسلم].

اجتهاد عبدالله بن الزبير رضي الله عنه في الصيام والقيام وصلة الرحم:
عن أبي نوفل بن أبي عقرب "أن الحجاج الثقفي صلب عبدالله بن الزبير، فمرَّ عليه عبدالله بن عمر، فقال: لقد كنت صوَّامًا قوَّامًا تصِلُ الرَّحِم"؛ [أخرجه الطبراني في الكبير].

اجتهاد عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه في الصيام وقيام الليل:
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "أُخبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله، لأصومَنَّ النهار، ولأقومَنَّ الليل ما عِشْتُ، فقال: ((اقرأ القرآن في كل شهر))، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل عشرة أيام))، قلت: إني أجدني أقوى من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل ثلاث))، ثم قال: ((فإنك لا تستطيع ذلك، فصُمْ وأفْطِر، وقُمْ ونَمْ، وصُمْ من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر))، قُلتُ: فإني أُطيق أفضل من ذلك، قال: ((فصم يومًا وأفطر يومين))، قلتُ: إني أُطيق أفضل من ذلك، قال: ((فصُمْ يومًا وأفطِر يومًا؛ فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أفضل الصيام))، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أفضل من ذلك))؛ [متفق عليه].

صلاة بلال رضي الله عنه ما تيسَّر له بعد كل طهور:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لبلال: ((يا بلالُ، خبِّرني بأرجى عملٍ عملته منفعةً في الإسلام؛ فإني قد سمِعْتُ الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنَّة))، قال: ما عملتُ يا رسول الله في الإسلام عملًا أرجى عندي منفعة من أني لم أتطهَّر طُهورًا تامًّا في ساعةٍ من ليل أو نهار إلَّا صليتُ بذاك الطهور لربِّي ما كُتب لي أن أصلي"؛ [متفق عليه].

حرص ابن عمر رضي الله عنه على قيام الليل وعدم نومه إلا القليل من الليل:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، قال: "رأيت في النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم تُرَع، فقصصتها على حفصة فقصَّتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((نِعْمَ الرجل عبدالله لو كان يُصلي من الليل)) فكان بعدُ لا ينام من الليل إلا قليلًا"؛ [متفق عليه].

اجتهاد جويرية بنت الحارث رضي الله عنها في ذكر الله من الصباح إلى الضحى:
عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها قالت: "أن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: ((ما زلت على الحال التي فارقتُكِ عليها؟))، قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته))" [أخرجه مسلم].

إيثارهم:
الأثرة مذمومة؛ لأنها من خصال البخل والشُّحِّ، ومن ابتُلي بالشُّحِّ فإنه يهلك، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فإنَّ الشُّحَّ أهلك مَنْ كان قبلكم))؛ [أخرجه أبو داود].

ومن وقي شُح نفسه فهو مفلح؛ قال الله جل وعلا: ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9].

والإيثار محمود؛ بل إنه من أكمل أنواع الجود والكرم؛ لأنه ليس من السهل على النفس أن تبذل شيئًا لغيرها، فكيف إذا كان هذا الشيء تحتاجه النفس وترغب فيه؟! لا شك أن ذلك يحتاج إلى إيمان قوي يجعل صاحبه يؤثر غيره على نفسه، وقد تحلَّى بهذا الخُلُق الكريم: الصحابة رضي الله عنهم؛ قال الله عز وجل عن الأنصار رضي الله عنهم: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9]، قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: وقوله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾؛ أي: ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميَّزوا بها عمَّن سواهم: الإيثار، وهو أكمل أنواع الجُود، وهو الإيثار بمحابِّ النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها؛ بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خُلُقٍ زكي، ومحبَّة لله تعالى، مقدمة على شهوات النفس ولذَّاتها.

صاحب الإيثار لا يعرف الحسد والغل والحقد؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار إلى أن يقطع لهم البحرين، فقالوا: لا، إلا أن تقطع لإخواننا من المهاجرين مثلها"؛ [أخرجه البخاري]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإقطاع: أن يجعل لهم أراضيَ وما أشبه ذلك، فقال الأنصار: لا يمكن إلا أن تعطي المهاجرين مثلها، وهذا من باب الإيثار.

