المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أزمتهم مع التاريخ! !!!!!!!!!!


نبيل القيسي
19-01-2020, 06:18 AM
من خصائصِ العقيدة الإسلامية أنَّ مصدرَها قطعيُّ الثبوت بمعنى: أنَّه لا شكَّ في نسبته لله سبحانه وتعالى.

كما أنه قطعيُّ الدلالة بمعنى أنَّ أصول العقيدة لا تثبت بالمتشابه من نصوص القرآن الكريم، وبهذا نعلم أنَّ التَّاريخ ليس مصدرًا من مصادر العقيدة؛ بل هو طريق من طرق الاعتبار والتفكر لا غير، يقول تعالى بعدما حكى قصة قومٍ غدروا بالنبي صلى الله عليه وسلم مبينًا عاقبة الغدر: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، وقال سبحانه: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176]، وهذا خلاف ما نجده عند بعض الكُتَّاب في زماننا؛ حيث يعمدون إلى إظهار مساوئِ التاريخ الإسلامي الأول على أنها هي كلُّ التاريخ، بل وأكثر من ذلك حيث يُشوِّهون كلَّ معلَمٍ حسنٍ من معالمه، وهذا سوف يؤدِّي يقينًا بمن ليس لديه بصرٌ بالتاريخ إلى أن تنطبع لديه صورةٌ سوداء عن تاريخ نشأة أمَّته تنسحب على ثقته بأصول التلقي لهذه الشريعة.

وهذا الأمر جدُّ خطير، كما أنَّه جدُّ بعيدٍ عن الموضوعيَّة والرصد الحقيقي، وأنا هنا أحبُّ أن أوجِّه حديثي إلى الذي استمعوا عبر الحلقات الماضية إلى أسماء معارك متوالية (الجمل صفين النهروان كربلاء الحرة مكة) فربَّما انطبع عند بعض الناس أنَّ هذا هو التاريخ لا غير، إضافةً إلى ما سمعته من بعض المتحاورين من وصف بعض الفتوحات بالاستعمار لا لشيءٍ إلَّا لأنَّها جاءت في عهد بني أمية.

أقول للإخوة لا عليكم فتاريخ الصدر الأول على الرغم ممَّا شجر فيه بين الصحابة ومن بعدهم فهو أعظم التواريخ الإنسانية على الإطلاق.

فإنَّ الناس نَعِموا بستٍّ وعشرين سنةً من الخير والرفاه ونشر الإسلام وعز دولته في عهد الخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، أعقبتها فترةُ نزاع في نقاطٍ محدَّدة وصغيرَة جدًّا من العالم الإسلامي الكبير في ذلك الوقت، والذي كان ممتدًّا من شرق إيران الحاليَّة حتى أواسط المغرب العربي حاليًّا.

ففي فترة علي ومعاوية رضي الله عنهما كانت كلُّ تلك المناطق تنعم بالأمن والعدل والرفاه، وكان الصراع يدور في أجزاءٍ يسيرةٍ من الأرض، وبين أناسٍ لا يُمثِّلون إلَّا العدد اليسير من المسلمين، وإن كانوا من خيار المسلمين، بل إنَّ الصحابة رضي الله عنهم لم يُشارك الجم الغفير منهم في هذه الملاحم، ويُقدَّر عدد من شاركوا بثلاثين رجلًا من مجموع من عاصرها من الصحابة.

أعقَبَت هذه الأربع سنوات عشرون سنةً من سنوات البرِّ والعدل والخير والسيادة لدولة الإسلام على العالم القديم، وهي كامل فترة حكم معاوية رضي الله عنه، وجاء في عهد يزيد القصير شيءٌ من التوتر في الكوفة والمدينة ومكة والكثير من الاستقرار في جميع أنحاء العالم الإسلامي يسود فيها النظام والعدل والشريعة..

وبعد وفاة يزيد حدث فراغٌ سياسيٌّ ملأه ابن الزبير رضي الله عنه فترةً من الزمن، ونازعه مروان بن الحكم وجرت وقائع في عهد مروان وفي عهد ابنه عبد الملك انتهت بمقتل ابن الزبير رضي الله عنه في حصار الحجَّاج مكة، وكان ذلك سنة 73هـ..

عادت الدولة الإسلامية بعدها إلى سنواتٍ من القوَّة والعزِّ والفتح دامت بقيَّة خلافة عبد الملك وبعده الوليد بن عبد الملك وسليمان وعمر بن عبد العزيز ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك الذي تُوفِّي سنة 125هـ؛ أي: إنَّ دولة الإسلام عاشت فترة خيرٍ وبرٍّ وفتحٍ بعد تسع سنواتٍ من الفتن أكثر من أربعين سنةً لم يُكدِّرها إلَّا بعض الفتن والثورات التي لا تخلو منها دولةٌ في التاريخ.

