المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معالم رحمة النبي في علاقته بأسرته


المراقب العام
01-01-2020, 11:11 PM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



معالم رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في علاقته بأسرته

مقدمة

الحمد لله الرحمن الرحيم الرءوف الحليم، الذي أرسل رسوله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغُرِّ المَيَامين الرُّحمَاء الحُلَماء الطيبين، ومن سار على سبيلهم، واقتفى آثارهم إلى يوم الدين.

وبعد، فالرسالة المحمدية كانت ولا تزال وستظل- بإذن الله- إلى أن يرث سبحانه الأرضَ ومَن عليها- رحمة للعالمين، نزلت لتستنقذهم من متاهات الماديات، وغياهب الشرك والضلالات، وأتون الحروب والصراعات، وضياع الأخلاق والمكرمات، وشقاء القلوب والأرواح والأبدان البائسات، إلى نور التوحيد، واطمئنان القلوب، وإسعاد النفوس، وعزِّ الدنيا والآخرة.

وإذا كانت الرسالة بهذا الوسم؛ فلا شك أن صاحبها كذلك، موسوم بالرحمة في أعلى صورها، وأكمل ما يكون عليه بشرٌ خُلِق واختير لهذه المهمة الجليلة، والغاية النبيلة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال سبحانه: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]. ﴾ [آل عمران: 159]، فبلغ -صلى الله عليه وسلم- في رحمته المنزل المنيف الذي لا يدانيه فيه بشر، كما بلغ ذلك في سائر أخلاقه؛ لذا امتدحه ربه فقال: ﴿

هذا مع أن الله- سبحانه- أرسله على حين فترة من الرسل في زمن كان العالم يعاني فيه أزمةً ظاهرة في القيم، وأبرزها قيمة الرحمة حتى بين الأرحام؛ فإنَّ هذا الخُلق كاد أن يكون معدومًا وقتها؛ إذ كيف نفسِّر ظاهرة وأد البنات، والحروب التي كانت تشتعل بين الشعوب والقبائل لأتفه الأسباب مدمرة طاحنة مستمرة لعدة سنوات، لا يُرقب فيها رحمًا ولا خُلُقًا.

في هذه الأجواء التي تفتقد الرحمة بكل معانيها ومظاهرها- أرسل الله تعالى نبيه الرحمة المهداة؛ ليكون رحمة للعالمين، وليضع أسسًا للتعامل تكون فيها الرحمة غالبة للخصومة، ويكون فيها العدل مضبوطًا بالرحمة، بل تكون فيها الحربُ نفسُها غيرَ خالية من الرحمة.

فكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أرحمَ الخَلق بالخَلق؛ وكانت هذه السمة البارزة في حياته منذ طفولته إلى أن لحق بربِّه.

ومع أن الله تعالى لم يرسله إلا رحمة للعالمين، إلا أنه سبحانه قد اختصه بكل خُلُق نبيل؛ وطهَّره من كل دَنَس، وحفظه من كل زلل، وأدبه فأحسن تأديبه، ورفع ذِكره على العالمين، وجعله على خلق عظيم.

وجمع فيه صفات الجمال والكمال البشري، فسمت روحـُه الطاهرة بعظيم الشمائـل وجليل الخِصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت سيرته القاصي والداني، والحاضر والبادي، والصديق والمُعادي، لذلك يصفه شاعرُه حسانُ بن ثابت رضي الله عنه بقوله:
وَأَحْسَنُ مِنْكَ لَمْ تَرَ قَطُّ عَيْنِي
وَأَجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النِّسَاءُ
خُلِقْتَ مُبَرَّأً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ
كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَاءُ[1]

ولقد ظهر هذا كله في سيرته -صلى الله عليه وسلم- المباركة، وهَدْيه المُشرَّف قولًا وفعلًا.

وكان هو نفسه -صلى الله عليه وسلم- من مظاهر رحمته تعالى بخلقه أجمعين إذ أرسله سبحانه رحمة للعالمين.

ولما كانت رحمةُ المرء ولدَه وأمه وأباه وزوجَه وأخاه وقريبه رحمةً فطريةً، يستوي فيها سائر الخلق إلا من تحجَّر قلبه، ونُزِعت منه الرحمة- دعا الرءوف الرحيم -صلى الله عليه وسلم- الناسَ كافة إلى التراحم فيما بينهم، وجعل ذلك شرطًا لتحصيل رحمة الرحمن الرحيم جل في علاه؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ؛ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ»[2].

إذ يَعتبر -صلى الله عليه وسلم- البشريةَ جميعها أسرة واحدة تنتمي إلى ربٍّ واحد، وإلى أبٍ واحد، وإلى أرض واحدة؛ لذا نادى فيهم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لا فَضْلَ لعربيٍّ على عَجَمِيٍّ، ولا لِعَجَميٍّ عَلَى عَرَبيٍّ، ولَا لأحْمَرَ على أَسْوَدَ، ولا لأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إلَّا بالتَّقْوَى؛ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]...» الحديث[3].

ولكن لما حاد بعضُ الناس عن هذا الهدي النبوي والخلق النبيل، وهو خلق التراحم- نشأ الشقاق بين الناس، حتى وصل الحال إلى وقوع التدابر والتقاطع بين الزوج وزوجته، وبين الأب وأولاده، وبين الرجل وأقاربه، بل تعدى الأمر إلى أكثر من ذلك، وكل هذا نتيجة طبيعية لبعدنا عن التخلق بأخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم-، وخاصة خلق الرحمة، وأخص من ذلك رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأسرته وأهل بيته.

وعليه فمن أراد أن يحيا حياة هانئة بين أهله؛ فلينظر كيف كان يعامل الرسول -صلى الله عليه وسلم- أهله، وعليه أن يقتفي أثره، وأن يتلمس هديه في معالجة المشكلات الطارئة على الحياة الزوجية، وأن يُقايس بين ما قد يحدث له وبين المواقف التي عالجها -صلى الله عليه وسلم- في حياته الزوجية ومعاملته لأهله.

فدعوةٌ للرجوع إلى سيرة خير العباد ليتبين لنا بجلاء تلك الرحمة وهذا النُّبل في التعامل مع الناس جميعًا؛ فما الظن بالتعامل مع أهله؟! وقد قال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلي»[4]، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا كبيرًا.
وقد وفَّقني الله تعالى لكتابة هذا البحث؛ لبيان هذه الحقائق، وليكون نبراسًا في تعاملنا وأخلاقنا وسلوكنا خاصَّةً فيما يتعلق بـ«معالم رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- في علاقته بأسرته»، وقد اشتمل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الرحمة، وأهميتها، وبيان منزلة رحمته -صلى الله عليه وسلم-.
أولًا: تعريف الرحمة، في اللغة، وفي الشرع، ثم بيان مقتضى الرحمة، وغايتها.

ثانيًا: أهمية الرحمة.

ثالثًا: بيان منزلة رحمته -صلى الله عليه وسلم-.

المبحث الثاني: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بزوجاته، وذريته (أولاده البنين والبنات، وأحفاده).
أولًا: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بزوجاته، وبعض مظاهر رحمته -صلى الله عليه وسلم- بزوجاته.

ثانيًا: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بذريته (أولاده البنين والبنات وأحفاده).

المبحث الثالث: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأصهاره، وأرحامه (أعمامه، وأخواله، وعماته، وباقي أرحامه، وأقاربه من الرضاعة).
أولًا: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأصهاره.

ثانيًا: رحمته بأرحامه.

ثالثًا: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأقاربه من الرضاعة.

المبحث الرابع: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بخدمه ومَوَاليه.

ثم الخاتمة.

المبحث الأول
تعريف الرحمة، وأهميتها، وبيان منزلة رحمته -صلى الله عليه وسلم-

أولًا: تعريف الرحمة:
الرحمة في اللغة: الرقة والتعطف[5].

أما الرحمة في الشرع فهي «رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وتستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة»[6]، وهي صفةٌ ثابتةٌ لله على ما يليق بجلاله وكماله سبحانه، كما هو منهج أهل السنة والجماعة.

ومقتضى الرحمة بين الخلق: الانتصار للمظلوم، والأخذ على يد الظالم، ونشر العدل والتراحم بين الناس، ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم.

وغاية رحمة المسلم للناس: تعبيدهم لخالقهم، ودعوتهم إليه بالتي هي أحسن، وإرشادهم إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، وقد كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك كله الحظُّ الأَوْفَى والنَّصيبُ الأتَمُّ.