إيثار سعد بن الربيع لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهما:
عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، رضي الله عنه، قال: لما قدموا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عبدالرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال لعبدالرحمن: إني أكثرُ الأنصار مالًا، فأقسم مالي نصفين، ولي امرأتان، فانظُرْ أعجبَهما إليك، فسمِّها لي أُطلِّقها، فإذا انقضَتْ عِدَّتُها فتزوَّجْها، قال: بارك الله في أهلك ومالك... [الحديث أخرجه البخاري] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث منقبة لسعد بن الربيع في إيثاره على نفسه بما ذكر...وفيه استحباب المؤاخاة وحُسْن الإيثار من الغني للفقير.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: انظُر الإيثار هنا، فقد شاطره ماله وأهله، فالمال يقسمه نصفين، والزوجتان يأخذ منهما التي تُعجِبُه، وهكذا الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب فكلُّ شيء يرخص عند الإنسان، ولا تغلو الدنيا إلا لضعف الإيمان، أما قوي الإيمان فإن الدنيا لا تكون شيئًا عند الإنسان أبدًا.

إيثار رجل من الأنصار ضيفَه بطعامه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إنَّ رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقُلْنَ: ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يضُمُّ - أو يُضِيفُ - هذا؟))، فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيِّئي طعامَكِ، وأصبحي سِراجَك، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً، فهيَّأَتْ طعامَها، وأصبحَت سِراجَها، ونوَّمَتْ صبيانها، ثم قامت كأنها تُصلِح سِراجَها فأطفأتهُ، فجعلا يُريانه كأنهما يأكلان، فباتا طاوِيَيْنِ، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ضَحكَ اللهُ الليلة أو عجِبَ من فعالكما))، فأنزل الله: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9]"؛ [أخرجه البخاري ومسلم] قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: آثر ضيفه بطعامه وطعام أهله وأولاده، وباتوا جياعًا، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ظاهر الحال: أن الضيف كان جائعًا، وأن هذا الأنصاري وزوجته وأولاده ليس عندهم شيء كثير؛ لأن طعام الزوجة وزوجها وأولادها لم يكْفِ إلا الضيف، وهذا من الإيثار على النفس بلا شك، مما يدُلُّ على فضلهم رضي الله عنهم.

إيثار عائشة لعمر رضي الله عنهما، وإذنها أن يدفن مع صاحبيه في غرفتها:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "يا عبدالله بن عمر، اذهب إلى أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقل: يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سَلْها أن أُدْفَنَ مع صاحبيَّ، قالت: كنتُ أريدهُ لنفسي فلأوثِرَنَّه اليوم على نفسي"؛ [أخرجه البخاري] قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أم المؤمنين رضي الله عنها قد بيَّنَتْ أنها قد أعدَّته لنفسها، فقد كانت تُريد أن تدفن مع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومع أبيها رضي الله عنه؛ لأن الحجرة لها، ولكنها آثرَتْ أمير المؤمنين جزاها الله خيرًا.

إيثار جابر بن عبدالله رضي الله عنه لأخواته، وزواجه بالثيِّب من أجلهن:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: "هلك أبي، وترك سبع بنات أو تسع بنات، فتزوَّجت امرأة ثيِّبًا، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تزوجت يا جابر؟))، فقلت: نعم، فقال: ((بِكْرًا أم ثيِّبًا؟))، قلت: بل ثيِّبًا، قال: ((فهلا جارية تُلاعِبُها وتُلاعِبُك وتُضاحِكُها وتُضاحِكُك؟))، فقلت له: إن عبدالله هلك، وترك بنات، وإني كرهت أن أجيئهن بمثلهن، فتزوَّجت امرأةً تقوم عليهن، وتُصْلِحُهُنَّ، فقال: ((بارك الله))، أو ((خيرًا))؛ [متفق عليه].

ومن وقي شح نفسه، كان صاحب إيثار؛ فإنه يهون عليه فعل الطاعات واجتناب المحرَّمات، قال العلامة ناصر بن عبدالرحمن السعدي رحمه الله: إذا وقي العبد شُحَّ نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعًا مُنقادًا، منشِرحًا بها صدرُه، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبًا للنفس، تدعو إليه، وتتطلَّع إليه، وسمحت نفسه ببذْلِ الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته وبذلك يحصل الفوز والفلاح.

معيشتهم:
عدم وجود طعام لديهم في بيوتهم، وجوعهم الشديد:
عن البراء رضي الله عنه، قال: "إن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا فلما حضره الإفطار أتى امرأته فقال: هل عندك طعام؟ فقالت: لا"؛ [أخرجه البخاري].

