المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أربعون السعادة ونصوص النور


المراقب العام
29-12-2019, 07:16 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



أربعون السعادة ونصوص النور
(جمع أربعين حديثا في السعادة وأسبابها )


الافتتاحية

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فتظل السعادة والانشراح محل تطلّب الناس، وسؤالهم عنها، وبذلهم النفيس والمستحيل لتحقيقها، ولما كانت كذلك، وهروع الناس وراءها، وتلهفهم من أجلها، أنعمنا النظر فيها، ولحل مشكلة الحزن والقلق النفسي، عاينا الحل في الإسلام وأنواره، وفِي الهداية ومقوماتها، وأحببنا جمع نصوص السعادة في السنة، وأخبار الفرح والبهجة النبوية، مما أفرح رسول الله أو تبسط به، أو نبه فيها على السعادة الحقيقية.

وأسميناه ( أربعون السعادة وكلمات النور والسيادة ) من ملافظ المصطفى عليه الصلاة والسلام. وقد كان هو - رغم فقره - من أسعد الناس نفسا، وأشرحهم قلبا كما في الكتاب العزيز( ألم نشرح لك صدرك ) سورة الشرح. بما حصل له من أنوار النبوة، وبركات القرآن، ومباهج الهدايات،
ومن خلال تلك النصوص نستطلع معاني السعادة عند أولئك الجيل الفريد، وهل هي المال المجموع، أو القصر البهي، والمنصب الراقي، كما تصوره من بعدهم، فالتهوا بها عن مباهج الإيمانيات، ورقائق البينات، ومزاهر الباقيات الصالحات، فتولدت فيهم التعاسة، وحلّت الضيقة، وفقد الناس معاني البهجة والانشراح .
وبمطالعة هذه الأخبار وتحفظها سيدرك الناس أنهم كانوا قاصري النظر، بعيدي الأثر ، شغلتهم الدنيا، وحبستهم المقاصد التافهة، التي لم تعطهم حلا، أو تنقذهم من بؤسهم وشقاوتهم، والله المستعان .
والتزمنا فيها منهج المصنفين في ( الأربعينات ) حبا للجمع، ونشرا للسنة، معتمدين على صحاح الأخبار، كأحاديث البلاغ والنضرة والإحياء ، وليس الحديث الضعيف المشهور، قوله: ( مَن حفظ على أمتي أربعين حديثًا في أمر دينها بعثه الله فقيهًا، وكنتُ له يومَ القيامة شافعًا وشهيدًا) . وهو حديث ضعيف، قال النووي رحمه لله : «اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف وإن كثرت طرقه» .
وقد قال الشيخ المعلمي رحمه الله : " وهو حديث ضعيف، ولكنْ كثيرٌ من الأئمة جمعوا أربعينات، لأنهم رأوا أنه مما لا خلاف فيه: أن جمع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أعظم القُرُبات، بأيِّ عددٍ كان، وهذا أصلٌ معمول به بلا خلاف، وهو يشتمل ما إذا كان المجموع أربعين، أو أقل، أو أكثر،....."
وقد عمل بذلك كبار الأئمة نحو: ابن المبارك والطوسي والحاكم والدارقطني والآجري وغيرهم، رحمة الله على الجميع .
وليعلم أن جوهر السعادة الحقيقية في التمسك بالدِّين والانتهال من الوحيين، وسلوك جادة الطريق المستقيم .
قال الإمام الأوزاعي رحمه الله : ( عليك بآثار من سلف، وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول، فإن الأمر ينجلي، وأنت على طريق مستقيم ).
وإنه لتوفيق متوّج، وتسديد مكلّل، أن يشرح الله صدرك لتلك النصوص النبوية، فتخالطها حفظا وعلما وشوقا وحنانا ، فلن تجد ألذ منها، ولا أطيب من نَداها وسَناها، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والسلام .

