المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تدبر سورة الحج


امانى يسرى محمد
06-02-2020, 03:44 AM
الوصية بتقوى الله


السورة بأكملها من أول آية حتى آخر آية بكل ما جاء في السورة من أحكام ومن أركان ومن آيات عظام جاءت تمشي مع الإنسان خطوة خطوة نحو تنمية التقوى نحو الترقي به في سُلَّم التقوى فالتقوى درجات والتقوى بناء. نحو تنمية القلب الخاضع الخاشع لربه سبحانه درجة درجة.

ابتدأت بقضية يهيأ لقارئها في البداية أنها لا علاقة لها مباشرة تربط بينها وبين ركن الحج الذي سميت السورة على اسمه.

السورة في أول آياتها تخاطب الناس أجمعين لا تخاطب المؤمنين فحسب مع العلم أن ركن الحج خوطب به الناس جميعاً ولكنه فرض على المؤمن السورة بدأت بقول الله عز وجل
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ)
تخاطب البشرية
(اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)
أول خطاب يخاطب به الله سبحانه وتعالى في السورة البشرية جمعاء هو خطاب التقوى الأمر بالتقوى الوصية بالتقوى
(إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)
القيامة ذلك اليوم الذي قد يستبعده كثير من الناس قد لا يرون صورته بين أعينهم وهم يسيرون في دروب الحياة ولكن هو واقع لا محالة.













أهوال يوم القيامة


(يَوْمَ تَرَوْنَهَا)
المسألة منتهية المسألة من المسلّمات المسألة قادمة قطعاً .. ترون آيات يوم القيامة ترون الساعة ترون أهوال هذا اليوم العظيم
(تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
لو أردنا أن نبحث عن أي كلمات عن أي أوصاف تصف وتقرب أهوال يوم القيامة
للبشر لا يمكن أن نأتي بمثل هذه الآية العظيمة، يا سبحان الله!

هذا الكتاب العظيم معجز في وصفه معجز بكلماته بحروفه بكل شيء فيه ولا عجب فهو من رب العالمين سبحانه. الآية وصفت أنه ما يأتي يوم القيامة من مواقف، من شداد، من أهوال، من صعاب، يجعل حتى المرضعة التي هي أشد ما تكون التصاقاً ومحبة برضيعها تصاب بحالة من الذهول حالة من العجب حالة من الحزن والكرب الشديد يجعلها لا تلتفت إلى هذا الرضيع التي هي في الحالة المعتادة أشد ما تكون التصاقاً به.

(وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا)
من شدة الهول. وترى الناس جميعاً في حالة من الذهول والكرب والحزن الشديد ما يجعلهم في حالة أقرب إلى السكر من أي شيء آخر، السُكر بمعنى غياب العقل بمعنى الذهول بمعنى عدم الإدراك لما يدور حولهم نتيجة للأهوال الشديدة، نتيجة لما يحدث أمام أعينهم في ذلك اليوم الشديد العظيم.

(وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
إذن يا رب هذا اليوم العظيم ما الذي يمكن أن أقدمه بين يدي وأنا الآن أستحضر هذا اليوم ولكني لا زلت في دار العمل؟ ما الذي أفعله؟ كيف يمكن أن أخلّص نفسي من أهوال ذلك اليوم العظيم؟ كيف أستطيع وأنا اليوم في دار العمل في الدنيا أن أقدم بين يدي ذلك اليوم أعمالاً وصفات تقربني إليك أنت وتنجيني من ذلك اليوم العظيم؟



لماذا يا ربي الإيمان بالبعث؟



على الرغم من أن قضية البعث وقضية يوم القيامة قضية محسومة تماماً لا جدال فيها، على الرغم من كل ذلك إلا أن هناك صنف من البشر يجادل ويحاجج بغير الحق في وقوع ذلك اليوم العظيم، لماذا يجادل يا رب؟
يجادل بغير علم ليس لديه حجة قوية ليس لديه دليل على ما يتوهم من عدم وقوع ذلك اليوم العظيم ويتبع كل شيطان مريد، إتباع الهوى إتباع الشيطان الذي يدلي للإنسان بغرور ويمنّيه ويعده

(وما يعدهم الشيطان إلا غرورا).

يعد الإنسان بأن يوم البعث لا يمكن أن يأتي، يعد الإنسان بأنه لا حياة بعد الموت، يعد الإنسان بأنه من المستبعد تماماً أن تعود الحياة للإنسان بعد موته، قضية في غاية الخطورة ولذا كان الإيمان بالبعث قضية محورية الإيمان بالبعث ركن من أركان الإيمان. لا يتم إيمان الواحد منا أبداً إلا بالإيمان بالبعث.

لماذا يا ربي الإيمان بالبعث؟
ولماذا كان الإيمان بالبعث على هذه الدرجة من الأهمية؟
الإيمان بالبعث قضية مصيرية قضية تعتمد عليها كل الأعمال التي يقوم بها الإنسان في الحياة الدنيا، في دار العمل، الحياة. أنا لا أستطيع أن أعيش وأقدم العمل الصالح الطيب الخيّر وقد لا أجد ثمرة له في الدنيا دون أن يكون لدي رصيد كافي ويقين من الإيمان بالبعث.

ودعونا نقف عند مثال واحد فقط: من منّا في الحياة التي نعيشها اليوم في حاضرنا من منا لم تمر عليه ساعة استشعر فيها وقفاً قد وقع عليه فيه ظلم؟
موقفاً قد بُخِس فيه حقه؟
موقفاً نال منه شخص بغير حق وشعر بمعنى الظلم حقاً. من منا لم يشعر في لحظات في حياته أنه لا بد أن تكون هناك محكمة عادلة محكمة لا تقوم على أساس إختبارات البشر ولا على أساس أحكام البشر ولا على تصوراتهم؟ من منا لم تمر عليه لحظة من لحظات الدنيا لم يستشعر بحاجته إلى عدالة السماء؟ من منا لم يستشعر بأن هذه الأرض التي نعيش على ظهرها ينقصها عدالة وعدل حقيقي عدل غير خاضع لأهواء البشر عدل غير خاضع لمصالحهم عدل مطلق وليس عدلاً نسبياً، من منا لم تمر عليه هذه اللحظات؟

الإيمان بالبعث هذا الركن العظيم هو الذي يجعل هذه الأحاسيس ووهذه المشاعر تقف عند الحد الذي ينبغي أن تقف عنده بمعنى آخر أني حتى حين يقع عليّ ظلم ولا أستطيع أن أرده لسبب أو لآخر أشعر بأن هناك عدالة وبأن هناك جزاء وأن هناك محكمة ستأتي لا محالة، محكمة يوم القيامة.

من منا لم يستشعر بالحاجة إلى عدالة الله المطلقة؟ من منا لم يستشعر بالحاجة إلى الله سبحانه وتعالى الحَكَم العدل الذي لا يماري ولا يداهن أحداً من خلقه؟ من منا لم يقل في يوم من الأيام بصدق وبحاجة وبخشوع وتضرع يا رب خذ لي الحق الذي قد انتُهِب أو اختُلس مني؟ من منا لم يشعر بهذه الحاجة؟

الإيمان بالبعث يخفف وطأة وقائع الحياة وما يدور حولنا من أحداث على نفوسنا على قلوبنا يشعرنا بحقيقة قد نغفل عنها أحياناً أن هذه الدنيا التي نعيش فيها هي دار عمل وليست دار جزاء، أنا قد أعمل أعمالاً صالحة عظيمة وكبيرة ولكني لا أجد ثمرة لهذا العمل لسبب أو لآخر.


أهمية الإيمان باليوم الآخر



أنا قد أقوم بكل ما استطيع أن اقوم به كبشر لكن لا ثمرة لعلمي، لا أجد من أهلي وأقاربي ومكان العمل الذي أعمل فيه والمجتمع الذي أعيش فيه لا أجد الجزاء الأوفى، من الذي سيجازيني؟ من الذي سيعطيني؟ من الذي سيكافئني؟ الله سبحانه وتعالى. متى سيكون هذا؟
ليس فقط في الدنيا، قد لا أجد الجزاء ولكن الذي يوفي الجواء الأوفى هو الحق سبحانه وتعالى ولذلك جاءت الآيات في سورة الفاتحة أول سورة في القرآن (مالك يوم الدين) يوم الجزاء يوم الحساب يوم المصير يوم المكافأة لمن لم يجد من يكافئه في الدنيا، يوم الجزاء الأوفى لمن وقع عليه الظلم ولم يجد في محاكم البشر ولا في محاكم الدنيا من ينصفه.

يوم الجزاء هو يوم الراحة والهناء للمؤمن وللإنسان الصادق المُخلِص الوفيّ في عمله الذي نال في الدنيا ما ناله. يوم البعث ركن من أركان الإيمان لا يتم إيمان الإنسان إلا به ومع ذلك يجادل فيه من يجادل تكبراً وعناداً واستبعاداً وإصراراً وربما رغبة في الخلاص من العقوبة رغبة في الخلاص من الحساب.

الإنسان حين يعيش دون أن يستشعر أن هناك رقيب عليه أن هناك حساب سيقف بين يدي الله سبحانه ويحاسبه على الكلمة وعلى التصرف وعلى الفعل وعلى الدرهم وعلى الدينار ولماذا فعلت؟ وكيف فعلت؟ ومن اين أتيت؟
حين يشعر بأنه بعيد عن كل هذه القيود وأنه طليق في تصوره وفي أوهامه التي ينسجه له شياطين الإنس والجن، عندما يشعر بالبعد والانفصال عن كل هذه الأنواع من الرقابات قد تسول له نفسه أن يعبث في الأرض بما يشاء من أنواع الفساد من أنواع التخريب أنواع الظلم والتخريب والاعتداء على حقوق الآخرين.

ما الذي يردعه
يوم البعث يوم الجزاء يوم الإنصاف يوم الحساب.
تقدم آيات سورة الحج وتبني في نفس الإنسان بشكل عام في نفوس كل الناس ولذا جاء الخطاب في أول آية وفي آيات ستأتي فيها في مواضع في سورة الحج
(يا أيها الناس)
الخطاب لكل الناس.






الأدلة العقلية للقراَن الكريم في إثبات البعث
الصورة الأولى


انظر إلى الآية الخامسة وهي تناقش الإنسان المتكبر المتجبر الذي يجادل في الله بغير علم تناقشه إن كان يملك بقية من عقل ومن منطق ومن إحساس، تناقشه بمنطق العقل بمنطق الحُجة بمنطق الحس الذي يؤمن به وليس بمنطق الغيب الذي يؤمن به المؤمن فحسب.

تأتي الآية الخامسة فتقول في سورة الحج
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ)
هذه الصورة الأولى، تقدم سورة الحج في هذه الآية صورة مجسدة مقربة تقرب للإنسان كيف تجادل في وقوع البعث؟ كيف تناقش في قدرة الله عز وجل في إحياء الناس بعد الموت؟ كيف تجادل؟ كيف تجادل في قدرة الخالق سبحانه على أن يعيد الناس إلى الحياة من جديد بعد أن يصبحوا ويتحولوا إلى تراب، كيف تجادل؟!
كيف تجادل وأصل الخلقة الذي هو أصعب واشد بمنطق العقل؟! كيف تجادل وقد خلقك الله أصلاً من تراب؟!