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "خرجتُ في غداة شاتية جائعًا وقد أوبقني البرد...والله ما في بيتي شيء آكل منه"؛ [أخرجه أبو يعلى].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "آلله الذي لا إله إلا هو، إن كنتُ لأعتمدُ بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشُدُّ الحَجَر على بطني من الجوع، ولقد رأيتُني وإني لأخِرُّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة من الجوع مَغشيًّا عليَّ"؛ [أخرجه البخاري]. وعنه رضي الله عنه، قال: "إنهم أصابهم جوع وهم سبعة، فأعطاني النبي صلى الله عليه وسلم سبع تمرات، لكل إنسان تمرة"؛ [أخرجه البخاري].

وعن هلال بن حصين قال: "نزلت على أبي سعيد الخُدْري فضمَّني وإيَّاه المجلس، فحدَّث: أنه أصبح ذات يوم وقد عصب على بطنه حَجَرًا من الجوع"؛ [أخرجه أحمد].

طعامهم التمر والماء وورق الشجر:
وعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: "إن كنا لننظُر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهِلَّة في شهرين، ما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم بنار، قال ابن الزبير: يا خالة، فما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه"؛ [متفق عليه].

وعن جابر رضي الله عنه، قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَّرَ علينا أبا عبيدة نَتَلَقَّى عيرًا لقريش، وزوَّدَنا جِرابًا من تمْرٍ، لم يجد لنا غيرَه، فكان أبو عُبيدة يُعطينا تمرةً تمرةً... نمَصُّها كما يَمَصُّ الصبيُّ، ثم نشرب عليها من الماء فيكفينا يومنا إلى الليل، وكُنَّا نضرب بعِصِيِّنا الخَبَط، ثم نبُلُّه بالماء فنأكُله"؛ [أخرجه مسلم].

وعن البراء رضي الله عنه، قال: "كنَّا - معشَرَ الأنصار- أصحاب نخل، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقِنْو والقِنْوَينِ فيُعلِّقه في المسجد، وكان أهل الصُّفَّة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاء أتى القِنْو، فضربه بعصاه، فيسقط البُسْر والتمر فيأكل"؛ [أخرجه الترمذي].

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "لقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا من طعام نأكله إلا ورق الحُبْلَة وهذا السَّمُر"؛ [متفق عليه].

وعن عتبة بن غزوان رضي الله عنه قال: "لقد رأيتني سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لنا من طعام نأكله إلَّا َوَرَقُ الشَّجَر حتى قَرِحَتْ أشداقُنا، فالتقطْتُ بُرْدةً فشَقَقْتُها بيني وبين سعد بن مالك، فاتزرْتُ بنِصْفِها، واتزر سعد بنِصْفِها"؛ [أخرجه مسلم].

لا يوجد لديهم إلا ثوب واحد (إزار):
عن أبي هريرة رضي الله عنه، سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُصلي الرجل في الثوب الواحد؟ قال: ((ألِكُلِّكُم ثوبان؟))؛ [أخرجه أحمد].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: "كنا نصلي في الثوب الواحد حتى جاءنا الله بالثياب"؛ [أخرجه ابن خزيمة].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "كان أصحابُ الصُّفَّة سبعين رجلًا ما لهم أردية"؛ [أخرجه الحاكم].

لا يوجد لديهم أكفان تغطي أجسامهم كاملة:
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى على حمزة، فوقف عليه، فرآه قد مُثِّل به، فدعا بنَمِرة، فكَفَّنَه فيها، وكانت إذا مُدَّت على رأسه بدَتْ قدماه، وإذا مُدَّت على قدميه بدا رأسُه"؛ [أخرجه أحمد].

وعن خباب رضي الله عنه، قال: مصعب بن عمير قُتِل يوم أحد، ولم يكن له إلا نَمِرة، كُنَّا إذا غطَّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطَّينا رجليه خرج رأسُه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((غَطُّوا بها رأسَه، واجعلوا على رجليه من الإذْخَر))؛ [متفق عليه].

وعن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه، قال: "قُتل مصعب بن عمير، وكان خيرًا مني، فلم يوجد ما يُكفَّن فيه إلا بُرْدةٌ، وقتل حمزةُ أو رجل آخر خيرٌ مني، فلم يُوجَد له ما يُكفَّن فيه إلا بُرْدةٌ"؛ [أخرجه البخاري].

