المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريق إلى الزهد في الدنيا


امانى يسرى محمد
15-03-2020, 04:41 PM
إن حقيقة الحياة الدنيا تتمثل في أنها دار ابتلاء واختبار، وأنها سريعة الفناء والانقضاء، وأنها تفتن المغترين بها، وتهلكهم في شعابها، وأنها لا وزن لها ولا قيمة عند الله، وأنها لا تخلوا من الآفات والبليات والمنغصات، وأنها لعب ولهو وتكاثر، وأنها لا تصفوا لأحد، هذه كلها حقائق بينة لذوي الألباب، ولهذا فإن من طلب الدار الآخرة والجنة، فلا يعلق قلبه ونفسه بشيء من الدنيا إلا فيما نفع، وأن يعلم أن العون له في ذلك أن يكون زاهدًا في الدنيا بكليته، لأن الزهد طريق الرسل والأنبياء والصالحين بعدهم.

والزهد: هو انصراف القلب والنفس عن طلب الدنيا والرغبة في متاعها وملذاتها، إلى طلب الآخرة والجنة، والرغبة في نعيمها وحصول السعادة الأبدية فيها، لأن الآخرة أبقى من الدنيا، وكذلك فإن متاع الدنيا وملذاتها منغصة بالآفات والابتلاءات والأمراض، ثم يقطع العبد عنها كلها نزول الموت ومفارقة الدنيا، أما الجنة فليس فيها شيء من تلك المنغصات والآفات، بل طهرها الله وسلمها من كل ذلك. وقد جاء في الحديث عن المستورد بن شداد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله ما الدنيا في الآخرة، إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع!». (رواه مسلم).

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا، وجاءت سيرته الزكية بشيء من ذلك في مطعمه وملبسه وفراشه وسائر حياته، كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "لقد رأيت رسول الله يظل يتلوى لا يجد من الدقل ما يملأ بطنه"، بل كانت أبياته لا يوقد في نار لطهي الطعام ثلاثة أهله، ولا يأكلون إلا التمر والماء، حتى فراشه الذي كان ينام عليه، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدمًا حشوه ليف". وجاء في الحديث الصحيح عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله لو اتخذنا لك وطاء، فقال: «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها» (رواه ابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن صحيح).

وهكذا عاش كثير من الصحابة الكرام - رضي الله عنهم جميعًا - على الزهد والورع، وقد يقال؛ أن زهدهم كان اضطراريًا، فقد كانوا لا يجدون ما يقتاتون به أو يتعيشون منه، ولو وجدوا ما امتنعوا عنه، لأن حقيقة الزهد ليست في ترك ما أحل الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بل الزهد فيما شغل عن أمر الآخرة، وعما أمر به الله ورسوله.

ولهذا اختلفت كلمة العلماء والسائرين في حقيقة مسمى الزهد،

قال يونس بن ميسرة: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء وأن يكون مادحكم وذامّكم في الحق سواء".

وقال الفضيل: أصل الزهد: الرضى عن الله عزّ وجلّ، وسئل بعضهم عمن معه مال هل يكون زاهداً؟ قال: "إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصه فهو زاهد".

وقال إبراهيم بن أدهم: الزهد ثلاثة أقسام: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فأما الزهد الفرض: فالزهد في الحرام، والزهد الفضل: فالزهد في الحلال، الزهد السلامة: فالزهد في الشبهات".

أما الطريق إلى تحقيق الزهد في الدنيا:

فيكون كما
قال ابن القيم في "الفوائد": " لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين: نظر في الدنيا: وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها وخستها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والأسف، فطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها وهم حال الظفر بها وغم وحزن بعد فواتها فهذا أحد النظرين.

النظر الثاني: النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها، ولا بد ودوامها وبقائها وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات والتفاوت الذي بينه وبين ما هنا، فهي كمال الله سبحانه والآخرة خير وأبقى، فهي خيرات كاملة دائمة وهذه خيالات ناقصة منقطعة مضمحلة، فإذا تم له هذان النظران، آثر ما يقتضي العقل إيثاره وزهد فيما يقتضي الزهد فيه فكل أحد مطبوع، على أن لا يترك النفع العاجل واللذة الحاضرة إلى النفع الآجل واللذة الغائبة المنتظرة، إلا إذا تبين له فضل الأجل على العاجل وقويت رغبته في الأعلى الأفضل، فإذا آثر الفاني الناقص كان ذلك إما لعدم تبين الفضل له وأما لعدم رغبته في الأفضل.

