المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام الفقيه محمَّد بن إدريس الشَّافعي


المراقب العام
12-12-2019, 05:59 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



الإمام الفقيه محمَّد بن إدريس الشَّافعي

الاسم والنسب:
هو: محمَّد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبديزيد بن هاشم بن المطلب بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في عبدمناف بن قصي؛ (الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبدالبر صـ 66).

كنيته:
أبو عبدالله.

ميلاد الإمام الشَّافعي:
وُلد الشَّافعي بغزة بفلسطين، سنة خمسين ومائةٍ من الهجرة، وهو العام الذي توفِّي فيه أبو حنيفة (رحمه الله)؛ (الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبدالبر صـ 67).

نشأة الإمام الشَّافعي:
مات أبوه إدريس شابًّا، فنشأ محمَّدٌ يتيمًا في حجر أمه، فخافت عليه الضَّيعة، فتحولت به إلى محتِدِه وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على الرمي، حتى فاق فيه الأقران، وصار يُصيب من عشَرة أسهمٍ تسعةً، ثم أقبل على العربية والشرع، فبرع في ذلك، وتقدم، ثم حُبِّب إليه الفقه، فساد أهل زمانه؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 6).

طلب الإمام الشَّافعي للعلم:
قال إسماعيل بن الحبال الحميري: كان محمَّد بن إدريس الشَّافعي رجلًا شريفًا، وكان يطلب اللغة والعربية والفصاحة والشعر في صغره، وكان كثيرًا ما يخرج إلى البدو ويحمل ما فيه من الأدب، فبينما هو ذات يومٍ في حي من أحياء العرب إذ جاء إليه رجلٌ بدوي، فقال له: ما تقول في امرأةٍ تحيض يومًا، وتطهر يومًا؟ فقال: "لا أدري"،فقال له: يا بن أخي، الفضيلةُ أولى بك من النافلة، فقال له: "إنما أريد هذا لذاك، وعليه قد عزمت، وبالله التوفيق، وبه أستعين"، ثم خرج إلى مالك بن أنسٍ، وكان مالكٌ صدوقًا في حديثه، صادقًا في مجلسه، وحيدًا في جلوسه، فدخل عليه، وارتفع على أصحابه، فنهره مالكٌ، فوجده موقرًا في الأدب، فرفعه على أصحابه، وقدمه عليهم، وقرَّبه من نفسه، فلم يزل مع مالكٍ إلى أن توفي مالكٌ رحمه الله، ثم خرج إلى اليمن؛ ليكمل مسيرة طلب العلم؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 81).

قال الشَّافعي: "كنت يتيمًا في حجر أمي، ولم يكن معها ما تعطي المعلم، وكان المعلم قد رضي مني أخلفه إذا قام، فلما ختمتُ القرآن دخلت المسجد، فكنت أجالس العلماء، فأحفظ الحديث، أو المسألة، وكان منزلنا بمكة في شعب الخيف، فكنت أنظر إلى العظم يلوح فأكتب فيه الحديث والمسألة، وكانت لنا جرةٌ قديمةٌ، فإذا امتلأ العظم طرحته في الجرة"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 73).

قال إسماعيل بن يحيى: سمعت الشَّافعي يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عَشْر سنين؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 2 صـ: 63).

سَعة علم الإمام الشَّافعي:
قال أبو ثورٍ: كتب عبدالرحمن بن مهدي إلى الشَّافعي وهو شاب أن يضع له كتابًا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحجة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ، فوضع له كتاب (الرسالة)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 44).

ذكاء الإمام الشَّافعي:
قال حرملة بن يحيى: سئل الشَّافعي عن رجلٍ في فمه تمرةٌ، فقال: إن أكلتها، فامرأتي طالقٌ، وإن طرحتها، فامرأتي طالقٌ،قال: يأكل نصفًا، ويطرح النصف؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 143).

قوة حفظ الإمام الشَّافعي:
قال يونس بن عبدالأعلى: كان الشَّافعي "يصنع كتابًا من غدوةٍ إلى الظهر من حفظه، من غير أن يكون في يده أصلٌ"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 129).