ثانيًا: أهمية الرحمة:
الرحمة في كمالها المُطلق- صفةٌ للرَّحمن الرَّحيم، تباركت أسماؤه؛ فإن رحمته تعالى شَملت الكون كله علويه وسفليه؛ ولذلك كان من تسبيح الملائكة واستغفارهم: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا ﴾ [غافر: 7].

فهي صفة الخالق؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: «لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي»[7].

ومن أسمائه تبارك وتعالى: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 1].

وقال سبحانه عن نفسه: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الحجر: 49].

وصفة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو رءوف رحيم، وصفة أصحابه فهم رحماء بينهم، وصفة أمته فهي أمة مرحومة متراحمة، وصفة شريعته؛ فأينما وُجِدت المصلحةُ فثَمَّ شرعُ الله، وهذا منتهى الرحمة.

فرسالته -صلى الله عليه وسلم- كلها رحمة، إذ هي تُمَثِّل سبيل الرشاد للتي هي أقوم، وتعاليمها وقيمها وأحكامها هي طوق النجاة، وسبيل التحرر من عبودية العباد والحجر والشجر إلى عبادة الله وحده رب العالمين.

وهي كذلك رحمة في مقاصدها، وتطبيقاتها، ووسائلها، وغاياتها؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78].

يقول الطاهر بن عاشور: «وحكمة تمييز شريعة الإسلام بهذه المزية أن أحوال النفوس البشرية مضت عليها عصور وأطوار تهيأت بتطوراتها لأن تُسَاس بالرحمة، وأن تُدفعَ عنها المشقة إلا بمقادير ضرورية لا تقام المصالح بدونها، فما في الشرائع السالفة من اختلاط الرحمة بالشدة، وما في شريعة الإسلام من تمحض الرحمة- لم يجر في زمن من الأزمان إلا على مقتضى الحكمة، ولكن الله أسعد هذه الشريعة والذي جاء بها والأمة المتبعة لها بمصادفتها للزمن والطور الذي اقتضت حكمة الله في سياسة البشر أن يكون التشريع لهم تشريع رحمة إلى انقضاء العالم.

فأقيمت شريعة الإسلام على دعائم الرحمة والرفق واليسر؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، وقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «بُعِثتُ بالحَنِيفيَّةِ السَّمْحَةِ»[8]». اهـ.[9].

وكذلك الرحمةُ صفة الأمة المرحومة التي وصفها نبيُّها بمثل قوله: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»[10].

قال السعدي: «يخبر تعالى عن رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من المهاجرين والأنصار: أنهم بأكمل الصفات، وأجل الأحوال، وأنهم ﴿ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ ﴾ أي: جادون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذَلَّ أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} أي: متحابون متراحمون متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه»[11].

ثالثًا: بيان منزلة رحمته -صلى الله عليه وسلم-:
الرحمةُ كذلك صفة الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- التي لا تنفك عنه أبدًا، لا في سِلم ولا في حرب، ولا في حَضر ولا في سفر.

وقد سماه ربُّه رَءُوفًا رَحِيمًا؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ لِي أَسْمَاء: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ أَحَدٌ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رَءُوفًا رَحِيمًا»[12].

وقال جل في علاه: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

قال ابن كثير: «يخبر تعالى أن الله جَعَل محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، أي: أرسله رحمة لهم كلَّهم، فمن قَبِل هذه الرحمةَ وشكَر هذه النعمةَ- سَعد في الدنيا والآخرة، ومن رَدَّها وجَحَدَها خَسِر في الدنيا والآخرة»[13].

وذكر القرطبيُّ عن الحسين بن الفضل قوله: «لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنه قال: ﴿ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾، وقال: ﴿ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65][14].

وقال الله عز وجل: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

يقول الشنقيطيُّ عند تفسيره لهذه الآية: «ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنه ما أرسل هذا النَّبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلى الخلائق إلا رحمة لهم؛ لأنه جاءهم بما يُسعدهم، وينالون به كل خير من خير الدنيا والآخرة إن اتبعوه، ومن خالف ولم يتبع فهو الذي ضيع على نفسه نصيبه من تلك الرحمة العظمى»[15].

ولقد تجلَّت مظاهر رحمته -صلى الله عليه وسلم- في حياته كلها، وحفلت بها سيرتُه العَطِرة، وامتلأت بها شريعتُه المُشرَّفة، فرحم -صلى الله عليه وسلم- كلَّ صغير وكبير، وقريب وبعيد، وامرأة وضعيف، بل شملت رحمته الحيوان والجان، وجاء بشريعة كلها خير ورحمة للعباد، وما من سبيل يُوصِّل إلى رحمة الله تعالى إلا بينه لأمته، وحضَّهم على التزامه، وما من طريق تبعدهم عن رحمة الله تعالى إلا حذرهم منها؛ رحمة بهم، وشفقة عليهم؛ حتى كادت نفسُه من حرصه الشديد على هدايتهم أن تهلِك؛ فعَاتَبَه ربُّه بقوله: ﴿ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 3]، وبقوله: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6].

فقد حَازَ -صلى الله عليه وسلم- خصال الكمال في الأنبياء كلهم قبله، واجتمعت فيه، وتخلَّق بجميع أخلاقهم ومحاسنهم وآدابهم، وفَاقَهَم حتى صار أكمل الناس وأجملهم، وأعلاهم قدرًا، وأعظمهم محلًا، وأتمهم حسنًا وفضلًا.

فكان أفضلَ الخَلْق خَلْقًا وخُلُقًا؛ أدَّبه ربُّه فأحسن تأديبه، وأمره فهداه، وأعلى ذكره، فقال جل في علاه: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 4].

وكرَّم نبيُّ الرحمة -صلى الله عليه وسلم- الإنسانَ، ورفع شأنه؛ لأن الله كرَّمه وفضَّله، وأنزل الناس منازلهم، وخاطب كل قوم بلسانهم، فكان لكل صنف من الناس حظٌّ من خطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعاملته ورحمته؛ فوقَّر الكبير، ورحم الصغير، ومازح العجائز، وسلَّم على الأطفال، وحَمَلَهم، وقَبَّلهم، ولَاعَبَهم، ولاطَفَهم.

وبالجملة؛ اختار -صلى الله عليه وسلم- التيسير لأمته؛ وفي ذلك تقول عائشة رضي الله عنها: «مَا خُيِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَأْثَمْ؛ فَإِذَا كَانَ الْإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ قَطُّ حَتَّى تُنْتَهَكَ حُرُمَاتُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ»[16].

وابتعد كل البعد عن الفحش والتفحش؛ يقول عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا»[17].

ولما قِيلَ له: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ! قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا؛ وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً»[18].

وكان شعاره: «ما كان الرفق في شيء إلا زَانَه، ولا نزع من شيء إلا شانه»[19].

وحضَّ على الرفق بقوله: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يُعطي على ما سواه»[20].

وكان لا يقرُّ الظلم ولا يرضى به، ويحذرهم منه بمثل قوله: «إن الله يُعذِّب الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا»[21]؛ هكذا بإطلاق «الناس» أي: كل الناس، فلا ظُلْم لأحدٍ، كما نهى تعالى عن ذلك في الحديث القدسي: «يا عبادي، إني حَرَّمتُ الظُّلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا...»[22].

فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خير مُنصف، يقيم الحق والعدل اللذين جاء بهما.

ولم لا وهو القائل: «وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»[23].

وقد بعثه الله تعالى رحمة للعالمين؛ فمَن اتبعه -صلى الله عليه وسلم- سَعِد في الأولى والآخرة؛ فيرحمه الله في الدنيا، وينجيه فيها من العذاب والخسف والمسخ والقتل وذل الكفر والجزية، ويُنير قلبه بهذا الدين، ويحييه حياة الطيبين، وفي الآخرة ينجيه من العذاب الخالد الأليم، ويرزقه أعظم نعيم؛ وهو النظر إلى وجهه سبحانه الكريم، ويرزقه شفاعة النبي الأمين -صلى الله عليه وسلم-، ويورده حوضه، ويحشره في زمرته، وتحت لوائه؛ بفضله ومَنِّه، وهو أكرم الأكرمين.