خلق آدم من تراب، كيف تجادل وأنت ترى الإنسان الجنين كيف ينمو خاصة بعد أن كشف العلم الحديث أطوار نمو هذا الجنين ولم يخرج على الإطلاق ولو بقدر شعرة عما وصفته هذه الآية العظيمة هذه الآية في سورة الحج. علماء الأجنّة الأطباء كل ما توصلت إليه الدراسات الحديثة التي قاموا بها لم تخرج عن التوصيف العميق الدقيق الذي جاء من رب العباد سبحانه. هذه الأطوار التي يمر بها الجنين وصفها القرآن قدمتها الآية كيف تجادل إذن؟! كيف أجادل في شيء لا علم لي به؟!
الذي قدر واستطاع بقدرته المطلقة أن يخلق الإنسان من تراب ويمرر به هذه الأطوار العجيبة العظيمة النطفة العلقة المضغة المخلقة وغير المخلقة في تستقر في الرحم ثم تعود إلى الحياة وتنزل بعد ذلك ثم نخرجكم طفلاً ثم تمر بمراحل عديدة ليبلغ الإنسان مرحلة القوة والشباب ثم بعد ذلك يبدأ بمرحلة النزول
(وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا)
هذه الأطوار العجيبة من الذي خلقها؟ من الذي سواها؟
من القادر سبحانه وحده دون سواه أن يغير من نطفة إلى علقة؟ من الذي يستطيع وحده دون سواه أن يغيّر من العلقة إلى المضغة؟ من؟ من يملك كل هذه القدرة المطلقة حتى يستطيع أن يجادل بعد ذلك ويقول ويزعم أن الله سبحانه غير قادر على أن يعيد الإنسان إلى الحياة من جديد بعد أن يصيّره إلى التراب؟
هذه الصورة الأولى في الآية الخامسة.





الأدلة العقلية للقراَن الكريم في إثبات البعث
الصورة الثانية



وتقدم الآية العظيمة صورة أخرى للإنسان صورة تهز الإنسان من أعماقه من جديد تدق له كل أجراس الإنذار لتوقظه من سباته العميق لتشعره بأن يوم القيامة مهما حاولت الهروب منه مهما حاولت أن تهرب من الجزاء مهما حاولت أن تهرب من تلك المحكمة التي ستأتي لا محالة لا تستطيع الهروب.
الصورة الثانية تتعلق أيضاً بصورة حسية نراها أمام أعيننا ليل نهار.
وانظر إلى قول الله عز وجل وإعجاز القرآن في الكلمة
(وَتَرَى الْأَرْضَ)
أمر محسوس أمر نبصره بأعيننا أمر نعاينه كل يوم كل ليلة
(وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً)
خامدة في حالة موت هامدة
(فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء)
من الذي ينزل الماء؟ الله سبحانه وتعالى
(اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)
سبحان الله العظيم!
آية في غاية الإعجاز والعظمة!

كل ما نحتاج إليه لاستشعار عظمة هذه الآية أن أنظر في الواقع الذي أعيش أن أتدبر في الكون الذي حولي الذي ينطق بقدرة الله سبحانه وتعالى المطلقة.
من الذي يحيي الأرض بعد موتها. أليس هو الله سبحانه؟ من الذي يعيد الحياة إلى الأرض الميتة بعد أن قد جفّت وانتهت كل أشكال الحياة فيها لا نبات ولا عشب ولا حياة على الإطلاق ينزل الله سبحانه وتعالى الماء بقدرته على هذه الأرض الميتة فيحييها من جديد لينبت فيها كل أنواع النبات من كل زوج بهيج، من الذي أحياها؟ من الذي بثّ فيها الروح من جديد؟ أليس هو الله سبحانه؟ أليس هو القادر على أن يحيي الموتى كما يحيي هذه الأرض؟ يا سبحان الله!

هذه الآية العظيمة وحدها إذا تدبرت فيها وربطت بين ما أراه في الكون وبين كلمات الآيات وبين حروفها يبدأ الإنسان باليقظة يتخلى عن كبريائه يتخلى عن عناده يتخلى عن إصراره الكاذب عن إصراره وعناده وجداله بغير علم بقدرة الله سبحانه وتعالى على الإعادة إلى الحياة بعد الموت.
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
انظر إلى عظمة الآية.
الحق هو الله سبحانه، الحق هو الله وحده لا شريك له قادر على كل شيء وليس فقط على إعادة الناس إلى الحياة بعد الموت
(وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ).
الآن وبعد أن قدّمت وتم البناء في نفس الإنسان غير المكابر غير المعاند بعد أن تم بناء الإيمان بالبعث والإيمان بأن هناك يوم قادم لا محالة وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى سيحاسب ويجازي وهناك محكمة عادلة تحاسب الناس على أعمالهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم، إعمل ما شئت في الدنيا ولكن ضع أمام عينيك أنك ستحاسب على كل ما تقوم به.
هذه الحقيقة الحاضرة الغئبة عن أذهان كثير من الناس تبنيها سورة الحج.














ما العلاقة بين الإيمان بالبعث وبين الحديث عن الحج؟











ولكن قبل أن نستمر في تدبر آيات سورة الحج لنا أن نتساءل يا ترى لماذا جاءت سورة الحج بهذه البداية العظيمة والحديث المتواصل القوي الحاضر عن قضية البعث؟ لماذا؟ ما العلاقة بين الإيمان بالبعث وبين الحديث عن الحج؟
ما العلاقة بين هذه البداية المركزة التي تركز في نفس الإنسان الإيمان بالبعث والكلام عن الحج؟ السورة تتحدث عن الحج وسيأتي الحديث عن الحج فلماذا الكلام في البداية عن البعث؟
سبحان الله العظيم!
هذا القرآن العظيم –كما ذكرنا قبل قليل- مُعجز في كل شيء مُعجز في تناسب الآيات والسور، مُعجز في ترتيب الايات في السورة الواحدة، مُعجز في تقديم الأمثال، مُعجز في كل شيء، يا سبحان الله!

من أراد أن ينظر إلى منظر مصغّر ليوم البعث وليوم القيامة فليتدبر الحجّ.
من أراد أن يرى مواقف وأهوال يوم القيامة بصورة مصغّرة مبسطة بطبيعة الحال فليذهب إلى الحج؟ كيف؟

مواقف يوم القيامة مواقف الحشر وقوف الناس ازدحام الناس ما يظهر عليهم من آثار السهر والتعب الشديد والنصب مظاهر أريد لها أن تجعل الإنسان يقترب قليلاً بعض الشيء من مواقف الحج. الحرّ الشديد الزحام الخانق الانتظار الطويل، حال البشر وهم يجتمعون في حالة انكسار وذل وخضوع وتضرع بين يدي الله سبحانه وتعالى. اللباس البسيط الذي يلبسه كل الحجيج دون طبقية دون فرق بين عزيز وذليل، دون فرق بين غني أو فقير دون طبقية على الإطلاق، دون فرق بين أسود أو أبيض، الكل يلهج بالدعاء والتضرع والخضوع والانكسار والذلة لله سبحانه وتعالى، للواحد، للملك، يقفون على هذه المواقف والمشاعر يطلبون شيئاً ًواحداً الكل يشتركون في طلب شيء واحد تركوا من ورائهم الدنيا تركوا الأعمال تركوا المناصب تركوا الأهل تركوا الأولاد تركوا كل شيء وجاؤوا لله الواحد القهار يسألونه صفحاً عفواً مغفرة رحمة من عنده.

هذه المواقف العظيمة تذكر بشيء واحد تذكر بمواقف يوم القيامة مع فارق واحد أني حين أقف في الحج في المشاعر المقدسة على جبل عرفة على منى على مزدلفة حيت أقف تلك المواقف أنا لا زلت في دار العمل لا زلت فيها والحج عمل ومن أعظم العمل. أما يوم القيامة فسأقف مواقف الذل والتضرع والخضوع والترقّب والتوجس
ولا يمكن أن يكون بين يدي عمل آخر أستطيع أن أقدمه فى الآخرة ومواقف يوم القيامة دار جزاء لا دار عمل، انظر إلى الفارق وانظر إلى الربط العظيم الذي ينبغي أن يستحضره كل من يقف في مواقف الحج العظيمة كل من يقف على جبل عرفة عليه أن يتذكر ذلك الموقف الرهيب الذي سيأتي لا محالة. كل من يقف وينفر من منى إلى عرفة إلى مزدلفة عليه أن يتذكر تلك المواقف العظيمة عليه أن يتذكر تنقله بين مواقف وعرصات يوم القيامة عليه أن يتذكر الحال التي سيكون عليها وعليه أن لا ينسى أبداً أنه اليوم لا يزال في رحمة الله سبحانه هو لا يزال في دار العمل فليقدم بين يدي الله سبحانه من الأعمال ما يستطيع أن يقدّمه قبل فوات الأوان. الإيمان بالبعث يبقى دائماً حاضراً في سورة الحج ليؤكد على معاني التقوى ليكون هو الدافع الرئيس للإنسان للعمل للتزود بزاد الدنيا إلى زاد الآخرة للتزود بالأعمال الصالحة للقيام بكل ما يمكنه أن يقوم به ويتزود به من عمل في هذه الدنيا قبل فوات الأوان.














ما العلاقة بين الإيمان بالبعث وبين الحديث عن الحج؟



قبل أن نستمر في تدبر آيات سورة الحج لنا أن نتساءل يا ترى لماذا جاءت سورة الحج بهذه البداية العظيمة والحديث المتواصل القوي الحاضر عن قضية البعث؟ لماذا؟ ما العلاقة بين الإيمان بالبعث وبين الحديث عن الحج؟
ما العلاقة بين هذه البداية المركزة التي تركز في نفس الإنسان الإيمان بالبعث والكلام عن الحج؟ السورة تتحدث عن الحج وسيأتي الحديث عن الحج فلماذا الكلام في البداية عن البعث؟
سبحان الله العظيم!
هذا القرآن العظيم –كما ذكرنا قبل قليل- مُعجز في كل شيء مُعجز في تناسب الآيات والسور، مُعجز في ترتيب الايات في السورة الواحدة، مُعجز في تقديم الأمثال، مُعجز في كل شيء، يا سبحان الله!