١/ الحديث الأول : طريق أهل السعادة :
عَنْ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخصرة فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ مَا مِنْ نَفْسٍ منفوسة إلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً ". فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ؟ قَالَ : " أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ ". ثُمَّ قَرَأَ : " { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى } ". الْآيَةَ. البخاري( ١٣٦٢) مسلم(٢٦٤٧).
في الحديث: أن الناس صنفان في الدنيا والآخرة سعداء وأشقياء، وأن لكل وصف طريقا، ولا ارتياب أن السعيد في الدنيا سيسعد في الآخرة بسبب إيمانه الخالص، وقرباته اللامعة، ومحاسنه البيضاء، وهذا هو طريق السعادة .

٢/ الحديث الثاني: العمر السعيد :
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَمَنَّوُا الْمَوْتَ ؛ فَإِنَّ هَوْلَ المطلع شدِيدٌ، وَإِنَّ مِنَ السَّعَادَةِ أَنْ يَطُولَ عُمْرُ الْعَبْدِ، وَيَرْزُقَهُ اللَّهُ الْإِنَابَةَ ) . أحمد ( ١٤٥٦٤) .
فيه: فضل طول العمر على إنابة وحسن عمل ، لأن فيه خلو النفس من الأكدار والمتاعب الصارفة عن الطاعات والحسنات .

٣/ الحديث الثالث : مكمنُ السعادة :
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلَاثَةٌ، : الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ : الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ ) . أحمد ( ١٤٤٥) .
فيه فضل اختيار المرأة الصالحة، وأنها سبب للسعادة وراحة البال، وقضاء الحوائج، كما صنعت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها مع رسول الله من الميرة والدعم والمؤازرة، وكذلك المسكن والمركب وما فيهما من سعة وانشراح .

٤/ الحديث الرابع :سعادة الباذل بلا ظهور :
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ..) البخاري( ٢٨٨٧) .

في الحديث: فضل الجهاد في سبيل الله، وكل من تباعد عن الشهرة والصدارة، فهو باذل على كل حال، وان الصدق فيه سبب للسعادة والغبطة والحياة الطيبة .

٥/ الحديث الخامس: سعادة الصحابة والأتباع:
عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَقِيتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَقُلْتُ : طُوبَى لَكَ ؛ صَحِبْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ. البخاري(٤١٧٠).
فيه فضل من صحب رسول الله واستنار بقوله وتوجيهه، وأن ذاك مفتاح السعادة لا سيما من بايع تحت الشجرة، وتعاسة من فاته ذلك أو بدل بعد المنهج القويم، والسنة المتبعة .

٦/ الحديث السادس: فضل الهداية والقناعة:
عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا وَقَنِعَ ) الترمذي( ٢٣٤٩) وأصله في مسلم (١٠٥٤).
فيه فضل الهداية للإسلام وأنها خير ونور، تضبط السلوك، وتهذب الحياة، وفضل الكفاف والقناعة وهما من متطلبات السعادة.

٧/ الحديث السابع: خيرية أهل الشام:
عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( طُوبَى لِلشَّامِ ". فَقُلْنَا : لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا ) . الترمذي ( ٣٩٥٤ ) .
فيه حفظ الله لبلاد الشام وفضل سكناها، وأن ما يحصل فيها من بلاءات إنما هو تطهير وتمحيص لأهل الإيمان، يُبتلون ثم تكون هم العاقبة .

٨/ الحديث الثامن: سرور المستغفرين :
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا ) . رواه ابن ماجة( ٣٨١٨ ).
فيه فضل الاستغفار وأنه من أسباب السعادة والانشراح، حيث يخفف الذنب، ويزيل الكدر، ويذهب الكآبة، لأن طوبى الراحة والانشراح .

٩/ الحديث التاسع: الصلاح في مجتمع سيئ :
عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ : ( طوبى للْغُرَبَاءِ ". فَقِيلَ : مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ ). أحمد ( ٦٦٥٠ ).
فيه فضل الطاعات وأهلها زمن الفساد وانتشاره، وغلبة الغربة حيث قلة الأعوان والناصحين والمذكرين.