المبحث الثاني
رحمة النبي -صلى الله عليه وسلم- بزوجاته وذريته

أولًا: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بزوجاته:
ضرب النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من نفسه أروع النماذج البشرية في المعاشرة الزوجية، فكان نِعم الزوج لزوجه، وخير الناس لأهله، ولم لا وهو المُبيِّن للقرآن بأحواله، وأقواله، وأفعاله، فكان الرجلَ الوحيدَ الذي لم تكن له خصوصيات، ولا أمورٌ مستورات محجوبات، بل كان كل ما يفعله يُقَصُّ عنه -صلى الله عليه وسلم- ويُبَثُّ، إذ هو المثل الأعلى والأسوة الحسنة، وإلا فكيف يقتدي به أتباعُه في هذه الأمور الخاصة؛ إن حُجِبت عنهم معرفتها، وحيل بينهم وبينها؟!

فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعامل زوجاته بكل سُموٍّ خُلقي؛ من محبة وعدل ورحمة ووفاء، وغير ذلك مما تقتضيه الحياة الزوجية في جميع أحوالها وأيامها، كما فاضت بذلك كتب السنة والشمائل والسير عنه -صلى الله عليه وسلم-؛ وسأوجز فيما يلي بعض مظاهر رحمته -صلى الله عليه وسلم- بزوجاته:
1- محبته -صلى الله عليه وسلم- لهن:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنْ الدُّنْيَا: النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ»[24].

وقد سأله عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قائلًا: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ»... الحديث[25].

هكذا بكل صراحة وفصاحة، وهكذا يكون الحب الصادق والوفاء الحق، وهذا رفع لدور المرأة بحق.

2- حُسن عشرته وكريم خُلقه -صلى الله عليه وسلم- معهن جمعاوات:
لقد وضع النبي -صلى الله عليه وسلم- معيار خيرية الرجال في حسن عشرة الزوجات، فقال: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلي» [26].

فكان من حُسن عشرته -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل بيته دخل من طرفي الباب إمَّا يمينًا وإما شمالًا، ولا يدخل من وجه الباب؛ يتخون أهله، فإذا دخل بيته مَلَك قلوب أزواجه بالعطف والإحسان والرحمة والحنان.

فإذا قُدِّم له طعام إن اشتهاه أكله وإلا تركه، وما عاب طعامًا قط، ولا سبَّ امرأة ولا شتمها، و«مَا ضَرَبَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»[27].

وكان يُكرم ولا يهين، يُوجِّه وينصح، لا يعنِّف ويَجْرَح.

وكان يخدم نفسه ويُعين أهله ويساعدهم في أمورهم، ويكون في حاجاتهم؛ كما تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ»[28].

ومن رفقه وحسن عشرته أنه كان أحيانًا يغتسل مع زوجته من إناء واحد، حتى تقول له: «دَعْ لي»، ويقول لها: «دَعِي لي»[29].

قال ابن كثير: «وَكَانَ مِنْ أَخْلَاق النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنّهُ جَمِيل الْعِشْرَة، دَائِم الْبِشْر، يُدَاعِب أَهْله، وَيَتَلَطّف بِهِمْ، وَيُوسِعهُمْ نَفَقَته، وَيُضَاحِك نِسَاءَهُ...».

إلى أن قال: «وكان -صلى الله عليه وسلم- يَجْمَع نِسَاءَهُ كُلّ لَيْلَة فِي بَيْت الّتِي يَبِيت عِنْدهَا، فَيَأْكُل مَعَهُنّ الْعَشَاء فِي بَعْض الْأَحْيَان، ثُمّ تَنْصَرِف كُلّ وَاحِدَة إِلَى مَنْزِلهَا، وَكَانَ يَنَام مَعَ الْمَرْأَة مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَار وَاحِد، يَضَع عَنْ كَتِفَيْهِ الرّدَاء وَيَنَام بِالْإِزَار.

وَكَانَ إِذَا صَلّى الْعِشَاء يَدْخُل مَنْزِله يَسْمُر مَعَ أَهْله قَلِيلًا قَبْل أَنْ يَنَام، يُؤَانِسهُمْ بِذَلِكَ -صلى الله عليه وسلم-»[30].

3- سماحه -صلى الله عليه وسلم- لهن بمصاحبة النساء واللهو معهن:
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «كنت ألعب بالبنات عند النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله إذا دخل ينقمعن- أي: يتغيبن منه- فيُسربهنَّ إليَّ؛ فيلعبن معي»[31].

4- ممارسة الرياضة البدنية معهن:
كَانَ -صلى الله عليه وسلم- يُسَابِق عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي اللّهُ عَنْهَا، يَتَوَدّد إِلَيْهَا بِذَلِكَ؛ قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي؛ فَقَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ»[32].

5- وصيته الحادي أن يخفف السير رفقًا بهن في السفر:
عنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ فِي سَفَرٍ، وَكَانَ غُلَامٌ يَحْدُو بِهِنَّ يُقَالُ لَهُ: أَنْجَشَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «رُوَيْدَكَ يَا أَنْجَشَةُ، سَوْقَكَ بِالْقَوَارِيرِ»[33].

قال الإمام النووي: «ومعناه: الأمر بالرفق بهن...، أي: ارفق في سوقك بالقوارير، قال العلماء: سمَّى النساء قوارير؛ لضعف عزائمهن، تشبيهًا بقارورة الزجاج لضعفها، وإسراع الانكسار إليها»[34].

6- مساعدتهن فيما لا يقدرن عليه، وإكرامهن بالمركب اللين:
عن أنس قال: «... فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ»[35].

فانظر- رحمني الله وإياك- إلى مبلغ رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأزواجه، وأكثر من ذلك أن تظل إحداهن هاجرة له اليوم كله حتى تهجر اسمه الشريف، ومع ذلك فهو يغض عن ذلك ويحلم ويصفح، وهو القادر على أن يفارقهن، فيبدله ربه خيرًا منهن، كما وعده بذلك إن هو طلقهن، ولكنه كان -صلى الله عليه وسلم- رءوفًا رحيمًا بالمؤمنين؛ فكيف بخاصته وأهل بيته الأقربين؟!

وقد دل النبي -صلى الله عليه وسلم- أُمَّته إلى ما تنبغي أن تكون عليه العشرة الزوجية بقوله، كما دلَّهم على ذلك بفعله، والثابت عنه -صلى الله عليه وسلم- في هذا الباب أحاديث كثيرة منها:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: «استوصوا بالنساء خيرًا»[36]، وفي رواية: «وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها»[37].

فيا لله العجب! كيف جمع -صلى الله عليه وسلم- بين حسن معاملتهن والوصية بهن، وبيان حقيقتهن؛ ليكون ذلك أدعى إلى قبول وصيته، والعمل بهديه وسيرته.

وجعل -صلى الله عليه وسلم- للعلاقة الزوجية من القدسية الشيء العظيم؛ حيث قال: «إن شرَّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سرها»[38].

وما أجمل تكريمه -صلى الله عليه وسلم- للزوجة الصالحة بقوله: «الدنيا مَتاع، وخيرُ متاع الدنيا: المرأة الصالحة»[39].

ثانيًا: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بذريته (أولاده البنين والبنات وأحفاده):
كان -صلى الله عليه وسلم- رحيمًا بالأطفال إلى درجة لم يُسمع بمثلها؛ قال أنس رضي الله عنه: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-»[40].

وهذا من تمام رحمته بأولاده وبالصغار عمومًا، وقد ربَّاهم بالقدوة وتمام المحبة والرفق والرحمة؛ لأنهم شباب الغد الذين سيذللون سُبَل المعالي، وقد كان من شأن أولئك الفتيان الذين ربَّاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وصنعهم على عينه- الأمور العظام.

وكان من مداعبته -صلى الله عليه وسلم- للصغار يُدلع لسانه[41] للحسن، فيرى الصبيُّ حُمرة لسانه فيَهَشُّ إليه[42].

وكان يحملهم ولو كان في صلاة؛ كما صحَّ عن حمله لأمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنها، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها[43].

وكان -صلى الله عليه وسلم- شديد الاهتمام بتربية البنات من حيث تعويدهن على الحياء، وعدم مخالطة الرجال، وحضهن على العلم والذِّكر، وإعدادهن أمهات مربيات صالحات، وقد ربَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بناتِه وبنات الصحابة من حوله على ذلك، فرأينا كيف كانت سيرة فاطمة رضي الله عنها ابنته، وكذلك أمامة بنت أبي العاص حفيدته، وغيرهن من الصحابيات رضوان الله عليهن.

وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- الحنان والعطف عليهن؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي». فَأَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ»[44].

وكانت إذا دخلت عليه -صلى الله عليه وسلم- قام إليها، فقبَّلها، وأجلسها في مجلسه[45].

وفي العصر الذي كثر فيه وأد البنات جاء -صلى الله عليه وسلم- برحمتهن والعطف عليهن، ورفع قدرهن، وتجريم هذه الفعلة الشنعاء التي قال الله تعالى عنها: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ [التكوير: 8، 9].

فلم يكتفِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالنهي الشديد عن وأدهن، بل رفع قدر من ربَّاهن فأحسن تربيتهن، وعالهن وأحسن إليهن؛ فقال: «مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ» وَضَمَّ أَصَابِعَهُ[46].

وكان يحزن حزنًا شديدًا على وفاتهن، وتذرف عيناه الدمع على فراقهن؛ يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- في نبأ وفاة أم كلثوم رضي الله عنها: «شَهِدْنَا بِنْتًا لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَدْمَعَانِ»[47] الحديث.

وهذه بلا شك دموع رحمة وشفقة تسيل من عيني أرق قلب وأرحمه، وقد ابتلي -صلى الله عليه وسلم- بفقد جميع ذريته من الذكور والإناث، ولم يبق بعد وفاته إلا فاطمة رضي الله عنها التي توفيت بعده بستة أشهر، وقد أسرَّ لها في مرض موته أنها أول أهله لحوقًا به.

المبحث الثالث
رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأصهاره، وأرحامه، وأقاربه من الرضاعة

أولًا: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأصهاره:
كان من عادات العرب الحسنة احترامُ المصاهرة، وكانوا يرون مناوأة ومحاربة الأصهار سُبَّة وعارًا على أنفسهم، وذلك بطبيعته يدعوهم إلى نصرتهم وحمايتهم.

فكان زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- لحكم عظيمة، وغايات نبيلة؛ ليكون أصهاره معه على الحق، فيسعدوا بذلك دنيا وآخرة.

وكان من رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأصهاره أنه كان يَصِلهم، ويفرح بقدومهم، ولو بعد وفاة زوجه، كما كان يفعل مع أقارب خديجة رضي الله عنها؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ هَالَةَ!»[48].

ولقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصهاره خيرًا، وهذا من عظيم أخلاقه، ورحمته بهم؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ، وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا: الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا- أَوْ قَالَ: ذِمَّةً وَصِهْرًا»[49].

قال النووي رحمه الله: «وأما الذمَّة: فهي الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى: الذمام، وأما الرحم: فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر: فلكون مارية أم إبراهيم منهم»[50].

وكما نلحظ، فإن الحديث ليس فيه الوصية بالإحسان إلى أهل الزوجة مباشرة، بل بأهل بلدها كلهم، بل لم تكن مارية رضي الله عنها زوجة للنبي صلى الله عليه، بل كانت أمَته، وأمَّ ولده إبراهيم، فالوصية بالإحسان إلى أهل الزوجة مباشرة أولى بالاهتمام والعناية.

وكان للنبي -صلى الله عليه وسلم- أربع بنات: زينب ورُقية وأم كلثوم وفاطمة.

ولقد زوَّج النبي -صلى الله عليه وسلم- جميع بناته من خيرة الرجال.

وكان من رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأصهاره ألا يغالي في الصداق الذي هو حق من حقوق الزوجة يدفعه لها الزوج.

وقد زوَّج النبي -صلى الله عليه وسلم- بناته على اليسير من الصداق.

يقول عليٌّ رضي الله عنه: أردت أن أخطب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته، فقلت: ما لي من شيء فكيف؟! ثم ذكرت صلته وعائدته، فخطبتها إليه، فقال: «هل لك من شيء؟». قلت: لا. قال: «فأين دِرعُك الحُطَميَّة[51] التي أعطيتك يوم كذا وكذا». قال: هي عندي. قال: «فأعطها إياه»[52].

ومن رحمته -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتعاهد أصهاره، ويحضهم على علو الهمة في الطاعات حتى يكونوا هم وزوجاتهم معه في أعالي الجنان؛ ومن ذلك أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- طرق عليًّا وَفَاطِمَةَ لَيْلَةً؛ فَقَالَ: «أَلَا تُصَليَانِ؟!»...الحديث[53].

ومن رحمته -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا اشتكت ابنته من خدمة بيتها وزوجها لم يعتب على صهره، ولم يُكلفه ما لا يطيق، بل يُمسِّكهما بما فيه القوة والمدد من الله تعالى، ويدلهما على خير معين لهما على مشاق الحياة؛ فعن عَلِيٍّ -رضي الله عنه-أَنَّ فَاطِمَةَ شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ أَثَرِ الرَّحَى، فَأَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَيْنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لِأَقُومَ فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا»، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، تُكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ؛ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ»[54].

ثانيًا: رحمته بأرحامه:
الرحم مشتقة من الرحمة، وقد حثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على صلة الرحم في غير ما حديث، منها ما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى قال: «الرَّحِمُ شُجْنَةٌ[55]؛ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ»[56].

وأعلم -صلى الله عليه وسلم- الأمةَ كلها أنَّ الواصل ليس هو الذي يجازي من يصله، ولكن الصلة الحقيقية هي أن يصل الإنسان رحمه ولو قطعوه؛ فقال: «ليس الواصلُ بالمُكافئ، ولكنَّ الواصلَ الذي إذا قُطِعت رحمُه وصلها»[57].

ثم يبين -صلى الله عليه وسلم- ما يترتب على صلة الرحمن من آثار طيبة في الحياة الدنيا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»[58].

وقد دعا -صلى الله عليه وسلم- إلى صلة الرحم وحض عليها، وجعلها من أسباب دخول الجنة والنجاة من النار؛ فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رجلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ أَعْمَلُهُ، يُدْنِينِي مِنْ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ! قَالَ: «تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمِكَ». فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ»[59].

ولقد بين -صلى الله عليه وسلم- أن الصدقة والهدية للأرحام أعظم للأجر؛ فعن ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله أشعرت أني أعتقت وليدتي[60]. قال: «أَوَفَعَلْتِ؟». قالت: نعم. قال: «أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك»[61].

ومن رحمته بأرحامه: الأمر بوصل الرحم وتحريم قطعها: وذلك بتحريمه الجنة على القاطع؛ فقال: «لا يدخل الجنة قاطع»[62].

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان خير الناس لأقربائه وأهل بيته، فهو أوصل الناس لرحمه، وأرفق الناس بهم، وأرحم الناس عليهم؛ فقد أعطاهم كل ما هو لهم وزيادة، ولا يعرف أن أحدًا عامل أقاربه وأهل بيته مثل معاملته -صلى الله عليه وسلم- لهم، ولذلك كانت من شيمه الساطعة -صلى الله عليه وسلم-؛ كما قالت له أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها عند بدء الوحي: «إنك لتصل الرحم...»الحديث[63].

والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان شديد الحرص على هداية الناس جميعًا، فما بالنا بذوي رحمه، وخاصة عمِّه أبي طالب؛ لأنه كان يحوطه ويرعاه، وكثيرًا ما دعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- وتلطف في دعوته، وبذل معه جهودًا مُضنية، إلى أن حضرته الوفاةُ فجَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ»، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [القصص: 56]» [64].

ومن رحمته بأقاربه حتى لو كانوا مشركين؛ ما فعل مع أبي العاص بن أمية وكان مشركا ظالمًا في أول أمره، ثم أسلم وحسن إسلامه، قال فيه وهو مشرك: «إنَّ آلَ أبي فلُان ليسوا بأوليائي، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أَبُلُّها بِبَلالها»[65]، هكذا على الإنصاف والمَعْدَلَة.

ورغم خذلانهم ومعاداتهم له أول الأمر إلا أنه دعا الله تعالى أن يرفع عنهم القحط والجدب، عندما أصابهم القحط، فقد قيل له: يا رسول الله، استسق الله لمضر؛ فإنها قد هلكت، فاستسقى لهم -صلى الله عليه وسلم- فسقوا[66].

