المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من كرامة المؤمن على ربه..........!


نبيل القيسي
04-03-2020, 03:08 PM
للعبد المؤمن على ربِّه كرامةٌ، لو وَقف على حدودها لابْتَهج قلبُه، وطار طَرَبًا وفرحًا، وغمَرَتْه السعادة وملأتْ حياته، ولاكتمل شوقُه للقاء ربِّه الكريم؛ لتحصل له الكرامةُ يوم لقائه كاملةً غير منقوصة، يقول ربنا - تبارك وتعالى - في الحديث القدسي: ((وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعلُه تردُّدي عن نفْس المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكرَه مساءَتَه))؛ رواه البخاري وغيره من حديث أبي هريرة، وهو حديث الولاية المشهور.



فمِن كرامة العبد المؤمن على الله - تعالى -: أن الله - سبحانه - يتردَّد في قبض رُوح عبده المؤمن؛ لأن عبده يكره الموت، وهو معنى قوله - تعالى - في الحديث: ((وأكره مَساءته))؛ أي: أكره ما يَسُوء عبدي المؤمنَ مما ينْزل به من كراهية الموت.



ومن كرامة العبد المؤمن على الله - تعالى -: أنه - تعالى - حرَّم دمَه وعِرضَه ومالَه أشدَّ الحرمة؛ بل وأشدَّ مِن اليوم الحرام في الشهر الحرام والبلد الحرام؛ يقول أبو بكرة - رضي الله عنه -: خطبَنَا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يوم النحْر، قال: ((أتدرون أي يـوم هـذا؟))، قلنـا: الله ورسوله أعلم، فسكَتَ حتى ظنَنَّا أنه سيسمِّيه بغير اسمـه، قال: ((أليس يوم النَّحْر؟))، قلنا: بلى، قال: ((أي شهر هذا؟))، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقـال: ((أليس ذوالحجة؟))، قلنا: بلى، قال: ((أي بلـد هذا؟))، قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننـا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: ((أليست بالبلدة الحرام؟))، قلنا: بلى.



قال: ((فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ، كحُرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلْقَون ربَّكم، ألا هل بلَّغْتُ؟))، قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد، فليبلِّغ الشاهدُ الغائبَ؛ فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى مِن سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض))؛ أخرجه البخاري ومسلم.



ومن كرامة العبد المؤمن على ربِّه - تعالى -: أنه - تعالى - جعله عزيزًا بدينه؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: 8].



ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسَه))، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يتعرَّض من البلاء لما لا يطيقه))؛ أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم من حديث حذيفة، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع".



فقد أعزَّه ربُّه - تبارك وتعالى - وحرَّم عليه أن يذلَّ نفسه؛ وما ذلك إلا لكرامة المؤمن على ربِّه - تعالى - ومولاه. حسن عبدالحي



ومن كرامة العبد المؤمن على ربِّه - تعالى -: أنه صانه - تعالى - بِشَرْعه عن رِجس الجاهلية وقاذوراتها، فحرَّم عليه كلَّ مظاهرها؛ فحرَّم عليهم في كتابه: ﴿ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [آل عمران: 154]، ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [المائدة: 50]، و﴿ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [الأحزاب: 33]، و﴿ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ ﴾ [الفتح: 26].



ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب، لَيدعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوام إنما هم فحم مِن فحْم جهنم، أو ليكونُنَّ أهونَ على الله من الجِعْلان التي تَدفع بأَنفها النَّتَن))؛ أخرجه أحمد وأبو داود من حديث أبي هريرة وصححه الألباني في "صحيح الجامع".



ومِن كرامة العبد المؤمن على ربِّه - تعالى -: أنه يستجيب دعاءه له؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن ربكم حيِيٌّ كريم، يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردَّهما صِفْرًا - أو قال: - خائبتين))؛ أخرجه ابن ماجهْ والبزار من حديث سلمان، وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه"، وروي من حديث أنس عند الحاكم، وحديث ابن عمر عند الطبراني في الكبير، وحديث جابر في الأوسط.



بل ومن كرامته عليه - تعالى - أنه قد يبَرُّ قسَمَه إذا أقسم عليه؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((رُبَّ أشعَثَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه))؛ أخرجه مسلم.