قلة الثياب عند النساء:
وعن أُمِّ عطية رضي الله عنها، قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يُخرجُ الأبكار والعَواتِقَ وذوات الخُدُور والحُيَّضَ في العيدين، فأمَّا الحُيَّضُ فيعتزِلْنَ المصلَّى ويَشْهَدْنَ دعوةَ المسلمين، قالت إحداهُنَّ: يا رسول الله، إن لم يكن لها جلباب؟ قال: ((فلتُعِرْها أُخْتُها من جلابيبها))"؛ [متفق عليه].

عدم وجود مال لديهم للزواج:
عن ربيعة الأسلمي رضي الله عنه، قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا كئيب، فقال: ((ما لك يا ربيعة؟))، قلت: يا رسول الله، أتيتُ قومًا كِرامًا، فزوَّجُوني، ولم يسألونني بيِّنة وليس عندي ما أصدق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجمعوا له وزن نواة من ذهب))؛ [أخرجه أحمد].

وفي قصة المرأة التي عرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم لكي يتزوَّج بها، فلم يجبْها عليه الصلاة والسلام، فقام رجل من الصحابة، فقال: إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها، فقال: ((هل عندك من شيءٍ؟))، فقال: لا؛ ولكن هذا إزاري، فلها نصفه، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((ما تصنع بإزارك؟! إن لبستَهُ لم يكن عليها منه شيء، وإن لبستْهُ لم يكن عليك شيء))؛ [أخرجه البخاري ومسلم]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: من فوائد الحديث: حال الصحابة رضي الله عنهم، وما هم عليه من الفقر وشظف العيش، ومع ذلك هم صابرون محتسبون، فإن هذا الرجل لا يملك إلا إزارًا فقط.

وعن أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليالٍ تباعًا حتى قُبض"؛ [متفق عليه]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هذا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لو شاء أن تسير الجبال معه ذَهَبًا لسارات، ومع ذلك تمرُّ عليه ثلاث ليالٍ تباعًا لا يشبع فيها من خبز الشعير أو من خبز البُرِّ، وإذا رأى الإنسان حالنا اليوم وجد أن الإنسان يُقدم له على الغداء عدة أصناف، وعلى العشاء كذلك، ولا كُنَّا نحدِّث أنفسنا بأن هذا من فضل الله علينا، وأنه لو شاء لسلبنا إيَّاه؛ كما قال الله عز وجل: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ [الواقعة: 63 - 65]، وقال في الماء: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ [الواقعة: 68 - 70]، وقال في النار: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾ [الواقعة: 71، 72].

ونحن في الحقيقة غافلون عن هذه الحقائق كأن هذا أمر معتاد يمرُّ بنا، أو كأنه مفروض علينا ومُحتَّم على الله عز وجل، ولو أننا نظرنا قليلًا في أمكنة قريبة منَّا وجدنا أنهم يموتون من الجوع، ويعجز الشابُّ أن يذهب من بلدته التي فيها الجوع إلى بلدة أخرى؛ بل يموت أثناء الطريق، ونحن الآن في هذه النِّعَم الوفيرة، وليتنا نشعُر بأنها نعم من الله عز وجل وفضل منه وإحسان، فنحمده إذا انتهينا من الأكل أو الشرب؛ بل كثير منَّا في غفلة عن هذا مع أن هذه البلاد يُحدِّثنا أهلها الذين هم أكبر منَّا أنه أتاها مجاعات عظيمة، وكانوا يموتون من الجوع في الأسواق، وكان ذوو الإحسان من الأغنياء من أهل البلد يخرجون بتمرات معجونة وماء، فإذا وجدوا أحدًا على آخر رمق صَبُّوا على فَمِه لعلَّه يبقى ولا يموت، وأحيانًا يموت، ويُصلَّى في المساجد على جنائز متعددة، كلُّ هذا من الجوع، فالذي أصابنا بالأمس يُمكن أن يأتينا اليوم إذا بطِرنا النعمة، ولم نشكرها.

وحدثني شخص أكبر منِّي قليلًا أنه كان إذا أتى أبوه بالنوى اجتمع عليه هو وإخوته، لعلهم يجدون نواة فيها سلب، يأخذونها ويمَصُّونها.