وقد أخذ -صلى الله عليه وسلم- الراية من سعد بن عبادة أثناء دخوله مكة فاتحًا؛ لأنه قال: «اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة». فما كان من الرحمة المهداة إلا أن قال: «كذبَ سَعْدٌ[67]؛ ولكنَّ هذا يومٌ يُعظِّم الله فيه الكعبة، ويوم تُكسى فيه الكعبة»[68]، وعفا عن أقاربه الذين آذوه وأخرجوه، بل عن كل مَن آذوه، وحاولوا قتله مرارًا، وأخرجوه وحاربوه، وفتنوا أصحابه، واضطهدوهم، وقتلوهم.

ثالثًا: رحمته -صلى الله عليه وسلم- بأقاربه من الرضاعة:
مرضعاته عليه الصلاة والسلام:
حاضنته أم أيمن:
كانت حاضنته -صلى الله عليه وسلم- أم أيمن «بَرَكَة» الحبشية أَمَة أبيه، فلما وُلِد -صلى الله عليه وسلم- بعد ما توفي أبوه، حضنته أم أيمن، حتى كبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة، ثم توفيت بعدما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمسة أشهر[69].

وكان -صلى الله عليه وسلم- يزورها، ثم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما؛ فعن أنس قال: «قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا، كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَزُورُهَا...»[70].

فكان من بره ورحمته -صلى الله عليه وسلم- بحاضنته أم أيمن واعترافه بجميلها: أنه أعتقها ثم زوجها حِبَّه «زيد بن حارثة»، وكان يتعاهدها بالزيارة وقضاء حوائجها رضي الله عنها، مع غناه عن ذلك إذ كانت جاريته ومولاته، لكنها أخلاق الرحمة المهداة -صلى الله عليه وسلم-.

مرضعته ثويبة:
قال ابن الأثير: «لمّا وُلد النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أرْضَعَتْهُ ثُوَيْبَةُ مولاة عَمِّه أبي لَهب بلبن ابنها مَسْرُوح أيامًا، وكانت ثُوَيْبَةُ قد أرضعت قبله عَمَّه حَمْزَةَ بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد، فهما أخواه من الرَّضَاعة»[71].

وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان - رضي الله عنهما - أنها قالت: يا رسول الله! أنكح أختي بنت أبي سفيان؟ فقال: «أَوَتحبين ذلك؟!». فقلت: نعم لست لك بمخلية وأحب من شاركني في خير أختي. فقال -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ ذلك لا يحل لي». قلت: فإنا نحدث أنك تريد أن تنكح بنت أبي سلمة، قال: «بنت أم سلمة؟!». قلت: نعم، فقال: «لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلَّت لي؛ إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة؛ فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن». قال عروة: وثويبة مولاة لأبي لهب، وكان أبو لهب أعتقها؛ فأرضعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما مات أبو لهب أُريه بعض أهله بِشرِّ حِيبةٍ[72]، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألق بعدكم غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة[73].

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخديجة يكرمان ثويبة، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبعث إليها من المدينة بكسوة وصلة حتى ماتت بعد فتح خيبر، فسأل عن ابنها مسروح! فقيل: قد مات. فسأل عن قرابتها فقيل: لم يبق منهم أحد[74]).

مرضعته حليمة:
قال ابن الأثير: «ثم أرضعته بعدها حليمة بنت أبي ذؤيب السَّعْدية، واسم أبي ذؤيب: عبد الله بن الحارث بن شِجْنَة بن حارب بن رِزَام بن ناضرة بن سعد بن أبي بكر بن هَوَازن، وزوجها الحارث بن عبد العزى بن رِفاعة من بني سعد بن بكر بن هَوَازن، وولدها الذي أرضعت النَّبي -صلى الله عليه وسلم- بلبنه اسمه: عبد الله بن الحارث، وأخته التي كانت تحضنه: الشيماء، ثم ردّته إلى أمّه بعد سنتين وشهرين، وقيل : بعد خمس سنين، والله سبحانه أعلم»[75].

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: «أَمَّا الرِّضَاعُ معناه فَاسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ اللَّبَنِ، وَقَدْ كَانَتْ حُرْمَتُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مُنْتَشِرَةً بَيْنَهُمْ، وَمَرْعِيَّةً عِنْدَهُمْ، حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ هَوَازِنَ لِمَا سُبِيَتْ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ لِحُنَيْنٍ قَدِمَتْ وُفُودُهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُسْلِمِينَ، فَقَامَ فِيهِمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدٍ، فَقَال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا فِي الْحَظَائِرِ عَمَّاتُكَ وَخَالَاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ وَاللَّائِي كُنَّ يُرْضِعْنَكَ وَيَكْفُلْنَكَ، وَلَوْ أَنَّا مَلَحْنَا- أَيْ أَرْضَعْنَا- الْحَارِثَ بْنَ أَبِي شِمْرٍ، أَوِ النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ نَزَلْنَا بِمِثْلِ مَنْزِلِنَا مِنْكَ رَجَوْنَا عَطْفَهُمَا وَفَائِدَتَهُمَا، وَأَنْتَ خَيْرُ الْكَافِلِينَ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ
فَإِنَكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَنْتَظِرُ
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا
إِذْ فُوكَ تَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا الدُّرَرُ
إِنْ لَمْ تَدَارَكْهَا نَعْمَاءُ نَسْتُرُهَا
يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ
إِنَّا لَنَشْكُرُ لِلنُّعْمَى وَإِنْ كُفِرَتْ
وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخَرُ

فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : «أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟». فَقَالُوا: أَخَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَمْوَالِنَا وَأَحْسَابِنَا، بَلْ تَرُدُّ عَلَيْنَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيْنَا. فَقَالَ: «أَمَّا ما كَانَ لِي وَلِبَنِي هَاشِمٍ فَهُوَ لَكُمْ»[76].

فَرَعَى لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حُرْمَةَ رِضَاعِهِ فِيهِمْ، وَجَرَى عَلَى مَعْهُودِ الْعَرَبِ مَعَهُمْ مِنْ إِثْبَاتٍ لِحُرْمَةِ النَّسَبِ، وَلَا حُكْمَ لِتَحْرِيمٍ وَلَا مُحَرَّمٍ، ثُمَّ رَوَى أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُقَسِّمُ لَحْمًا بِالْجِعْرَانَةِ إِذَا أَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ فَدَنَتْ إِلَيْهِ فَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقَالُوا: أُمُّهُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ. فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرْضِعَةَ تَكُونُ أُمًّا.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: أَنَّهُ كَانَ فِي سَبْيِ هَوَازِنَ: الشَّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَعِيفَ بِهَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ تَقُولُ: أَنَا أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَقَالَ: «وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ؟» قَالَتْ: عَضَّةٌ عَضضْتَهَا فِي ظَهْرِي وَأَنَا مُتَوَرِّكَتُكَ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْعَلَامَةَ وَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ، وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْمُقَامِ عِنْدَهُ مُكَرَّمَةً أَوِ الرُّجُوعِ إِلَى قَوْمِهَا مُمَتَّعَةً، فَاخْتَارَتْ أَنْ يُمَتِّعَهَا وَتَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهَا فَفَعَلَ[77]. فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّ بِنْتَ الْمُرْضِعَةِ أُخْتٌ مِنَ الرَّضَاعَةِ»[78].

ولم يتوقف إكرام النبي -صلى الله عليه وسلم- للشيماء عند هذا فحسب، بل شمل ذلك بني سعد جميعهم.

فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم: «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، وإذا أنا صليت بالناس فقوموا فقولوا: إنا نستشفع برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المسلمين، وبالمسلمين إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أبنائنا ونسائنا، فإني سأعطيكم عند ذلك، وأسأل لكم»، فلما صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس الظهر قاموا فقالوا ما أمرهم به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال : «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم»، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقالت الأنصار: وما كان لنا فهو لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-[79].

قال ابن كثير: «فكان هذا سبب إعتاقهم عن بكرة أبيهم، فعادت فواضِلُه عليه الصلاة والسلام قديمًا وحديثًا، خصوصًا وعمومًا»[80].

وقد وفدت عليه -صلى الله عليه وسلم- قبلُ حليمةُ بعد تزوجه خديجة تشكو إليه ضيق العيش، فكلَّم لها خديجة فأعطتها عشرين رأسًا من غنم وبَكَرَات جمع بكرة، وهي الثنية من الإبل، أي: وفي رواية: أربعين شاة وبعيرًا[81].