١٠/ الحديث العاشر: الإيمان بلا رؤية :
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طوبى لِمَنْ آمَنَ بِي وَرَآنِي " مَرَّةً، " وَطُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي " سَبْعَ مِرَارٍ ) أحمد ( 12578 ).
فيه فضل التصديق برسول الله وحسن اتباعه وأنه سبب للحياة الطيبة ، وأن من حُرم رؤيته لم يحرم ثواب إيمانه المضاعف، واتباعه المجازَى، لا سيما أيام التثبيط والتخذيل، وقلة الناصر والمعين .

١١/ الحديث الحادي عشر: سجود الشكر للمسرة :
عن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ - أَوْ بُشِّرَ بِهِ - خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ. أبو داود ( ٢٧٧٤).
فيه إثبات سجود الشكر عند المسرات، وأن من عرف ربه في الرخاء عرفه في الشدة، واستحباب التبشير وإدخال السرور على المسلمين .

١٢/ الحديث الثاني عشر: طيبة الزائر والعائد:
عَن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ عَادَ مَرِيضًا، أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ ؛ نَادَاهُ مُنَادٍ : أَنْ طِبْتَ، وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا ) . الترمذي ( ٢٠٠٨ ) بسند حسن .
فيه العيادة والزيارة، وأنها سبب للطيب والاستطابة المعيشية والانشراح النفسي ، مع ما فيها من عون الإخوة وجلب السرور لهم .

١٣/ الحديث الثالث عشر: مظان الحلاوة الإيمانية:
عَنْ أنس عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : ( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) .البخاري( ١٦) مسلم( ٤٣)
فيه تقرير حلاوة الإيمان، وهي مادة الانشراح والسعادة، ولا تُنال إلا في أعمال محدودة، وبجهود مبذولة، تجعلها فوق النفائس الدنيوية، واللذاذات الفانية .

١٤/ الحديث الرابع عشر: طعومة الإيمان وجماله :
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا ).مسلم( ٣٤).
فيه بيان طعم الإيمان وأنه ملموس معشوق، تبلغه مراتب، وتصل إليه منازل تكمن في الأصول الثلاثة التي هي مسائل القبر والمحاسبة، ومن استطعمها فاز وسعد .

١٥/ الحديث الخامس عشر: سرور المتحابين في الله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سرَّهُ أَنْ يَجِدَ طَعْمَ الْإِيمَانِ فَلْيُحِبَّ الْعَبْدَ، لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ). أحمد( ١٠٧٣٨ ) وسنده حسن .
فيه أن للإيمان طعومة ولذة، وأن من مسبباتها محبة الناس لله تعالى، بدون مصلحة أو حاجة ورغائب ، وان الحب المجني منها ينتج محبة الله والقبول بين الخلائق .

١٦/ الحديث السادس عشر: الفرح بخير الآخرين:
عن عائشة رضي الله عنها قالت : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مَسْرُورٌ، فَقَالَ : ( يَا عَائِشَةُ، أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ، قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ الْأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ) . البخاري( ٦٧٧١ ) مسلم( ١٤٥٩ ).
فيه ابتهاج رسول الله بفرح الآخرين، وما يدفع التهمة عنهم، حيث كان أسامة أسود البشرة ووالده أبيض، وشاع ذلك، حتى فرج الله عنهم بهذا القائف الحاذق.
قال الخطابي رحمه الله : في هذا الحديث دليل على ثبوت أمر القافة وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُظهر السرور إلا بما هو حق عنده، وكان الناس قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة، وكان زيد أبيض وأسامة أسود، فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وسلم سماعه، فلما سمع هذا القول من مجزز فرح به وسري عنه..

