المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيرة الإمام الفقيه عبد الله بن المبارك


المراقب العام
16-12-2019, 06:19 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



الإمام الفقيه
عبد الله بن المبارك

الحمد لله ﴿ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 1، 2]، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن الإمام الفقيه عبدالله بن المبارك هو أحد أئمة الإسلام المشهورين؛ من أجل ذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني القراء الكرام بشيء من سيرته المباركة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

الاسم والنسب:
هو: عبدالله بن المبارك بن واضح الحنظلي، المروزي،أحد الفقهاء الأعلام.
كانت أم عبدالله بن المبارك خوارزميةً، وكان أبوه تركيًّا، مولًى لرجل من التجار من بني حنظلة من أهل همَذان، فكان ابن المبارك إذا قدمها أحسَنَ إلى ولد مولاهم.
كنيته: أبو عبدالرحمن.

ميلاده:
وُلد عبدالله بن المبارك بمروَ، سنة ثمان عشرة ومائة؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 402)، (وفيات الأعيان لابن خلكان ـ جـ 3 صـ 32).

تقوى والد عبدالله بن المبارك:
كان المبارك بن واضح (والد الإمام عبدالله بن المبارك) يعمل أجيرًا في بستان، فجاء صاحب البستان يومًا، وقال له: "أريد رمانًا حلوًا"، فمضى إلى بعض الشجر، وأحضر منها رمانًا، فكسره فوجده حامضًا، فغضب عليه، وقال: "أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟ هات حلوًا"، فمضى، وقطع من شجرة أخرى، فلما كسرها وجده أيضًا حامضًا، فاشتد غضبه عليه، وفعل ذلك مرة ثالثة، فذاقه، فوجده أيضًا حامضًا، فقال له بعد ذلك: "أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟"، ففال: "لا"، فقال: "وكيف ذلك؟"، فقال: "لأني ما أكلتُ منه شيئًا حتى أعرفه"، فقال: "ولِمَ لَمْ تأكل؟"، قال: "لأنك ما أذنتَ لي بالأكل منه"، فعجب من ذلك صاحبُ البستان، وسأل عن ذلك فوجده حقًّا، فعظُم المبارك في عينيه، وزاد قدره عنده، وكانت له بنت خُطبت كثيرًا، فقال له: "يا مبارك، مَن ترى تزوَّج هذه البنت؟"، فقال: "أهل الجاهلية كانوا يزوجون للحسب، واليهود للمال، والنصارى للجمال، وهذه الأمة للدِّين"، فأعجبه عقله، وذهب فأخبر به أمها، وقال لها: "ما أرى لهذه البنت زوجًا غير مبارك"، فتزوجها، فجاءت بعبدالله بن المبارك؛ (وفيات الأعيان لابن خلكان جـ 3 صـ 33)، (شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي جـ 3 صـ 362).

رحلة ابن المبارك في طلب العلم:
(1) طلب عبدالله بن المبارك العلم وهو ابن عشرين سنةً، فخرج إلى الحرمين، والشام، ومصر، والعراق، والجزيرة، وخراسان؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 381).

(2) قال عبدالله بن المبارك: حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ، فرويتُ عن ألف شيخ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 397).

شيوخ عبدالله بن المبارك:
سمع ابن المبارك من: سليمان التيمي، وعاصم الأحول، وحميد الطويل، وهشام بن عروة، والجُريري، وإسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، وبريد بن عبدالله بن أبي بردة، وخالد الحذَّاء، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وعبدالله بن عون، وموسى بن عقبة، وحسين المعلم، وحنظلة السدوسي، وحيوة بن شريح المصري، وكَهْمَس، والأوزاعي، وأبي حنيفة، وابن جريج، ومعمَر بن راشد، وسفيان الثوري، وشعبة، وابن أبي ذئب، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، ومالك بن أنس، والليث بن سعد، وعبدالله بن لَهِيعة، وهُشيم، وإسماعيل بن عياش، وسفيان بن عيينة، وبقية بن الوليد، وخلق كثير؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 379).

