المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من روائـــــــــــــع القرآن (الشيخ صالح بن عبد الله التركي)


امانى يسرى محمد
18-03-2020, 08:54 PM
https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://files.fatakat.com/2010/6/1277301002.gif&key=35a67776901531f8913dc11bb1feb9b647a5c1353b93d1 2458fd1673c7f3573d


_ قال الله تعالى (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ)
استغرب الهدهد أن يجد قوما تملكهم امرأة لأنهم قد خالفوا فطرة الله (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) ولهذا لم يقل ملكة إنما قال(امرأة) بل زاد في هذا أن عظم عرشها ولم يعظمها وقال(ولها عرش عظيم) فوضعها في مكانها المناسب اللائق بها حيث وضعها الإسلامكما جاء في حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه و سلم( قال : لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة)
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح !!!



_ قال الحق تبارك وتعالى (واشتعل الرأس شيبا) فقال (واشتعل) لم يقل تبدل أو تغير ... لأن الاشتعال يقول عنه أهل اللغة هو تحول المادة من حالة إلى حالة أخرى بحيث لا يمكن أن ترجع للحالة الأولى البتة وهكذا حال الشيب لا يمكن رجوعه للسواد إطلاقا .. وقد حدث جدل عظيم بين أهل الفلسفة هل الشيب عرض أم جوهر و ببساطة أجاب القرآن على هذه إذ أن كلمة(شيبا) جاءت تمييزا ومن قواعد اللغة أن التمييز فضلة ليست أصلا والشيب كذلك ليس أصلا،، فيا له من تعبير ،،،،،،




_ قال المولى جل شأنه(وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) قال المفسرون الشعرى نجم تعبده خزاعة في الجاهلية . يقول الفلكيون عن هذا النجم إنه يدور حول الأرض وتستغرق منه الدورة تسعا وأربعين سنة والعجيب أن رقم هذه الآية في السورة هي تسع وأربعون !!!




_ إذا أطلق الله لفظ(ميت)بتحريك الياء مع التشديد فهو الحي الذي سيموت فهو متحرك مثل لفظه كقول الله( إنك ميت وإنهم ميتون) (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ) يعني في المستقبل وأما(ميت) بسكون الياء فهو الميت الذي فارقته الروح فهو ساكن مثل لفظه كقول الله (حرمت عليكم الميتة) (وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء) وهي التي فارقتها الروح وهذا تناظر جميل في اللغة ،،،



_ جميع ما جاء في القرآن(ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) كقوله تعالى(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) إلا التي في آل عمران(ولكن أنفسهم يظلمون) لأن آية آل عمران مثل يضربه الله للناس ليس له واقع في الحياة كما قال فيها(مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ولهذا خلت من لفظ (كانوا) أما بقية الآيات فهي أحداث وقعت ولهذا جاءت (كانوا ) فيها ،،،،




_ قال الله جل وعز (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) آية الكرسي هي أعظم آية في كتاب الله بدأت باسم (الله) الذي لم يتسم به إله ممن أدعى الآلهة لأن هناك من سمى نفسه برحمن اليمامة والعزى من العزيز وهكذا...


أما لفظ الجلالة(الله) فلم يتسم به أحد وانتهت الآية(بالعظيم) يقول أهل اللغة (العظيم) الذي ليس بعده شئ فالله عظيم فالآية عظيمة تصف عظيما ، وتتكون هذه الآية من عشر جمل كلها تصلح أن تكون أخبارا عن الله نحو(لا إله إلا هو) جملة هي خبر للمبتدأ الله وهذا من عظمة هذه الآية ،،،



_ عدد سور القران مئة وأربعة عشر سورة المكي منها(86) والمدني منها (28) بمعنى أن المكي ثلاثة أرباع والمدني ربع تماما ، الذين كتبوا المصحف العثماني هم أربعة من الصحابة ثلاثة من مكة وهم(عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ،عبد الله بن الزبير،سعيد بن العاص) وواحد من المدينة وهو(زيد بن ثابت)،،،



_ قال الله تعالى(إن الله لا يخلف الميعاد) لفظ (الميعاد) تكرر بالقرآن ست مرات جاءت بالرسم الكامل (الميعاد) خمس مرات في وصف ميعاد الله بأنه كامل ولن ينقص فجاءت الكلمة كاملة لهذا الأمر، وأما الناقصة ففي قوله(ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعد) وهذا في وصف ميعاد الناس أنه ناقص و لن يكمل فجاءت ناقصة وهذا من الأسباب