قراءة الشَّافعي الموطأ على الإمام مالك:
قال محمَّد بن عبدالله بن عبدالحكم: جاء الشَّافعي إلى مالك بن أنسٍ، فقال له: إني أريد أن أسمع منك الموطأ، فقال مالكٌ: تمضي إلى حبيبٍ كاتبي، فإنه الذي يتولى قراءته، فقال له الشَّافعي: تسمع مني رضي الله عنك صفحًا، فإن استحسنتَ قراءتي قرأته عليك، وإلا تركت، فقال له: اقرأ، فقرأ صفحًا ثم وقف، فقال له مالكٌ: هيه، فقرأ صفحًا ثم سكت، فقال له: هيه، فقرأ، فاستحسن مالكٌ قراءته، فقرأه عليه أجمعَ؛ (الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبدالبر صـ 67).

شيوخ الإمام الشَّافعي:
أخَذ الشَّافعي العلم بمكة عن مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة، وداود بن عبدالرحمن العطار، وعمه محمَّد بن علي بن شافع، وسفيان بن عيينة، وعبدالرحمن بن أبي بكر المليكي، وسعيد بن سالم، وفضيل بن عياض، وآخرين.

وفي المدينة، أخذ العلم عن مالك بن أنس، وإبراهيم بن أبي يحيى، وعبدالعزيز الدراوردي، وعطاف بن خالد، وإسماعيل بن جعفر، وإبراهيم بن سعد، وطبقتهم.

وأخذ العلم باليمن عن: مطرف بن مازن، وهشام بن يوسف القاضي، وطائفة.

وأخذ العلم ببغداد عن: محمَّد بن الحسن، فقيهِ العراق، ولازَمه، وعن إسماعيل ابنِ عُلَيَّةَ، وعبدالوهاب الثقفي، وآخرين؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 7: 6).

تلاميذ الإمام الشَّافعي:
الحميدي، وأبو عبيدٍ القاسمُ بن سلام، وأحمد بن حنبل، وسليمان بن داود الهاشمي، وأبو يعقوب يوسف البويطي، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي، وحرملة بن يحيى، وموسى بن أبي الجارود المكي، وعبدالعزيز المكي صاحب "الحيدة"، وحسين بن علي، وإسحاق بن راهويه، ويونس بن عبدالأعلى، والربيع بن سليمان المرادي، ومحمَّد بن عبدالله بن عبدالحكم، وبحر بن نصر الخولاني، وآخرين سواهم؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 8: 7).

عقيدة الإمام الشَّافعي:
(1) قال الشَّافعي: الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 32).

(2) قال الشَّافعي: القرآن كلام الله، مَن قال: مخلوقٌ، فقد كفر؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 18).

(3) قال البويطي: سألت الشَّافعي: أصلي خلف الرافضي؟ قال: لا تُصلِّ خلف الرافضي، ولا القدري، ولا المرجئ، قلت: صِفْهم لنا،قال: من قال: الإيمان قولٌ، فهو مرجئٌ، ومن قال: إن أبا بكرٍ وعمر ليسا بإمامين، فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه، فهو قدري؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 31).

(4) قال الحسن بن محمَّد الزعفراني: سمعت الشَّافعي يقول: حُكمي في أصحاب الكلام أن يُضرَبوا بالجريد، ويُحمَلوا على الإبل، ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، يقال: هذا جزاءُ مَن ترك الكتاب والسنَّة، وأخذ في الكلام؛ (الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبدالبر صـ 79).

(5) قال محمَّد بن عبدالله بن عبدالحكم: سمعت الشَّافعي يقول: "لو علِم الناس ما في الكلام والأهواء، لفرُّوا منه كما يفرُّون من الأسد"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 111).

(6) قال الربيع بن سليمان: قال الشَّافعي: يا ربيعُ، اقبل مني ثلاثةً: لا تخوضن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ خَصمَك النبيُّ صلى الله عليه وسلم غدًا،ولا تشتغل بالكلام؛ فإني قد اطلعت من أهل الكلام على التعطيل،ولا تشتغل بالنجوم؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 28).

(7) قال الربيع بن سليمان: سمعت الشَّافعي يقول: لم أرَ أحدًا أشهَدَ بالزور مِن الرافضة (الشيعة)؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 89).

