المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وجوه الاطمئنان بذكر الله


المراقب العام
11-02-2020, 03:41 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



وجوه الاطمئنان بذكر الله

إن القرآن إذا تُلي وقرأه القارئ تنزلت السكينة، وغشيت القارئ الرحمة وحفته الملائكة، كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه مسلم [1] وغيره من حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ)).

فإذا تنزلت الملائكة هربت الشياطين، فالشيطان لا يكاد يتواجد مع ملك في مكان واحد.

ألا ترى أن الشيطان غرَّ أصحابه من أهل الكفر يوم بدر، وزين لهم أعمالهم، وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان (الفئة المؤمنة والفئة الكافرة) نكص على عقبيه وقال: إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون، فقد رأى الشيطان الملائكة، وعليهم أداة الحرب، إذ الملائكة قد شهدت بدراً مع المؤمنين، فحينئذ فرَّ وهرب، وولى وأدبر، ونكص وانصرف.

وهكذا، فالقرآن إذا تُلي وتنزلت الملائكة هربت الشياطين، تلك الشياطين التي تسبب القلق، وتجلب الاضطراب وتدفع إلى المعاصي دفعاً، وتُخوِّف الناس تخويفاً إذ الله قال: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ [مريم: 83]، أي: تزعجهم إزعاجاً وتدفعهم إلى المعاصي دفعاً، فإذا انصرفت الشياطين حدث الهدوء، وتنزلت السكينة فاطمأنت القلوب، وهدأ البال.

• فهذا وجه لطمأنينة القلوب بالقرآن الذي هو ذكر الله، ملخصه أن القرآن يُتلى فتتنزل الملائكة، فتهرب الشياطين فيحدث الهدوء، وتحدث السكينة.

ووجه آخر لطمأنينة القلوب بالقرآن، أنه ما من صاحب ابتلاء، وما من أحد حلت به مصيبة يقرأ كتاب الله، إلا ويجد لنفسه مشابهاً قد أصيب بمثل مصيبته، ويجد متعزًّى يتعزىَّ به ومتسلى يتسلى فيه، فينظر لمن شابهه في مصيبته وبلائه فيرى أن العاقبة للتقوى، وأن العسر يتبعه - بإذن الله - يسرٌ، وأن الكرب يتبعه الفرج، فيهدأ بالُهُ ويستقر حاله، فإذا مرض المريض واشتد عليه المرض، واضطرب قلبه لعجز الأطباء عن دوائه، ويأسهم من شفائه فقرأ هذا المريض كتاب الله، وكذا نظر في سنة مصطفاه - صلى الله عليه وسلم -، التي هي وحي يُوحى، وجد له أمثالًا ونظراء عجز عن دوائهم الأطباء، ولكن ثم من لا يعجز، وثمَّ شافي لا شفاء إلا شفاؤه، فالله هو الذي يذهب البأس، لا يُذهبه أحد سواه، والله هو الذي يكشف الضر لا يكشفه أحد دونه ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [يونس: 107].

فحينئذ تطمئن النفس، ويذهب اليأس فإذا قرأ القارئ - المريض - من كتاب ربه قصة نبي الله أيوب عليه السلام وكيف وأن الله شفاه بعد عجز الأطباء عن البحث له عن دواء اطمأن القلب وهدأ البال، وواصل المريض الدعاء، وتصبر كما أمره الله، ولم ينقطع في الله رجاه.

فأيوب قد جعله الله وقصته ذكرى للعابدين، ذكرى يتذكرها العباد فيصبرون كما صبر، فيؤجرون كما أُجر، قال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].

وقال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾. [ص: 41 - 43].

وقال تعالى في شأن هذا النبي مثنياً عليه: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾، فيا لها من ثلاث شهادات لو أُعطي الواحد منها شهادةً منها ما وسعته الدنيا، وما فيها، إنها ثلاث شهادات لهذا النبي الكريم من الله رب العالمين.

إنا وجدناه صابراً!!
نعم العبد!!
إنه أواب!!
فيا لها من فضيلة، ويا لها من مكرمة.