والله أعلم ،،،



_ أكثر أسماء الله ترددا وذكرا في القرآن هو لفظ الجلالة (الله) وهو الاسم الذي اتصف به الله ولم يتسم به أحد، في حين أن أكثر الأرقام ورودا في القرآن هو الرقم(واحد) فالقرآن يخبرنا بأن الله واحد فيالا العجب ،،،



_قال الحق تبارك وتعالى (إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً) لم يقل الله خيلا ولا جملا لماذا لأن البقرة لها صلة عقدية عند بني إسرائيل فبنو إسرائيل عبدوا العجل والعجل من البقر فأراد الله أن يبين لليهود أن هذا العجل الذي اتخذتموه إلها أنظروا إليه قد مات فهل هذا يستحق العبادة ! ولهذا لما سألوا عن لونها أجابهم الله بأنها(صفراء فاقع لونها تسر الناظرين) والعجل الذي عبدته اليهود من الذهب والذهب أصفر يسر الناظرين وأصحاب الفطر السليمة فانظر للترابط بين آيات القرآن واللوحة البيانية الرائعة ،،،

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://pa1.narvii.com/6449/e42d462625fab25ea4835e0ea4d3f059d819944a_hq.gif&key=7590044036e178487a02c0ff150aced087c70e9b7eb109 04854ff86dd4697eae


_قال الحق جل ذكره (تلك إذا قسمة ضيزى) قال القرطبي في(ضيزى) جائرة عن العدل خارجة عن الصواب، يقول أهل اللغة أن كلمة(ضيزى) هي أغرب كلمة في القرآن وليس في كلام العرب صفة على وزن فعلى التي هي(ضيزى) وجاءت غريبة للقسمة الغريبة التي قسمها الكفار بينهم وبين الله في شأن الملائكة كما قال(ألكم الذكر وله الأنثى) فالقسمة غريبة واللفظ غريب وهذا تناظر جميل في اللغة قال الرافعي :هذه الكلمة غريبة في لفظها وغريبة في معناها وغريبة في نطقها وغريبة في صوتها فجمعت أربع غرائب في أربعة حروف ،،،




_قال الله جل في علاه(فلبئس مثوى المتكبرين) الوحيدة في القرآن باللام(فلبئس) لأن هؤلاء الذين تكلم الله عنهم ضلوا أنفسهم وضلوا آخرين كما قال (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم...) فلما جمعوا ضلالتين أضاف الله عليهم اللام للتوكيد على هذا الأمر،،،




_ جميع ما جاء في القرآن من(يسألونك) جاء الجواب (قل) لأن هذه الأسئلة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم في حياته نحو قوله (يسألونك عن الأهلة قل هي ....) إلا ما جاء في (طه) (ويسألونك عن الجبال فقل....) فجاء الجواب (فقل) قال المفسرون إن هذا السؤال لم يقع للنبي وأنك إذا سئلت فقل ، وأما ما جاء في النازعات (يسألونك عن الساعة أيان مرساها...) فالجواب هنا ضمني في الآية ،،،



_كل ما جاء في الأنعام(حكيم عليم) لأن السورة مبنية على أحكام فقهية منها (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه ...) والحكمة مقدمة في الفقه وقد جاءت ثلاث مرات في السورة ،وكل ما جاء في يوسف(عليم حكيم) لأن السورة مبنية على العلم فقد ترددت مادة(علم) في السورة أكثر من سبع وعشرين مرة ولهذا تقدمت كلمة(عليم) وقد جاءت(عليم حكيم) في يوسف ثلاث مرات أيضا ،،،



_قال الله تقدس ذكره(للذي ببكة مباركا) لماذا التعبير(ببكة) يقول أهل اللغة منهم الراغب الأصفهاني في مفرداته على القرآن أن البك في اللغة هو شدة التدافع والازدحام وهذه الآية جاءت في سياق الحج في قوله(ولله على الناس حج البيت....) إذ هو مظنة التدافع والازدحام فانظر لجمال الكلمة في القرآن

ولما لم يكن هنالك ازدحام ولا تدافع قال الله (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ) ،،،



