المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : امرأتا نوح ولوط.. الخيانة في العقيدة لا ينفع معها نسب ولا شفاعة..!!!!!!


نبيل القيسي
11-03-2020, 02:47 PM
قال الله عز وجل:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} والمثل هنا يضرب للكافرين في أن مجرد مخالطتكم للمسلمين ومعاشرتكم وعيشكم بينهم، لن يجدي عنكم شيئًا فإن لم تسلموا وتؤمنوا فلن ينفعكم عند الله شيئاً، فهذا المثل ضربه الله شبهاً لكفار مكة، وذلك أنهم استهزأوا وقالوا: يكفينا أن محمداً صلى الله عليه وسلم مِنَّا وَبِنَا فسيشفعُ لنا، فبيّن الله تعالى أن شفاعته صلى الله عليه وسلم لا تنفع لكفار مكة، كما لا تنفع شفاعة نوح لامرأته وشفاعة لوط لامرأته.

وقال مفسرون: فيه تخويف لأزواج النبي عليه الصلاة والسلام لَيَثْبُتُنَّ على دينه وطاعته. قال يحيى بن سلام: "وهذا مثل ضربه اللَّه ليحذر به حفصة وعائشة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضرب لهما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ترغيباً في التمسك بالطاعة"، وقال مقاتل: "يقول الله سبحانه لعائشة وحفصة: لا تكونا بمنزلة امرأة نوح وامرأة لوط في المعصية، وكونا بمنزلة امرأة فرعون ومريم".
معيار النجاة الإيمان وحده
إذاً فلا مجاملة لأحد ولا محاباة مهما كان، فمعيار النجاة هو: الإيمان، حتى لو كان ابن نبي أو والده أو أخاه أو زوجه أو أحد أرحامه، فهذا نبي الله إبراهيم، لم ينفع والده بشيء {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}(114التوبة).


وهذا نوح عليه السلام لما هلك قومه وفيهم ابنه الذي أعرض عن الإيمان بالله رب العالمين، فنادى نوح ربه فقال:{رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} فكان الجواب من الله تعالى بأنه لا محاباة ولا مجاملة لأحد بحجة أنه نبي {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}(46هود).


وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّقَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى، وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: ((اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ)) فلا مجاملة ولا محاباة حتى لأمه، فالله تعالى يقول: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (113التوبة)، بحسب خطبة للشيخ الدكتور إبراهيم الدويش.

لا مجاملة لأحد ولا محاباة مهما كان، فمعيار النجاة هو: الإيمان، حتى لو كان ابن نبي أو والده أو أخاه أو زوجه أو أحد أرحامه
وهكذا ولو كانتا امرأتي نَبِيَّيِ اللهِ نوحٍ ولوطٍ، ولذا ضرب الله بهما المثل فقال:{اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} أي: نبيين رسولين، هاتان المرأتان عندهما في صحبتهما ليلا ونهارًا يؤاكلانهما ويعاشرانهما أشد العشرة والاختلاط، قيل: أن اسم امرأة نوح واعلة، واسم امرأة لوط واهلة، وقال مقاتل: والعة ووالهة. ولا فائدة من معرفة الاسم، وإلا لذكر الله تعالى اسميهما.{كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ} والتحتية هنا مجازٌ في معنى الصيانة والعصمة، {مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} وإنما خُصَّا بوصف عبدين صالحين مع أن وصف النبوة أَخَصُّ من وصفِ الصلاح: تنبيهاً إلى نساءِ المسلمينَ في معاملتهن أزواجَهُنَّ الصالحين، فإن وصفَ النبوةِ قد انتهى بالنسبةِ للأمةِ الإِسلاميةِ، مع ما في ذلك من تهويلِ الأذى لعبادِ اللهِ الصالحينَ، وعنايةِ ربِّهم بهم ومدافعتِه عنهم.
هذه خيانة المرأتين لنبيي الله نوح ولوط
ويضيف الشيخ الدكتور إبراهيم الدويش وقوله:{فَخَانَتَاهُمَا} أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، بل كانتا كافرتين فلم يُجْدِ قربهما من الأنبياء شيئًا، ولا دفعَ عنهما محذورا؛ ولهذا قال: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أي: لكفرهما، فليس المراد بقوله: {فَخَانَتَاهُمَا} أي: في فاحشة، بل في الدين، فإن نساءَ الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمةِ الأنبياء.لو كان صارف يصرف الله عن غضبه لكان أولى الأشياء بذلك مكانة هاتين المرأتين من زوجيهما رسولي رب العالمين
و قال الضحاك عن ابن عباس: "ما بغت امرأة نبي قط، إنما كانت خيانتهما في الدين. أو قال: وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تقول للناس :إنه مجنون، وإذا آمن به أحد أخبرت به الجبابرة، وأما امرأة لوط فإنها كانت تدل قومه على أضيافه، فإذا نزل به ضيف بالليل أوقدت النار، وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه نزل به ضيف. وقال الضحاك: "أن خيانتهما النميمة، فإذا أوحى اللَّه تعالى إلى نبييه شيئاً أفشتاه إلى المشركين"، وقال عكرمة: "الخيانة في كل شيء ليس في الزنا فقط".