بل ويُكرِم أبَاه من الرضاعة، ويعرف فضلَه؛ فعن عمرو بن السائب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان جالسًا يومًا فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه، فقعد عليه، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه بين يديه[82].

فها هو رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم لا ينسى رحمة وحنان مرضعته حليمة السعدية ولا يتوارى منها، بل يحسن استقبالها ويفرش لها رداءه لتجلس عليه، ولا يغيب عن باله فضل أبيه من الرضاعة، وحسن معاملته، بل ويقوم إلى أخيه من الرضاعة، وتأتيه أخته من الرضاعة وحاضنته فيكرمها أيما إكرام، ويعم فضله قومها جميعًا؛ ولم لا وهو القائل: «إنَّ حُسْنَ العهد من الإيمان»[83].

المبحث الرابع
رحمته -صلى الله عليه وسلم- بخدمه ومواليه

قد تشرَّف بخدمته -صلى الله عليه وسلم- كثيرون من العبيد والإماء وغيرهم من الأحرار.

وكان له -صلى الله عليه وسلم- مَوَالٍ كثيرون ذكورًا وإناثًا؛ أَعتقَ أكثرهم منهم زيد بن حارثة الذي أعتقه وزوجه مولاته أم أيمن، فولدت له أسامة.

وقد جاء -صلى الله عليه وسلم- بهذا الدين العظيم، الذي رفع به قدر العبيد وساواهم بسادتهم، وكان هذا مما أوغر صدور المتجبرين قساة القلوب على الرحمة المهداة للعالمين -صلى الله عليه وسلم-، وعمل جُهده على تخليصهم مما هم فيه من الظلم والمهانة.

وكان من دعائه -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئًا، فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم، فارفق به»[84].

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه-قال: «إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتنطلق به حيث شاءت»[85].

فبهذه المعاملة أسر -صلى الله عليه وسلم- قلوب من تعاملوا معه من العبيد، ولا أدل على ذلك من أن زيد بن حارثة آثره على أبيه وأهله؛ ليتشرف بخدمته، فكافأه -صلى الله عليه وسلم- بأن تبناه إلى أن أبطل الله التبني، وكان حِبَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وجعلت أنسًا -رضي الله عنه-خادمه يحدث عن رحمته وشفقته ولينه وعطفه وحنانه، وكما يقولون: «إن شهادة الخادم لصادقة»، وخاصة أنس الذي خدمه عشر سنين، وكان معه كظله، في سائر أحواله، في حضره وسفره، وصحته ومرضه، وشبعه وجوعه، وبتقلب الأحوال تُختبر أخلاق الرجال.

ومعلوم أن الخدم والغلمان تقع منهم الأخطاء والهفوات كثيرًا؛ ومع ذلك يُعامل النبي -صلى الله عليه وسلم- خادمَه هذه المعاملة الفذَّة التي قال عنها أنس: «خَدَمْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عَشْرَ سِنِينَ، وَالله مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا! وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا!»[86].

ويعلن -رضي الله عنه- أن هذا الخُلق كان شأن النبي -صلى الله عليه وسلم- العام وهديه مع جميع الخلق؛ فيقول: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم-أحسن الناس خُلُقًا»[87].

قال المُناوي: «لحيازته جميع المحاسن والمكارم وتكاملها فيه، ولما اجتمع فيه من خصال الكمال وصفات الجلال والجمال ما لا يحصره حدٌّ ولا يحيط به عَدٌّ»[88].

ولم يقتصر -صلى الله عليه وسلم- على حسن المعاملة لخادمه فقط، بل كان يكافئه ويُطيب خاطره ويُلبِّي حاجته وحاجة أمه فيدعو له؛ قال أنس رضي الله عنه: قالت أمي: يا رسول الله، خادمك، ادع الله له، قال: «اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته»[89].

فكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- الرحمة بالعبيد ومعالجة أخلاقهم، وتهذيب أخلاق سادتهم، وترقيق قلوبهم عليهم، وتعليمهم كيف يعاملونهم بالرفق والرحمة حتى في الألفاظ والتعبيرات، فقال: «لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ رَبَّكَ! وَضِّئْ رَبَّكَ! اسْقِ رَبَّكَ! وَلْيَقُلْ: سَيِّدِي، مَوْلَايَ، وَلَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، أَمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلَامِي»[90].

ورفع الخادم إلى درجة الأخ في الطعام والشراب والمعاملة؛ وجعل الإساءة إليه ولو بالتعيير من الجاهلية؛ فعَن الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ. فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؛ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ! إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ؛ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ؛ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ؛ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»[91].

وجعل من الصدقة الإنفاق على الخادم؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِالصَّدَقَةِ! فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ! فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ». قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ». قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ». قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ».«أَنْتَ أَبْصَرُ»[92]. قَالَ: عِنْدِي آخَرُ. قَالَ:
وأمر بالعفو عن الخادم مرات عديدة مهما أخطأ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ أَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟ فَقَالَ: «كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً»[93].

ونهى عن ضربه نهيًا شديدًا، فعن أَبي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِي قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: «اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ!» فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. فَقَالَ: «أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ»[94].

وأكثر من ذلك نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن قتل الأجراء والخدم حتى في الحرب، فقد روى أيوب السختياني عن رجل، عن أبيه، قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سرية كنت فيها، فنهانا عن قتل العسفاء[95][96]»[97]. والوصفاء وشرع -صلى الله عليه وسلم- في الكفارات المتنوعة عتق الرقاب، وجعلها في المرتبة الأولى.

ورغَّب وحضَّ على عتق الرقاب، وجعل ذلك سببًا للعتق من النيران؛ فقال: «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ»[98].

كل هذا؛ لأنه جاء بالمساواة والإخاء والتراحم؛ فحرَّر العبيد، وهذَّب أخلاق السادة المتعالين، ورفع قدر الناس أجمعين، وهداهم لكل الخير في الدنيا والآخرة.

ولم تكن هذه فترة مؤقتة من حياته المباركة -صلى الله عليه وسلم- ليَجمع العبيد والضعفاء حوله فيتقوى بهم، أو ليكثر أتباعه، بل كانت آخر وصيته صلى الله عليه و سلم، فعن أم سلمة قالت: إنه كان عامة وصية نبي الله -صلى الله عليه وسلم- عند موته: «الصلاة، الصلاة، وما ملكت أيمانكم» حتى جعل نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه[99].

الخاتمة
ما أعظمها من رحمة ملأت قلب أعظم الخلق! وفاضت حتى عمَّت العالمين، وغمرت المقرَّبين، فوجد كلَّ مَن عاصره مكانًا له في قلب الحبيب -صلى الله عليه وسلم-، حتى كأنه وحده حبيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- الرءوف الرحيم من نفسه في معاشرته لأهل بيته وأقاربه المثل الأعلى والأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، فكان -صلى الله عليه وسلم- خير الناس لأهله؛ مع أنه قد اجتمع له من النسوة ما لم يجتمع لغيره من الأمة بما خصه الله بذلك.

وكذلك محبته الشديدة لعائشة رضي الله عنها أكثر من غيرها من زوجاته الأخريات لم تُوغر قلوبهن، ولم تقع المكائد بين ابنته فاطمة رضي الله عنها التي هي بَضعة منه وبين زوجه الحبيبة عائشة رضي الله عنها.

أما ما حدث بين زوجاته -صلى الله عليه وسلم- من الغيرة؛ فحَقَّ لهن أن يَغَرن على سيد الخلق وحبيب الحق -صلى الله عليه وسلم-، الذي كان يعاملهم كزوج حبيب رحيم مؤدب مشفق، وكان يعالج هذه الأمور بكل حكمة ورحمة ولين.

هذا وقد أراد الله بحكمته البالغة أن يحدث في بيته -صلى الله عليه وسلم- بعض هذه الأمور؛ لتكون للأمة نبراسًا يضيء لها الطريق في كيفية إدارة البيوت، ومعاملة الزوجات والأولاد.

وأنا على كامل اليقين أن الأزواج لو تخلقوا بأخلاقه -صلى الله عليه وسلم-، وأن النساء لو تخلقت بأخلاق زوجاته الطاهرات، وأن الأولاد لو تخلقوا بأخلاق أولاده وأحفاده -صلى الله عليه وسلم-- لسعدنا في الدنيا والآخرة.