_قال المولى جل وعز(وإذا كالوهم أو وزنوهم ....) الأصل كالوا لهم ووزنوا لهم ولكن حذفت (اللام) من السياق لأن هؤلاء المطففين يأخذون حقوق الناس وينقصون الكيل عند الوزن فنقص اللفظ وحذفت اللام وهذا من الأسباب البيانية الرائعة البديعة وهذا تناظر جميل بين اللفظ والمعنى ،،،




_ لا تجد عيسى عليه السلام في القرآن يقول لبني إسرائيل (يا قومي) إطلاقا إنما خطابه يبدأ (يا بني إسرائيل) كما قال الله (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ)لأن لا ينتسب لهم فهو عيسى بن مريم ، أما موسى عليه السلام فإنه ينتسب لليهود ولهذا تجده أحيانا يقول(يا قومي) كما قال الله (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) ،،،




_ يقدم القرآن الأكل على الشرب دائما في القرآن كقوله(وكلوا واشربوا

ولا تسرفوا.....) وقد جاء هذا في سبع آيات فقد ثبت صحيا ضرر تقديم الشرب على الأكل في حال الجوع ،،،




_يقدم القرآن الموت على الحياة في جميع القرآن لأن الأصل في الإنسان أنه ميت فأحياه الله كما قال الله(كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ....) أما ما ورد من قوله تعالى مثلا(فأحيا به الأرض بعد موتها) فإن الأصل فيها أن الموت متقدم بدلالة الآية ،،،




جاء لفظ(السموات) مقترنا مع لفظ(سبع) بالقرآن سبع مرات بعدد السموات كقوله(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا)الملك 3 ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ ) الطلاق 12 ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ...) المؤمنون 86(ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ )البقرة29 (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ)الاسراء 44 (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ )فصلت 12 (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15)نوح

فانظر لإحكام آيات القرآن،،،



_قال الله تعالى(قالت نملة.....مساكنكم لا يحطمنكم ) عكف الفرنسيون على نقد القرآن ووقفوا عند قوله(لا يحطمنكم) وقالوا إن القرآن أخطا في التعبير بهذا اللفظ وأن الذي يتحطم الزجاج لا النملة وإنما النملة تقتل فاعترض هذا القول عالم أسترالي وأخذ يشرح في النمل سنوات وأعلن أن لفظ القرآن صحيح 100% واستنتج هذا العالم أن النملة تتكون 70% من جسمها من زجاج وأعلن هذا العالم إسلامه فسبحان من قال ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) وقال (قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض) ،،،



_ جميع الرسل في القرآن يدعون أقوامهم (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) إلا النبي لوط عليه السلام يخاطب قومه بقوله(أتأتون الفاحشة....) و(أتأتون الذكران.....) و... وذلك أن قوم لوط كفرهم باستحلالهم لهذا الفعل الشنيع فلما استحلوا هذا الفعل كفروا فخاطبهم لوط عليه السلام بما كفروا به ،،،



_ قال الحق تبارك وتعالى (فأضلونا السبيلا) الأصل السبيل لأن المعرف بآل عند النصب لا تلحقه ألف كما في قوله في أول السورة(وهو يهدي السبيل) غير أن تلك الألف هي ألف إطلاق جاءت لغرض بلاغي جميل وهو أن المجرمين يصرخون ويرفعون أصواتهم ويمدونها في النار ويطلقونها من الصراخ والعويل جراء العذاب كما قال الله(وهم يصطرخون فيها) فأطلق الله الألف نظير إطلاقهم أصواتهم في النار ومناسبة لهذا المعنى البديع ،،،


يتبع


الشيخ صالح بن عبد الله التركي



شبكه الالوكه

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://www.bascota.com/vb/image/photo1371458323_815.gif&key=b713ece7974c330f54dfd102e86c87fbf800cabc42cc20 e4d92ddbec36746f39

امانى يسرى محمد
25-03-2020, 07:33 AM
_جاءت(غفور رحيم) في التنزيل أكثر من سبعين مرة كلها في سياق الذنوب والمعاصي كقوله(فمن خاف من موص جنفا ......إن الله غفور رحيم) وأما (رحيم غفور) فجاءت مرة واحدة في شأن ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها،،،،


_قال المولى في محكم التنزيل(قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ) يعلن الحق تبارك اسمه التحدي للثقلين على الإتيان بمثل هذا القرآن فطلب عشر سور والعجيب أن هذه الآية في سورة هود وهود رقمها في المصحف الحادية عشرة فلو عددنا التي قبلها من الفاتحة حتى يونس لوجدناها عشرا وهي المقصودة بالتحدي فأي إحكام هذا ،،،