وكل واحد من الأمرين يدل على ضعف الإيمان وضعف العقل والبصيرة فإن الراغب في الدنيا الحريص عليها المؤثر لها، إما أن يصدق بأن ما هناك أشرف وأفضل وأبقى، وإما أن لا يصدق بذلك كان عادما للإيمان رأسا، وإن صدق بذلك ولم يؤثره كان فاسد العقل سيء الاختيار لنفسه، وهذا تقسيم حاضر ضروري لا ينفك العبد من أحد القسمين".

الكاتب: الشيخ عاطف عبد المعز الفيومي
المصدر طريق الاسلام

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

فوائد من كتاب الزهد

عن سفيان ابن عيينة يقول: قال بعض الفقهاء: كان يقال العلماء ثلاثة عالم بالله، وعالم بالله وبأمر الله، وعالم بأمر الله، وأما العالم بأمر الله، فهو الذي يعلم السنة ولا يخاف الله، وأما العالم بالله فهو الذي يخاف الله ولا يعلم السنة، وأما العالم بالله وبأمر الله، فهو الذي يعلم السنة ويخاف الله. فذاك يدعى عظيماً في ملكوت السموات.

عن ابن عيينة يقول: ما شيء أضر عليكم من ملوك السوء، وعلم لا يعمل به.
عن سفيان بن عيينة يقول: من رأى أنه خير من غيره فقد استكبر، وذاك أن إبليس إنما منعه من السجود لآدم عليه السلام استكباره.
عن الفضيل بن عياض قال: الغبطة من الإيمان، والحسد من النفاق، والمؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط، والمؤمن يستر ويعظ وينصح، والفاجر يهتك ويعير ويفشي.

قال سفيان الثوري: كان يقال: تعوذوا بالله من فتنة العابد الجاهل والعالم الفاجر، فإن فتنتهما لكل مفتون.
عن سفيان الثوري قال: كان يقال: من كانت سريرته أفضل من علانيته فذلك الفضل، ومن كانت سريرته شراً من علانيته فذلك الفجور.
عن سفيان بن عيينة قال: لا يصيب رجل حقيقة التقوى حتى يحيل بينه وبن الحرام حاجزاً من الحلال، وحتى يدع الإثم وما تشابه منه.

عن سفيان قال: عليك بالزهد يبصرك الله عورات الدنيا، وعليك بالورع يخفف الله عنك حسابك، ودع ما يريبك إلى مالا يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك.
عن سفيان الثوري قال: لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية، ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة.
عن سفيان الثوري قال: بلغني أن العبد يعمل العمل سراً فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية، ثم لا يزال الشيطان به حتى يحب أن يحمد عليه فينسخ من العلانية فيثبت في الرياء.

قال الحسن البصري رحمه الله: " أدركت أقواما وصحبت طوائف ما كانوا يفرحون بشيء من الدنيا إذا أقبل، ولا يأسفون على شيء منها إذا أدبر، وكانت في أعينهم أهون من التراب "
قال ابن القيم رحمه الله: لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد في الإيمان، وإما من فساد في العقل، أو منهما معاً.

قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: " اليقين أن لا تُرضى الناس بسخط الله، ولا تحسد أحداً على رزق الله، ولا تلم أحداً على مالم يؤتك الله، فإن رزق الله لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره، فإن الله بقسطه، وعلمه، وحكمته، جعل الروح والفرح فى اليقين والرضى، وجعل الهم والحزن فى السخط والشك ".

عن بشر بن الحارث، قال: قيل لسفيان الثوري: أيكون الرجل زاهداً ويكون له المال؟ قال: نعم، إن كان إذا ابتلى صبر وإذا أعطى شكر
.سئل الإمام أحمد: أيكون الإنسان ذا مال وهو زاهد، قال: نعم، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه
قال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا لوردنا الآخرة من المفاليس.


قال سعيد بن جبير: الغرة بالله أن يتمادى الرجل بالمعصية، ويتمنى على الله المغفرة.
قال إبراهيم ابن أدهم رحمه الله تعالى: الزهد فراغ القلب من الدنيا لا فراغ اليد.
قال الحسن البصري: ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال، ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك.