تلاميذ عبدالله بن المبارك:
حدث عنه: معمَر بن راشد، وسفيان الثوري، وأبو إسحاق الفزاري، وطائفة من شيوخه، وبقية بن الوليد، وابن وهب، وابن مهدي، وطائفة من أقرانه، وأبو داود، وعبدالرزاق بن همام، وابن مَعِين، وحبان بن موسى، وأبو بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن آدم، وعَبْدان بن عثمان، وأبو أسامة، ومسلم بن إبراهيم، والحسن بن الربيع، وأحمد بن منيع، وعلي بن حُجْر، والحسن بن عيسى، والحسن بن عرفة، ويعقوب الدَّوْرقي، وأمم يتعذر إحصاؤهم؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 380).

عقيدة عبدالله بن المبارك:
(1) أحمد بن يونس: سمعت ابن المبارك قرأ شيئًا من القرآن، ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق، فقد كفَر بالله العظيم؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 410).

(2) قال رجل لعبدالله بن المبارك: يا أبا عبدالرحمن، قد خِفْتُ اللهَ تعالى من كثرة ما أدعو على الجهمية،قال: لا تخَفْ؛ فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء؛ (السنة لعبدالله بن أحمد بن حنبل جـ 1 صـ 112 رقم: 24).

فائدة:
الجهمية: هم أتباع جهم بن صفوان، وهم الذين ينكرون صفات الله تعالى، أو يؤوِّلونها بطريقة تؤدي إلى تعطيلها.

(3) قال علي بن الحسن بن شقيق: سألت عبدالله بن المبارك: كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا عز وجل؟ قال: على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه ها هنا في الأرض؛ (السنة لعبدالله بن أحمد بن حنبل جـ 1 صـ 111 رقم: 22).

(4) قال نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة، ولا أقول لأحد منهم: هو مفتون؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 405).

عبادة عبدالله بن المبارك:
قال نُعيم بن حماد: ما رأيت أعقل من ابن المبارك، ولا أكثَرَ اجتهادًا في العبادة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 405).

قال إسماعيل بن عياش: لقد حدثني أصحابي أنهم صحبوا ابن المبارك من مصرَ إلى مكة، فكان يُطعمهم الخَبِيص (نوع من الطعام)، وهو الدهرَ صائمٌ؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

ابنُ المبارك يستأنس بالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة:
قال نُعيم بن حماد: كان ابن المبارك يُكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟! (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

جهاد عبدالله بن المبارك:
قال عَبدة بن سليمان المروزي: كنا سريةً مع ابن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفانِ، خرج رجل من العدو، فدعا إلى البِرَاز، فخرج إليه رجل، فقتله، ثم آخر، فقتله، ثم آخر، فقتله، ثم دعا إلى البِرَاز، فخرج إليه رجل، فطارده ساعةً، فطعنه، فقتله، فازدحم إليه الناس، فنظرتُ، فإذا هو عبدالله بن المبارك؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 400).

خِصال عبدالله بن المبارك:
قال الحسن بن عيسى مولى ابن المبارك: اجتمع جماعة مِثل الفضل بن موسى، ومخلد بن الحسين، فقالوا: تعالَوْا نعُد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والفصاحة، والشعر، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والشجاعة، والفروسية، والقوة، وترك الكلام فيما لا يَعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 429).

أدب عبدالله بن المبارك:
(1) قال إسماعيل الخطبي: بلغني عن ابن المبارك: أنه حضر عند حماد بن زيد، فقال أصحاب الحديث لحماد: سَلْ أبا عبدالرحمن أن يحدثنا،فقال: يا أبا عبدالرحمن، تحدثهم، فإنهم قد سألوني؟ قال: سبحان الله! يا أبا إسماعيل، أحدِّث وأنت حاضر،فقال: أقسمت عليك لتفعلن،فقال: خذوا، حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد، فما حدَّث بحرف إلا عن حماد بن زيد؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

(2) سُئل ابن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة، فقال: إنا نُهينا أن نتكلم عند أكابرنا؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 27 صـ: 64).

