المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خمس خصال حذّر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة منها


امانى يسرى محمد
21-02-2020, 04:18 PM
هذه خمس خصال حذّر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة منها ، وأخبرهم بما يترتب على ظهورها من عقوبات وابتلاءات وشدائد ، وإذا تأملت أحوال المسلمين اليوم فسوف تجد تلك الخمس متحققة كلها ، وسوف تجد عقوباتها نازلة أيضا بمقدار ، وما يعفو الله عنه أكثر : فشو أمراض ، وغلاء أسعار ، وقلة مياه ، وجور سلطان ، وتسلط أعداء ، وتفرق واختلاف .

عَن عبد الله بن عمر قَالَ أقبل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا معشر الْمُهَاجِرين خمس إِذا ابتليتم بِهن وَأَعُوذ بِاللَّه أَن تدركوهن لم تظهر الْفَاحِشَة فِي قوم قطّ حَتَّى يعلنوا بهَا إِلَّا فَشَا فيهم الطَّاعُون والأوجاع الَّتِي لم تكن مَضَت فِي أسلافهم الَّذين مضوا وَلم ينقصوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان إِلَّا أخذُوا بِالسِّنِينَ وَشدَّة المئونة وجور السُّلْطَان عَلَيْهِم وَلم يمنعوا زَكَاة أَمْوَالهم إِلَّا منعُوا الْقطر من السَّمَاء وَلَوْلَا الْبَهَائِم لم يمطروا وَلم ينقضوا عهد الله وعهد رَسُوله إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم فَأخذُوا بعض مَا فِي أَيْديهم وَمَا لم تحكم أئمتهم بِكِتَاب الله ويتخيروا مِمَّا أنزل الله إِلَّا جعل الله بأسهم بَينهم”أخرجه ابن ماجه وصححه الحاكم وحسنه الألباني.

عباد الله:

في هذا الحديث تقرير وتأكيد للقاعدة الشرعية التي تكرر ذكرها في كتاب الله تعالى وهي أنه لا يقع بلاء ولا مصيبة إلا بسبب ذنوب العباد وخطاياهم كما قال تعالى { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ -أي بسبب ذنوبكم- إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وقال تعالى{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} وقال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ _ يعني المصائب والكوارث _ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}

فالمعاصي لا يقتصر ضررها على عذاب الآخرة بل قد يعجل الله لصاحبها العقوبة كلها أو بعضها في هذه الدار العاجلة.

ومن المعاصي ما جاء بيان نوع عقوبته كما في هذا الحديث الشريف إذ اشتمل على خمسة ذنوب وخمس عقوبات.

الذنب الأول: ظهور الفواحش كالزنا واللواط وإعلانها والمجاهرة بها والعياذ بالله . وعقوبة هذا الجرم القبيح أن يبتلى أهلها بالأمراض الجديدة المهلكة التي لم يكن لها وجود من قبل فيهلك بها أمم كثيرة عافانا الله وإياكم.

وكثرة الفواحش إنما تظهر في المجتمع إذا ضعف الإيمان وقلّ الحياء وساءت التربية وضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعُطّلت الحدود الشرعية، وخالط المسلمون أصحاب الفواحش والفجور في بلاد الكفر، فاحذروا هذه الأسباب كلها واتقوا الله في أنفسكم وفي أهاليكم.

الذنب الثاني: نقص المكاييل والموازين، عند بيع الحبوب والثمار والذهب والفضة وغيرها من المكيلات والموزونات وما كان في معنى ذلك. وعقوبة هذا الذنب عقوبتان الأولى : القحط والجدب والثانية: أن يسلط الله عليهم سلاطينهم وولاة أمورهم فيظلمونهم ويجورون عليهم بالقتل أو الضرب أو الحبس أو أخذ المال أو انتهاك العرض أو بغير ذلك من صور الظلم والجور.

فعلى الباعة أن يتقوا الله وأن يراقبوه فإنهم إن استطاعوا أن يخدعوا بعض المشترين فإنهم لا يستطيعون أن يخدعوا الله جل وعلا.

الذنب الثالث: منع الزكاة المفروضة ، فمن الناس من تجب عليه الزكاة ثم لا يخرجها بخلاً وشحاً وحرصاً على المال. ومنهم من يخرجها لكنه ينقصها أو يخرج أسوء وأخبث ما عنده مما لا ينتفع به الفقراء والمساكين.