_ يقدم الله سبحانه الليل على النهار في جميع القرآن ذلك أن الليل يلحق باليوم التالي له واليوم يبدأ من غروب الشمس فإذا غربت الشمس بدأ يوم جديد وانتهى آخر وهذا شرعا لا كما يفهم بعض الناس أن اليوم يبدأ بالساعة الواحدة ليلا وهذا من إحكام القرآن ،،،


_قال الله تعالى(وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ....) الله أعطى نبيه موسى تسع آيات هي(يده، وعصاه، ولسانه، والبحر، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم آيات مفصلات.) والعجيب في هذا أن لفظ(موسى) في القرآن جاء مقترنا مع لفظ(آيات) تسع مرات كقوله تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ) إحكاما لهذا الأمر كذلك جاء لفظ (آيات) على تسع صيغ مختلفة في القرآن هي



_افتتح الله سورة صبهذا الحرف إمعانا في التحدي للعرب وهذا الحرف له علاقة وارتباط وثيق بجو السورة فمحور السورة مبني كله على الاختصام كقوله(وهل أتاك نبأ الخصم ....)(قالوا خصمان.....)(إن ذلك لحق تخاصم أهل النار)(ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون) فأخذت من مادة خصم ووضعت عنوانا على السورة وهذا من المعاني البلاغية لهذا الحرف فأي جمال هذا ،،،



_ قال الله تعالى(فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) جاءت هذه الآية إحدى وثلاثين مرة في الرحمن فجاءت ثمان مرات بعد عجيب صنع الله وبديع خلقه وجاءت سبع مرات بعد وصف النار وأهوالها بعدد أبواب النار وجاءت ثمان مرات بعد وصف الجنة الأولى ونعيمها بعدد أبواب الجنة وجاءت ثمان مرات بعد وصف الجنة الثانية ونعيمها بعدد أبواب الجنة ،،،


_قال الحق تعالى (فأكله الذئب .....) لم يقولوا افترسه أو ذبحه إنما قالوا (أكله) وذلك أن إخوة يوسف أرادوا التخلص من يوسف نهائيا لأنهم لو قالوا افترسه لطالب أبوهم يعقوب ببقية المفترس وبالتالي يتبين كذبهم ويفتضح أمرهم فقالوا (أكله) أي لم يبق منه شئ فأنظر إلى الاختيار الدقيق لألفاظ القرآن ،،،


_قال الله تعالى(وإذ يتحاجون في النار) إذا نظرنا إلى كلمة(يتحاجون) وجدنا فيها مدا لازما كلميا مثقلا وهذا المد يمد مقدار ست حركات والإخلال بهذا المد هو إخلال ببلاغة القرآن وجمال اللغة إذ أن مد هذه الكلمة له ارتباط وثيق بمعنى الآية ، فالمحاجة لأهل النار لم تكن لساعات أو لوقت محدود بل امتدت زمانا طويلا بدلالة القرآن حيث ذكر جانبا من هذه المحاجة في سبأ(يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم .... قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم..... وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر.....) فإذا مد القارئ وأطال المد ست حركات أعطى فهما للسامع لهذه المحاجة التي أمتدت و طالت في النار، وهذا من الأسرار البيانية البلاغية لهذا المد وهذا له نظائر كثيرة في القرآن !!! أرأيت أخي جمال القرآن ،،،


_قال الله تعالى (قالت نملة ......ادخلوا مساكنكم...) فقالت هذه النملة وهي تنادي (مساكنكم) لم تقل بيوتكم أو جحوركم لماذا ؟ لأن النمل لما نادتها النملة كانت في حالة حركة والحركة عكسها السكون كما هو معلوم فناسب أن يكون اللفظ (مساكنكم) فلاحظ أخي كيف وضع القرآن هذه الكلمة في مكانها اللائق بها ثم أن هذه النملة قالت (مساكنكم) بالجمع ولم تقل (مسكنكم) بالإفراد فقد ثبت في نظام العيش لهذه الحشرة أن لكل واحدة منهن مسكن خاص بها !!!