وكذلك حدثني شخص ثقة، قال: أقمنا ثلاثة أيام أنا ووالدتي لا نأكل، فلما كان ذات ليلة عجزنا أن ننام من الجوع، فقالت له: اذهب إلى مبيعة العلف واللحم، لعلك تجد فيها ولو علفًا أو عَظْمًا نطبخه، يقول: فذهبتُ، ووجدت أربع خفاف من خفاف الإبل، وكانوا في الأول يلحونها ويرمونها، وأخذت من العلف، وأتيت به بعد صلاة العشاء، يقول: فجعلنا نطبخ هذا الذي أتينا به من العلف، وشوبنا الخفاف ودققناها، وصرنا نذرُّها على العلف، فلما نضِج أكلناه.

فإذا كان الأمر كذلك فالواجب أن الإنسان يعتبر ويتَّعِظ، وأقول هذا تذكيرًا لنفسي ولغيري بهذا النعم الكثيرة العظيمة الوفيرة التي نرتع فيها، مع الأمن العظيم؛ لكن ألا يمكن أن يُبدَّل هذا الأمن خوفًا، وهذا الرغد جوعًا؟! ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل: 112]، واللباس لا يفارق الإنسان، بل هو شعار يُماسُّ البدن، ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [النحل: 33].

ولهذا أذكر نفسي وغيري بهذه النعم العظيمة، وأسأل الله أن يُعيننا جميعًا على ذكره وشكره وحُسْن عبادته، فإن الإنسان إذا وكل إلى نفسه وكل إلى ضعف وعجز وعورة؛ لكن عليه أن يستعين الله عز وجل على شكر هذا النعم، وأن يتذكَّر إذا وضعت هذه الموائد بين يديه، وفيها من كل صنف، أن يتذكَّر حال النبي عليه الصلاة والسلام، وما هو عليه من الجوع، وقلَّة ذات اليد، ومع هذا فهو صابر، صلوات الله وسلامه عليه، ما سأل الله يومًا من الدهر أن يُنوِّع له أصناف المآكل والمشارب؛ لكنه كان يدعو الله عز وجل أن يجعل رزقه كفافًا، لا يحتاج إلى أحد، حتى إنه عليه الصلاة والسلام جاءه ضيف ذات يوم، فأرسل إلى أهله، فمرَّ الرسول على الأبيات التسعة من أبيات الرسول عليه الصلاة والسلام، فما وجد عندهم إلا الماء، وهذا يُوجب للإنسان أن يزهد في الدنيا، وألا يجعلها إلا مطيَّةً للآخرة، بحيث لا تكون هي أكبر هَمِّه، ومبلغ عِلْمه، وهي التي لا يفكر إلا بها، فإن هذه والله دناءة ودنوٌّ وانحطاط؛ لأن الدنيا كما هي دنيا؛ لكن الآخرة هي الحيوان، وهي الحياة؛ كما قال الله تعالى: ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر: 24]، نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإيَّاكم ممَّن آتاه الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، ووقاه عذاب النار.

كراماتهم:
وجود أنس بن النضر وسعد بن الربيع رضي الله عنهما لريح الجنة:
عن أنس رضي الله عنه، قال: "غاب عمي أنس بن النضر رضي الله عنه عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غِبْتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئنِ اللهُ أشهدني قتالَ المشركين ليَرَيَنَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أُحُدٍ، وانكشف المسلمون، قال: اللهمَّ إني أعتذر إليك ممَّا صنَع هؤلاء -يعني أصحابَه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء-يعني المشركين- ثم تقدَّم فاستقبله سعدُ بن معاذ، فقال: يا سعدُ بن معاذ، الجنةَ وربِّ النضر، إني أجدُ رِيحَها من دون أُحُدٍ، قال سعد: فما استطعْتُ يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم"؛ [أخرجه البخاري].

وعن خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه رضي الله عنه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُد، لطلب سعد بن الربيع، وقال لي: إن رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله: ((كيف تجدك؟))، فجعلت أطوف بين القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق، وبه سبعون ضربة، ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم، فقلت له: يا سعدُ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ عليك السلام، ويقول لك: ((كيف تجدك؟))، قال: على رسول الله السلام، وعليك السلام، قل له: يا رسول الله، أجدني أجد ريح الجنة، وقل: لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله، أن يخلص إلى رسول الله وفيكم شفر يطرف، وفاضت نفسه رحمه الله"؛ [أخرجه الحاكم].