١٧/ الحديث السابع عشر: الملاعبة الزوجية:
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قَالَ : هَلَكَ أَبِي وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ - أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ - فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ ؟ ". فَقُلْتُ : نَعَمْ. فَقَالَ : " بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ؟ ". قُلْتُ : بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ : " فَهَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ ؟ ". قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ هَلَكَ وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُصْلِحُهُنَّ. فَقَالَ : " بَارَكَ اللَّهُ لَكَ ". أَوْ قَالَ خَيْرًا. البخاري ( ٥٣٦٧ ) مسلم( ٧١٥ ).
فيه أن الزواج ضرب من السعادة، واستحباب تخير الأبكار، وحسن بر جابر بإخوانه، واحتياج المرأة إلى القيم والراعي، والدعاء بالبركة للمتزوج، وأن الثيب تفوق بالخبرة تربية ورعاية

١٨/: الحديث الثامن عشر : البسمة اللقائية :
عنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ( مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَجْمِعًا قَطُّ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ، إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ ).البخاري(٦٠٩٢)مسلم( ٨٩٩)
فيه أن هديه صلى الله عليه وسلم التبسم، وهو علامة الوقار والرزانة، وفيه من تأليف القلوب ما لا يخفى، لأن النفوس تضيق من العابس المنقبض، وكراهة الضحك المبالغ فيه . وما أروع قول القائل:

أُضَاحِكُ ضَيْفِي قَبْلَ إِنْزَالِ رَحْلِهِ *** وَيَخْصَبُ عِنْدِي وَالْمَحَلُّ جَدِيبُ
وَمَا الْخَصْبُ لِلْأَضْيَافِ أن يكثُرَ الْقِرَى *** وَلَكِنَّمَا وَجْهُ الْكَرِيمِ خَصِيبُ

١٩/ الحديث التاسع عشر: ملاعبة الأطفال:
عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : كَانَ لِأَبِي طَلْحَةَ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ : أَبُو عُمَيْرٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَاحِكُهُ، قَالَ : فَرَآهُ حَزِينًا، فَقَالَ : " يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ ؟ ". أبو داود (٤٩٦٩) وأصله في الصحيحين . البخاري(٦١٢٩) مسلم( ٢١٥٠).
فيع استحباب ممازحة الأطفال والتنفيس عليهم، وإدخال السرور فيهم، وأن ذاك من محاسن الأخلاق ومحبتهم واحتوائهم .

٢٠/ الحديث العشرون: الإسلام اليسير:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَالَ : " تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ". قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا ) . البخاري(١٣٩٧) مسلم(١٤).
فيه: اغتباط المؤمن بالعمل الصالح، واكتفاؤه بأصول الإسلام، وانشراح نفوس أهل الإسلام بذلك .

٢١/ الحديث الواحد والعشرون : الرحم المباركة:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ- أي يؤخر- فِي أَثَرِهِ ،-أي أجله- فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ). البخاري( ٢٠٦٧)مسلم( ٢٥٥٧).
فيه فضل صلة الأرحام، وأنها سبب للسرور، وانبساط الرزق، وبقاء الذكر وطول العمر .

٢٢/ الحديث الثاني والعشرون: العبادة المبهجة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى،- أي طرائق الهدى- وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ..).مسلم(٦٥٤).
فيه فضل شهود صلاة الجماعة، وأنها من الاجتماع المحبب المحمود، وطريق للسعادة والراحة النفسية .

٢٣/ الحديث الثالث والعشرون: التنفيس عن المعسرين:
عن أَبَي قَتَادَةَ رضي الله عنه أنه طَلَبَ غَرِيمًا لَهُ، فَتَوَارَى عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ، فَقَالَ : إِنِّي مُعْسِرٌ. فَقَالَ : آللَّهِ. قَالَ : آللَّهِ. قَالَ : فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ). مسلم(١٥٦٣).
فيه إثبات يوم القيامة ورجوع الناس للحساب، وفضل التنفيس على المعسرين، أو مسامحتهم نهائيا بالوضع عنهم وفي ذلك طيب الفؤاد وانشراح النفوس، وهو مما يجلب محبة الناس .