عقيدة الإمام الشَّافعي في الأسماء والصفات:
قال يونسُ بن عبدالأعلى: سمعت أبا عبدالله الشَّافعي يقول - وقد سُئل عن صفات الله تعالى وما يؤمن به - فقال: لله أسماءٌ وصفاتٌ، جاء بها كتابُه، وأخبر بها نبيُّه صلى الله عليه وسلم أمتَه، لا يسَعُ أحدًا قامت عليه الحجة ردُّها؛ لأن القرآن نزل بها، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها، فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه، فهو كافرٌ، فأما قبل ثبوت الحجة، فمعذورٌ بالجهل؛ لأن عِلمَ ذلك لا يُدرَك بالعقل، ولا بالرويَّة والفكر، ولا نكفِّر بالجهل بها أحدًا، إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها، ونثبت هذه الصفات، ونَنفي عنها التشبيه، كما نفاه عن نفسه، فقال: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 80: 79).

الإمام الشَّافعي ناصر القرآن والسنة:
قال أبو الفضل الزجاج: لما قدم الشَّافعي إلى بغداد، وكان في الجامع إما نيف وأربعون حلقة أو خمسون حلقة، فلما دخل بغداد ما زال يقعد في حلقة، حلقة، ويقول لهم: قال الله، وقال الرسول، وهم يقولون: قال أصحابنا، حتى ما بقي في المسجد حلقة غيره؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 2 صـ: 69: 68).

عبادة الإمام الشَّافعي:
(1) قال حسينٌ الكرابيسي: بتُّ مع الشَّافعي ليلةً، فكان يصلي نحو ثلث الليل، فما رأيته يزيد على خمسين آيةً، فإذا أكثر فمائة آيةٍ، وكان لا يمر بآية رحمةٍ إلا سأل الله، ولا بآية عذابٍ إلا تعوَّذ، وكأنما جُمع له الرجاء والرهبة جميعًا؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 35).

(2) قال الربيع بن سليمان: "كان الشَّافعي قد جزأ الليل ثلاثة أجزاءٍ؛ الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 135).

(3) قال إبراهيم بن محمَّد: "ما رأيت أحدًا أحسنَ صلاةً من محمَّد بن إدريس الشَّافعي؛ وذلك أنه أخذ من مسلم بن خالدٍ الزنجي، وأخذ مسلمٌ من ابن جريج، وأخذ ابن جريجٍ من عطاءٍ، وأخذ عطاءٌ من عبدالله بن الزبير، وأخذ ابن الزبير من أبي بكرٍ الصديق، وأخذ أبو بكرٍ من النبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مِن جبريل عليه السلام"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 135).

(4) قال الربيع بن سليمان: "كان محمَّد بن إدريس الشَّافعي يختم في شهر رمضان ستين ختمةً، ما منها شيءٌ إلا في صلاةٍ"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 134).

(5) قال الربيع بن سليمان: قال لي الشَّافعي: عليك بالزهد؛ فإن الزهدَ على الزاهد أحسنُ من الحلي على المرأة الناهد (الشابة)؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 130).

اعتراف الشَّافعي بالفضل لمشايخه:
(1) قال يونس بن عبدالأعلى: سمعت الشَّافعي يقول: "ما نظرت في موطأ مالكٍ إلا ازددت فهمًا"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 70).

(2) قال هارون بن سعيدٍ: سمعت الشَّافعي يقول: "ما كتابٌ بعد كتاب الله أنفع من كتاب مالك بن أنسٍ"؛ (يعني الموطأ)؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 70).

(3) قال يونس بن عبدالأعلى: سمعت الشَّافعي يقول: "لولا مالكٌ وابن عيينة، لذهب علمُ الحجاز"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 70).

(4) قال يونس بن عبدالأعلى: سمعت الشَّافعي يقول: "إذا جاء مالكٌ، فمالكٌ كالنجم"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 70).

كرم وجُودُ الإمام الشَّافعي:
(1) قال الحميدي: "قدم الشَّافعي من صنعاء إلى مكة بعشرة آلاف دينارٍ في منديلٍ، فضرب خباءه في موضعٍ خارجًا من مكة، فكان الناس يأتونه فيه، فما برح حتى وهبها كلها"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 130).

الدينار: يعادل أربعة جرامات وربعًا من الذهب الخالص.