عدم تغيُّر جسد أبي طلحة رضي الله عنه بعد مضي سبعة أيام على موته:
عن أنس رضي الله عنه، "أن أبا طلحة رضي الله عنه قرأ القرآن: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ [التوبة: 41]، فقال: أرى أن تستنفروا شيوخًا وشبَّانًا، فقالوا: يا أبانا، لقد غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، فنحن نغزو عنك، فأبى، فركب البحر حتى مات، فلم يجدوا جزيرة يدفنوه إلا بعد سبعة أيام فما تغيَّر"؛ [أخرجه الحاكم].

عدم تغيُّر جسد والد جابر بن عبدالله رضي الله عنه بعد مضي ستة أشهر على موته:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه، قال: "لما حضر قتال أُحُد دعاني أبي من الليل، فقال: إني لا أُراني إلا مقتولًا في أول مَنْ يُقتَل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني والله ما أدعُ أحدًا يعني أعزُّ عليَّ منك بعد نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليَّ دينًا، فاقْضِ عنِّي ديني، واستوصِ بأخواتِكَ خيرًا، فأصبحنا، فكان أول قتيل فدفنته مع آخر في قبر، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر في قبر، فاستخرجتُه بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضَعْتُه غير أُذُنِه"؛ [أخرجه البخاري].

عدم إيذاء الأسد لسفينة رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها، فركبت لوحًا من ألواحها، فطرحني اللوح في أجمة فيها الأسد، فأقبل يريدني، فقلتُ: يا أبا الحارث، أنا مولى رسول الله، فطأطأ رأسَه وأقبل إليَّ، فدفعني بمنكبه حتى أخرجني من الأجمة، ووضعني على الطريق، وهَمْهَم، فظننت أنه يُودِّعُني، فكان آخر العهد به"؛ [أخرجه الطبراني في الكبير].

رزق الله عز وجل لخبيب بن عدي رضي الله عنه لثمرة العنب، وما بمكة من ثمر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً عينًا، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت حتى إذا كانوا ببعض الطريق ذكروا لحيِّ من هذيل، فتبعوهم بقريب من مئة رجل رامٍ، فاقتصوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما أحسَّهم عاصم بن ثابت وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وجاء القوم فأحاطوا بهم فقتلوا عاصمًا في سبعة نفر، وبقي خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة ورجل آخر، وانطلقوا بخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة، فاشترى خُبيبًا بنو الحارث بن عامر بن نوفل، وكان قد قتل الحارث بن نوفل يوم بدرٍ، فمكث عندهم أسيرًا، فقالت إحدى بنات الحارث: ما رأيت أسيرًا خيرًا من خبيب، قد رأيته يأكلُ من قطف عنب، وما بمكة يومئذٍ ثمرة، وإنه موثق في الحديد وما كان إلا رزقًا رزقه الله إيَّاه"؛ [أخرجه أحمد].

استجابة الله لدعاء سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه على من تكلم فيه بغير حق:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل رجالًا يسألون عنه أهل الكوفة، فأثنوا عليه خيرًا حتى دخل مسجدًا، فقام رجل فقال: أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله، لأدعوَنَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعة، فأطل عمره، وأطل فَقْرَه، وعرِّضه بالفتن، فكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبدالملك (أحد رواة الحديث) فأنا رأيتُهُ بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرَّض للجواري في الطُّرُق يغمزهن"؛ [متفق عليه].

استجابة الله لدعاء سعيد بن زيد رضي الله عنه على المرأة التي اتهمته ظلمًا:
عن عروة بن الزبير رضي الله عنه، أن أروى بنت أويس ادَّعَت على سعيد بن زيد رضي الله عنه، أنه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم، فقال سعيد: أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمِعْتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما سمِعْتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه إلى سبع أرضين))، فقال له مروان: لا أسألك بيِّنة بعد هذا، فقال: اللهم إن كانت كاذبة فعمِّ بصرها، واقتلها في أرضها، قال: فما ماتت حتى ذهب بصَرُها، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذا وقعت في حفرة فماتت"؛ [متفق عليه] وفي رواية لمسلم عن محمد بن زيد بن عبدالله بن عمر أنه رآها عمياء تلتمس الجدُر تقول: أصابتني دعوة سعيد.