من أراد أن ينظر إلى منظر مصغّر ليوم البعث وليوم القيامة فليتدبر الحجّ.
من أراد أن يرى مواقف وأهوال يوم القيامة بصورة مصغّرة مبسطة بطبيعة الحال فليذهب إلى الحج؟ كيف؟

مواقف يوم القيامة مواقف الحشر وقوف الناس ازدحام الناس ما يظهر عليهم من آثار السهر والتعب الشديد والنصب مظاهر أريد لها أن تجعل الإنسان يقترب قليلاً بعض الشيء من مواقف الحج. الحرّ الشديد الزحام الخانق الانتظار الطويل، حال البشر وهم يجتمعون في حالة انكسار وذل وخضوع وتضرع بين يدي الله سبحانه وتعالى. اللباس البسيط الذي يلبسه كل الحجيج دون طبقية دون فرق بين عزيز وذليل، دون فرق بين غني أو فقير دون طبقية على الإطلاق، دون فرق بين أسود أو أبيض، الكل يلهج بالدعاء والتضرع والخضوع والانكسار والذلة لله سبحانه وتعالى، للواحد، للملك، يقفون على هذه المواقف والمشاعر يطلبون شيئاً ًواحداً الكل يشتركون في طلب شيء واحد تركوا من ورائهم الدنيا تركوا الأعمال تركوا المناصب تركوا الأهل تركوا الأولاد تركوا كل شيء وجاؤوا لله الواحد القهار يسألونه صفحاً عفواً مغفرة رحمة من عنده.

هذه المواقف العظيمة تذكر بشيء واحد تذكر بمواقف يوم القيامة مع فارق واحد أني حين أقف في الحج في المشاعر المقدسة على جبل عرفة على منى على مزدلفة حيت أقف تلك المواقف أنا لا زلت في دار العمل لا زلت فيها والحج عمل ومن أعظم العمل. أما يوم القيامة فسأقف مواقف الذل والتضرع والخضوع والترقّب والتوجس
ولا يمكن أن يكون بين يدي عمل آخر أستطيع أن أقدمه فى الآخرة ومواقف يوم القيامة دار جزاء لا دار عمل، انظر إلى الفارق وانظر إلى الربط العظيم الذي ينبغي أن يستحضره كل من يقف في مواقف الحج العظيمة كل من يقف على جبل عرفة عليه أن يتذكر ذلك الموقف الرهيب الذي سيأتي لا محالة. كل من يقف وينفر من منى إلى عرفة إلى مزدلفة عليه أن يتذكر تلك المواقف العظيمة عليه أن يتذكر تنقله بين مواقف وعرصات يوم القيامة عليه أن يتذكر الحال التي سيكون عليها وعليه أن لا ينسى أبداً أنه اليوم لا يزال في رحمة الله سبحانه هو لا يزال في دار العمل فليقدم بين يدي الله سبحانه من الأعمال ما يستطيع أن يقدّمه قبل فوات الأوان. الإيمان بالبعث يبقى دائماً حاضراً في سورة الحج ليؤكد على معاني التقوى ليكون هو الدافع الرئيس للإنسان للعمل للتزود بزاد الدنيا إلى زاد الآخرة للتزود بالأعمال الصالحة للقيام بكل ما يمكنه أن يقوم به ويتزود به من عمل في هذه الدنيا قبل فوات الأوان.


يتبع




إسلاميات

امانى يسرى محمد
06-02-2020, 03:46 AM
إجعل البعث حقيقة حاضرة في حياتك



(وَأَنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ )
القضية حقيقة ولكن ليست المسألة في وقوع هذه الحقيقة التي ستقع لا محالة دون شك ولا ريب، الإشكالية في بعض الناس في أصناف من الناس حقيقة الإيمان بالبعث لديهم فيها شك فيها جدال فيها عدم استحضار لهذه الحقيقة استحصاراً يدفع بهم إلى العمل وإلى التضحية وإلى تقديم كل غالي ونفيس في سبيل العمل الصالح في سبيل نيل رضى الله سبحانه وتعالى.

وانظر معي إلى قول الله عز وجل في الآيات التي تليها وهو يقسم أنواع من البشر أنواع من الناس لم يجعلوا الإيمان بالبعث حقيقة حاضرة في حياتهم
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ )
هذا الصنف من الناس
(ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
لأن القضية أصبحت جدالاً بالباطل، قضية البعث ليست مسألة تصديق وتكذيب هو يعلم هذه الحقيقة ولكنه يجادل بغير علم، يبتعد عن هذه الحقيقة، يتخذ كل الوسائل والسُبُل للتكذيب بها، هذا النوع من الناس إختار طريق الضلال والصدّ عن سبيل الله عز وجل، يستخدم كل ما أوتي من قوة مادية إعلامية سياسية اقتصادية لأجل الصدّ عن سبيل الله عز وجل.

وتأملوا معي كيف يجعل الله سبحانه وتعالى في آيات سورة الحج الإيمان بالبعث حقيقة واقعة، تأملوا معي قول الله عز وجل
(لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ )
يجعل الإنسان يستشعر كل ما أقوم بعمل من الأعمال صالحاً أو غير ذلك كل ما قمت بعمل علي أن أستحضر الجزاء قبل أن أقوم به عليّ أن أتوقف للحظة ما نتيجة العمل؟
ما هي النتيجة التي ستترتب على العمل الذي سأقوم به؟
هذا الإنسان الذي ضلّ عن سبيل الله وصدّ عن سبيل الله يتوعده ربي عز وجل بخزي بفضيحة في الدنيا ربما تكون فضيحة مالية ربما تكون فضيحة أخلاقية ربما تكون في السياسة ربما تكون في أي شيء ولكن خزي ومذلة ومهانة لماذا؟
الجزاء من جنس العمل، أراد الصدّ وإضلال الآخرين عن طريق الحق، لم يكتفي فقط بإضلال نفسه لم يكتفي فقط بأن يكون هو مبتعداً عن خالقه سبحانه لكنه أراد أن يردي الآخرين في هذا الطريق فكان الجزاء له من نفس العمل
(لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ).

علاقة البعض مع الله علاقة قائمة على المنفعة
ï»؟


صنف آخر من الناس لم يجعلوا الإيمان بالبعث حقيقة واقعة مطبقة في حياتهم، هذا الصنف من الناس قد يؤمن بالبعث ولكن العلاقة بين استحضار هذه العلاقة فيها ضعف شديد فيها نوع من أنواع الخنوع من أنواع الذل والخنوع للدنيا ومطالبها، كيف؟

يقول الله سبحانه وتعالى واصفاً هذه الفئة من الناس
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )

هذا النوع من الناس علاقته مع الله عز وجل علاقة قائمة على المنفعة، قائمة على المصلحة، يعبد الله طالما أن طاعة الله سبحانه وعبادة ربه عز وجل وتقرّبه من الله سبحانه يأتي له بالمنفعة يأتي له بالمصالح الشخصية المنافع الدنيوية قد يجد زيادة في رزقه قد يجد بركة في وقته في ماله في أولاده في صحته قد يجد هذه الأمور، فكلما زاد له الله سبحانه من أمور الدنيا كلما ازداد تقربًا وصلاحاً وكلما ازداد التزاماً وكلما بدأت الدنيا بعض الشيء تبتعد عنه أو تمتنع عنه أو تأتيه أي نوع من أنواع الانتكاسات أو الابتلاءات أو الامتحانات التي يتعرض لها البشر بمختلف التزاماتهم



ليس بالضرورة فقط المؤمن ما من بشر في هذه الدنيا إلا وهو معرّض للابتلاءات المؤمن وغير المؤمن في ذلك سواء ولكن المؤمن يرجو عند الله ما لا يرجوه غيره من البشر, هذا النوع من الناس إذا جاءه أي نوع من الابتلاءات بدأ يتذمر بدأ يتراجع في التزامه مع الله عز وجل بدأت ثقته بربه تضعف بدأ بدل أن يحسن الظن بالله عز وجل يسيء الظن بخالقه، يا رب أنا ازددت لك صلاة، أنا ذهبت إلى الحج أنا ازددت في التزامي فلماذا بدأت الابتلاءات تأتي على رأسي واحدة بعد الأخرى كلما ازددت التزاماً وتقرباً منك؟!
هذا النوع من المساءلة هذا النوع من العلاقة مع الله شيء غير مشروع، غير مقبول

سورة الحج تبني في نفسي علاقة حسن الظن والثقة المطلقة بالله



علاقتي مع الله عز وجل ينبغي أن تكون علاقة ثابتة علاقة مطلقة لا تهزها النوائب لا تغيرها المصائب أحبه في السراء وأحبه في الضرّاء، أحبه في الرخاء وأحبه في الشدّة، أحبه في الصحة وأحبه في المرض أحبه إن أقبلت الدنيا عليّ وأحبه سبحانه إن أدبرت الدنيا عني، ليس المقياس لدي إقبال الدنيا أو إدبار الدنيا المقياس الحقيقي عندي ثقتي ويقيني المطلق بالله سبحانه وتعالى يقيني الذي لا يتزعزع ثقتي المطلقة بخالقي سبحانه أنه حتى حين يمنع عني إنما منعه عطاء، منعه لأجلي، ابتلاؤه هو خير لي.

قد لا أرى الحكمة من وراء هذا الابتلاء أو الامتحان، قد لا أرى الحكمة في الانتكاسة التي أصابتني في مالي أو في تجارتي أو في صحتي أو في أولادي ولكن قطعاً هناك حكمة ولكن أمر المؤمن كله خير إن أصابتني السراء شكرت وحمدت وتقربت إلى الله عز وجل وإن أصابتني الضراء صبرت فكان كذلك خيراً لي.
هذا النوع من العلاقة هو ما تريد آيات سورة الحج أن تبنيه في نفسي علاقة حسن الظن والثقة المطلقة بالله سبحانه، اليقين بأن الله سبحانه وتعالى لا يختار لعبده المؤمن المتقرّب المُقبل عليه إلا الخير في كل شيء قد لا تتضح لي الحكمة في الموقف الذي أصابني في الابتلاء الذي أصابني في الانتكاسة التي مرّت بي ولكن الحكمة موجودة عند الخالق سبحانه الذي كل شيء لديه بقدر سبحانه وتعالى.



الجزاء قد لا آخذه في الدنيا ولكني قطعاً أؤمن بالبعث وأؤمن بيوم الدين، إيماني بالجزاء إيماني بكل هذا إيماني بنتيجة العمل الذي أقوم به قطعاً هي واقعة في نفسي هذا الوقوع وهذا الإحساس وهذا الاستحضار العظيم ليوم البعث يولد طاقة هائلة عند الإنسان طاقة إحسان الظن بخالقه عز وجل ولذا كان حسن الظن بالله سبحانه من حسن العبادة ولذا ربي عز وجل يقول في الحديث القدسي:

أنا عند ظن عبدي بي.

لذا القرطبي لديه كلام جميل في تعليقه على هذا الحديث يقول:

ظنّ الإجابة عندما تدعو الله سبحانه وتتوجه إليه وظنّ القبول عندما تطلب المغفرة منه وظنّ التوبة عندما تتوب وتؤوب إلى خالقك سبحانه.

عليّ أن أغلّب في حياتي حسن الظن بالله سبحانه.

تأملوا معي موقف الحبيب صلّ الله عليه وسلم حينما هاجمه وطرده أهل الطائف، ذهب بدعوته إليهم ذهب إليهم وتجشم العناء والتعب وما ناله بعد ذلك إلا أي شيء؟ إلا أن أغروا به صبيانهم ليرموا بقدمه الشريفة الأحجار وكل ما كان لديهم، ماذا كان موقف الحبيب صلّ الله عليه وسلم؟ هل تراجع؟ هل تراجعت ثقته بربه وبخالقه؟
أبداً، ما كان منه إلا أن شكا إلى ربه وناجى خالقه سبحانه فقال: إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي لك العتبى حتى ترضى ولا حول لا قوة لي إلا بك.
هذا الإيمان الثابت، هذا الإيمان الذي أنا بحاجةï»؟ شديدة إليه اليوم.