٢٤/ الحديث الرابع والعشرون: وضوء السنة:
عن عبدِ خير الهمداني قال: أَتَانَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ صَلَّى فَدَعَا بِطَهُورٍ، فَقُلْنَا : مَا يَصْنَعُ بِالطَّهُورِ وَقَدْ صَلَّى ؟ مَا يُرِيدُ إِلَّا لِيُعَلِّمَنَا. وفيه : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ فَهُوَ هَذَا. أبو داود(١١١).
فيه فضل الاتباع، والحرص على إصابة السنن، وأنها سبب للحفظ والسعادة، ونيل الأجر دنيا وأخرى .

٢٥/ الحديث الخامس والعشرون: دعاء الرخاء:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكَرْبِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ ). الترمذي( ٣٣٨٢).
فيه فضل الطاعات كالدعاء وغيره أزمنة الرخاء والمناعم، وأنها سبب للفرح وقت الشدة والكروب .

٢٦/ الحديث السادس والعشرون:: القراءة الغضّة:
عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا كَمَا أُنْزِلَ، فَلْيَقْرَأْهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ ). أحمد(٢٦٥).
فيه : فضل قراءة القرآن، وأن القراءة الغضة الرطبة غير المتكلفة، نافذة للنفع والانشراح، وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد طلبه كما عرف في حديث مسلم: «فإني أحبُّ أن أَسْمَعَه مِن غيري»، وهي منقبة لهذا الصحابي الجليل .

٢٧/ الحديث السابع والعشرون: بوابة العمر والرزق:
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ). أحمد(١٢١٣).
فيه فضل صلة الرحم، وأن ذلك صلات واجبة، وعلائق موقرة، تبارك العمر، وتوسع الرزق، وتدفع ميتة السوء، ورزايا الحياة، وتنتهي للسرور والانشراح .

٢٨/ الحديث الثامن والعشرون: سماحة القائد وتبسطه:
عن سعد رضي الله عنه في قصة النساء الرافعات أصواتهن عند رسول الله قال: فاستأذن عمر، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابتدرن الحجاب، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ : أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : ( عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابَ ). البخاري(٣٢٩٤) مسلم(٢٣٩٦).
فيه تبسط القائد مع أصحابه، والدعاء باستدامة السرور، والتعجب والضحك مما يستدعي من الأمور .

٢٩/ الحديث التاسع والعشرون: سعادة آخر أهل الجنة :
عَنِ ابن مسعود رضي الله عنه عن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهُوَ يَمْشِي مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ : تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ، لَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي- ثم ان الرب لا يزال يعطيه ويعاهده ثم ينكث لعظمة ما يرى- وفيه: ( يَا ابْنَ آدَمَ، مَا يَصْريني منك - أي يقطع مسألتك مني -، أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا ؟ فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَقَالَ : أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ ؟ فَقَالُوا : مِمَّ تَضْحَكُ ؟ قَالَ : هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالُوا : مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " مِنْ ضِحْكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ : أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ فَيَقُولُ : إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ ) .مسلم(١٨٧).
فيه رحمة الله بعباده، وسعة أفضاله، وطمع ابن آدم، والضحك مما يُتعجب منه .

٣٠/ الحديث الثلاثون : ضحك القائد:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : اسْتَضْحَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَضْحَكَكَ ؟ قَالَ : ( قَوْمٌ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ مُقَرَّنِينَ فِي السَّلَاسِلِ ). المسند(٢٢٢٠٣)وهو صحيح .
فيه التلويح بظهور الإسلام وانتشاره، وأن من دخله أسيرا تعجب من حسنه وجماله فدخل فيه مقتنعا، وأن ذاك من العلم العجيب الذي يحمل على الضحك والاندهاش، وطيب أخلاق رسول الله .

٣١/ الحديث الواحد والثلاثون : الإمام المسرور:
عن عمرو بن سلمة قال: فَانْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَعَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ، فَقَالَ : ( يَؤُمُّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ )
فَكُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَكَشَّفَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسَاءِ : وَارُوا عَنَّا عَوْرَةَ قَارِئِكُمْ. فَاشْتَرَوْا لِي قَمِيصًا عُمَانِيًّا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحِي بِهِ، فَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ. البخاري( ٤٣٠٢) أبو داود ( ٥٨٥).
فيه صحة إمامة الصبي المميز، وعون المسلم لأخيه ، وأن ذلك سبب للفرحة والابتهاج .