(2) قال إسماعيل الحميري: "كان محمَّد بن إدريس الشَّافعي لَمَّا أُدخِل على أمير المؤمنين هارون الرشيد، وناظر بشرًا المريسي فقَطَعَه، خلَع هارونُ الرشيد على الشَّافعي، وأمَر له بخمسين ألف درهمٍ، فانصرف إلى البيت وليس معه شيءٌ، قد تصدَّق بجميع ذلك، ووصل به الناس"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 131).

الدرهم: يعادل جرامين وثُمُنًا من الذهب الخالص.

(3) عبدالله بن محمَّد البلوي قال: أمر الرشيد لمحمَّد بن إدريس الشَّافعي بألف دينارٍ، فقبلها، فأمر الرشيد خادمه سراجًا باتباعه، فما زال يفرقها قبضةً قبضةً حتى انتهى إلى خارج الدار، وما معه إلا قبضةٌ واحدةٌ، فدفعها إلى غلامه، وقال: انتفع بها،فأخبر سراجٌ الرشيد بذاك، فقال: "لهذا فرغ همُّه، وقَوِيَ مَتْنُه"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 131).

(4) قال إسماعيل بن يحيى المزني: "ما رأيت رجلًا أكرم من الشَّافعي، خرجت معه ليلة عيدٍ من المسجد وأنا أذاكره في مسألةٍ، حتى أتيت باب داره، فأتاه غلامٌ بكيسٍ، فقال: مولاي يقرئك السلام، ويقول لك: خذ هذا الكيس،فأخذه منه وأدخله في كمه، فأتاه رجلٌ من الحلقة، فقال: يا أبا عبدالله، ولدت امرأتي الساعة، ولا شيء عندي، فدفع إليه الكيس، وصعِد وليس معه شيءٌ"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 132).

(5) محمَّد بن عبدالله بن عبدالحكم، قال: "كان الشَّافعي أسخى الناس بما يجده، فكان يمر بنا، فإن وجدني، وإلا قال: قولي لمحمَّد إذا جاء يأتي المنزل؛ فإني لست أتغدى حتى يجيء،فربما جئته، فإذا قعدت معه على الغداء قال: يا جارية، اضربي لنا فالوذجًا، فلا تزال المائدة بين يديه حتى تفرغ منه ويتغدى"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 132).

(6) قال عمرو بن سوادٍ السرجي: "كان الشَّافعي أسخى الناس على الدينار والدرهم والطعام"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 132).

نصيحة الإمام الشَّافعي لمؤدب أولاد الخليفة:
روى أبو نعيم عن كثيرٍ قال: أدخل الشَّافعي يومًا إلى بعض حجر هارون الرشيد ليستأذن على أمير المؤمنين، ومعه سراجٌ الخادم، فأقعده عند أبي عبدالصمد مؤدب أولاد الرشيد،فقال سراجٌ للشافعي: يا أبا عبدالله، هؤلاء أولاد أمير المؤمنين، وهو مؤدبهم، فلو أوصيته بهم،فأقبل الشَّافعي على أبي عبدالصمد فقال له: "ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك؛ فإن أعينهم معقودةٌ بعينك؛ فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تركته،علِّمْهم كتاب الله، ولا تكرههم عليه فيملُّوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، ثم رَوِّهم من الشِّعر أعفَّه، ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجنهم من علمٍ إلى غيره حتى يحكِموه؛ فإن ازدحام الكلام في السمع مضلةٌ للفهم"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 147).

أقوال العلماء في الشَّافعي:
(1) قال قتيبة بن سعيد: الشَّافعي إمام؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 2 صـ: 67).

(2) قال علي بن المديني (شيخ البخاري): عليكم بكتب الشَّافعي؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 56).

(3) قال أحمد بن علي الجرجاني: كان الحميدي (شيخ البخاري) إذا جرى عنده ذِكر الشَّافعي يقول: حدثنا سيدُ الفقهاء الشَّافعيُّ؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 2 صـ: 68).

(4) قال أحمد بن محمَّد ابن بنت الشَّافعي: سمعت أبي وعمي يقولان: كان سفيان بن عيينة إذا جاءه شيءٌ من التفسير والرؤيا يسأل عنها، التفتَ إلى الشَّافعي، فيقول: "سلُوا هذا"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 91).