العلاقة الزوجية لا تنفع شيئاً مع الكفر
وقول الله عز وجل: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} جعل الله حالة هاتين المرأتين عظةً وتنبيهاً للذين كفروا، أي ليُذكرهم بأن الله لا يصرفه عن وعيده صَارِفٌ، فلا يحسبوا أن لهم شفعاء عند الله، ولا أن مكانهم من جوار بيتِه وعمارة مسجده وسقاية حجيجه تصرف غضب الله عنهم، فإن هم أقلعوا عن هذا الحسبان أقبلوا على التدبر في النجاة من وعيده بالنظر في دلائل دعوة القرآن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلو كان صارف يصرف الله عن غضبه لكان أولى الأشياء بذلك مكانة هاتين المرأتين من زوجيهما رسولي رب العالمين، لكن {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله عن زوجتيهما لما عصتا شيئاً من عذاب اللَّه، تنبيهاً بذلك على أن العذاب يُدفع بالطاعة دون الوسيلة، فلم يمنعهما نبوة وصلاح زوجيهما مع كفرهما من الله شيئاً، بل{وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} أي قيل لهما عند موتهما أو يوم القيامة: ادخلا النار مع سائر الداخلين من الكفرة الذين لا صلة بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام. وفيه بيان أن العلاقة الزوجية لا تنفع شيئاً مع الكفر.

وقد بَيَّن سبحانه و تعالى ما هو أهمُّ من ذلك في عموم القرابات، كقوله تعالى:{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ}. وقوله: {يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ*وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} وكذلك كفار مكة، وإن كانوا أرحامًا للنبي ، فلا ينفعهم صلاحُ النبي وقربُه من الله وعبادتُه ومحبةُ الله له وتفضيلُ الله له على سائر خلقه، وكذلك أزواجه إذا خالفنه، وكذلك بناته وعشيرته، ففي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: ((يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ اللَّهِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ! اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ اللَّهِ، يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ! يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ! اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنْ اللَّهِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، سَلَانِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا)).


مساواة في العذاب بين كل الكافرين
{وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} لو قال: ادخلا النار لكفى، وإنما زاد {مع الداخلين} لإِفادة مساوَاتِهِمَا في العذاب لغيرهما من الكفرة الخونة، وذلك تَأْيِيسٌ لهما من أن ينتفعا بشيء من حظوة زوجيهما. فقصة امرأة نوح لم ترد إلا في هذه سورة التحريم، إلا أن الله أشار لهلاكها في سورة هود فقال:{حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}(40)، وقال في سورة المؤمنون:{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ}(27المؤمنون)، وقال ابن كثير في قول الله تعالى: {إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} وهم الذين لم يؤمنوا به من أهله، كابنه وزوجته، والله أعلم.



أما امرأة لوط فقد ورد ذكرها وذكر هلاكها مرارًا، وذلك في سورة الأعراف(83) في قوله تعالى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} قال أبو جعفر: أنجينا لوطًا وأهله المؤمنين به، إلا امرأته، فإنها كانت للوط خائنةً، وبالله كافرةً. فهي من الغابرين الهالكين. وفي سورة الحجر(60) يقول تعالى:{قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ*قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ*إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} وفي سورة النمل(57) يقول تعالى:{فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} وفي سورة العنكبوت(32) يقول تعالى:{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} وفي سورة هود(81)يقول تعالى:{قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} قال ابن جرير:{إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} أي: إنه مصيبُ امرأتِك ما أصاب قومَك من العذاب، فموعدُ هلاكِهِم الصبحُ، فكأنَّ لوطًا عليه السلام استبطأ ذلك منهم، فقال لهم: بل عجِّلوا لهم الهلاك! فقالوا:{أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} فعند الصبح نزولُ العذاب بهم.