ما أفرحهم:
الإنسان إذا حصل له شيء يؤلمه فإنه يحزن، وإذا حصل له شيء يسرُّه فإنه يفرح، والفرح فرحان: الفرح الأول: فرح بطر يؤدي بالإنسان أن يكفر بالنعمة التي أنعم الله تعالى بها عليه؛ قال الله عز وجل: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [القصص: 76]، قال أهل العلم: المراد بالفرحين هنا: الذين أدَّى بهم الفرح إلى الأشر والبطر.

الفرح الثاني: فرح سرور وشكر لله تعالى على نعمه، فهذا محمود، وكان أكمل الناس الصحابة رضي الله عنهم يفرحون بما آتاهم الله من فضله، ومن الأشياء التي يفرح بها الإنسان نعم الله عليه، فعن عبدالله بن كعب، قال: سمِعْت كعب بن مالك حين تخلَّف عن تبوك: والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة بعد إذ هداني أعظم من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا حين أُنزل الوحي: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾ [التوبة: 95] إلى قوله: ﴿الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 96]؛[متفق عليه].

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه فوائد كثيرة، منها: أنه ينبغي للإنسان أن يفرح بنعم الله عليه، ولا سيَّما النعم الدينية، فإن كعبًا رضي الله عنه فرح بالإسلام، وفرح بكونه صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به.

والإنسان قد يعبر عن الفرح بالشيء، إما بالكلام الدال على فرحه، أو بالبكاء، فالإنسان قد يبكي من الفرح؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأُبي بن كعب: ((إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن))، قال: آلله سمَّاني لك؟ قال: ((نعم))، وقال: وقد ذكرت عند رب العالمين؟ قال: ((نعم))، فذرفت عيناه"؛ [أخرجه البخاري] فالصحابي الجليل أُبي رضي الله عنه لم يأتِه شيء يكرهه، بل جاءه أمر يسُرُّه فبكى فرحًا، ومن الأمور التي فرِحَ بها الصحابة رضي الله عنهم:

قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((المَرْءُ مع مَنْ أحَبَّ)).
عن أنس رضي الله عنه، "أن رجلًا قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وماذا أعدَدْتَ لها؟))، قال: حُبَّ الله ورسوله، قال: ((أنت مع مَنْ أحبَبْتَ))، قال أنس: فما فرحنا بشيءٍ بعد الإسلام فرحًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإنك مَعَ مَنْ أحبَبْتَ)) قال أنس: فأنا أحبُّ الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم"؛ [متفق عليه].

نزول آية من القرآن بالرخصة في الأكل والشرب والجِماع حتى طلوع الفجر:
عن البراء رضي الله عنه، قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان الرجل صائمًا فحضر الإفطار، فنام قبل أن يفطر، لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يُمسِي، وإن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائمًا، فلما حضره الإفطار، أتى امرأته، فقال: هل عندك طعام؟ فقالت: لا، ولكن أنطلق فأطلب لك، وكان يومه يعمل فغلبته عينه، وجاءته امرأته فلما رأته، قالت: خيبةً لك، فلما انتصف النهار غشي عليه، فذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: 187]، ففرحوا بها فرحًا شديدًا ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: 187]؛ [أخرجه البخاري].

فرح عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن وفَّقه الله للصواب في مسألة:
عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه أتاه قوم، فقالوا: "إن رجلًا منَّا تزوَّج امرأة، ولم يفرض لها صداقًا، ولم يجمعها إليه حتى مات، فقال: أرى أن أجعل لها صداق نسائها، لا وكس ولا شطط، ولها الميراث، وعليها العدة أربعة أشهر وعشرًا، قال: وذلك بمسمع أناس من أشجع، فقاموا فقالوا: نشهد أنك قضيت بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة مِنَّا، يقال لها بروع بنت واشق، قال: فما رُئي عبدالله فرِحَ فرحَهُ يومئذٍ إلَّا بإسلامه"؛ [أخرجه النسائي].

فرح عمر بن سلمة رضي الله عنه بشراء أهله له قميصًا عمانيًّا يستر عورته:
عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه، عن أبيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا حضرت الصلاة فليُؤذِّن أحدُكم، وليؤمُّكم أكثركم قُرْآنًا))، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني، فقدَّموني وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكان عليَّ بردة إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم؟ فاشتروا لي قميصًا فما فرحت بشيءٍ فرحي بذلك القميص"؛ [أخرجه البخاري].