لا ناصر إلا الله ولا معين إلا الله



عدم الثقة بالله سبحانه أو ضعف الثقة بالله أو عدم إحï»؟سان الظن به يجر الإنسان إلى الإستعانة بالمخلوقين دون الخالق وهذا خلل في التوحيد عظيم وليس بالبسيط.

عدم إحسان الظن باللï»؟ه في مسألة بسيطة على سبيل المثال في مسألة النصر أو الرزق أو ما شابه ذلك يجرّنا إلى الإستعانة بأولياء من دون الله سبحانه ولذا جاءت الآية العظيمة -وتأملوا عظمة وإعجاز القرآن في ترابط آياته- بعد الآية التي قال عنها

(ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)

عن هذا النوع من البشر

(يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ *يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ )
ضعف الثقة بالله سبحانه واليقين به يجر الإنسان إلى الوقوع في موالاة المخلوقين دون الخالق في طلب الرزق منهم والاستعانة بهم ونصرتهم دون الاستنصار والاستعانة بخالقه عز وجل.

ومن كان هذا حاله يصفه القرآن فيقول
(ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ).
هذه الآيات تركز في نفوسنا جميعاً خاصة حينما يذهب الإنسان إلى الحج ويرى بأم عينه كيفية تضرع الخلق إلى خالقهم الغني والفقير القوي والضعيف العزيز والذليل الكبير والصغير الأسود والأبيض العربي وغير العربي كلهم يشعرون بمدى الحاجة إلى الخالق سبحانه. هذا الإحساس والشعور يوقظ في نفسي كإنسان الشعور الذي تعززه هذه الآيات أن لا ناصر إلا الله ولا خالق إلا الله ولا رازق إلا الله ولا معين إلا الله ولا مجير إلا الله سبحانه وتعالى وهذا الإحساس بالضبط ما تبنيه في نفسي آيات سورة الحج.


استحضار يوم القيامة والعمل له



(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )
تأملوا معي قول الله

(وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ)

من يتعالى عن السجود لخالقه من لا يخضع لخالقه سبحانه بالسجود والتذلل والانكسار بين يديه إنما هو في حقيقة الأمر يهين نفسه ولا يهين شيئاً آخر.

قمة الإهانة أن لا يخضع الإنسان لخالقه، لماذا؟

لأنه إن لم يخضع لخالقه قطعاً سيخضع لمخلوق وتلك هي قمة الإهانة وقمة الكرامة والعزة أن يخضع لخالقه، قمة الكرامة أن يضع جبهته على الأرض سجوداً وانصياعاً وخضوعاً وانقياداً لأمره سبحانه وتعالى.

السجود الذي تأتي به هذه الآية في سورة الحج ليس مجرد سجود الجباه، لا، سجود القلب خضوعاً وانقياداً وتسليماً لخالق عظيم لخالق لا يخرج شيء في هذا الكون عن إرادته وقدرته وقوته سبحانه.

ثم تتوالى الآيات آية بعد آية لتستحضر وتذكّر الإنسان دائماً بالجزاء
(هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ )

ثم تأتي عن المؤمنين فتقول

(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ )

ولنا أن نقف ونتساءل لماذا يتكرر في سورة الحج ذكر الجزاء للمؤمن وغير المؤمن آية بعد آية تقريباً بعد كل مقطع من مقاطع سورة الحج يأتي الحديث عن الجزاء،

لماذا يا رب؟
كما ذكرنا في البداية سورة الحج تريد أن تبني فيّ التقوى تريد أن تبني قمة التقوى في قلبي، تريد أن تصنع من قلبي قلباً مخبتاً متواضعاً عائداً لربه سبحانه، وأعظم وسيلة لصناعة التقوى ولبناء القلب المخبت الراجع المتواضع إلى ربه المنكسر بين يدي خالقه التذكير المستمر بالبعث جعل قضية القيامة وقضية الجزاء قضية حاضرة كأني أنظر إليها كأني أراها أمام عيني ليل نهار، لا ينبغي أن تغيب عن عيني أبداً، لا ينبغي أن يغيب استحضار اليوم الآخر عن قلبي عن واقعي عن سلوكياتي.

وهنا يحضرنا تصرّف النبي صلّ الله عليه وسلم مع أصحابه.

النبي صلوات الله وسلامه عليه كان كلما جلس مجلساً مع أصحابه ذكّرهم بيوم البعث ذكّرهم بالجزاء ذكّرهم بالآخرة ليجعل قضية الآخرة حاضرة دائماً كأنهم يعيشونها.

في الحقيقية جعلهم يعيشونها قبل الموت في الحياة الدنيا، لماذا؟

ليكونوا أكثر تمسكاً بها ليكونوا أكثر إقبالاً على الآخرة وأكثر حباً للآخرة وأكثر ابتعاداً عن ملهيات الدنيا ومغرياتها.


تذكر ولا تنسَ الجنة !



ذات يوم جاء للنبي صلّ الله عليه وسلم قطعة من حرير ناعمة ذات ملمس ناعم رقيق جعل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يتلمسونها بأيديهم ويتعجبون من رقتها وحُسنها فإذا بالنبي صلّ الله عليه وسلم ينظر إليهم ويقول أتعجبون من لين هذه ووالله لمناديل سعد بن معاذ في الجنة ألين من هذه وأحسن أو كما قال عليه الصلاة والسلام. ما الذي جاء بذكر مناديل سعد في الجنة بهذه القضية المادية المحسوسة التي كانت أمام أعينهم؟ أراد أن ينقلهم نقلة سريعة وواضحة وقوية من التأمل في مسألة دنيوية كقطعة الحرير إلى الربط بمسألة أخروية مناديل سعد بن معاذ في الجنة أرقّ من هذه وأليَن. عندما أجعل الآخرة حاضرة في ذهني حاضرة في واقعي أعيشها قبل أن أعيش الآخرة قبل أن أصل إليها يدفعني إلى ذلك التضحية يدفعني ذلك إلى سهولة أن أقدّم ما لدي في الدنيا مهراً لتلك الجنة مهراً للآخرة.

هذا النوع من الاستذكار الدائم للآخرة هو الذي حدا بصحابة النبي صلوات الله وسلامه عليه هذا ما حداهم أن يضحوا بكل شيء لأجل الآخرة لأنهم عاشوها ولذلك كان بعض الصحابةرضوان الله عليهم يقول في غزوة أُحد إني لأشم ريح الجنة من خلف جبل أُحد، إني لأشم ريحها كانوا يستشعرونها حقيقة، كانوا يعيشونها ولذا كان الواحد منهم يقول إن عشت حتى أنتهي من أكل التمرات إنها لحياة طويلة! هي ثواني هي مجرد دقائق، ما الذي جعلها حياة طويلة أمام هذا الواحد منهم؟

تلك الحياة تلك الجنة التي كانوا يتوقون إليها.

ما الذي أبعدنا اليوم عن الآخرة؟ ما الذي جعلنا نتشبث بالدنيا تشبثاً شديداً؟ جعلنا لا نستطيع أن نضحي بشيء من متاعها الزائل؟ ما الذي جعلنا نصل إلى هذه الحالة؟ عدم استذكار الآخرة، البعد عن استحضار الإيمان بالبعث، البعد عن استذكار الجنة استذكاراً يجعل الجنة حاضرة في مواقعنا حاضرة في قلوبنا فإن سكنت على سبيل المثال بيتاً جديداً أو قصراً أو انتقلت إلى بيت جديد إستحضرت بيوت الجنة إستحضرت قصور الجنة إستذكرت رياش الجنة إستذكرت لباس الجنة حين أرتدي لباساً جديداً حين أشمّ ريحاً طيباً أقول في نفسي ما بال ريح الجنة؟ كيف ستكون الجنة؟ كيف ستكون أنهار الجنة؟

إن رأيت منظراً حسناً من مناظر الدنيا أو تأملت في الكون إستذكرت الجنة إستذكرت الآخرة هذا هو ما نحتاج إليه لنصل إلى إيمان حقيقي يجعل التقوى حاضرة في قلوبنا حاضرة في واقعنا حاضرة في سلوكياتنا، وهذا ما تبنيه فيّ سورة الحج آية بعد آية.

ثم تنتقل الآيات إلى قول الله عز وجل
(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ )
هذه الحقيقة الحاضرة دائماً الإنتقال السريع من الجزاء في الآخرة والحديث عن الجنة وكيف أن لباسهم حرير ثم إلى (هدوا إلى الطيب من القول)الجزاء من جنس العمل، جعل الجزاء دائماً حاضراً قبل أن يقوم الإنسان بالعمل يذكره بالجزاء.
أنت حين تقوم بعمل صالح قدّم الله لك الجزاء قبل أن تقوم بالعمل.



طهر قلبك



كل من أتعبته هموم الحياة كل من أتعبته مشاغل الدنيا ومكائد الدنيا وابتلاءات الدنيا ومصائب الدنيا عندما يأتي إلى هذا البيت الحرام لن يجد فيه إلا الأمن والأمان والصفاء والنقاء والسكينة، هذا وعد من رب العالمين. وفي ذات الوقت
(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ)

مجرد إرادة، قد لا يُقدِم، مجرد تفكير مجرد أن يريد أن يفعل هذا الفعل توعده الله عز وجل بالعذاب الأليم، لماذا؟

حفاظاً على قدسية هذا المكان العظيم، حفاظاً على مكانته في القلوب وفي النفوس المؤمنة التي جاءت إليه من كل فجّ عميق - كما ستأتي الآيات - لترقى إلى مستوى الصفاء لترقى إلى مستوى الأمن والأمان والسكينة والراحة والهدوء التي جاءت تبتغيها في هذا المكان العظيم.


(وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )

بدأت الآيات بالحديث عن الحج من خلال الحديث عن مكانة وقدسية البيت الحرام وقصة بناء البيت الحرام. وربطت الآيات هذا البناء العظيم الذي نراه اليوم بعد كل تلك السنوات آلآف السنين ربطته بإبراهيم عليه السلام. هذا الربط العظيم يذكرنا بشيء واقع، يذكرنا بالتوحيد، التوحيد الذي أقام على أساسه إبراهيم عليه السلام قواعد هذا البيت. هذا البيت العظيم ليس مجرد أحجار بنيت حجارة فوق حجارة، هذا البيت العظيم قام على التقوى قام على التوحيد قام على

(أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ).


هذا البيت العظيم البيت الحرام بيت الله الحرام، هذا البيت العظيم طُهّر من الشرك قبل أن يطهّر الطهارة الحسية طُهّر طهارة معنوية والطهارة المعنوية هي طهارة التوحيد طهارة العقيدة طهارة وجود أي خلل في العقيدة ولذا على المؤمن المقبل على هذا البيت العظيم أن يطهر قلبه من الشرك كما طُهر هذا البيت الذي يطوف به من الشرك.


