المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دعوات تدفع الابتلاءات


امانى يسرى محمد
23-02-2020, 03:42 PM
لما كانت الدنيا دار ابتلاء واختبار، علمنا النبي صلى الله عليه وسلم عبادات تدفع بلاءها، ونحن اليوم مع عبادة الدعاء؛ يقول أبو ذر: "لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتقلب في السماء طائر إلا ذكَّرنا منه علمًا"، فعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أدعية تدفع البلاء؛ أخرج الحاكم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة))؛ الحديث حسنه الألباني في الجامع (3409)، ومعنى "يعتلجان": يصطرعان.



دعاءٌ من واظب عليه، لم يصبه فجأة بلاء: في سنن أبي داود عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((من قال: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات، لم تصبه فجأةُ بلاء حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح ثلاث مرات لم تصبه فجأةُ بلاء حتى يمسي))، وقال: فأصاب أبان بن عثمان الفالجُ، فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه، فقال له: "ما لك تنظر إلي؟ فوالله ما كذبت على عثمان، ولا كذب عثمان على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني، غضبت؛ فنسيت أن أقولها"[1].


قال القرطبي رحمه الله عن هذا الحديث: "هذا خبر صحيح، وقول صادق علمناه دليله دليلًا وتجربة، فإني منذ سمعته عملت به؛ فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمدينة ليلًا، فتفكرت، فإذا أنا قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات"[2].


ومن الأذكار التي تقي من السوء وتدفع الضرر بإذن الله، ما رواه عبدالله بن خبيب رضي الله عنه قال: ((خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا، فأدركناه، فقال: أصليتم؟ فلم أقل شيئًا، فقال: قل، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قل، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قل، فقلت: يا رسول الله، ما أقول؟ قال: قل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء))[3].



ومن الأذكار التي تقي العبد من لدغ الحيات والعقارب: ما جاء في صحيح مسلم عن أبى هريرة أنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لقيتُ من عقرب لدغتني البارحة، قال: ((أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك))[4]، وفي رواية للترمذي: ((من قال حين يمسي ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره حُمَّة تلك الليلة))، والحمة: لدغة كل ذي سُمٍّ كالعقرب ونحوها، وقد أورد الترمذي عقب الحديث عن سهيل بن أبي صالح - أحد رواته - أنه قال: " كان أهلنا تعلموها، فكانوا يقولونها كل ليلة، فلدغت جارية منهم؛ فلم تجد لها وجعًا".


دعاء ذي النون عليه السلام يقال عند الكرب: قال الله عز وجل: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88]، وعن سعد رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألا أخبركم بشيء إذا نزل برجل منكم كرب، أو بلاء من بلايا الدنيا دعا به، يفرج عنه؟ فقيل له: بلى، فقال: دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين))[5]، وفي رواية الترمذي ولفظه: ((دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قطُّ إلا استجاب الله له))[6].


دعاء يقضي عنك الدين ولو كان دينك كجبل أحد: أخرج الطبراني في معجمه الصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ألا أعلمك دعاءً تدعو به، لو كان عليك مثل جبل أحد دينًا، لأداه الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك))[7].


أخرج الترمذي عن علي رضي الله عنه أن مكاتبًا جاءه فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صِيرٍ دينًا أداه الله عنك، قال: قل: ((اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك))[8]، والمكاتبة: تعهد العبد بدفع مال لسيده حتى يعتقه.



دعاء يحمي من الأمراض والأوبئة: في مسند الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام ومن سيئ الأسقام))[9]. قال الطيبي: "وإنما لم يتعوذ من الأسقام مطلقًا؛ فإن بعضها مما يخف مؤنته، وتكثر مثوبته عند الصبر عليه مع عدم إزمانه؛ كالحمى، والصداع، والرمد، وإنما استعاذ من السقم المزمن؛ فينتهي بصاحبه إلى حالة يفر منها الحميم، ويقل دونها المؤانس والمداوي، مع ما يورث من الشَّين"[10].



والحاصل أن الأدعية والأذكار السابقة تحفظ المسلم من الضر والأذى بجميع أنواعه بإذن الله تعالى، ولكن ليس على وجه اللزوم، فمن أصابه من البلاء مع محافظته على هذه الأذكار، فذلك بقدر الله تعالى، وله سبحانه الحكمة البالغة في أمره وقدره؛ قال الله تعالى: ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: "﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 11]: ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله خلوا عنه"، وقال مجاهد: "ما من عبد إلا له مَلَكٌ موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده، إلا قال الملك: وراءك، إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه"[11].



[1] رواه أبو داود (5088)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/ 6426).

[2] الفتوحات الربانية، لابن علان (3/ 100).

[3] أخرجه أبو داود (5082)، والترمذي (3575)، وقال: حسن صحيح غريب، وقال النووي في "الأذكار" (ص/ 107): إسناده صحيح.

[4] صحيح مسلم (2/ 7055).

[5] أخرجه الحاكم (1864)، وصححه الألباني في "الصحيحة" (1744).

[6] أخرجه الترمذي (3505)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".

[7] حسنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1821).

[8] أخرجه الترمذي (3563)، وحسنه الألباني في "التعليق الرغيب" (40/ 2)، و"الكلم الطيب" (99/ 143).

[9] رواه أحمد (12592)، وأبو داود (1554)، والنسائي (5493)، وصححه الألباني.

[10] نقله العظيم آبادي في "عون المعبود".

[11] تفسير ابن كثير (4/ 438).



شبكة الألوكة
ابو زيد السيد عبد السلام رزق