(3) قال محمد بن حميد: عطس رجل عند ابن المبارك، فقال له ابن المبارك: أيشٍ يقول الرجل إذا عطس؟ قال: الحمد لله،قال له: يرحمك الله،قال: فعجبنا كلُّنا من حُسن أدبه؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

العلم يرفع منزلة عبدالله بن المبارك:
قال أشعث بن شعبة المصيصي: قدم الخليفة هارونُ الرشيد الرَّقَّةَ، فانجفل الناس خلف ابن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولدٍ لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم، قالت: هذا - والله - المُلك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَط وأعوان؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

اهتمام ابن المبارك بطلبة العلم:
(1) قال حبان بن موسى: عُوتب ابن المبارك فيما يفرق من المال في البلدان دون بلده، قال: إني أعرف مكان قوم لهم فضلٌ وصدق، طلبوا الحديث فأحسنوا طلبه، لحاجة الناس إليهم احتاجوا، فإن تركناهم، ضاع علمهم، وإن أعنَّاهم، بثُّوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، لا أعلم بعد النبوة أفضلَ من بث العلم؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 387).

(2) قال المسيب بن واضح: أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن عياش أربعة آلاف درهم، فقال: سُدَّ بها فتنة القوم عنك؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 410).

(3) قال نعيم بن حماد: قدِم ابن المبارك أَيْلةَ (اسم مكان) على يونس بن يزيد، ومعه غلام مفرغ لعمل الفالوذج (نوع من الحلوى)، يتخذه للمحدِّثين؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 410).

(4) قال علي بن الحسن بن شقيق: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج، اجتمع إليه إخوانه من أهل مَرْوَ، فيقولون: نصحبك،فيقول: هاتوا نفقاتكم،فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مَرْوَ إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي، وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول لكل واحد: ما أمَرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طُرَفها؟ فيقول: كذا وكذا،ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضَوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمَرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا،فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مَرْوَ، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمةً وكساهم، فإذا أكلوا وسُرُّوا، دعا بالصندوق، ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته عليها اسمه؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

لماذا اشتغل ابن المبارك بالتجارة؟
قال الفُضيل بن عياض لابن المبارك: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا؟ قال: يا أبا علي، إنما أفعل ذا لأصونَ وجهي، وأُكرم عِرضي، وأستعين به على طاعة ربي،لا أرى لله حقًّا إلا سارعت إليه حتى أقوم به،قال الفضيل: يا بن المبارك، ما أحسنَ ذا إن تمَّ ذا!؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

حرص ابن المبارك على قضاء حوائج الناس:
(1) قال سلمة بن سليمان: جاء رجل إلى ابن المبارك، فسأله أن يقضيَ دَينًا عليه، فكتب له إلى وكيل له،فلما ورد عليه الكتاب، قال له الوكيل: كم الدَّين الذي سألته قضاءه؟قال: سبعمائة درهم،وإذا عبدالله قد كتب له أن يعطيه سبعة آلاف درهم، فراجعه الوكيل، وقال: إن الغلات (النقود) قد فَنِيَت،فكتب إليه عبدالله: إن كانت الغلات قد فَنِيَت، فإن العمر أيضًا قد فَنِيَ، فأجِزْ له ما سبق به قلمي؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

(2) قال محمد بن عيسى: كان ابن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل الرَّقَّة في خانٍ، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، فقدم عبدالله مرةً، فلم يرَه، فخرج في النفير (أي الجهاد في سبيل الله) مستعجلًا، فلما رجع، سأل عن الشاب، فقال: محبوس على عشرة آلاف درهم،فاستدل على الغريم (صاحب الدَّين)، ووزن له عشرة آلاف، وحلفه ألا يخبر أحدًا ما عاش، فأخرج الرجل، وسرى ابن المبارك، فلحقه الفتى على مرحلتين من الرَّقَّة، فقال لي: يا فتى، أين كنت؟ لم أرَك! قال: يا أبا عبدالرحمن، كنت محبوسًا بدَين،قال: وكيف خلصت؟ قال: جاء رجل فقضى دَيني، ولم أدرِ،قال: فاحمَدِ الله، ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبدالله بن المبارك؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

(3) خرج عبدالله بن المبارك مرةً إلى الحج، فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت، فكشف عن أمرها وفحص، حتى سألها، فقالت: أنا وأختي ها هنا، ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وقد حلَّت لنا المَيتةُ، وكان أبونا له مال عظيم، فظُلم وأُخذ ماله وقُتل،فأمر عبدالله بن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ فقال: ألف دينار،فقال: عُدَّ منها عشرين دينارًا تكفينا إلى مَرْوَ، وأعطِها الباقي، فهذا أفضل من حجِّنا في هذا العام، ثم رجَع؛ (البداية والنهاية لابن كثير جـ 9 صـ 184).