الفرح بعدل المسلم، وبنزول المطر في بلد من بلدان المسلمين:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما، "أن رجلًا شتمه، فقال له: إنك لتشتمني، وإني فيَّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية من كتاب الله، فلوددت أن الناس يعلمون أكثر مما أعلم، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين في أي أرض يعدل في رعيَّته فأفرح به، ولعلي لا أتحاكم في قضية واحدة، وإني لأسمع أن الغيث أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به من سائمة"؛ [قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني رجاله رجال الصحيح].

همومهم:
اهتمام عبدالله بن زيد رضي الله عنه لهمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار، قال: "اهتمَّ النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضُهم بعضًا فلم يعجبه ذلك، فذكر له القنع فلم يعجبه، وقال: ((هو من أمر اليهود)) فذكر له الناقوس، فقال: ((هو من أمر النصارى)) فانصرف عبدالله بن زيد بن عبدربه وهو مُهتمٌّ لِهَمِّ رسول الله فأُرى الأذان في منامه" [أخرجه أبو داود].

هم زيد بن أرقم رضي الله عنه لعدم تصديق الرسول عليه الصلاة والسلام له:
عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: سمِعت عبدالله بن أُبي يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى يَنْفَضُّوا من حوله، ولئن رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرتُ ذلك لعمي أو لعمر، فذكره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فحدَّثته، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبدالله بن أُبي وأصحابه فحلفوا، فكذبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصدَّقهُ، فأصابني همٌّ لم يُصبني مثله قط، فأنزل الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ [المنافقون: 1] فبعث إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ، فقال: ((إن الله صدَّقك يا زيد))؛ [أخرجه البخاري]، وفي رواية: فنمت كئيبًا حزينًا.

همُّ عمر بن الخطاب أن يدفن مع الرسول عليه الصلاة والسلام وأبي بكر الصديق:
عن عمرو بن ميمون الأزدي قال: رأيتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: يا عبدالله بن عمر، اذهب إلى أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقل: يقرأ عمر بن الخطاب عليك السلام، ثم سلها أن أُدْفَن مع صاحبي، قالت: كنتُ أريدُه لنفسي فلأوثِرَنَّه اليوم على نفسي، فلما أقبل قال له: ما لديك؟ قال: أذنت لك يا أمير المؤمنين قال: ما كان شيء أهم إليَّ من ذلك المضجع"؛ [أخرجه البخاري].

همُّ طلحة بن عبيدالله؛ لأنه لم يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم:
"مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بطلحة فرآه مهتمًّا، قال: لعلك ساءك إمارة ابن عمك – يعني: أبا بكر - قال: لا، ولكني سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إني لأعلم كلمةً لا يقولها الرجل عند موته إلَّا كانت نورًا في صحيفته، أو وجد لها روحًا عند الموت))، قال عمر: أنا أُخبرك بها، هي الكلمة التي أراد بها عمه، شهادة أن لا إله إلا الله، قال: فكأنما كشف عني غطاء"؛ [أخرجه أحمد].

قضاء ديونهم:
لما طُعِن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعرف أنه ميت قال: "يا عبدالله بن عمر، انظر ماذا عليَّ من الدين. إن وفي له مال آل عمر فأدِّه من أموالهم، وإلَّا فسَلْ في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم، فسَلْ في قريش، ولا تعدُهُم إلى غيرهم"؛ [أخرجه البخاري].

وعن عبدالله بن جابر رضي الله عنه، قال: لما حضر أُحد دعاني أبي من الليل فقال: "ما أراني إلا مقتولًا في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعزَّ عليَّ منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن عليَّ دينًا، فاقْضِ واستوص بأخواتك خيرًا وفي رواية: إن أكبر همِّي لديني"؛ [أخرجه البخاري].

وعن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، قال: "دعاني الزبير...فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني، إن عجزت عن شيء منه، فاستعن عليه مولاي، قال: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلتُ: يا أبَتِ، من مولاك؟ قال: الله، قال: فوالله ما وقعت في كربةٍ من دينه إلا قلتُ: يا مولى الزبير اقْضِ عنه دَيْنَه فيقضيه"؛ [أخرجه البخاري].

فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