ولذا جاءت الآية

(أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا)

أحتاج وأنا أطوف بالبيت وأنا أبدأ بمراسيم الإحرام وشعائر الإحرام، أحتاج قبل أن أبدأ بشعائر الإحرام وأرتدي لباس الإحرام أن أتطهر أن أطهر قلبي من كل شرك، من كل خلل، أن أطهر قلبي من كل ما يمكن أن يصدّ عن سبيل الله عز وجل أن أطهر قلبي وأصفّيه وأنقّيه.

كلنا يعلم أن الاغتسال للإحرام والدخول في الإحرام هو سُنّة وليس بفرض ولكن أن أغسل قلبي من الشِرك وأن أنزّه قلبي وأطهّره من أن يلتفت إلى أي أحد سوى الله سبحانه وتعالى إيماناً أو يقيناً أو استعانة أو استنصاراً أو استرزاقاً إنما هو فرض عين عليّ أن أقوم به في كل وقت وفي وقت الإحرام أفرض فأنا متوجه لخالقي متوجه لبيت الله الحرام.


التفاوت بين زيارة ملوك الدنيا وبين زيارة بيت الله الحرام


إسلاميات
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ )

أذّن في الناس هذا النداء الخالد العظيم الذي قام به إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، هذا النداء العظيم الذي بنى أسسه إبراهيم عليه السلام بناء متواصل بناء عميق في البشرية بناء يذكرني اليوم وأنا أذهب إلى الحج أن هذه الرسالة رسالة التوحيد الخالدة عميقة الجذور عميقة الجذور في تاريخ البشرية وأنها هي الأصل وأن عدم التوحيد والابتداع والبُعد عن الله سبحانه وتعالى والشرك كل هذه المظاهر مظاهر طارئة على البشرية الأصل في البشرية هو التوحيد الأصل في هذا النداء العظيم هو التوحيد الذي جاءت أسس البيت على إقامته.




(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا)

يأتون بكل الوسائل، وسائل النقل المختلفة منهم من يأتي راكباً ومنهم من يأتي ماشياً مختلف الأنواع مختلف الوسائل تلبية لهذا النداء العظيم. ونريد أن نتوقف عند نقطة عظيمة، نقطة علينا أن نربط بين معاني الحج ومعاني الواقع الذي أعيش فيه. كلنا يعلم أن الناس في واقعنا إذا ما أرادوا أن يأتوا لزيارة أحد الملوك أو أحد الكبار من البشر أو أحد الأمراء يرتدوا ويلبسوا أجمل وأحسن وأفخر ما لديهم من الثياب احتراماً لهذا الشخص ولهذا الملك أو لهذا الكبير الذي جاؤوا لزيارته.


ما بال الحجيج حين يأتون لزيارة بيت الله الحرام لا يرتدون إلا تلك القطعة المتواضعة البسيطة التي تشبه الكفن؟ ما بالهم لا يرتدون أفخر الثياب؟ لماذا هذا التفاوت الغريب العجيب بين زيارة ملوك الدنيا وبين زيارة بيت الله الحرام ولله المثل الأعلى؟

الناس حينما يُقبِلون على الملوك والأمراء إنما يُقبِلون على بشر مهما بلغت منزلة هؤلاء البشر في النهاية هم بشر ينظرون إلى الثياب ينظرون إلى المظهر الخارجي الذي يرتديه الآخرون

أما الله سبحانه وتعالى له المثل الأعلى لا ينظر إلى صورنا لا ينظر إلى اللباس الخارجي الذي نرتديه ولكنه ينظر إلى لباس التقوى الذي يرتديه القلب الذي لا يطّلع عليه إلا الله سبحانه وتعالى.

التفاوت واضح والمقصد عظيم.


قلة من الناس من يلتفت إلى هذا المعنى العظيم وهو ينوي الحج وهو ينوي العمرة حال ارتدائه للباس الإحرام. كلنا يعلم أن الحجيج لا يهتمون اهتماماً حقيقياً بالكماليات عندما ينوون النية للحج أو العمرة لأنهم يدركون تماماً أن الخالق أن مالك الملك الذي يتوجهون لزيارة بيته الحرام لا ينظر إلى صورهم لا ينظر إلى قطعة القماش التي يرتدونها لا ينظر إلى أي ماركة أو أي صنف أو إلى أي نوع من أنواع الأقمشة يرتدون ولكنه سبحانه ينظر إلى تلك القلوب التي لا ينبغي لها أن تأتي إلى الحج إلا وقد لبست وارتدت لباس التقوى.



المنافع الحقيقية المتوخاة من رحلة الحج



(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ)
مطلق المنافع ممكن أن تكون منافع دنيوية ولكن التركيز الأعظم على المنافع المعنوية. وأيّ منافع معنوية يا رب؟
أن أرجع بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل وتجارة لن تبور ليس كتجارة الدنيا.

الحاج قد يذهب إلى الحج ويقوم ببعض الأعمال ويقوم ببعض الأنواع من التجارة ومن الأمول ومما شابه ويلتقي ببعض الناس هذا أمر وارد ولكن المكسب الحقيقي والتجارة الحقيقية التي لن تبور هي التجارة مع الله سبحانه بالعمل الصالح.
ولذا جاءت آيات في الحج عندما يقول الله سبحانه وتعالى

(وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة)

يا أصحاب العقول النيّرة أصحاب العقول المتدبّرة المتبصّرة التي تستطيع أن تتدبر في معاني الحج في مقاصد الحج وأن تحوّل الحج من مجرد رحلة عادية إلى رحلة العمر حقيقة إلى رحلة الدنيا والآخرة إلى رحلة الذنب المغفور إلى رحلة التجارة التي لن تبور كل تجارة إلى بوار إلا التجارة الوحيد التي لن تبور مع الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح بالعمل النافع بالعمل الخيّر.

ساعات الحج ودقائق الحج ولحظات الحج وثواني الحج من أغلى وأنفس اللحظات في العمر كله وليس فقط في الحج. ولذا على الحاج المتوجّه أن لا يشغل قلبه ولا لسانه ولا خاطره بشيء من الدنيا، لا يشغله بأي شيء سوى ذكر الله سبحانه.
وتدبروا معي قول الله سبحانه وتعالى
(لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)
إذن هو ذكر الله عز وجل في القلب وفي اللسان وفي الخاطر وفي الذهن، الذكر المتواصل الذي لا ينقطع. لا ينبغي لحاج تكبد عناء السفر وجاء من كل فجّ عميق لا ينبغي له بعد كل هذا العناء وبعد كل ذلك الإكرام من الله عز وجل، الحج إكرام، الحج دعوة، الحج دعوة من الله سبحانه وتعالى دعوة كريمة من رب كريم من ملك الملوك دعاك إلى بيته فكيف تكون إجابتك لهذه الدعوة؟ كيف يكون استغلالك لهذه الدعوة؟

كل لحظة كل ثانية هي لحظة نفيسة لا تضيّعها في غير ذكر الله عز وجل، لا تضيعها في أيّ شيء سوى الله سبحانه وتعالى.

أقبِل عليه إقبالاً عظيماً لا تجعل لسانك ولا قلبك ولا خاطرك يفتر لحظة عن ذكر الله عز وجل. إجعل الذكر عبادة دائمة لا تنقطع في قلبك وفي نفسك، هذه هي التجارة التي لن تبور هذه هي المنافع الحقيقية المتوخاة من رحلة الحج.



الحج يعلّمني تعظيم حرمات الله




انظر إلى قول الله عز وجل

(وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ )
ليس المقصود في قضية الذبح ذبح الأضاحي ليس المقصود فيها مجرد الذبح، لا، المقصود والمقصد الرئيس والحقيقي أن تذكر الله عز وجل، أن تذكر الله سبحانه وتعالى ذكراً حقيقياً ذكراً يجعلك بالفعل تتذكر معاني التوحيد العظيمة، معاني التوحيد ومعاني الاستشعار بتسخير الله سبحانه وتعالى لك.

كل ما في هذا الكون بما فيه بهيمة الأنعام قد سُخّر لك، لأجل أيّ شيء؟ لأجل أن تذكر الله عبادة وخضوعاً واستسلاماً وتقرّباً له سبحانه. أنا حين أذبح بهيمة الأنعام أذبحها بأمر الله أذبحها باسم الله أذبحها طاعة للخالق الذي أمرني بذلك وليس لمجرد هوى وليس لمجرد تسلية وإنما طاعة وقرباناً للخالق سبحانه وتعالى.

(ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ )
كل شيء في الإحرام يصبح له قيمة يصبح له معنى لا يستطيع الحج أن يمسّ طيباً، يرى الطيب ولا يمسّه، يرى الصيد ولا يقتله، يرى الشعر يزعجه ولكن لا تمتد يده إليه ولا يمسك بشعرة لكي يقصّ أو لكي يحلق هذه الشعرة، لماذا؟ ما هو السبب؟

تعظيم

(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ).
القضية في الإحرام ليست مجرد شعرة وليست مجرد مسّ الطيب وليست مجرد صيد وليست أي شيء من هذه الأشياء لذاتها، القضية تحولت إلى قضية حرمات ربي هو الذي حرّم، تعظيم من حرّم وليس تعظيم الأمر لذاته فحسب. القضية ما عادت في شعرة ولا في طيب ولا في صيد القضية أصبحت في الذي أمر بألا يمسّ الطيب في الذي أمر بألا تقتلوا الصيد وأنتم حرم في الذي أمر بهذا ونهى عن ذاك.

ولذلك قيمة الأمر هي في قيمة من تُعظّم سبحانه وتعالى. أنا حينما أعظّم الشيء وأقف عند حدود الله إنما أعظّم الله سبحانه وتعالى الذي أمرني ونهاني عز وجل. تخيلوا للحظات لو أن ذلك الحرص الشديد من قِبَل المُحرِم أن لا تقع منه الشعرة متعمداً أن لا يقتل الصيد أن لا يمس الطيب هذا الحرص الشديد لو استمر معنا في كل ميادين الحياة لو استمر معنا في مواقعنا المختلفة لو استمر معنا في أُسرنا في بيوتنا في حياتنا في أعمالنا لو أصبحنا وقافين عند حدود الله عز وجل كل ما يأمر به نقف عنده دون مناقشة دون جدال كل ما نهى عنه نقف عنه ونجتنبه ونعظّمه سبحانه وتعالى. هذا التعظيم العظيم للحج ولشعائر الحج لو استمر معي في حياتي بعد أن أعود من الحج كيف ستكون حياتي؟ كيف ستكون أعمالي؟ كيف ستكون الدنيا؟ كيف سأكون مع أوامر الله سبحانه؟ كيف سأكون مع محارم الله عز وجل؟

ولذا قال العلماء عندما تعصي الله سبحانه وتعالى لا تنظر إلى صِغَر المعصية وتقول كما يقول بعض الناس كذبة بيضاء وكذبة صغيرة، لا تقل هذا ولكن أُنظر إلى عظمة من عصيت سبحانه وتعالى. وكذا في قضية الإحرام الحج يعلمني أن أكون وقافاً عند أمر الله عز وجل منتهياً عما نهاني عنه. الحج مدرسة، الحج يعلّمني أن أعظّم حرمات الله عز وجل الحج يعلّمني ما معنى أن اقف عند شعرة فلا أقص هذه الشعرة ولا تمتد يدي إليها لأن الله قد نهاني عن ذلك. الحج يعلمني مدرسة عظيمة ودورة مكثفة تعلمني كيف أقف عند أوامر الله عز وجل، الحج يعلمني كيف أنتهي عما نهاني الله عنه سبحانه وتعالى دون جدال لا أتساءل عن الحكمة ولا عن المقصد إن أخبرني ربي فعلي الرحب والسعة وإن لم يخبرني فسمعاً وطاعة.

