المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إن الله إذا استودع شيئًا حفظه


المراقب العام
27-02-2020, 01:40 AM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif



فوائد من حديث: إن الله إذا استودع شيئًا حفظه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد..
روى ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا استُودِع اللَّهُ شيئًا حفِظه" [1].
وفي الحديث فوائد منها:
1 - مشروعية الدعاء بالحفظ، قال تعالى عن نبي الله يعقوب عليه السلام، ﴿ قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 64].

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند نومه: "باسْمِكَ رَبِّـي وَضَعْـتُ جَنْـبي، وَبِكَ أَرْفَعُـه، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسي فارْحَمْها، وَإِنْ أَرْسَلْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بِه عِبادَكَ الصّالِحين"[2].

وروى أبو داود في سننه من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوات المكروب: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلاَ تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ" [3].

2 - مشروعية الدعاء بالاستيداع، روى الترمذي في سننه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودَّع أصحابه في السفر يقول لأحدهم: "أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ".[4] والسنة أن يرد عليه المسافر: "أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه"، فقد روى الطبراني في كتاب الدعاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ، فَلْيَقُلْ لِمَنْ يُخَلِّفُ: أَسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا تَضِيع وَدَائِعُهُ"[5].

قوله: أستودع الله دينك: "أي أطلب منه حفظ دينك وأمانتك، أي حفظ أمانتك فيما تزاوله من الأخذ والإعطاء ومعاشرة الناس في السفر، وقيل: المراد بالأمانة: الأهل والأولاد الذين خلفهم، وقيل: المراد بالأمانة: التكاليف كلها" [6].

وقوله: وخواتيم عملك: قال القاري: "والأظهر أن المراد به حسن الخاتمة لأن المدار عليها في أمر الآخرة وأن التقصير فيما قبلها مجبور بحسنها"[7].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء السفر: "اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ" [8].

روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ، فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، قَالَ: فائْتِنِي بِالكَفِيلٍ، قَالَ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ لِلْأَجَلِ الَّذِي كَانَ أَجَّلَهُ، فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا، فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا، ثُمَّ أَتَى بِهَا الْبَحْرَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَسَأَلَنِي كَفِيلًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا، فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا، فَرَضِيَ بِكَ، وَإِنِّي جَهِدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ، فَلَمْ أَقْدِرْ، وَإِنِّي اسْتَوْدَعْتُكَهَا، فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلَجَتْ فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ، فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ، فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا، فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ، فَأَتَى بِالأَلفِ دِينَار، فَقَال: وَاللَّه مَا زِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ، فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي أَتَيْتُ فِيهِ، قَالَ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ هَذَا الَّذِي جِئْتُ فِيهِ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ فِي الْخَشَبَةِ، فَانْصَرِفْ بِالأَلفِ الدِينَار رَاشِدًا" [9].

3 - أن الله ما استودع شيئًا إلا حفظه؛ ولذلك شرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نستودع الله أنفس الأشياء لدينا وهي الدين والأمانة، وخواتيم الأعمال.

ومن القصص التي تُذكر في هذا الشأن: أن الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز لما كان في مرض موته قيل له: يا أمير المؤمنين، أفقرت أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم، فقال: أدخلوهم عليَّ، فأدخلوهم بضعة عشر ذكرًا ليس فيهم بالغ، فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال: يا بني! والله ما منعتكم حقًّا هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين، إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فلا أخلف له مما يستعين به على معصية الله، قوموا عني، قال الراوي: فلقد رأيت بعض ولده حمل على مئة فرس في سبيل الله، أغناه الله وأعطى من ماله مئة فرس يُجاهد عليها في سبيل الله.

ومن القصص المعاصرة: ما حدثني أحد المشايخ أن امرأتين من أقاربه كانتا على سفر، وفي بيت واحد، إحداهن وضعت الأغراض في دولابها ونسيت المفتاح، فتذكرت بعد السفر، فقالت: أستودعه الله، أما الأخرى فوضعت الأغراض وقفلت عليها بالمفتاح، فجاء اللصوص وسرقوا الأغراض المقفل عليها، ولم يسرقوا الأغراض المستودعة.

قصة أخرى: حدثني أحد أئمة المساجد أنه ذهب بسيارته إلى إحدى المحلات لشراء ما يلزم، وأوقف سيارته أمام المحل، ونظرًا لاستعجال الأمر فقد تركها تشتغل ونزل يشتري ما يلزم، فتنبه لذلك أحد اللصوص فركب السيارة وانطلق بها، يقول: فجعلت أنادي سيارتي.. سيارتي ولكن دون جدوى، فعند ذلك قلت: اللهم إني استودعتك سيارتي، وبعد فترة اتصل بي من أخبرني أن سيارتي في المكان الفلاني القريب من مكان السرقة وهي بحالة سليمة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] صحيح ابن حبان برقم 2682، وصححه ابن حجر العسقلاني في الفتوحات الربانية (5 /113)، ورواه أحمد في مسنده من حديث ابن عمر قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لقمان الحكيم كان يقول: «إن الله ک إذا استودع شيئًا حفظه» وقال محققوه: إسناده صحيح (9 /431) برقم 5606.
[2] صحيح البخاري برقم 6320، وصحيح مسلم برقم 2714.
[3] سنن أبي داود برقم 5090، وصححه الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير برقم 3388.
[4] سنن الترمذي برقم 3443، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث سالم بن عبد الله.
[5] الدعاء للطبراني برقم 755، وسنن ابن ماجة برقم 2825، وحسنه العراقي كما نقل ذلك الألباني رحمه الله في الكلم الطيب، ص59.
[6] تحفة الأحوذي للمباركفوري (9 /374).
[7] المرقاة (4 /1690).
[8] صحيح مسلم برقم 1342.
[9] برقم (2291).
د. أمين بن عبدالله الشقاوي