وبعد وفاة هشام رحمه الله استمرَّت الدولة قائمةً بكلِّ مقومات الخير، غير أنَّها كانت سنوات انحدار، حتى قامت الدولة العباسية وأخذت مكانها سنة 132هـ، ومن تلك السنة والدولة العباسية دولةُ عزٍّ وقوَّةٍ واستقرار في عهد المنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل لا يشوب تلك الفترة إلَّا ما يشوب الدول في العادة من ثورات ومحاولات انفصال ومشكلات اقتصادية.


لماذا لا نهتم إلا بالفتن؟!
والسؤال لماذا يُراد لسنوات الفتن القلائل أن تكون هي طابع التاريخ الإسلامي ويتجاهل كثيرٌ من الخير والبرِّ الذي ساد معظم الفترات، هذا ما لا أجد له جوابًا إلَّا أنَّ بعض الناس له رغبةٌ في تزهيدنا بجذور أمَّتنا، ولا مجال عندي للحديث عن النِّيات، لكن ما يئول إليه مثل هذا المنهج هو أن ينتهي الشباب المسلم إلى الشعور بالطُّفيليَّة على هذا العالم لا في صناعاته وإمكانيَّاته وحسب، بل حتى في تاريخه الأخلاقي والسياسي والاجتماعي.

فعلى الشابِّ المسلم أن يُدرك أنَّ العبثَ بالتاريخ أمرٌ مقصود منذ بدأت كتابة التاريخ التي أهملها للأسف ثقاتُ الأمَّةِ منشغلين بتحصيل الحديث والتفسير، وانشغل بها من ليس لهم عنايةٌ لا بالحديث ولا بالتفسير، فأدخلوا الأهواء والشائعات في التاريخ ليجعل منه بعضهم مصدرًا من مصادر العقيدة وأصول الدين منصرفين عن المصدر الأصلي وهو القرآن الكريم!

وقد وصل الأمر بآخرين على أن يجعلَ التاريخَ مقدَّمًا على القطعي من نصوص كتاب الله تعالى!!

ومن هؤلاء كلُّ من ينتقص الصحابة ويُشكِّك في عدالتهم وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم..

ولمـَّا تليتُ في البرنامج الآيات التي تدلُّ على عدالة الصحابة رضي الله عنهم غمز بعضهم في دلالتها بأنَّ هناك تخصيصٌ وتقييد، وهنا سوف أُعيد استعراض هذه الآيات واقفًا عند دلالتها، وهل يُمكن أن يدخلها التخصيص والتقييد؟

{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

ولا شكَّ عند أحدٍ من علماء السِّير أنَّ أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أجمعين هم من السابقين الأولين، وقد أخبر الله عنه بأنَّه رضي عنهم، والله إذا رضي لا يسخط، كما أخبر عنهم سبحانه أنَّهم رضوا عن الله تعالى، كما أخبر سبحانه بأنَّه قد أعدَّ لهم الجنات ووعدهم بالخلود فيها، فكلُّ من يقول بغير ذلك من لَعنِ هؤلاء الأئمة العظام إنَّما هو مكذِّبٌ لله عزَّ وجلَّ.

وهذا الرضى من الله ليس خاصًّا بالسابقين الأولين، بل دخل فيه بالنص الذين اتَّبعوهم بإحسان، ولا شكَّ عندنا أنَّ كلَّ من صحب هؤلاء السابقين هو ممَّن اتبعوهم بإحسان.


والسؤال هنا: أين المخصص والمقيد؟

يعلم كلُّ من له إلمامٌ بأصول الفقه أنَّ عامَّ الكتاب ومطلقَه لا يُخصِّصه ولا يُقيِّده إلا الكتاب أو السنة الصحيحة، ولا يُخصَّصُ أبدًا بوقائع تاريخيَّة، فأين من الكتاب والسنة ما يخصص ذلك أو يقيده، فإذا لم يأتِ التخصيص من الكتاب والسنة فيبقى تعديل الله تعالى على حاله عامًّا في جميع صحابة رسول الله تعالى.

وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

فقد أثبت سبحانه الرضى عن أصحاب بيعة الرضوان، ومنهم من ذكرنا سابقًا، فأين المخصص والمقيد من الكتاب والسنة الذي يستثني بعض الأشخاص أو الأزمان؟!