الحج يحعلني وقافاً عند أمر الله، أنا أطوف حول البيت سبع مرات ولكن لماذا سبعة؟ لماذا لم تكن ثمانية؟ لماذا لم تكن ستة؟ لماذا لم تكن خمسة؟ لا حتى يخالجني في نفسي أو مشاعري أو خواطري السؤال عن الحكمة، أقوم بالعمل وأطوف حول البيت سبع مرات بحرص شديد وتفاني شديد أن أقوم بهذا العمل كما أمرني به ربي. حرص شديد على ألا يقع عندي أي محظور من محظورات الإحرام، لماذا؟ لأن الحج مدرسة، لأن الحج أراد ربي سبحانه وتعالى أن يخرّجني في هذه المدرسة عبداً مُحسناً عبداً مُخبتاً عبداً خاضعاً لربه منقاداً لأمره عبداً يُعظم حرمات الله عز وجل ولذا جاءت

(وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ).




التقوى غاية سورة الحج





(حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ )
هذا الحضور الرائع المستمر المتواصل للتوحيد هو ما تبنيه سورة الحج في نفسي. سورة الحج تحيي معاني التوحيد في قلوبناـ التوحيد يقوى ويضعف أحياناً في قلوبنا التوحيد يزيد وينقص في قلوبنا بسلوكنا بتصرفاتنا، بميل قلوبنا في بعض الأحيان إلى البشر، بالاستعانة بالبشر دون الاستعانة بالخالق، بالوقوع في مأساة أن ألجأ إلى المخلوقين دون الخالق، بموالاة الخلق دون الخالق سبحانه، كل هذه الأنواع من الخلل إنما هي خلل في التوحيد خلل في العقيدة.

قلة الثقة بالله سبحانه وتعالى كما ذكرنا في بعض اآيات، قلة إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، إساءة الظن بخالقي، عدم اليقين المطلق بالله عز وجل. كل هذه الأنواع من السلوكيات والتصرفات هي خلل في التوحيد هي خلل في العقيدة تصححه سورة الحج


(حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ).
سورة الحج تعيد في التوحيد الحياة من جديد تعيد لي التوحيد الحقيقي تعيدني إلى الحنيفية السمحاء التي جاء بها إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام، سورة الحج توقظ في قلبي معاني التوحيد العظيمة

وتأمل الآية التي تليها

(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ )
غاية الحج أن أعظّم شعائر الله سبحانه وتعالى، غاية الحج هي هذه.

حُرمات الله أن أعظمها شيء عظيم ولكن الأعظم أن أعظّم شعائر الله عز وجل ودعونا نقف وقفة طويلة عند قوله سبحانه

(فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)

التقوى غاية سورة الحج، الغاية التي تبنيها في قلبي، الغاية التي تبنيها في نفسي.

ولذا بيت الله الحرام وكل الشعائر المقدسة من مزدلفة إلى منى إلى عرفة كل هذه الشعائر مقدسة ليست لذاتها نحن لا نعظّم حجراً فتعظيم الحجر شركٌ بالله عز وجل ولكن نوع من أنواع الاحترام لهذه الشعائر إنما هو من تعظيم شعائر الله التي أمر الله عز وجل بتعظيمها إيماناً وانقياداً وخضوعاً وتسليماً لأمر الله سبحانه وتعالى.

وتأملوا معي نحن في منى نرمي بالجمار نرمي بالحجارة، لماذا؟

الله سبحانه وتعالى قد أمر بها، نبيه صلى الله عليه وسلم الذي وقف هذا الموقف وقال خذوا عني مناسككم رمى بهذه الحجارة، من رمى بهذه الحجارة بعد إبراهيم عليه السلام واقتداء به وسيراً على هديه. ولكن في نفس الوقت هناك الحجر الأسود الذي جعله الله في الكعبة الذي جعل الناس يطوفون حول الكعبة ويقفون عند هذا الحجر وأحياناً إن سنحت لهم الفرصة أن يقبّلوا هذا الحجر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فليفعلوا اقتداء بسيرة نبيهم عليه الصلاة والسلام وسيراً على هديه. ولنا أن نتساءل من الذي أمر بذلك الحجر الصغير أن يُرمى في الجمار ومن الذي أمر بهذا الحجر الأسود أن يُمسَح عليه ويُقبّل؟ من الذي أمر؟ هذا حجر وذاك حجر، لماذا هذا يُرمى ولماذا ذاك يُمسَح عليه ويُقبّل؟ تعظيم شعائر الله. أنا ليست القضية عندي قضية حجر، أبداً، وإلا تحولت إلى شِرك، القضية عندي قضية أوامر الله شعائر الله حُرُمات الله عز وجل، التعظيم للشعائر وليس للأشياء ولا للأحجار ولا للأماكن في حد ذاتها.



أنواع التهاون من بعض المسلمين في مواسم الحج



تأملوا معي في الدنيا كل الناس كل الشعوب في العالم اعتادت على أن تعظّم وتحترم قطعة قماش إنما هي تشكل علم هذه الدولة أو تلك والسؤال الذي يطرح نفسه هل القيمة الحقيقية هي في هذا القماش. في قطعة من القماش أم هي في رمزية هذا القماش؟ أم هي في القيمة التي تحملها هذه القطعة من القماش؟
ولله المثل الأعلى، تعظيم شعائر الله عز وجل، إحترام أوامر الله سبحانه، إحترام هذه الأماكن المختلفة التي أمر الله سبحانه بالحفاظ على حرمتها بالحفاظ على قدسيتها إنما هو من تعظيم أوامر الله وتعظيم شعائره.

وأريد أن أتوقف للحظات عند قدسية الأماكن وعند احترام هذه الأماكن وعند تعظيم هذه الشعائر من خلال احترامها بألا يُرمى حتى فيها أي قطعة من ورق أو ما شابه لا ينبغي أن تُرمى تعظيماً لشعائر الله وتقديساً لهذه الأماكن التي شرّفها الله سبحانه وتعالى.

ولذا من أشد العيب على المسلمين اليوم أن يستهان بالطعام والشراب فيرمى في تلك الأماكن وتلك المشاعر المقدسة، هذا نوع من أنواع التهاون في شعائر الله عز وجل قلّ من المسلمين اليوم من ينتبه إليه، هذا نوع من أنواع التهاون لا ينبغي أن نسامح أنفسنا فيه. وكما أن هذه المشاعر المقدسة جعلها الله سبحانه وتعالى حراماً وجعل لها مكانة وقدسية في نفوس المسلمين جعل للمسام قدسية وحرمة ومكانة عظيمة لا ينبغي لأحد أن يتجاوزها أو يتطاول عليها.

ودعونا نقف عند قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال وسأل أصحابه أيّ يوم هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال أليس يوم النحر؟ قلنا بلى، قال فأي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة؟ قلنا بلى، قال فإن دماءكم وأمولكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. المسلم المؤمن لا ينبغي أن يتجاوز على أخيه المسلم في هذه الأماكن المقدسة - هو أي نوع من أنواع التجاوز في الأموال والأعراض والدماء حرام سواء كان في هذا اليوم أو في غير هذا اليوم ولكنه في هذا اليوم أشدّ وفي هذه المشاعر المقدسة أشدّ ولذا

"من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجّه كيوم ولدته أمه"،

"الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"،

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ (197) البقرة)

فلا كلمة نابية ولا كلمة سوء على أحد من المسلمين ولا محاولة إيذاء واحد منهم بأي شكل من أشكال الأذى.

هذا النوع من التعظيم لحرمات الله عز وجل ولأوامره سبحانه من أن تنتهك لا يمكن أن تقع إلا من قلب لا يعرف إلا الله سبحانه وتعالى القلب المُخبت القلب الخاضِع القلب المُتقي الراجِع العائد إلى الله سبحانه وتعالى. الإلتزام بحرمات الله جانب عظيم من جوانب التقوى ولكن الأكمل والأتمّ أن أعظّم كل شيء يدلّني على الله سبحانه وتعالى. هذه المواقف العظيمة في الحج لا ينبغي أن تغيب عن أذهان الحجيج وهو يتوجهون في مواقف الحج المختلفة في مختلف الأماكن المقدسة لنا أن نربط ما نراه في واقعنا وبين ما نتدبره في هذه السورة العظيمة.

وللأسف الشديد في أثناء الزحمة والازدحام الشديد وما يحدث في مواقف الحج المختلفة من غضب أحياناً ومن نسيان للمواقف التي نمر بها كحجيج يدفع البعض منا إلى أن يفقد أعصابه وربما تخرج منه كلمة لا تليق ربما سبّ ربما ستم ربما كلمة نابية هذا النوع من أنواع التهاون إنما هو تهاون في شعائر الله عز وجل ينبغي أن يتوقف الحاج عنه ينبغي أن يتوب إلى الله عز وجل ويتراجع ينبغي أن لا يقوم بهذه الأعمال أن يتوقف عنها ينبغي أن يكون تقديسه وخشيته وخوفه من أن يفسد حجّه بقصّ شعرة أو بمسّ طيب ينبغي أن يكون بالضبط كما يتهاون في كلمة نابية أو في إساءة لمسلم أو في رمي قطعة ورق أو قطعة طعام أو في أحياناً أن يدوس بقدمه على قطعة طعام دون أن ينتبه أو دون أن يلتفت. هذا النوع من أنواع التهاون من بعض المسلمين في مواسم الحج ربما بدون قصد ربما بحسن نية لا بد أن يتوقف. آن له الأوان أن يتوقف خاصة ونحن نتدبر في هذه الآيات العظيمة




الحكمة من تشريع الأضحية



(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ )

القضية ليست قضية أن أذبخ غنماً ولا قضية أن أذبح شاة ولا بعيراً القضية تحولت إلى قضية أخرى قضية إخبات قضية توحيد (فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) قضية ذكر اسم الله عز وجل وتوحيد رب العالمين واستذكار المشاعر العظيمة

(الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )


(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ)

مرة أخرى

(فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ )
إذن هي التقوى الحاضرة، قضية الأضاحي وقضية ذبح الأنعام ليست مسألة ذبح وإنما هي مسألة خروج وإخراج الشُحّ من الأنفس، خروج الشُحّ من النفس لتتعلم العطاء، لتتعلم الشعور بالآخرين الشعور بالقانع والمعترّ، لتتعلم الإحساس بالفقراء والمساكين، لتتعلم كيف تخرج من أموالها الصدقات والعطاء القضية ما عادت قضية مجرد ذبح، القضية تعود بنا إلى الذبح الأول إلى قضية الأضاحي وإلى قصة إبراهيم عليه السلام. إبراهيم أبو الأنبياء الذي حين جاءه في المنام أن يذبح ابنه الغالي اسماعيل لم يفكر ولم يتردد لحظة واحدة بالتضحية به وإنما قال له (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (102) الصافات) وما كان من الابن إلا أن قال (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)

هذا النوع من أنواع التضحية هي ما أحتاج أن أتسحضره اليوم وأنا أقوم بتقديم القربان أو الأضحية. والأضاحي ليست قضية متعلقة فقط بالحاج بل هي مفتوحة للحاج ولغير الحاج فمن لم يتمكن من المشاركة في هذا الموسم من الخيرات موسم الحج العظيم والذهاب إلى الحج لا تفوته سُنّة الأضاحي هذه السنة العظيمة التي قام بها أبو الأنبياء وقام بها النبي صلى الله عليه وسلم وحين أقوم بهذه الأضحية وحين أقوم بهذه السُنّة العظيمة عليّ أن أستذكر التضحية ومعنى التضحية أنا أضحي لله عز وجل لأني على يقين أن الله سبحانه وتعالى سيرزقني وسيعطيني كما فعل أبو الأنبياء حين أراد أن يضحي بابنه إيماناً وانقياداً وخضوعاً وتسليماً لأمر الله.