٣٢/ الحديث الثاني والثلاثون : سعادة الصائم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لخُلوفُ فم الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا ؛ إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ).البخاري (١٨٩٤) مسام(١١٥١).
فيه دليل على سعادة الصائم، وأن الصوم سبب للفرح، حيث يجدد الايمان، ويهذب النفوس، ويصلح القلوب، فهو يفرح بالطاعة وبالخروج منها مع الفطر واستباحة الأطعمة .

٣٣/ الحديث الثالث والثلاثون : سرور المريض:
عن الزهري قال: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ وَكَانَ تَبِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَدَمَهُ وَصَحِبَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلِّي لَهُمْ فِي وَجَعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ... وفيه: كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتْرَ الْحُجْرَةِ، فَنَظَرَ إِلَيْنَا، وَهُوَ قَائِمٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، ثُمَّ تَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا، قَالَ : فَبُهِتْنَا، وَنَحْنُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرَحٍ بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ،.... البخاري( ٦٨٠) مسلم(٤١٩).
فيه: سرور المريض وتبسط القائد بصلاح رعيته واجتماعهم، وحرصه على تفقدهم .

٣٤/ الحديث الرابع والثلاثون : السرور العام:
عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى قِيَامُ السَّاعَةِ ؟ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ : " أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ ؟ " فَقَالَ الرَّجُلُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ : " مَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ " قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ". فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحَهُمْ بِهَذَا. البخاري( ٧١٣٥) مسلم (٢٦٣٩) .ورواه الترمذي (٢٣٢٥) والجملة الأخيرة له .

فيه السرور بالعلم، وفضل محبة الله ورسوله، وأن المتحابين مع بعضهم يوم القيامة.
قال في عون المعبود رحمه الله : المرء مع من أحب) يعني من أحب قوما بالإخلاص يكون من زمرتهم وإن لم يعمل عملهم لثبوت التقارب بين قلوبهم وربما تؤدي تلك المحبة إلى موافقتهم وفيه حث على محبة الصلحاء والأخيار رجاء اللحاق بهم والخلاص من النار.

٣٥/الحديث الخامس والثلاثون : مضاعفة فرح أهل الجنة :
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ، إِلَى النَّارِ جِيءَ بِالْمَوْتِ، حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ: لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ: لَا مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِم )البخاري ( ٦٥٤٨) مسلم(٣٨٥٠).
فيه أن الجنة بلاد الأفراح، وزوال الموت يوم القيامة، وأن ذلك مما يهيج الأرواح إلى جنات النعيم، ويبعث على السرور والجد وحسن العمل .

٣٦/ الحديث السادس والثلاثون: دواء الحزن:
عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا»، قَالَ: فقيل: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعلمُهَا؟ قَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يتعلمها ). أحمد ( ٣٧١٢).
فيه بيان دواء الحزن، وأن الدعاء والذكر من أسباب انقشاع الأحزان والهموم، وعظم أثر القرآن في ذلك، لأن الدعاء يرشد إليه، وأن يُجعل وردا وزادا، ونورا وربيعا ، نسأل الله من فضله .

٣٧/ الحديث السابع والثلاثون: سرور التائب :
عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ،- أي مفازة- فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ ) . مسلم(٢٧٤٧).

في الحديث : فيه فرح الله بتوبة عباده، وهي مادة للفرح بالنسبة للإنسان، يجدد بها علاقته بربه، فيقبل طائعا ويكف عاصيا، ويستطعم ما ضيعه أوقاتا عديدة، ومراحل متنوعة، قال تعالى : ( وتوبوا إلى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون ) سورة النور . وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى : (البكاءُ على الخطيئةِ يَحُطُّ الذنوبَ كما يَحُطُّ الريحُ الورقَ اليابسَ ).