كرامات عبدالله بن المبارك:
(1) قال العباس بن مصعب: حدثني بعض أصحابنا، قال: سمعت أبا وهب يقول: مرَّ ابن المبارك برجل أعمى، فقال له: أسألك أن تدعو لي أن يرد الله عليَّ بصري،فدعا الله فردَّ عليه بصره وأنا أنظر؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 400).

(2) قال علي بن الحسن بن شقيق: سمعت ابن المبارك، وسأله رجل عن قرحة خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجتها بأنواع العلاج، وسألت الأطباء، فلم أنتفع به.

فقال له: اذهب، فاحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء؛ فإني أرجو أن ينبع هناك عين، ويمسك عنك الدم،ففعل الرجل، فبرأ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 407).

أقوال السلف في عبدالله بن المبارك:
(1) قال عبدالله بن يزيد بن عثمان الحمصي: قال لي الأوزاعي: رأيتَ عبدالله بن المبارك؟ قلت: لا،قال: لو رأيتَه لقرَّتْ عينُك؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 162).

(2) قال عبيد بن جناد: قال لي عطاء بن مسلم: يا عبيد، رأيتَ عبدالله بن المبارك؟ قلت: نعم، قال: ما رأيتَ مِثلَه، ولا ترى مثله؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 162).

(3) قال عبدالرحمن بن مهدي: ما رأت عيناي مثل أربعة، ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشدَّ تقشفًا من شعبة، ولا أعقلَ من مالك، ولا أنصح للأمة من ابن المبارك؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 388).

(4) قال محمد بن المعتمر بن سليمان: قلت لأبي: يا أبت، مَن فقيه العرب؟ قال: سفيان الثوري، فلما مات سفيان الثوري، قلت لأبي: مَن فقيه العرب؟ قال: عبدالله بن المبارك؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 163).

(5) قال إسماعيل بن عياش: ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خَصلةً من خصال الخير، إلا وقد جعلها في عبدالله بن المبارك؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 384).

(6) قال عبدالرحمن بن أبي جميل: كنا حول ابن المبارك بمكة، فقلنا له: يا عالم الشرق، حدِّثنا - وسفيان الثوري قريبٌ منا يسمع - فقال سفيان: وَيْحَكم! عالم المشرق والمغرب وما بينهما؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 400).

(7) قال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 400).

(8) قال يحيى بن معين: كان عبدالله بن المبارك (رحمه الله) كيِّسًا، مستثبتًا، ثقةً، وكان عالِمًا، صحيح الحديث، وكانت كتبه التي يحدث بها عشرين ألف حديث، أو واحدًا وعشرين ألف حديث؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 431).

(9) قال يحيى بن يحيى الليثي: كنا عند مالك، فاستُؤذِن لعبدالله بن المبارك بالدخول، فأذِن له، فرأينا مالكًا تزحزح له في مجلسه، ثم أقعده بلصقه، وما رأيت مالكًا تزحزح لأحد في مجلسه غيره، فكان القارئ يقرأ على مالك، فربما مرَّ بشيء، فيسأله مالك: ما مذهبكم في هذا؟ أو: ما عندكم في هذا؟ فرأيتُ ابن المبارك يجاوبه، ثم قام فخرج، فأُعجِب مالكٌ بأدبه، ثم قال لنا مالك: هذا ابن المبارك، فقيهُ خراسان؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 421).

(10) قال أحمد بن حنبل: لم يكن أحد في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 407).

(11) قال شعبة بن الحجاج: ما قدِم علينا أحدٌ مثل ابن المبارك؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 397).