أنا حين أضحي أضحي لأمر الله سبحانه طاعة وتقرباً لله سبحانه.

النفس التي تصنعها سورة الحج ويصنعها موسم الحج ويخرجّها موسم الحج ليجعل منها نفساً محسنة نفساً غير شحيحة نفس معطاء تعلمت التضحية بالغالي والنفيس تعلمت أن تسكت في كثير من الأحيان لكي لا تخرج منها وتتفوه بكلمة سوء فيها إساءة لأحد من المسلمين صبراً واحتساباً لله سبحانه وتعالى وتعظيماً لشعائره. النفس التي تعلمت أن تقف عند أوامر الله وتعظم حرمات الله وتعظم شعائر الله نفس مضحية نفس تعلمت معنى التضحية ذاقت جمال وحلاوة التضحية ذاقت جمال أن تترك شيئاً لله سبحانه وتعالى.



(وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)



النفس التي تغضب النفس التي بحكم الزحام وبحكم العدد الرهيب من البشر ممكن أن يدفعها أو يدوس على قدمها أحد من الناس تسكت وتحتسب بل تدعو لمن أساء إليها وتدعو بظهر الغيب لمن آذاها هذه النفس العظيمة خرّجتها سورة الحج، هذه النفس العظيمة تخرّجت في موسم الحج نفس محسنة ولذا جاءت الآية العظيمة

(وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)
المؤمن في الحج المؤمن بعد مدرسة الحج تخرد مؤمناً برتبة محسن، تخرج مؤمناً برتبة مُخبِت. قلبي الذي صنعته سورة الحج قلبي الذي ربته سورة الحج قلبي الذي تخرج في موسم الحج قلب جديد قلب تخرّج برتبة محسن برتبة مخبت برتبة راجع عائد إلى الله سبحانه وتعالى، فبذلك فليفرح المؤمن الذي تخرّج بهذه الرتبة.

ولذا جاءت الكلمة بعد آيات سورة الحج كل الآيات بقوله سبحانه

(وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)

هنيئاً للحجيج هنيئاً لمن تخرجوا برتبة المحسنين هنيئاً لتلك القلوب التي ضحّت هنيئاً لتلك القلوب والألسن التي لم تفتر عن ذكر الله، هنيئاً لتلك الأيدي التي لم تمتد بأذى لأحد من المسلمين، هنيئاً لتلك الأيدي التي أمسكت فلم ترمي بورقة ولا بحجرة ولا بقطعة لحم ولا بأرز ولا باي شيء تعظيماً لشعائر الله، هنيئاً لتلك الأيدي التي صافحت، هنيئاً لتلك القلوب التي سامحت، هنيئاً لتلك الألسنة التي لهجت بذكر الله ليل نهار هنيئاً لتلك القلوب التي ضحت بالأضاحي وضحت بالغالي والنفيس تعظيماً لشعائر الله هنيئاً لتلك القلوب التي وقفت وتعلمت أن تقف عند أوامر الله هنيئاً لكل من عظّم شعائر الله فقد تخرجت برتبة محسن

هؤلاء الذين تخرجوا برتبة المحسنين هؤلاء الذين ربّاهم الحج وتعلموا في مدرسة الحج، تعملوا التضحية تعلموا الوقوف عند محارم الله، تعلموا تعظيم شعائر الله هؤلاء هم من يستحقون أن يدافع الله سبحانه وتعالى عنهم

وانظر إلى قوله عز وجل بعد هذه الآيات

(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ )


ما هو وجه التناسب

بين الحديث عن الحج وبين الحديث عن الجهاد؟



بعد آيات الحج تأتي آيات القتال ويأتي الحديث عن الهجرة ويأتي الحديث عن الصراع الدائم بين الباطل والحق ولنا أن نتساءل - قبل أن نأتي على آيات الجهاد – يا ترى ما هو وجه التناسب بين الحديث عن الحج وبين الحديث عن الجهاد؟


الحج والجهاد كلاهما نشرٌ للحق وللخير. الحج أعظم مؤتمر يمكن أن تنتشر من خلاله مبادئ الإسلام عالمية الإسلام سلام الإسلام سماحة الإسلام كل القيم السامقة التي جاء بها الإسلام. وكذا الجهاد الجهاد فيه حماية لمبادئ الحق وقيمه فلا بد للحق وللمبادئ وللقيم من أناس يذودون عنه ينتصرون له يدافعون عنه فأهل الباطل وأهل الكيد لا بد أنهم سائرون في طريقهم. وقد جاءت الآيات الأول أكثر من آية في بدايات سورة الحج تتحدث عمن يصدّ عن سبيل الله تتحدث عن من جعل أهم هدف وغاية له الصد عن سبيل الله سبحانه وإضلال الآخرين. هؤلاء لا بد أن يقف في وجههم أهل الحق أهل القيم أهل المبادئ الذين ربّتهم آيات الحج. ثم أن من لا ينتصر على نفسه في الحج لا يمكن أن يعرف النصر في الجهاد، الحج يعلم مجاهدة النفس على النفس الحج يعلم صناعة القلوب الحج يصنع القلوب القوية التي تستطيع أن تنتصر للحق وتدافع عنه، الحج يصنع القلوب الفائزة القلوب التي تستطيع أن تجني النصر والثبات أمام الباطل وأمام أهله.


وابن القيم له كلام جميل في قضية مجاهدة النفس والجهاد،


يقول في قوله سبحانه وتعالى


(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت)


"علّق سبحانه الهداية بالجهاد فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً وأفرض الجهاد


(يعني أكثر أنواع الجهاد فرضاً)


جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا


فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سُبُل رضاه الموصِلة إلى جنته


ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطّل من الجهاد ولا يتمكن المرء من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً فمن نُصر عليها نُصر على عدوه ومن نُصِرت عليه نُصر عليه عدوه".


هذا معنى أن يأتي الجهاد والحديث عن الجهاد بعد الحج، الحج مدرسة تعلِّمنا جميعاً كيفية مجاهدة النفس كيفية وقوف النفس حين تُستغضب ويحدث ما يُغضبها فتكفّ اللسان عن أي كلمة نابية تتعلم كيف تكفّ اللسان وكيف تكفّأ اليد وكيف لا تؤذي المسلم وكيف لا تأتي بما يمكن أن يؤذي هذا الحج أو يمس شعائر هذا الحج العظيمة.



الثبات على الحق



تأتي الآيات عن الجهاد لتبين بأن هذا المؤمن الذي صُنع بهذه الآيات ومن خلال تدبر هذه الآيات هو المؤمن الذي يستحق أن يرفع راية الجهاد

(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)

إذن هو الدفاع عن الحق هو التضحية في سبيل الحق القلوب المؤمنة تعلمت التضحية لا يكفي أن أكون مؤمناً بالله عز وجل وبالحق وبالقيم وبالمثل في حال السراء فإذا ما جاءت وأقبلت الضراء وحقت الحقيقة تخاذلت وتراجعت عن الحق الذي أؤمن به، هذا ليس بإيمان، الإيمان الحقيقي في السراء والضراء، الإيمان الحقيقي هو الذي تصقله التضحية

ولذا جاء الوعد في الآية

(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)

نصرة الله بالحق الذي أؤمن به، أنصر الله عز وجل بثباتي على قيمي بثباتي ودفاعي عن الحق الذي أؤمن به أمام أهل الباطل وأمام كيدهم وأمام مكرهم.

ثم ماذا تكون النتيجة يا رب؟

تأتي الآية التي تليها بقوله عز وجل

(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )

إذن هو التمكين هو النصر هو فوز الحق على الباطل هو إعلاء كلمة الحق هو حماية المقدسات هو حماية دور العبادة على اختلاف دياناتها فالدين الإسلامي جاء ليحمي الديانات جاء ليحمي المقدسات جاء ليدافع عن الحق وأهله ولم يأتي ليسفك أو ليهدم أو ليظلم أو ليؤذي الآخرين بدون وجه حق.

هذا الدين العظيم علّم أتباعه أن التمكين لا يعني الاستعلاء على الآخرين ولا يعني استعباد الشعوب المختلفة ولا يعني نهب مقدراتها بل هو الإصلاح، قمة الإصلاح تتحقق حين يمكن الله عز وجل لهؤلاء العباد المؤمنين الموحّدين المخبتين

(أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ)

لا دعاية انتخابية لهم سوى الإصلاح وليست بدعاية ولكنها أفعال وسلوكيات وواقع في واقع الحياة التي يعيشونها ولذلك شهد العالم المنصِف للمسلمين الفاتحين حين فتحوا الديار حين فتحوا بلاد الروم وبلاد الفرس بأنهم فتحوا الديار بقلوبهم بأخلاقهم بأفعالهم بسلوكياتهم ولم يفتحوها بسيوفهم، الإسلام انتشر بالحق بالعدل بالقيم بالأُناس الذين كانوا يحملون تلك القيم بالأُناس الذين استطاعوا أن يحولوا تلك القيم من خُطَب رنّانة إلى سلوكيات وأفعال واقعة حادثة أمام أعين الناس تشهد لتلك القيم وتشهد للحق الذي آمنوا به ودافعوا عنه.


من ترك شيئا لله عوضه الله بخير منه

(وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
إذن هي التضحية، الإيمان يحتاج إلى تضحية، إيماني بالله عز وجل معرّض لمحن، معرّض لاختبارات، معرّض لابتلاءات، المهم ليس في الابتلاء بل في النتيجة التي سأخرج بها من هذه الابتلاءات عليّ أن أخرج أشد عوداً واصلب إيماناً وأقوى عزيمة وحراكاً ودفاعاً عن الحق الذي أؤمن به.