(5) قال سويد بن سعيدٍ: كنا عند سفيان بن عيينة، فجاء محمَّد بن إدريس فجلس، فروى ابن عيينة حديثًا رقيقًا، فغُشِي على الشَّافعي، فقيل: يا أبا محمَّد، مات محمَّد بن إدريس، فقال ابن عيينة: "إن كان قد مات محمَّد بن إدريس، فقد مات أفضل أهل زمانه"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 95).

(6) قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقلَ مِن الشَّافعي، ناظرته يومًا في مسألةٍ، ثم افترقنا، ولقيني، فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفِقْ في مسألةٍ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 16).

(7) قال الحميدي (شيخ البخاري): سمعت الزنجي مسلم بن خالدٍ يقول للشافعي: "أفتِ يا أبا عبدالله؛ فقد والله آنَ لك أن تفتي"،وهو ابن خمس عشرة سنةً؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 16: 15).

(8) قال أحمد بن حنبل: ما أحدٌ مس محبرةً ولا قلمًا إلا وللشافعي في عنقه منَّةٌ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 47).

(9) قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: يا أبت، أي رجل كان الشَّافعي؛ سمعتك تكثر من الدعاء له؟! فقال: يا بنيَّ، كان الشَّافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من عِوَض؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 2 صـ: 66).

(10) قال الميموني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ستة أدعو لهم في السَّحَر، أحدهم الشَّافعي؛ (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ 2 صـ 250).

(11) قال أحمد: كان الشَّافعي إذا تكلم كأن صوتَه صوتُ صنجٍ وجرسٍ، مِن حُسن صوته؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 49).

(13) قال أحمد بن حنبلٍ: صاحب حديثٍ لا يشبَع مِن كتب الشَّافعي؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 57).

(13) قال محمَّد بن عبدالله الرازي: سمعت ابن راهويه يقول: كنتُ مع أحمدَ بمكة فقال: "تعالَ حتى أريك رجلًا لم ترَ عيناك مثله"،فأراني الشَّافعي؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 97).

(14) قال عبدالله بن أحمد بن حنبلٍ: سمعت أبي يقول: كان الشَّافعي مِن أفصح الناس؛ (الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبدالبر صـ 75).

(15) قال أبو ثورٍ: قال لي عبدالرحمن بن مهدي: ما أصلِّي صلاةً إلا وأنا أدعو للشافعي فيها؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 44).

(16) قال ابن عبدالحكم: ما رأيتُ الشَّافعي يناظر أحدًا إلا رحِمْتُه، ولو رأيتَ الشَّافعيَّ يناظرك لظننتَ أنه سَبُعٌ يأكلك، وهو الذي علَّم الناس الحجج؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 50: 49).

(17) قال أحمد بن مسلمة النيسابوري: تزوج إسحاق بن راهويه بمرو بامرأة رجلٍ كان عنده كتب الشَّافعي، فتوفي، لم يتزوج بها إلا لحال كتب الشَّافعي، فوضع جامعه الكبير على كتاب الشَّافعي؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 103: 102).

(18) قال معمر بن شبيبٍ: سمعت الخليفة المأمون يقول: قد امتحنت محمَّد بن إدريس في كل شيءٍ، فوجدته كاملًا؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 17).

(19) قال يحيى بن سعيدٍ القطان: أنا أدعو الله للشافعي حتى في صلاتي؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 20).

(20) قال عبدالملك بن هشامٍ اللغوي: طالت مجالستنا للشافعي، فما سمعت منه لحنةً (خطأً) قط؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 49).

(21) قال أبو بكر بن خلادٍ: أنا أدعو الله في دبر صلاتي للشافعي؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 20).

(22) قال أبو ثور: من زعم أنه رأى مثل محمَّد بن إدريس في علمه وفصاحته ومعرفته وثباته وتمكُّنه، فقد كذَب؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 2 صـ: 67).

قبس من كلام الشَّافعي:
قال الإمام الشَّافعي (رحمه الله):
(1) كل متكلمٍ على الكتاب والسنة فهو الجِدُّ، وما سواه فهو هذَيانٌ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 20).

(2) "طلب العلم أفضل من صلاة النافلة"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 119).

(3) قال الشَّافعي لبعض أصحاب الحديث: أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 23).