_ يقول الله تعالى في أول آية في القرآن (الحمد لله رب العالمين) من هم (العالمين) ؟ يأتي تفسيرها في آخر آية في كتاب الله وهي(من الجنة والناس) فالعاملون هم الجن والإنس وهذا قول مجاهد رحمه الله (1) فأول آية في كتاب الله تفسرها آخر آية ، وهذا من الفن المقصود في هذا الكتاب العظيم الذي تحدى الله به أساطين اللغة وفن الكلام معلنا التحدي إلى قيام الساعة بقوله(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله......) فأين الناس عن قراءة وتدبر كتاب الله !!!


_ قال الحق تبارك وتعالى(فصل لربك وانحر) لماذا جاء اللفظ(انحر) ولم يقل اذبح ؟ هل هذا لأجل الفاصلة في السورة فحسب أم هي روعة البلاغة القرآنية ، يقول أهل اللغة أن النحر خاص بالإبل، والذبح خاص بالغنم وغيرها ، فمعلوم أن الله أعطى نبيه الخير العميم وقال(إنا أعطيناك الكوثر) على أصح الأقوال ثم أمره بأفضل العبادات وهي الصلاة وأيضا أمره بأفضل القرابين وأنفسها عند العرب وهي الإبل وقال (انحر) فجمعت هذه الكلمة حسنا إلى حسن ، روعة التعبير وجمال الفاصلة للآية ،



قال تعالى(لعلي أطلع إلى إله...) الأصل (أطلع على) التي تفيد العلو ولكن عبر بـ(إلى) وقد جاءت في سياق فرعون الذي ادعى الألوهية وذلك في آيتين فقط لئلا يظن ظان إن فرعون علا يوما من الأيام لا علو حسي ولا معنوي فانظر لدقة التعبير،،،

امانى يسرى محمد
30-03-2020, 10:21 PM
أرسل يوسف عليه السلام قميصه من مصر لأبيه لأنه كان سبب ابتداء حزنه لما جاءوا به ملطخا بالدم(وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) فأحب يوسف عليه السلام أن يكون نهاية حزن أبيه من حيث بدأ (اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً)، فالقصة بدأ الحزن فيها بقميص وانتهى بقميص !!!






تحدث الله عن رمضان وقال(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ولم يقل (الكتاب) إشارة إلى فضيلة القراءة في هذا الشهر والحث عليها وقد جاءت لفظة (القرآن) مرة في البقرة،أما لفظة(كتاب) فقد جاءت في السورة (47)مرة في السورة!!





إذا أطلق القرآن لفظ(الصيام) فالسياق يتحدث عن الإمساك عن سائر المفطرات والملذات دون استثناء وقد جاءت الكلمة سبع مرات ، أما إذا أطلق (الصوم) فهو إمساك عن الكلام فقط (إني نذرت للرحمن صوما) فالزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى وهذا خاص بالقرآن!!!





- وصف الله رسوله بقوله(وسراجا منيرا) أي هو نور خال من الحرارة المؤذية المحرقة لمن أمامه، ووصف الله الشمس بقوله (سراجا وهاجا)والوهاج الذي فيه حرارة مؤذية كما في لسان العرب فالرسول نور لغيره دون أذى والشمس نور مع أذى فأيهما أفضل!!!





- يستخدم القرآن كلمة اليم في سياق الغرق الهلاك والعذاب والشدة وهذا خط عام في القرآن كما قال جل ذكره(فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم ) وأما كلمة (البحر) ففي سياق النجاة والمصالح البشرية وغير ذلك كما قال تعالى(وإذ فرقنا بكم البحر فأنجبناكم) وقال (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) فيا له من تعبير لطيف (وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا)





-إذا تحدث الله عن(الموت أوالقتل)في التنزيل فإنه تأتي معهما كلمة(نفس)غالبا نحو(كل نفس ذائقة الموت) (أقتلت نفسا)لأن النفس هي التي تتنفس الهواء ولا يخمد هذا النفس أويوقفه إلى الأبد إلا الموت أوالقتل وذلك في أكثر من عشرين آية فانظر روعة القرآن





لما كان ما عند الناس من مال ومأكل وغيره ينتهي ويزول وينفد عبر عن هذا بالصورة الفعلية المنقطعة الزائلة التي لا تدوم وقال(ما عندكم ينفد) ولما كان ما عند الله دائم مستمر ثابت دائم جاء بالصورة الاسمية الثابتة الدائمة(وما عند الله باق) وهذا كله إحكاما لهذا الكتاب العظيم ،،،





- الواحد في اللغة هو الذي ليس له ثان ولا نظير ولا مثيل ولا شبيه وهو الوصف الذي وصف الله به نفسه وهو اللائق به سبحانه (إنما هو إله واحد) فالله واحد وليس فردا ولم يصف الله نفسه بالفرد في كتابه ولا وصفه به نبيه عليه الصلاة والسلام

قال سبحانه (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ...)