المؤمن الذي تعلّم التضحية في الحج وفي غير الحج هو وحده يستطيع أن يهاجر في سبيل الله أن يترك أرض الوطن ويترك الأهل ويترك الأحباب، لماذا؟
لله وحده لا شريك له، لأنه على يقين مُحسن الظن بالله عز وجل أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يعوضه خيراً مما أخذ منه

(لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)



المؤمن الذي يعيش وهو يستحضر الجزاء يستحضر الثقة بالله اليقين بما عند الله أن يكون أوثق بما عند الله عز وجل بما عنده هو بما في يديه هو من مال أو من جاه أو من سلطان أو وطن أو ولد.

هذا المؤمن هو القادر على أن يضحي ويقدم كل شيء لأجل الله وفي سبيل الله.
ولذا جاءت الآية وعد واضح وصريح
(ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ )
إنها الثقة بالله التي تحرك المؤمن وتدفع به في ميادين الحياة المختلفة.





إِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ

(أَلَمْ تَï»؟عْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)
هذه الآيات العظيمة تهزّï»؟ وجدان المؤمن تحرّك فيه فواعل الإيمان تجعل التقوى حاضرة في قلبه حاضرة في نفسه ليتوجه بالتوحيد والإخلاص لله وحده لا شريك له بيده العلم بيده القدرة المطلقة بيده الملك بيده كل شيءï»؟ فلماذا أتوجه للآخرين؟
ولماذا أتوجه لمخلوق مثلي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، هو أضعف من أن ينصر نفسه حتى ينصر الآخرين، كيف أتوجه له؟

ولذا جاءت الآيات التي تليها بعد ذلك والخطاب فيها للناس أجمعين
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
الكلام للناس جميعاً، الكلام للناس ودعوة للناس لكي يتخلوا عن الأولياء من دون الله، لكي يتخلوا عمن استنصروهم من دون الله عز وجل، عمن اتخذوهم أولياء.

الكلام لأولئك الذين طرقوا ويطرقوا أبواب المخلوقين استعانة واستنصاراً واستغاثة ولجوءاً، إلى أولئك الذين يظنون ولو لثواني أو لحظات أن المخلوقين من دول عظمى وغير عظمى تملك لهم النفع أو الضر تملك لهم العطاء أو المنع تملك لهم أي نوع من أنواع القدرة. يقول الله سبحانه وتعالى في هذا المثل هؤلاء حتى الذبابة كم هي حقيرة لدى البشر تلك الذبابة، حتى الذبابة لا يتمكنون من خلقها حتى لو اجتمعوا.
بل أقل من ذلك إن سلبهم أو أخذ منهم الذباب شيئاً لن يتمكنوا من استنقاذه أبداً

(ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).

تلك المقارنة العجيبة التي تضعها هذه الآية العظيمة أمام ذلك الإنسان المكابِر المعانِد الجاحِد الذي لا يعرف لله سبحانه وتعالى قدره حق المعرفة. هذا الإنسان الذي يجادل ويماري بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير يستطيل ويتطاول على خالقه سبحانه ويظن أن له قدرة وأن له قوة وأن له جيوشاً تسيّر وأن له منعة وهو لا يملك حتى أن يأخذ ما يسلبه الذباب. وتأتينا الدرسات العلمية الحديثة لتبين أن الذباب بطبيعته بمجرد أن يلتقط أو يأخذ شيئاً فإنه يفرز عليه إفرازات تغير من تركيبته فإنه حتى إن إستطاع الإنسان أن يمسك بالذبابة التي أخذت منه شيئاً لا يستطيع أن يسترجع ذلك الشيء

(ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)

الذبابة ضعيفة وهي خلق من خلق الله والإنسان ضعيف وهو خلق من خلق الله لكنه يتطاول ويغتر ويعاند ويعتقد بأهوائه وشهواته أنه يستطيع أن ينازع الله سبحانه وتعالى في ملكه وفي قدرته وفي قوته، يظن أنه قوة وأن له قدرة والحقيقة أن ليس له إلا الضعف الذي بينته هذه الآية العظيمة.

وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ


تأتي الآية العظيمة وفيها السجدة دعوة للمؤمنين

ï»؟(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)

اتركوا عنكم هؤلاء الكافرين والمعاندين فسُنّة الله سبحانه وتعالى ماضية في خلقه وماضية في الكون. الصراع بين الحق والباطل قائم والكفار واقع ذلك الصراع ï»؟والامتداد للصراع بين الكفار وبين المؤمنين لا عليكم منهم

(ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )

فالدنيا دار عمل، الدنيا داء ابتلاء الدينا ليست بدار جزاء الدنيا دار تكليف كل ما تستطيع أن تفعل فيها من الخير فافعل لا تتردد ولا تجعلنّ من أهل الباطل ولا من كيدهم ولا من مكرهم ولا من الامتحانات التي يعرضونك لها لا تجعلهم عائقاً يحول بينك وبين عمل الخير بينك وبين إعلاء الحق، بالعكس إجعل أهل الباطل والصراع مع أهل الباطل مطية ودرجة ترتقي بك في سلم الإيمان في سلم التقوى فكلما ازددت صراعاً ودفاعاً عن الحق الذي تؤمن به وفعلاً للخير وللمعروف وملئاً ونشراً للسلام والأمان في هذه الأرض كلما ازددت تقرباً من الله خالقك عز وجل.

ثم تأتي الآية لتختم سورة الحج العظيمة

(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)

إذن هو اجتهاد

(هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ )

الآية الأخيرة تختم بالجهاد.
الآية الأولى في سورة الحج يقول فيها الله عز وجل

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ )

والآية الأخرى توصي بقوله

(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
إتقوا وجاهدوا في الله حق جهاده.
تقوى الله لا بد لها من جهاد، تقوى الله والوصول إلى مرحلة التقوى لا بد فيها من مجاهدة النفس ومن لا ينتصر على نفسه وأهوائه وشهواته ونزواته وميوله وخضوعه وركونه إلى الدنيا وأهلها لن يتمكن من الانتصار على أحد لأنه لم ينتصر في داخله. النصر الحقيقي في النفس النصر الحقيقي الذي يتبعه التمكين والنصر في واقع الحياة لا يمكن أن يبدأ إلا من داخل النفس.



الحج يحمل رسالة عالميه


(وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)78

سورة الحج

إن الآية الأخيرة تؤكد على عالمية الرسالة على عالمية الإسلام وشهادة المسلمين على الناس. ولنا أن نتساءل: ما دور الحج في قضية عالمية الرسالة؟
الحج يحمل رسالة عالمية الحج يفترض فيه أن يقدم للعالم كل العالم حتى غير المسلمين يقدم لهم عنواناً وقصة حقيقية لهذا الدين لتعاون المسلمين لوقوفهم جنباً إلى جنب لتواضعهم لإصرارهم لانكسارهم وخضوعهم بين يدي الله المؤمن خاضع ذليل بين يدي ربه ولكنه قوي على أهل الباطل وأهله عزيز بإيمانه وليس ذليلاً لا يذل لأحد سوى خالقه لا يركع لأحد سوى خالقه لا يسجد لأحد سوى لربه سبحانه وتعالى تلك الجبهة التي تعلمت أن تسجد لخالقها لا تسجد للمخلوقين لا تتخذ المخلوقين أولياء من دون الله سبحانه لا نصرة ولا استعانة ولا ظناً بنفع أو بضر.

هذه الجباه العظيمة التي تعلمت الإيمان

(هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ)

رسالة الإسلام جاءت لتكون رسالة عالمية جاءت لتقدم للعالم القيم، جاءت لتقدم للعالم السلام جاءت لتقدم للعالم الشهادة على الناس. الشهداء على الناس في هذه الآية العظيمة هي تكليف، هي تكليف كبير للمسلمين أن يقوموا بدورهم وواجبهم ولذا فكل حاج ليتذكر وليستحضر هذا المعنى وليتذكر ويضع أمام عينيه أنه هو في حجه رسالة للعالم. فيا ترى بأي شكل ستُقدَّم هذه الرسالة؟ بأي مظهر ستقدم هذه الرسالة؟ ولذا كان عليّ أن أستحضر كل سلوك وكل تصرف أقوم به في الحج وفي غير الحج ولكن في الحج أولى في المشاعر المقدسة أولى عليّ حين تسوّل لي نفسي أن أرمي بورقة ولو حتى ورقة عليّ أن أمتنع عن ذلك علي أن أضع نصب عيني أني أنا من الشهداء على الناس أني أنا الحاج من أحمل رسالة الإسلام أنا من يقدم الإسلام للعالم فعلي أن أحسن التقديم وعلي أن أحسن العرض وعلى المسلمين جميعاً أن يجعلوا من الحج أبهى صورة جمالاً ونظافة ونزاهة وقداسة وروحانية وقبولاً على الله سبحانه وتعاوناً ومحبة فيما بينهم. فكل إساءة لا تعتبر مجرد إساءة فردية وإنما هي إساءة لهذا الدين العظيم، إساءة لعالمية الاسلام إساءة للقيمة الكبرى التي جاء بها الإسلام قيمة نشر هذا الدين ولذا جاءت الآية العظيمة

(فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)

ولذا على الحجيج في كل وقت وفي كل زمان أن يستحضروا الرسالة العظيمة والأمانة الكبيرة التي شرّفهم الله سبحانه وتعالى بحملها في موسم الحج عليهم أن يكونوا أمناء في إيصال هذه الأمانة أمناء في إبلاغ هذه الرسالة فعلاً وسلوكاً وتطبيقاً وعملاً. فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي وقف ذلك الموقف ونادى بين الناس "اللهم هل بلّغت، اللهم فاشهد" قد بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة وحمل هذه الأمانة أمانة التكليف والتبليغ على أتم وجه وأكمله صلى الله عليه وسلم. وعلى عاتقنا اليوم تقع أمانة الرسالة وأمانة إيصال هذه الرسالة التي لا نريد أن نكون نحن المسلمين اليوم من يقف عائقاً وحائلاً بين العالم وبين رسالة الإسلام العظيمة من خلال تصرفات هوجاء أو من خلال سلوكيات شاذة لا تمت إلى ديننا بصلة، فديننا يدعو إلى كل جمال يدعو إلى التعاون يدعو إلى المحبة يدعو إلى النظافة يدعو إلى النزاهة يدعو إلى كل شيء جميل علينا أن نكون أمناء في إيصال رسالة الإسلام، علينا أن نكون أمناء في السير على ملة أبينا إبراهيم علينا أن نكون أمناء في إيصال كلمات الحق ليس من خلال الكلمات بل من خلال سلوك وأفعال.

أسأل الله العظيم أن يبارك للحجيج في حجهم وأن يوفقهم لما يحبه ويرضاه وأن يبلِّغهم التقوى وأن يوصلهم إلى القلوب المخبتة الخاشعة الخاضعة لربها وأن يعينهم على أداء أمانة الحج وتكليف الحج ورسالة الحج وأسأل الله العظيم سبحانه أن يتقبل منهم وأن يجعلنا جميعاً ممن يعظم شعائر الله وأن يجعل هذا الموسم العظيم فاتحة خير ورشد وإيمان وبركة على المسلمين وعلى العالم بأسره

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.






اسلاميات