وأن ما يحدث في بيوت بعض المسلمين الآن من عقوق وقطيعة وتدابر وشقاق وتناحر، وكذلك ما يقع من طلاق، وما تمتلأ به المحاكم من قضايا الأحوال الشخصية- إنما سببه المؤكد هو البعد عن الاقتداء بهدي سيد الأنبياء، الذي كان خير الناس لأهله -صلى الله عليه وسلم-.

وهكذا استطاع -صلى الله عليه وسلم- بهذه الرحمة التي خلقها الله في قلبه أن يأسر القلوب حوله، وأن يلينَ لهم.

فكان بالمؤمنين رءوفًا رحيمًا، عزيزًا عليه عنتهم، حريصًا عليهم، وهذا من فضل الله العظيم عليه.

ويا لله العجب من رجل يجمع بين تسع نسوة، وله من الأولاد والأحفاد والأصهار والأرحام الكثير، وهو مع ذلك قائد للأمة، مدبر لشئونها، داعٍ إلى الله بإذنه، صادع بالحق، مبلغٌ دين ربه- يقوم بهذه المهام الجليلة العظيمة التي تنوء بحملها الجبال الرواسي، ولا يُقدم أمرًا على أمر، أو يؤخر واجبًا قد حان، أو يُحاصر فتسوء أخلاقُه إذا دخل بيته، حاشاه، أو يُقتل أصحابه فينتقم ويتشفَّى، حاشاه.

هذا ليس لأنه عبقري فقط، أو مصلح أو مجدد كما يزعمون؛ إنما لأنه رسول رب العالمين، خاتم الأنبياء والمرسلين، اصطفاه الله تعالى لنفسه واجتباه، وصنعه على عينه.

فحقَّ له أن يكون بهذه المثابة، وأن تظل سيرته وهديه رحمة للعالمين، كما كان هو صلى الله عليه وسلم.

المصادر والمراجع
• أضواء البيان- الشنقيطي- دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان، سنة الطبع: 1415هـ- 1995م.

• البداية والنهاية، للإمام الحافظ أبي الفداء، إسماعيل بن كثير الدمشقي، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأولى، 1408هـ، 1988م.

• تفسير القرآن العظيم- ابن كثير- الطبعة الثانية، 1420هـ- 1999 م، دار طيبة للنشر والتوزيع، تحقيق: سامي بن محمد سلامة.

• تفسير القرطبي، تحقيق: هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423هـ، 2003م.

• تفسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الطبعة الأولى، 1421هـ، 2000م، مركز فجر للطباعة، أولي النهى للإنتاج الإعلامي، المكتبة الإسلامية بالقاهرة.

• التحرير والتنوير ـ الطاهر بن عاشور- الطبعة التونسية- دار سحنون للنشر والتوزيع- تونس- 1997م.

• التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي، نشر: دار الفكر المعاصر، بيروت, دمشق، الطبعة الأولى، 1410هـ، تحقيق: د. محمد رضوان الداية.

• جامع الأصول في أحاديث الرسول، لابن الأثير، تحقيق : عبد القادر الأرنؤوط، مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان، الطبعة : الأولى- والجزء [12] (التتمة) : ط دار الفكر ، تحقيق بشير عيون.

• الحاوي في فقه الشافعي، للماوردي، الناشر: دار الكتب العلمية- الطبعة الأولى، 1414هـ- 1994م.

• دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة / للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي / تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي ـ دار الكتب العلمية – بيروت، 1405هـ - 1985م.

• سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، للشامي، تحقيق د. مصطفى عبد الواحد، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1394هـ/1974م.

• سنن أبي داود- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني- دار الكتاب العربي ـ بيروت.

• سنن الترمذي- محمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي- دار إحياء التراث العربي- بيروت- تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون.

• سيرة ابن هشام، تحقيق د. محمد فهمي، طبعة المكتبة التوفيقية بالقاهرة، بدون تاريخ.

• السلسلة الصحيحة- الألباني- مكتبة المعارف- الرياض.

• السنن الكبرى وفي ذيله الجوهر النقي- أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي- مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند ببلدة حيدر آباد- الطبعة الأولى ـ 1344 هـ.

• السنن الكبرى، للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، دار الفكر.

• السيرة الحلبية، برهان الدين الحلبي، دار المعرفة، سنة 1400هـ، بيروت.

• شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه-- عبد الرحمن البرقوقي- المكتبة التجارية الكبرى- 1347هـ- 1929م- المطبعة الرحمانية- مصر.

• شرح النووي على مسلم، نشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت- الطبعة الثانية، 1392هـ.

• صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان- ابن حبان بن أحمد أبو حاتم التميمي البستي- تحقيق: شعيب الأرنؤوط- مؤسسة الرسالة – بيروت- الطبعة الثانية، 1414هـ- 1993م.

• صحيح البخاري- محمد بن إسماعيل أبو عبد الله البخاري الجعفي- دار ابن كثير، اليمامة – بيروت، الطبعة الثالثة، 1407هـ - 1987م.

• صحيح مسلم- مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري- دار الجيل، بيروت + دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.

• صحيح الترغيب والترهيب- الألباني- مكتبة المعارف- الرياض- الطبعة الخامسة.

• صحيح الجامع الصغير، الألباني- المكتب الإسلامي- دمشق.

• صحيح سنن الترمذي- محمد ناصر الدين الألباني- المكتب الإسلامي للنشـر، 1988م- لبنان.

• صحيح سنن أبي داود. محمد ناصر الدين الألباني. مكتب التربية العربي، ط1، 1409هـ.

• صحيح سنن النسائي، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1409هـ-1989م، المكتب الإسلامي- بيروت.

• الصحاح، للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين- بيروت، الطبعة الرابعة، 1407هـ‍- 1987م.

• فتح الباري- ابن حجر- دار المعرفة- بيروت، 1379هـ.

• فيض القدير- المناوي- دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1415هـ، 1994م.

• مسند ابن أبي شيبة، لأبي بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبة (ت235ه)، تحقيق عادل العزازي، أحمد المزيدي، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى 1418ه.

• مسند الإمام أحمد بن حنبل- أحمد بن حنبل- المحقق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1420هـ ، 1999م.

• المجتبى من السنن- أحمد بن شعيب، أبو عبد الرحمن النسائي- مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب- الطبعة الثانية ، 1406هـ- 1986م.

• المستدرك على الصحيحين- الحاكم النيسابوري- تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا- دار الكتب العلمية – بيروت- الطبعة الأولى ، 1411هـ- 1990م.

• مصنف عبد الرزاق - تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي - المكتب الإسلامي ،ط 2 ، 1403 هـ

• المعجم الكبير- سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني- تحقيق : حمدي بن عبد المجيد السلفي- مكتبة العلوم والحكم – الموصل- الطبعة الثانية، 1404هـ- 1983م.

• النهاية في غريب الأثر، لابن الأثير، نشر: المكتبة العلمية- بيروت، 1399هـ- 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي- محمود محمد الطناحي.