وفي الصحيحين كذلك من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن أنس بن النضر أقسم ألا تُكْسَر ثَنِيَّة أختِه الرُّبَيِّع بعد أن كَسَرت ثنيةَ جارية، فعفا القوم عنها، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مِن عباد الله مَن لو أقسم على الله لأبرَّه)).



ومن كرامة المؤمن على ربِّه - تعالى -: أنه - تعالى - قد يؤيِّده بكرامات خارقة للعادات؛ تسلِّيه في البلاء، أو تثبِّته على حقِّه، أو تدفع عنه المكروه والسوء.



ولم تزَل الكراماتُ تتتابع على صالِحِي هذه الأمَّة مِن زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى زمننا هذا، فكان خُبيبٌ - رضي الله عنه - وهو أسيرٌ في مكة يأكل العنب، وما في مكة من ثمرة؛ كما في "صحيح البخاري".



وكانت الملائكة تسلِّم على عمران بن الحصين - رضي الله عنه - كما في "صحيح مسلم".



ويقول عبدالرزاق: "بعث أبو جعفر أميرُ المؤمنين الخشَّابين حين خرج إلى مكة، وقال: إن رأيتم سُفيانَ الثوريَّ فاصْلبوه، فجاء النجَّارون، ونصَبوا الخشَب، ونُودي عليه، فإذا رأسُه في حِجر الفُضيل بن عياض، ورِجلاه في حِجر ابن عيينة، فقيل له: يا أبا عبدالله، اتق الله، لا تُشْمِت بنا الأعداء، فتقدَّمَ إلى الأستار - أستار الكعبة - ثم أخذه، وقال: برِئْتُ منه إن دخَلَها أبو جعفر، قال عبدالرزاق: فمات أبو جعفر قبل أن يَدخل مكة، فأُخبر بذلك سفيان، فلم يقل شيئًا".



قال الذهبي: هذه كرامة ثابتة، سَمِعها الحاكم من أبي بكر محمد بن جعفر المزكي، سمعت السراج، عنه؛ "سير أعلام النبلاء".



ومن كرامة العبد المؤمن على ربِّه - تعالى -: أنه - تعالى - يكسوه هيبةً وجلالةً ومحبةً ووقارًا من بين العباد جميعًا، حتى لا يراه مؤمنٌ إلا أحبه، ولا يراه عدوٌّ إلا خشيه ورهبه.



ومن هذا قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أحبَّ الله عبدًا، نادى جبريلَ: إن الله يحبُّ فلانًا فأحِبَّه، فيحبُّه جبريل، فينادي جبريلُ في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحِبُّوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القَبُول في الأرض))؛ متفق عليه من حديث أبي هريرة.



ومن كرامة العبد المؤمن على ربِّه - تعالى -: أنه يَدفع عنه الظلم، ويردُّ عنه العدوان، وينصره ويؤيده؛ كما قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج: 38].



وكما قال - تعالى -: ﴿ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الروم: 47]، وفي حديث أبي هريرة السابق أن ربَّ العزة يقول: ((مَن عادى لي وليًّا، فقد آذَنْتُه بالحرب))؛ رواه البخاري، فيَدفع - تعالى - عن عبده المؤمن كلَّ ظلم أو عدوان، ثم يَؤُول كل صراع بين المؤمن وغير المؤمن إلى نصرة المؤمن وتأييده وتمكينه، والله غالب على أمره.



وبعْدُ:

وإذْ ليس في المقدورِ الإحاطةُ بكل مظاهر كرامة العبد المؤمن على ربِّه - تبارك وتعالى - فسأكتفي بما وفَّق الله - تعالى - إليه من تلك الإشارات؛ ليُستدَلَّ بها على غيرها من وجوه كثيرة دالة على كرامة العبد المؤمن على ربِّه - تعالى.



والوقوف على تلك المظاهر يبعث على تملُّك حبِّ الله من قلب العبد المؤمن؛ إذ يَلحظ القلبُ عنايةَ الله به وكرامتَه عنده، ويستحيي العبد أن يراه الله مولاه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره، وبحسب قدر إيمان العبد تكون منْزلته وكرامته عند الله - تعالى.



والحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

مي سليمان
13-09-2020, 11:59 AM
مشكورررررررررررررررررر

لاميس
18-09-2020, 05:46 AM
بالتوفيق دائما