وعلى صاحب المال أن يعلم أن المال مال الله وأن الله أعطاه الكثير فضلا وطلب منه القليل قرضا فمقدار الزكاة من المال قليل جدا . وذلك أنه من كل أربعين ديناراً دينار واحد.

وطلبه منك سبحانه على سبيل القرض أي أنه يخلف عليك ما أنفقت ويبارك لك بسببه فيما أبقيت ويثيبك عليه يوم القيامة أضعافاً مضاعفة. ولكن الشيطان عدو الإنسان لذلك لا يزال يقف له في طريق الزكاة يخوفه الفقر والفاقة حتى يمنعها والعياذ بالله كما قال تعالى {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 268]

وإذا منع الناس زكاة أموالهم منع الله عنهم القطر من السماء وربما طال وامتد بهم القحط سنين طويلة. وقد ينزل الله المطر لا لأجلهم ولكن لأجل البهائم.

وإذا أصاب الناسَ الجدبُ والقحط هلكت زروعهم وغلت أسعارهم وتعطلت مصالحهم وربما أصابتهم المجاعات العامة التي تفني كثيراً منهم والعياذ بالله.

فتأملوا عباد الله كيف يجني الحرصُ على الحرام الفاني غضبَ الجبار والخراب والدمار ثم تكون العاقبةُ إلى عذاب النار.

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك وأعذنا برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. إنك أنت الغفور الرحيم الجواد الكريم.

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد:

فبعد أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذنوب الثلاثة السابقة وعقوباتها ذكر الذنب الرابع وهو نقض عهد الله وعهد رسوله صلى الله عليه وسلم

عباد الله: إن ديننا دينُ الصدق والأمانة. لا دينَ الغدر والخيانة فلا يحل نقض عهد أعطي لمسلم ولا لكافر ولا لشريف ولا لوضيع، ومتى ظهر نقض العهود والعقود بين الناس عاجلهم الله بتسليط عدو شديد البأس يسلبهم بعض ديارهم وأموالهم وأنفسهم ويسومهم سوء العذاب.

فإن لله جنود السموات والأرض يسلط ما يشاء من خلقه وجنوده على من خالف أمره وتنكب شرعه.

والذنب الخامس: الحكم بغير ما أنزل الله كالحكم بالقوانين الوضعية وحكم شيوخ القبائل بالأعراف القَبَلية وحكم القضاة بالمذاهب والأقوال المصادمة للأدلة الشرعية تعصباً للمذهب المتبوع فهذا كله ذنب عظيم وجرم كبير لأن الواجب على الجميع التزام حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى {فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} فإذا حكموا بغير ما أنزل الله استحلالاً أو اتباعاً للهوى خالف الله بين قلوبهم وضرب بعضهم ببعض وجعل بأسهم بينهم فلا تراهم إلا مختلفين متفرقين متقاتلين حتى يفنيَ بعضُهم بعضاً أو ينتهزَ العدوُّ الفرصة فيقضي عليهم جميعاً .

ومن رأى هوان عامة المسلمين اليوم وتسلط اليهود والنصارى والوثنيين عليهم أدرك مصداق هذا الحديث وما جاء في معناه لكثرة الانحرافات العقدية والبدع الرديّة والذنوب والمعاصي العلنية، فمتى أراد المسلمون الخلاص مما هم فيه من الفقر والضعف والهوان فليرجعوا إلى دينهم وليتمسكوا به حقاً وأول ذلك إصلاح التوحيد بإفراد الله بالعبادة. وبإصلاح العبادات من البدع والخرافات. ثم بالاستقامة على الفضائل ومجانبة الرذائل. وعند ذلك سيرون كيف تكون حالهم فالله قد وعد عباده وهو سبحانه لا يخلف الميعاد فقال جلّ وعلا (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إلى كتابك وسنة نبيك رداً جميلاً اللهم أنزل الأمن والسكينة والطمأنينة على بلاد المسلمين وقهم شر أعدائهم من اليهود والنصارى والوثنيين والرافضة وكل من يريد بهم شراً إنك أنت القوي العزيز.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا

اللهم أصلح إمامنا ووفقه بتوفيقك وأيده بتأييدك واحفظه بحفظك ومتعه بالصحة والعافية وأطل عمره على طاعتك يا رب العالمين.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

موقع د. علي بن يحيى الحدادي