(4) مَن تعلَّم القرآن عظُمت قيمتُه، ومَن تكلم في الفقه نما قدرُه، ومن كتب الحديث قوِيَتْ حجتُّه، ومَن نظر في اللغة رقَّ طبعُه، ومن نظر في الحساب جزُل رأيُه، ومَن لم يصُنْ نفسَه لم ينفعه علمٌ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 24).

(5) وددتُ أن كل علمٍ أعلَمُه يعلَمُه الناس، أُوجَرُ عليه ولا يحمَدوني"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 119).

(6) كل ما قلتُ، وكان عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافُ قولي مما يصحُّ، فحديثُ النبي صلى الله عليه وسلم أَوْلى، ولا تقلِّدوني؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 33).

(7) إذا وجدتم في كتابي خلافَ سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بها، ودعُوا ما قلتُه؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 34).

(8) كلُّ حديثٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو قولي، وإن لم تسمعوه مني؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 35).

(9) إذا صحَّ الحديث فهو مذهبي، وإذا صح الحديث، فاضربوا بقولي الحائط؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 35).

(10) أصلُ العلم: التثبيت،وثمرته: السلامة،وأصل الورَع: القناعة،وثمرته: الراحة.

وأصل الصبر: الحزم،وثمرته: الظَّفَر،وأصل العمل: التوفيق،وثمرته: النُّجْح.
وغاية كل أمرٍ: الصدقُ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 41: 40).

(11) العالم يُسأَل عما يعلَم وعما لا يعلم، فيُثبت ما يعلم، ويتعلم ما لا يعلم، والجاهل يغضب من التعلُّم، ويأنَف من التعليم؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 41).

(12) ليس إلى السلامة من الناس سبيلٌ؛ فانظُرْ إلى ما يُصلِح دِينَك فالزَمْه؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 148).

(13) إذا خِفتَ على عملك العُجْبَ، فاذكر رضَا مَن تطلب، وفي أي نعيمٍ ترغب، ومن أي عقابٍ ترهب، فمَن فكَّر في ذلك، صغُر عنده عملُه؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 42).

(14) آلات الرياسة خمسٌ: صِدق اللهجة، وكتمان السر، والوفاء بالعهد، وابتداء النصيحة، وأداء الأمانة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 42).

(15) ينبغي للفقيه أن يضع التراب على رأسه تواضعًا لله، وشكرًا لله؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ: 53).

(16) "إذا رأيتُ رجلًا من أصحاب الحديث كأني رأيتُ رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهاني جـ 9 صـ 109).

وفاة الشَّافعي:
قال محمَّد بن يحيى المزني: دخلت على الشَّافعي في مرضه الذي مات فيه، فقلت: يا أبا عبدالله، كيف أصبحتَ؟ فرفع رأسه، وقال: أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولسوء عملي ملاقيًا، وعلى الله واردًا، ما أدري روحي تصير إلى جنةٍ فأهنِّيها، أو إلى نارٍ فأعزِّيها، ثم بكى وأنشأ يقول:
ولَمَّا قسَا قلبي وضاقَتْ مذاهبي
جعلتُ رجائي دون عفوِك سُلَّمَا
تعاظَمَني ذنبي فلما قرنتُه
بعفوك ربي كان عفوُك أعظمَا
فما زلتَ ذا عفوٍ عن الذنبِ لم تزَلْ
تجود وتعفو مِنَّةً وتكرُّمَا
فإن تنتقِمْ مني فلستُ بآيسٍ
ولو دخَلَتْ نفسي بجُرمي جهنَّمَا
ولولاك لم يغوَ بإبليس عابدٌ
فكيف وقد أغوى صفيَّك آدمَا
وإني لآتي الذنبَ أعرِفُ قَدْرَه
وأعلم أن اللهَ يعفو ترحُّمَا
(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 10 صـ 76: 75).

توفي الإمام الشَّافعي ليلة الجمعة بعد العشاء، آخر يوم من شهر رجب، ودفن يوم الجمعة، سنة أربع ومائتين، وعاش أربعًا وخمسين سنة؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 2 صـ: 70)، (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ 2 صـ 258).

رحم الله الإمام الشَّافعي، وجمعنا معه في الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمَّد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الشيخ صلاح نجيب الدق