قال يحيى بن معاذ: " الدنيا خمر الشيطان، من سكر منها فلا يفيق إلا فى عسكر الموتى نادماً بين الخاسرين "، وأقل ما فيها أنه يلهى عن حب الله وذكره، ومن ألهاه ماله فهو من الخاسرين، وإذا لهى القلب عن ذكر الله سكنه الشيطان، وصرفه حيث أراد ... ومن فقهه فى الشر أن يرضيه ببعض أعمال الخير ليريه أنه يفعل الخير.

قال عون بن عبد الله: " الدنيا والآخرة فى القلب ككفتى الميزان ما ترجح إحداهما تخف الأخرى ".
قال وهب:" إنما الدنيا والآخرة كرجل له امرأتان إذا أرضى إحداهما أسخط الأخرى.
قال سعيد بن المسيب: أن الدنيا نذلة، وهي إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها، ووضعها في غير سبيلها.

قال يحيى بن معاذ: " كيف لا أحب دنيا قُدر لى فيها قوت أكتسب به حياة، أدرك به طاعة، أنال بها الجنة ".
سُئل أبو صفوان الرعينى: ما هى الدنيا التى ذمها الله فى القرآن والتى ينبغى للعاقل أن يتجنبها؟، فقال: " كل ما أصبت فى الدنيا تريد به الدنيا فهو مذموم، وكل ماأصبت منها تريد به الآخرة فليس منها "



الدنيا بَقَاؤُهَا قَلِيلٌ، وَعَزِيزُهَا ذَلِيل، وَغَنِّيها فَقِير، شَابُّهَا، وَحَيُّهَا يَمُوت، وودُّها يفوت، فلا يغرنَّك إِقْبَالُهَا فسريعٌ إِدْبَارِهَا.

قال تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} [الحديد: 20] وصف القرآن الكريمُ الدنيا كزهرةٍ تزهِر بنضارَتها، تسحَر الألباب، تستهوي القلوبَ، ثمّ لا تلبث إلا برهةً حتى تذبُل فتتلاشى تلك النضَارة، وتحطّمها الريح، كأنّها لم تكن

الدنيا قنطرة الآخرة فاعبروها ولا تعمروها، ليس من العقل بنيان القصور على الجسور فخل الدنيا ولا تذكرها، واذكر الآخرة ولا تنسها، وخذ من الدنيا ما يبلغك الآخرة، ولا تأخذ من الدنيا ما يمنعك الآخرة.

أَيُّهَا النَّاس إِنَّ هَذِهِ الدَّارَ دَارُ التواء لا دَارُ استواء، ومَنزل تَرَح، لا منزل فَرَح، مَنْ عَرَفَهَا لَمْ يَفْرَحِ لِرَخَاءٍ، وَلَمْ يحزَن لشقاء أَلا وَإِنَّ الله عَزَّ وجل خلَقَ َالدُّنْيَا دَارَ بَلْوَى، والآخرةَ دَارِ عُقْبَى فجعلَ بَلْوَى الدُّنْيَا لِثوابِ الآخرةِ سَبَبًا وَثَوَابَ الآخرة مِنْ بَلْوَى الدُّنْيَا عِوَضًا، فيأخذ لِيُعْطي، وَيُبْتَلى لِيَجْزي، إِنَّهَا لَسَرِيعَةُ الذَّهَابِ، وَشِيكَةُ الانْقِلاب، فاحْذَرُوا حَلاوَةَ رِضَاعِهَا لِمَرَارَةِ فِطَامِهَا، وَاهْجُرُوا لَذِيذَ عَاجِلِها لِكَرِيهِ آجِلِهَا وَلا تَسْعَوا فِي عُمْرَانِ دَارٍ قَدْ قَضَى الله خَرَابَها وَلا تُوَاصِلُوهَا، وَقَدْ أَرَادَ الله مِنْكُمْ اجْتِنَابِهَا، فَتَكُونُوا لِسُخْطِهِ مُتَعَرِّضِينَ، وَلِعُقُوبَتِه مُسْتَحِقِّينَ.

مسكين من اطمأن ورضي بدارٍ حلالها حساب، وحرامها عقاب، إن أخذه من حلال حوسب عَلَيْهِ، وإن أخذه من حرام عذب به، من استغنى فِي الدُّنْيَا فتن، ومن افتقر فيها حزن، من أحبها أذلته، ومن التفت إليها ونظرها أعمته.


الكلم الطيب