- قال تعالى(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (خالدا) يعني منفردا ذليلا مهانا صاغرا وجاءت ثلاث مرات كلها في أصحاب النار اثنتان في النساء وواحدة في براءة أما (خالدين) أي مجتمعين وجاءت إحدى عشرة مرة ثمان في أهل الجنة وثلاث في أهل النار و الله أعلم ،،،





-جاء السير بالقرآن كله معطوفا عليه النظر بالفاء (فسيروا في الأرض فانظروا...) إلا آية الأنعام جاء العطف بثم(قل سيروا في الأرض ثم انظروا)ذلك أن الله ذكر قبل هذه الآية آيات تدعو إلى النظر والتأمل والتفكر والتدبر فجاء التعبير بثم التي تفيد التراخي

أما غيرها من الآيات فلم يذكر آيات قبلها تدعو للتأمل والتدبر فجاء التعبير بالفاء التي تفيد التعقيب !!





- تأمل أخي كل سورة في كتاب الله تجد أنها تبدأ بموضوع وتنتهي بالحديث عن نفس الموضوع فمثلا سورة المؤمنون قال في أولها(قد أفلح المؤمنون) وفي الأخير قال(إنه لا يفلح الكافرون) وقال في أول القلم(ما أنت بنعمة ربك بمجنون)وقال في الأخير(ويقولون إنه لمجنون) وهكذا نجد أن كتاب الله متصل بجميع أجزائه كما قال أحد السلف إن القرآن كالسورة الواحدة





- كل الأنبياء في الشعراء يقولون لأقوامهم(وما أسألكم عليه من أجر) إلا موسى وإبراهيم عليهما السلام فلم يقولا ذلك لماذا ؟ موسى تربى في قصر فرعون (ألم نربك فينا وليدا ... )، وأما إبراهيم فلم يقلها لقومه أيضا لأن من جملة المخاطبين أباه الذي رباه فاستحيى أن يقول ذلك فانظر لأحكام القرآن





- من الخطأ أن تسفه خصمك وتقلل من شأنه بل الأولى أن تمدحه وتعظمه لأنه تعظم لك ورفعة لمكانتك فالقرآن مدح أهل اللغة وعظمهم (فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد) قال المفسرون حادة في الوصف وقال (وإن يقولوا تسمع لقولهم)





والله عظم ما جاء به السحرة(وجاءوا بسحر عظيم)حتى موسى خاف(فأوجس في نفسه خيفة موسى)وهذا هو المنهج الصحيح مع الخصم




- (أنزل) تقتضي أن المنزل نزل دفعة واحدة .. وهكذا حال القرآن نزل من السماء السابعة للسماء الدنيا دفعة واحدة في لليلة القدر ثم نزل من السماء الدنيا للأرض منجما على حسب الحوادث وفي هذا يقول الله

(إنا أنزلناه في لليلة القدر)







قال ربنا جل وعز(وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ)
وقال أيضا(وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ)
هذان طلبان من أهل النار لخزنة جهنم غير أنهما يختلفان بحسب قرب المنزلة وبعدها من الله تعالى ، ذلك أنه لما طلب أهل النار من المقرب لله وهو كبير الخزنة(مالك) عظموا الطلب وقالوا(ليقض علينا ربك) ولما طلب أهل النار من البعيد لله وهم الخزنة قللوا الطلب وقالوا
(يخفف عنا يوما) فانظر روعة البيان !!




- قال الرب جل في علاه على لسان (آسية بنت مزاحم)امرأة فرعون(رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) قال أهل التأويل : قدمت الجار وهو الظرف (عندك) قبل الدار وهو المفعول به(بيتا) ، وهذا كله اهتماما بالجار !!





- يقول علماء التربية : المربي هو الهادي المعلم للأخلاق الحميدة الفاضلة ،لهذا اقترنت الهداية مع التربية في أكثر من عشرين آية في التنزيل
كقوله تعالى (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ...)

(قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىكُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)!!





- قال تعالى (ولتكملوا العدة)ولم يقل ولتتموا ؟
لأن الكمال هو الإتيان بالعدد تاما مع تحقيق صفاته وهكذا الصيام لابد أن يؤتى به على أكمل وجه فلا يصام عن المفطرات الحسية فحسب بل وعن سائر المحرمات المعنوية أيضا من غيبة وغيرها... هذا هو الكمال المنشود في الآية





- قال الحق جلت قدرته(إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب) أراد الله سبحانه أن يبين حقيقة عسى عليه السلام للنصارى الذين اتخذوه إله يعبد فقال (خلقه من تراب) حتى لم يقل من طين لأن التراب عنصر واحد والطين عنصران فنزل الله عيسى لأصله البشري إمعانا في بشريته وأنه لا يستحق أن يصرف له شئ من العبادة !!





- سمي الإنسان إنسانا لأنه ينسى -وهي نعمة من الله- وغالبا ما يعبر القرآن بهذا اللفظ في مقام النسيان أو الجحود أو الكفر نحو قوله
(أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه...)(يوم يتذكر الإنسان...)
(إن الإنسان لربه لكنود)(إن الإنسان لكفور)!!!




- قال تبارك اسمه مخاطبا إبليس (قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ) ولم يقل مذموما لأن المذؤوم هو مذموم وزيادة فهو المغضوب عليها والمطرود من رحمة الله أيضا فالله سبحانه غضب على إبليس وطرده من منازل الملأ الأعلى في قضية السجود لآدم فانظر لتقدير اللفظ في القرآن

- يطلق الفراعنة المصريون لفظ(فرعون) على الحاكم عليهم إذا كان مصري الأصل أي منهم ومن بني جلدتهم من الأقباط كحال فرعون الذي عاش في عصر موسى عليه السلام .. أما إن كان غير ذلك فلا يستحق درجة الفرعون فعندها يطلق عليه ملكا(وقال الملك) كحال من عاش في عصر يوسف عليه السلام فقد ثبت أنه من قبيلة الهكسوس التي حكمت مصر في سحيق الزمان فكتاب الله محكم من كل ناحية





- من المعروف أن المحب لا يريد أن يصل إلى محبوبه أدنى أذى ولا أن يمس بسوء وهكذا حال امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام قالت فيه(لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) فأكدت سجنه بنون التوكيد الثقيلة (ليسجنن) أكثر مما أكدت الذل والصغار والهوان له(وليكونا) ،كل هذا محبة ليوسف !!





- لما طلب فرعون من موسى آية عظيمة يدلل بها على صدق نبوته
قال الله (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) ولم يقل حية هنا لأن الثعبان هو الذكر العظيم من الحيات المخيف المهيب وهذا الذي يستلزمه الموقف قال أهل التأويل: لما رآها فرعون بال على كرسيه من الهلع وقال يا موسى خذها وأنا أصدقك أما الحية والجان فلا تناسب الموقف !!




-قال الرحمن الرحيم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) القرآن لم يخرج عن طرائق اللغة وسننها فهو يقدم ماله الأهمية في السياق فقدم الجن هنا لأنهم خلقوا قبل الإنس كما قال الله(والجآن خلقانه من قبل من نار السموم) ويقول الله في موطن آخر (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) فقدم الإنس هنا لأن السياق تحدي بالإتيان بمثل القرآن والإنس هم المعنيون بالدرجة الأولى في هذا الأمر كما هو معلوم







- قال الله تبارك وتعالى(وَتَفَقّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ) لماذا سليمان عليه السلام خص الطير بالتفقد ؟
لماذا ما كان التفقد للجن أو غيره؟
معلوم أن سليمان عليه السلام يقود دولة كبيرة على اختلاف أجناسهم ، والقوة الضاربة المهمة بالنسبة للدول هي قوة الطيران كما هو معلوم فالدولة التي لا تملك طيرانا تصبح هدفا سهلا لغير من المهاجمين والمعتدين ولهذا قال الله تعالى في هلاك الفيل
(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ)