٣٨/ الحديث الثامن والثلاثون : البكاء من شدة الفرح:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيٍّ : ( إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ : { لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } ". قَالَ : وَسَمَّانِي ؟ قَالَ : " نَعَمْ ". فَبَكَى.. البخاري ( ٣٨٠٩)مسام( ٧٩٩).

فيه تبشير الصالحين، وبكاء العبد شكرًا لله وشوقا إليه، وفضيلة ظاهرة لسيد القراء أبي رضي الله عنه .
قال النووي رحمه الله: وفي الحديث فوائد كثيرة ، منها : استحباب قراءة القرآن على الحذاق فيه وأهل العلم به والفضل وإن كان القارئ أفضل من المقروء عليه ، ومنها : المنقبة الشريفة لأبي بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم عليه ، ولا يعلم أحد من الناس شاركه في هذا ، ومنها : منقبة أخرى له بذكر الله تعالى له ، ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة ، ومنها : البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإنسان به ويعطاه من معالي الأمور . ‏
والمختار أن سببها أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل ويتعلموا آداب القراءة ، ولا يأنف أحد من ذلك ..اهـ.

٣٩/ الحديث التاسع والثلاثون: الفرح بالهداية:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ : كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَدَعَوْتُهَا يَوْمًا فَأَسْمَعَتْنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَكْرَهُ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَدْعُو أُمِّي إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَأْبَى عَلَيَّ، فَدَعَوْتُهَا الْيَوْمَ، فَأَسْمَعَتْنِي فِيكَ مَا أَكْرَهُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ اهْدِ أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ ". فَخَرَجْتُ مُسْتَبْشِرًا بِدَعْوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جِئْتُ، فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ، فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَتْ أُمِّي خَشْفَ قَدَمَيَّ، فَقَالَتْ : مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَسَمِعْتُ خَضْخَضَةَ الْمَاءِ، قَالَ : فَاغْتَسَلَتْ وَلَبِسَتْ دِرْعَهَا، وَعَجِلَتْ عَنْ خِمَارِهَا، فَفَتَحَتِ الْبَابَ، ثُمَّ قَالَتْ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قَالَ : فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ وَأَنَا أَبْكِي مِنَ الْفَرَحِ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبْشِرْ، قَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَكَ، وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيْرَةَ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ خَيْرًا، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَهُمْ إِلَيْنَا. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ حَبِّبْ عُبَيْدَكَ هَذَا - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَبِّبْ إِلَيْهِمُ الْمُؤْمِنِينَ ". فَمَا خُلِقَ مُؤْمِنٌ يَسْمَعُ بِي، وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي. مسلم( ٢٤٩١).
فيه فرح المؤمن بهداية الآخرين، والبكاء شوقا وتأثرا، وحرصه على دعوة الآخرين لا سيما قرابته .
قال النووي رحمه الله : وفيه استجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور بعين المسئول ، وهو من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ، واستحباب حمد الله عند حصول النعم .

٤٠/ الحديث الأربعون : أصول السعادة الإنسانية:
عن عبدالله بن محصن الخَطمي رضي الله تنه، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ -أي في نفسه وعياله- مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ-أي جُمعت- لَهُ الدُّنْيَا ) .الترمذي(٢٣٤٦).
فيه بيان أصول السعادة التي ينشدها البشر، وتتقاتل عليها الأمم، وهي الأمن والصحة والقوت ، قال تعالى( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) سورة قريش .