(12) قال أبو أسامة: ما رأيت رجلًا أطلب للعلم من ابن المبارك، وهو في المحدِّثين مثلُ أمير المؤمنين في الناس؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 425).

(13) قال علي بن المديني (شيخ البخاري): انتهى العلم إلى رجلين؛ إلى عبدالله بن المبارك، ثم مِن بعده إلى يحيى بن معين؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 400).

(14) قال محمد بن سعد: سمع عبدالله بن المبارك علمًا كثيرًا، وكان ثقةً، مأمونًا، إمامًا، حجةً، كثير الحديث؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 7 صـ 342).

قبسٌ من كلام عبدالله بن المبارك:
(1) قال عبدالله بن المبارك: أول منفعة الحديث أن يُفيدَ بعضهم بعضًا؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 166).

(2) قال عبدالله بن المبارك لرجل: إن ابتُليتَ بالقضاء، فعليك بالأثَر؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 166).

(3) قال عبدالله بن محمد بن عبيد: سئل عبدالله بن المبارك: ما ينبغي للعالم أن يتكرم عنه؟ قال: ينبغي أن يتكرم عما حرَّم الله تعالى عليه، ويرفع نفسه عن الدنيا، فلا تكون منه على بال؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 166).

(4) قال عبدالله بن المبارك: حب الدنيا في القلب، والذنوب احتوشَتْه، فمتى يصل الخير إليه؟؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 166).

(5) قال عبدالله بن المبارك: أُحبُّ الصالحين ولست منهم، وأُبغِض الطالحين وأنا شرٌّ منهم؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 170).

(6) قال عبدالله بن المبارك: لو أن رجلين اصطحبا في الطريق، فأراد أحدهما أن يصلي ركعتين فتركهما لأجل صاحبه، كان ذلك رياءً، وإن صلاهما من أجل صاحبه فهو شرك؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم جـ 8 صـ 171).

(7) قال حبيب الجلاب: سألت ابن المبارك: ما خيرُ ما أُعطي الإنسان؟ قال: غَريزة عقل،قلت: فإن لم يكن؟ قال: حُسن أدب،قلت: فإن لم يكن؟ قال: أخٌ شفيق يستشيره،قلت: فإن لم يكن؟ قال: صمت طويل،قلت: فإن لم يكن؟ قال: موتٌ عاجل؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 459).

(8) قال عبدالله بن المبارك: عجبتُ لِمَن لم يطلب العلم، كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة؟! (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 398).

(9) قال عبدالله بن المبارك: من بخل بالعلم، ابتلي بثلاث: إما موت يُذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان، فيَذهب علمه؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 442).

(10) قال عبدالله بن المبارك: رُبَّ عمل صغير تُكثِّره النية، ورُب عمل كثير تُصغِّره النية؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 400).

(11) قال أبو وهب المروزي: سألت ابن المبارك: ما الكِبْر؟ قال: أن تزدريَ الناس.

فسألته عن العُجْب؟ قال: أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك، لا أعلم في المصلين شيئًا شرًّا من العُجْب؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 407).

(12) قال عبدالله بن المبارك: مَن استخَفَّ بالعلماء، ذهبت آخرتُه، ومن استخف بالأمراء، ذهبت دنياه، ومن استخفَّ بالإخوان، ذهبت مروءتُه؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 32 صـ: 444).

(13) قال عبدالله بن المبارك: احذَرْ أن تجلس مع صاحب بدعة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 8 صـ 411).

وفاة عبدالله بن المبارك:
توفي عبدالله بن المبارك (رحمه الله) لعَشْرٍ مضَتْ من شهر رمضان، سنة إحدى وثمانين ومائة، منصرفًا من الغزو في سبيل الله، ودفن بهيت (قرية على نهر الفرات)، وله ثلاث وستون سنةً؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 7 صـ 342)، (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 400).

قال عبدالوهاب بن عبدالحكم: لما مات ابن المبارك، بلغني أن هارون أمير المؤمنين قال: مات سيد العلماء؛ (تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ 11 صـ 400).

وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين.

وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

الشيخ صلاح نجيب الدق