المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما الذي يجعلنا نطمئن حين نعلم أنه (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)؟


امانى يسرى محمد
11-02-2020, 11:08 PM
دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الله كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، ففي الحديث الذي يرويه مسلم في (صحيحه) عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وعرشه على الماء)) رواه مسلم ورواه الترمذي بلفظ: ((قدرَّ الله المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة)) (2) . وفي (سنن الترمذي) أيضاً عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما خلق الله القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان، وما هو كائن إلى الأبد)) (3) .



واللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير الخلائق سماه القرآن بالكتاب، وبالكتاب المبين، وبالإمام المبين وبأم الكتاب، والكتاب المسطور. قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ [البروج: 21-22 ]. وقال: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ [الحج:70] وقال: وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس: 12]. وقال: وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ [ الطور: 1-3 ]. وقال: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ[الزخرف:4]





دررالسنيه


.............................



(قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)


كنت أتساءل عن مصدر الطمأنينة في هذه الآية؟
ما الذي يجعلنا نطمئن حين نعلم أنه (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)؟
تعالوا نتأمل الآية كلمةً كلمةً، ونتصور حالات افتراضية غير صحيحة ونقارنها بالواقع لنعرف الجواب:


1. فلنقف أولا مع كلمة (الله) في (كتب الله لنا): تصور أنك مأسور وتنتظر حُكْما من قاضٍ من قضاة الأرض في جلسة ستُعقد في موعد قريب محدد، وهذا الحكم هو أنك إما أن تبقى تحت تصرف الله تعالى أو تنتقل منه إلى تصرف البشر! إما أن تبقى تحت تصرف الله بصفاته من حكمة ورحمة وعدل ولطف ورأفة وحلم، وإما أن تنتقل إلى تصرف من لا يشارك الله تعالى في صفاته هذه! حينئذ من حقك أن تقلق وتخاف بالفعل. أما حين توقن أن كل ما يصيبك هو مما كتب (الله) تعالى بصفاته، وأنك تنتقل من تصرف الله إلى تصرف الله، وأن البشر الذين يظهرون وكأنهم متحكمون بك ليسوا سوى أدواتٍ لأقداره تعالى، مقهورون لحكمه سبحانه، فحُقَّ لك حينئذٍ أن تطمئن.
2. فلنقف مع كلمة (كتب): أدركتَ أن ما يصيبك هو من تصرف الله بك، لكن تصور أن هذا التصرف ليس بقَدَرٍ سابقٍ! تصور لو أن الملائكة ينزلون كل يوم بمجموعة من المصائب فيرشونها على أهل الأرض فتصيب من تصيب، ومجموعة من النعم كذلك! حينئذ من حقك أن تقلق وتخاف بالفعل. لكن حين توقن أن الله تعالى كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة (كما في الحديث الصحيح)، عالماً بما سينتج عنها، لا أن تصرفاته بخلقه عز وجل ردود أفعال على أحداث خفيت عليه من قبل تعالى سبحانه عن ذلك، وأنه كتبها بحكمة ورحمة، فحُقَّ لك حينئذٍ أن تطمئن.
3. ثم لنقف مع كلمة (لنا): استخدام حرف اللام في (لنا) مُشعر بأن هذه الأقدار هي لصالحنا، مهما بدا خلاف ذلك: (عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن).
4. تعالوا نتابع مع الآية: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا):
(هو مولانا): والمولى لا يُسلِم وليه لأعدائه، والمولى لا يرضى لوليه الذل والهوان، كما في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت).
5. تتمة الآية: (وعلى الله فليتوكل المؤمنون): إن آمنا بكل ما سبق فُحق لنا أن نتوكل على الله، أي نفوض له تدبير أمورنا بطمأنينة وبيقينٍ.
والله تعالى أعلم.

د. إياد قنيبي