٤١/ الحديث الواحد والأربعون : المداعبة في القتال:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الطَّائِفِ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ : " إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ". قَالَ أَصْحَابُهُ : نَرْجِعُ وَلَمْ نَفْتَتِحْهُ ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اغْدُوا عَلَى الْقِتَالِ ". فَغَدَوْا عَلَيْهِ، فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا ". قَالَ : فَأَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ).البخاري(٤٣٢٥)مسلم( ١٧٧٨).
في الحديث: مداعبة القائد أصحابه وتبسطه معهم أثناء الحرب، وشفقته عليهم، وعدم استقرار المرء على موقف واحد .
قال النووي رحمه الله : معنى الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم قصد الشفقة على أصحابه والرفق بهم بالرحيل عن الطائف لصعوبة أمره ، وشدة الكفار الذين فيه ، وتقويتهم بحصنهم مع أنه صلى الله عليه وسلم علم أو رجى أنه سيفتحه بعد هذا بلا مشقة كما جرى ، فلما رأى حرص أصحابه على المقام والجهاد أقام ، وجدَّ في القتال ، فلما أصابتهم الجراح رجع إلى ما كان قصده أولا من الرفق بهم ففرحوا بذلك ; لما رأوا من المشقة الظاهرة ، ولعلهم نظروا فعلموا أن رأي النبي صلى الله عليه وسلم أبرك وأنفع وأحمد عاقبة ، وأصوب من رأيهم ، فوافقوا على الرحيل ، وفرحوا فضحك النبي صلى الله عليه وسلم تعجبا من سرعة تغير رأيهم ، والله أعلم . ‏اهـ.

٤٢/ الحديث الثاني والأربعون: أكثر الأيام سعادة:
عن كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته الطويلة وفيه : فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ النَّاسُ، فَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي، وَاللَّهِ مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ - قَالَ : فَكَانَ كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ - قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَيَقُولُ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ :( أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ". قَالَ : قُلْتُ : أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : " لَا، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ". وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ...) وفِي رواية (سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ : فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ..) البخاري ( ٤٤١٨ ) مسلم( ٢٧٦٩ ).

فيه الفرح بالبشائر الإيمانية، وسجود الشكر، وصدق كعب وصاحبيه في التوبة، وابتلاء أهل الإيمان، ومشروعية التبشير وتهنئة أهل الخير.
قال النووي رحمه الله : وفيه استحباب سرور الإمام، وكبير القوم بما يسر أصحابه وأتباعه ، و أنه يستحب لمن حصلت له نعمة ظاهرة ، أو اندفعت عنه كربة ظاهرة، أن يتصدق بشيء صالح من ماله شكرا لله تعالى على إحسانه ، وقد ذكر أصحابنا أنه يستحب له سجود الشكر والصدقة جميعا ، وقد اجتمعا في هذا الحديث .اهـ.

٤٣/ الحديث الثالث والأربعون: السرور الجماعي:
عَنْ جرير البجلي رضي الله عنه قال : كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ، قَالَ : فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ ، أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ، بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَذَّنَ، وَأَقَامَ، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، فَقَالَ : " { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } ، وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ { اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ } تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ، حَتَّى قَالَ : وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ". قَالَ : فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ : ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذهبة فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ). مسلم ( ١٠١٧ ).
فيه التهمم بأحوال المسلمين وسد فقرهم وحاجتهم، وسرور المؤمن بانفراج الكرب، وحصول الارتياح، وأن المؤمنين إخوة، شعارهم الترابط والتعاطف، ومن لا يَرحم لا يُرحم.

٤٤/ الحديث الرابع والأربعون: الكلمات السارة :
عن عبدالله رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ : شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ مَشْهَدًا لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ ؛ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ : لَا نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ، وَخَلْفَكَ. فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ، وَسَرَّهُ. يَعْنِي قَوْلَهُ. البخاري ( ٣٩٥٢) المسند ( ٣٦٩٨ ).
في الحديث : فضيله المقداد وشجاعته رضي الله عنه، وعظم تضحيات الجيل الفريد، وسرور القائد بثبات أصحابه، وأثر الكلمات الحماسية الصادقة ، وأن الكلمة لها ما وراءها من الدعم والتشجيع والالتزام، المورث للسرور والانشراح .


تمت أربعون السعادة ، ولله الحمد والمنة.

جمع وتعليق
د.حمزة بن فايع الفتحي