وانظر إلى قصته بشيء من التفصيل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه ابن حبان [2] بسند صحيح لغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِن أَيُّوبَ نَبِيَّ اللَّهِ لبث فِي بلائه ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ إِلا رَجُلَيْنِ من إِخْوَانِهِ كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: تَعْلَمُ وَاللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبَ أَيُّوبُ ذَنْبًا مَا أذنبه أحدٌ مِنَ الْعَالمين فَقَالَ لَهُ صَاحبه: وَمَا ذَاك؟ قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ اللَّهُ فَيَكْشِفُ مَا بِهِ، فَلَمَّا رَاحَ إِلَيْهِ لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي مَا تَقُولُ غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فَيَذْكُرَانِ الله، فأرجع بَيْتِي فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ إِلا فِي حَقٍّ، قَالَ: وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حَاجَتِهِ، فَإِذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَمْسَكَتِ امْرَأَتُهُ بِيَدِهِ فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَبْطَأَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى أَيُّوبَ فِي مكانِهِ ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ فَاسْتَبْطَأَتْهُ فَبَلَغَتْهُ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهِبِ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلاءِ فَهُوَ أَحْسَنُ مَا كَانَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ بَارِكَ اللَّهُ فِيكَ هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْمُبْتَلَى؟، وَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا، قَالَ: إِنِّي أَنا هُوَ، وَكَانَ لَهُ أندران: أندر الْقَمْح، وأندر الشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا على أندر الْقَمْحِ، أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَتْ، وَأَفْرَغَتِ الْأُخْرَى على أندر الشّعير الْوَرق حَتَّى فاضت)).

فهكذا لا ييأس أحد من روح الله، فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.

ولا يقنط أحد من رحمة الله، ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.

فلتطمئن قلوب المرضى ومن ضاقت بهم السبل، وانقطعت عنهم الحيل، فلتطمئن قلوبهم إلى رحمة الله، وعلى فرج الله، فالله يراهم ويبصرهم ويطلع على أحوالهم لا يخفى عليه من أمرهم شيءٌ.

وكذا الآلام والآهات كل ذلك يعلمه الله ويسمعه، ألا فلتطمئن القلوب بذكر الله.

وكذا أيضاً إذا تجاوزنا الابتلاء بالضر في الأبدان إلى ابتلاء آخر قد يُبتلى به بعض العباد، ألا وهو الطعن في الأعراض، والتشكيك في الأمانات، إلى غير ذلك من الاتهامات الباطلة التي قد يرمى بها أهل الفضل والصلاح فيرى المتهم البريء لنفسه شبهاء ونظراء، اتهموا وهم برآء فأظهر الله براءتهم في الدنيا قبل الآخرة فحينئذ تطمئن النفوس البريئة، وتطمئن قلوب أصحابها إلى فرج الله، وإلى نصر الله في الدنيا، وإلا ففي الآخرة - يقيناً - ينجي الله الذين اتقوا، ويُبرئ الله ساحات أهل الإيمان، والمظلومين من كل شائنةٍ وعيب وطعن.

ها هم أفاضل اتهموا وهم برآء فأظهر الله براءتهم:
• اتهم يوسف صلى الله عليه وسلم وقالت امرأة العزيز لزوجها في شأن يوسف: ﴿ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، ثم برأه الله على لسانها بقولها بعد ذلك: ﴿ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ [يوسف: 51، 52].

• اتهمت مريم عليها السلام، وقالوا لها: ﴿ يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 27، 28]، فبرأها الله على لسان الطفل الرضيع، ونطق عيسى عليه السلام في المهد قائلًا: ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 30 - 33].

• اتهمت أم المؤمنين التقية الصالحة عائشة رضي الله عنها بما رماها به أهل الإفك فنزلت عليها آيات تتلى في الصلوات وخارج الصلوات: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ... ﴾. [النور: 11 – 18] الآيات.

• اتهم موسى صلى الله عليه وسلم وآذاه قومه فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً، كما قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69].

• وها هي القصة بذلك ، أخرجها البخاري [3] في ((صحيحه)) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ هَذَا التَّسَتُّرَ، إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى، فَخَلاَ يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الحَجَرِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ وَطَلَبَ الحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ، وَأَبْرَأَهُ مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الحَجَرُ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ، ثَلاَثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا ﴾ [الأحزاب: 69])).

فهذه بعض وجوه الطمأنينة بكتاب الله عز وجل:
• سكينة تتنزل وملائكة تحف، رحمة غشى، شياطين تفر وتهرب.
• ثم تسلٍّ وتأسٍّ وتصبر.

[1] مسلم (مع النووي: 17/21).
[2] ابن حبان ((موارد الظمآن: 2091)).
[3] البخاري: حديث (3404).

الألوكة