[1] شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه-- (ص 10)- عبد الرحمن البرقوقي- المكتبة التجارية الكبرى- 1347هـ- 1929م- المطبعة الرحمانية- مصر.
[2] أخرجه أبو داود (4290)، والترمذي (1924)، وقال: «حسن صحيح»، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (1924).
[3] أخرجه أحمد في «مسنده» (38/ 474) حديث رقم (23489)، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب والترهيب» (1924).
[4] أخرجه الترمذي (3830)، وقال: «حسن غريب صحيح»، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (3057).
[5] انظر «الصحاح» للجوهري (5/ 1929)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين- بيروت، الطبعة الرابعة، 1407هـ‍- 1987م.
[6] «التوقيف على مهمات التعاريف» للمناوي، نشر: دار الفكر المعاصر، بيروت, دمشق، الطبعة الأولى، 1410هـ، تحقيق: د. محمد رضوان الداية.
[7] أخرجه البخاري (2955).
[8] أخرجه أحمد (5/ 266) حديث (22345)، من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-، وصححه الألباني في «الصحيحة» (2924).
[9] «التحرير والتنوير» (17/ 123، 124).
[10] أخرجه مسلم (2586).
[11] «تفسير السعدي» (ص 795).
[12] أخرجه مسلم (4343).
[13] «تفسير القرآن العظيم» (5/ 385).
[14] انظر «تفسير القرطبي» (8/ 302)، تحقيق: هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1423هـ، 2003م.
[15] «أضواء البيان» (4/ 250، 251) دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان، سنة الطبع: 1415هـ- 1995م.
[16] متفق عليه: البخاري (6786)، ومسلم (2327).
[17] أخرجه البخاري (3295).
[18] أخرجه مسلم (4704).
[19] أحمد في «مسنده» (6/ 206) حديث (25750)، وقال الأرنؤوط: «إسناده صحيح على شرط مسلم».
[20] أخرجه مسلم (2593).
[21] أخرجه مسلم (2613).
[22] أخرجه مسلم (2577).
[23] متفق عليه: البخاري (3475)، ومسلم (1688).
[24] أخرجه النسائي (3878)، وصححه الألباني في «صحيح سنن النسائي» (3939).
[25] متفق عليه: أخرجه البخاري (3389)، ومسلم (4396).
[26] أخرجه الترمذي (3830)، وقال: «حسن غريب صحيح»، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (3057).
[27] أخرجه مسلم (2328).
[28] أخرجه أحمد في «مسنده» (6/ 167) حديث (25380)، وصححه الأرنؤوط .
[29] أخرجه مسلم (321).
[30] «تفسير ابن كثير» (2/ 242)، الطبعة الثانية، 1420هـ - 1999 م، دار طيبة للنشر والتوزيع، تحقيق: سامي بن محمد سلامة.
[31] أخرجه البخاري (6130).
[32] أخرجه أبو داود (2578)، وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (2578).
[33] متفق عليه: البخاري (6210)، ومسلم (2323).
[34] «شرح النووي على مسلم» باختصار (15/ 81)، نشر: دار إحياء التراث العربي- بيروت- الطبعة الثانية، 1392هـ.
[35] أخرجه البخاري (2235).
[36] أخرجه مسلم (1468).
[37] أخرجه مسلم (1163).
[38] أخرجه مسلم (1437).
[39] أخرجه مسلم (1467).
[40] أخرجه مسلم (4280).
[41] أي: يُخْرِجه حتى تُرى حُمْرتهُ؛ فيَهَشُّ إليه. انظر «النهاية في غريب الأثر» (2/ 129) لابن الأثير، نشر: المكتبة العلمية- بيروت، 1399هـ- 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي- محمود محمد الطناحي.
[42] أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (6975).
[43] أخرجه البخاري (516).
[44] متفق عليه: البخاري (3624)، ومسلم (2450).
[45] أخرجه الترمذي (3872)، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (3039).
[46] أخرجه مسلم (2631).
[47] أخرجه البخاري (1285).
[48] متفق عليه: البخاري (3821)، ومسلم (2437).
[49] أخرجه مسلم (2543).
[50] «شرح النووي على مسلم» (16/ 97)، دار إحياء التراث العربي- بيروت، الطبعة الثانية، 1392هـ.
[51] أي: التي تَحْطِم السيوف، أي: تكسرها. انظر «النهاية في غريب الأثر» (1/ 401).
[52] أخرجه أبو داود (2125)، والنسائي (3375)، وقال الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1849): «حسن صحيح».
[53] أخرجه البخاري (1127).
[54] متفق عليه: البخاري (3705)، ومسلم (2727).
[55] أي: قَرَابةٌ مُشْتَبِكة كاشْتِباك العُرُوق. انظر «النهاية في غريب الأثر» (2/ 446).
[56] أخرجه البخاري (5989).
[57] أخرجه البخاري (5991).
[58] متفق عليه: البخاري (2067)، ومسلم (2557).
[59] أخرجه مسلم (13).
[60] تعني: جاريتها.
[61] متفق عليه: البخاري (2592)، ومسلم (999).
[62] متفق عليه: البخاري (5984)، ومسلم (2556).
[63] متفق عليه: البخاري (4)، ومسلم (160).
[64] أخرجه مسلم (24).
[65] أي: أصِلكم في الدنيا، ولا أُغْنِي عنكم من اللّه شيئًا. والبِلاَل: جمع بَلَل. وقيل: هو كلُّ ما بلَّ الحلْق من ماءٍ أو لبن أو غيره. انظر «النهاية في غريب الأثر» (1/ 152). والحديث أخرجه البخاري (5990).
[66] أخرجه البخاري (4821).
[67] أي: أخطأ. قال ابن حجر رحمه الله: «فيه إطلاق الكذب على الإخبار بغير ما سيقع، ولو كان قائله بناه على غلبة ظنه وقوة القرينة». «فتح الباري» (8/ 9)، نشر: دار المعرفة- بيروت، 1379هـ.
[68] أخرجه البخاري (4280).
[69] أخرجه مسلم (1771).
[70] أخرجه مسلم (2454).
[71] «جامع الأصول في أحاديث الرسول» (12/ 91) لابن الأثير، تحقيق : عبد القادر الأرنؤوط، مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان، الطبعة : الأولى- والجزء [12] (التتمة) : ط دار الفكر ، تحقيق بشير عيون.
[72] أي: بِشَرِّ حَالٍ. والحِيبَة والحَوْبة: الهَمُّ والحُزْن. والحِيبَة أيضًا: الحَاجَة والمَسْكَنة. انظر «النهاية في غريب الأثر» (1/ 465) لابن الأثير، نشر: المكتبة العلمية- بيروت، 1399هـ- 1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي- محمود محمد الطناحي.
[73] أخرجه البخاري (4711).
[74] «سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد» للشامي (1/ 377).
[75] «جامع الأصول في أحاديث الرسول» (12/ 91) لابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، مكتبة الحلواني- مطبعة الملاح- مكتبة دار البيان، الطبعة الأولى، والجزء [12] (التتمة): ط دار الفكر، تحقيق بشير عيون.
[76] أخرجه أحمد في «مسنده» (11/ 612) حديث (7037)، وقال الأرنؤوط: «إسناده حسن».
[77] «سيرة ابن هشام» (2/ 457).
[78] «الحاوي في فقه الشافعي» (11/ 355، 356)، للماوردي، الناشر: دار الكتب العلمية- الطبعة الأولى، 1414هـ- 1994).
[79] أخرجه أحمد في «مسنده» (11/ 612) حديث (7037)، وقال الأرنؤوط: «إسناده حسن»، والطبراني في «الكبير» (5/ 270) حديث (5311)، والبيهقي في «الكبرى» (6/ 336) حديث (12712).
[80] «البداية والنهاية» (4/ 419).
[81] انظر «السيرة الحلبية» (1/ 168)، برهان الدين الحلبي، دار المعرفة، سنة 1400هـ، بيروت.
[82] أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (1958).
[83] أخرجه الحاكم في «مستدركه» (1/ 62) حديث (40)، وقال: «صحيح على شرط الشيخين»، وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» (3819).
[84] أخرجه مسلم (1828).
[85] أخرجه البخاري (6072).
[86] متفق عليه: أخرجه البخاري (6038)، ومسلم (2309) واللفظ له.
[87] متفق عليه: أخرجه البخاري (6203)، ومسلم (659).
[88] «فيض القدير» (5/ 90).
[89] متفق عليه: البخاري (6344)، ومسلم (2480).
[90] متفق عليه: البخاري (2552) ومسلم (2249).
[91] متفق عليه: البخاري (30) واللفظ له، ومسلم بنحوه (1661).
[92] أخرجه أبو داود (1691)، وحسنه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (1484).
[93] أخرجه الترمذي (1949)، وقَالَ: «حسن غرِيب»، وصححه الألباني في «صحيح الترمذي» (1949).
[94] أخرجه مسلم (1659).
[95] جمع عسيف، وهو الأجير، أو المملوك المستهان به.
[96] الخدم والعبيد.
[97] أخرجه ابن أبي شيبة في «مسنده» (2/ 212) حديث (609)، وعبد الرزاق في «مصنفه» (5/200) حديث (9379)، والبيهقي في «الكبرى» (9/ 91) حديث (17937).
[98] أخرجه مسلم (1509).
[99] أخرجه أحمد (6/ 315) حديث (26726)، وقال الأرنؤوط: «صحيح لغيره».

عراقي محمود حامد