قد يقول قائلٌ إنَّ الرضى محدَّدٌ بظرفٍ وهو حين البيعة، وهذا قولٌ لا تُصدِّقه اللغة، لكنَّنا نتنزَّل معه ونقول: فأين تذهبون بالآيات الأخر غير المقيَّدة بظرفٍ كالآيات السابقة، وكقوله تعالى: {جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الآنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 8]، وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 20، 22]، وقوله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 88، 89]..

وقوله تعالى في هذه الآية {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}، عام؛ لأنَّ الأسماء الموصولة من ألفاظ العموم عند علماء الأصول، فأين المخصص من الكتاب أو السنة؟

قد يقول قائل: إن الآيات التي تتحدث عن المنافقين مخصِّصَة لهذا العموم.


والجواب من ثلاثة أوجه:

الأول: أنَّ الله تعالى اختصَّ سبحانه بمعرفة المنافقين حين قال: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة: 101].

فإذا كان سبحانه قد اختصَّ بعلمهم فلا يحقُّ لأحدٍ دعوى معرفتهم، بل إنَّ مَن ادَّعى معرفة أحدٍ منهم غير منصوصٍ عليه فهو مفترٍ على الله تعالى.

الوجه الثاني: أنَّ الله تعالى بيَّن بعض صفاتهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه الصفات لا تنطبق على الصحابة المعروفين بالرواية عنه صلى الله عليه وسلم وأهل البلاء في الإسلام، ومن هذه الصفات:

أنَّهم قعدوا عن الخروج في جيش العسرة، واعتذروا من غير ضعفٍ ولا عجزٍ عن الخروج، وكلُّ من نعرف أسماءهم من الصحابة رضي الله عنهم لا تنطبق عليهم هذه الصفات.

الوجه الثالث: أنَّهم لم يكونوا كثيرين في المجتمع المسلم ولا مؤثرين فيه بدلالة خبر كعب بن مالك الذي نصَّ فيه على أنَّ القاعدين كلَّهم من كان منهم على عذرٍ وضعفٍ أو من قعد دون عذرٍ وضعفٍ بضعةٌ وثمانون رجلًا، وليس منهم أحدٌ ممَّن نعرف أسماءهم بالرواية، ولله الحمد والمنَّة.

وقد يقال: إنَّ من الصحابة من عملوا أعمالًا سيِّئةً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يمكن أن يدخلوا في مسمَّى الصحبة.

فالجواب: إنَّ الله تعالى قال: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 102].

وقوله سبحانه: {عَسَى} كما يقول المفسرون إنَّما هي للتحقيق وليس للتقليل، وهذا هو المتَّضح من التعبير القرآني أنَّ الله تعالى إذا قال: {عَسَى} فمعناها: التحقيق ولله الحمد، كما في قوله سبحانه: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84]، وكما في قوله سبحانه: {فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أو أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52].

أمَّا قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]، فهو من أقوى النصوص صراحةً في توبة الله تعالى ورضاه على جميع المهاجرين والأنصار، ولا مخصِّص له في الكتاب أو السنة فلزم على كلِّ مسلم المصير إليه.

ويُصنِّف بعضُ الناس الصحابةَ من حيث العدالة إلى من أسلم قبل الفتح ومن أسلم بعد الفتح، وهذا التصنيف لا يُصدِّقه الكتاب العظيم؛ حيث يقول تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأموالهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلًا وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].

فهذه الآية سمَّت من أكرمه الله تعالى بالجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن لم يُكرمه الله تعالى بذلك مؤمنًا، كما أنَّهم جميعًا قد حظوا بوعدٍ من الله بالحسنى وهي الجنة {وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47]، ومن تجرَّأ على ذمِّ من وعده الله تعالى بالحسنى فقد اجترح إثمًا عظيمًا.

وفي آيةٍ أخرى يقول تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]، والمعروف عند علماء الأصول أنَّ (كل) و(جميع) من ألفاظ العموم، أي: إنَّ الوعد من الله تعالى بالحسنى يدخل فيه كلُّ الصحابة سواءٌ منهم من أسلم قبل الفتح أم من أسلم بعده.

و-أيضًا- من عموم الاسم الموصول قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].

وممَّا ينبغي التنويه إليه ما رواه عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا أبي، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال: "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين"[1].

وأختم بما قاله ابن القيم رحمه الله في نونيته:

دع ما جرى بين الصحابة في الوغى بسيوفهم يوم التقى الجمعــان
فقتيلهم وقاتلهم لهـــــــــم وكلاهما في الحشر مرحومـان
والله يوم الحشر ينـزع كلمــــا تحوي صدورهم من الأضـغان
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] السنة لأبي بكر بن الخلال، 2/466. محمد بن إبراهيم السعيدي