- (حملته أمه كرها ووضعته كرها) يطلق القرآن كره بالضم وأحيانا بالفتح ، والقاعدة اللغوية الصوتية تقول أن النطق بالضم أقوى وأشد من النطق بالفتح لهذا جاءت بالضم مع الثقل النفسي والبدني نحو(كتب عليكم القتال وهو كره لكم) وقد جاءت بالضم مرتين أما بالفتح فمع الثقل النفسي فحسب نحو(قل انفقوا طوعا أو كرها) وقد جاءت بالفتح خمس مرات فصار الأثقل مع الأثقل والأخف مع الأخف

امانى يسرى محمد
03-04-2020, 12:40 PM
-يستعمل القرآن كلمة (جبل) في سياق الهيبة والعظمة والقوة وهذا خط عام القرآن كقوله(له أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا) فلا يناسب عظمة القرآن إلا الجبل وقوله(قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل ...)ولا يناسب هيبة الله وعظمته إلا الجبل وقوله(ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) (وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة) والنتق هو النزع والاقتلاع بشدة فانظر لدقة اختيار اللفظ





- يقول الحق جل شأنه في يوسف (تلك آيات الكتاب المبين) أي الذي سيوضح ويبين أمره ويكشف سره للناس وهذا المطلع يسمى في علم اللغة براعة الاستهلال ، فقصة يوسف كلها أسرار من أولها حتى آخرها وإليك بعضها يقول الله تعالى (إني رأيت أحد عشر كوكبا) هذه الرؤيا من يعلمها (لو لم يخبرنا الله؟ (تلك آيات الكتاب المبين) منها(اقتلوا يوسف أو أطرحوه أرضا...)هذا التآمر على يوسف سر من يعلم به لو لم يكشفه الله للبشرية؟ (تلك آيات الكتاب المبين)ومنها (وراودته التي هو في بيتها وغلقت الأبواب وقالت هيت لك)من سيعلم بهذه المراودة ؟ (تلك آيات الكتاب المبين) ومنها (...قال إني أنا أخوك فلا تبتئس..) هذا سر بين يوسف وأخيه من سيكشفه للبرية(تلك آيات الكتاب المبين) منها(فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) هذا التناجي سر من سيظهره للخلق عامة؟ (تلك آيات الكتاب المبين)ومنها الكثير في السورة كل هذا رد على اليهود(لقد كان في يوسف وأخوة آيات للسائلين)




- لما أخبر الله سبحانه وتعالى أنه أسرى بعبده وعرج به إلى السماء ثم رجع كل هذا في جزء من الليل (ليلا) ضحك الكفار على هذا الخبر استحالة لوقوعه لهذا افتتح الله السورة بالمصدر (سبحان) الذي هو أصل الكلمة حتى لا يقاس هذا الحدث بالعقل البشري القاصر وينظر له نظرة عقلية مجردة فالتسبيح والتنزيه كله لله جل وعز ولهذا أكثر سورة ورد فيها التسبيح هي سورة (سبحان)أو(الإسراء) فكل شئ سبح لله(وإن من شئ إلا يسبح بحمده ...) فقد ورد فيها التسبيح سبع مرات فسبحان من هذه قدرته!!




- قال الله تعالى (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها...) لم يقل شمالها وجنوبها ؟ معلوم من أن شمال الأرض وجنوبها هي أقطاب متجمدة غير صالحة للعيش والزراعة قال ابن كثير رحمه الله : أورثهم الأماكن الصالحة للعيش والزراعة وهذه الآية من الآيات التي تدل على صدق نبوة النبي صلّ الله عليه وسلم




- قال تعالى (وكلا منها رغدا حيث شئتما)وقال (وكلوا منها حيث شئتم رغدا) وكلتا الآيتين في البقرة ولم يذكر الغد إلا في البقرة ،قدم الرغد في الأولى وأخره في الثانية لأن الآية الأولى في قصة آدم وهذا في الجنة والآية الثانية في بني إسرائيل وهذا في الدنيا ، ورغد الجنة مقدم على رغد الدنيا.





- يقول أهل اللغة إن الترك في اللغة هو تخلية الشئ وعدم الرجوع إليه نهائيا كما قال الحق تبارك تعالى (ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ) ولهذا قال الله بعدها(صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ) وقال أيضا(لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ ) تركوا الأموال دون رجعة وأيضا قوله تعالى (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) وأيضا قوله (كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) تركوها لغيرهم وهكذا أن كتاب الله وهذه المعجزة البيانية تضع اللفظة في مكانها اللائق به فلم يقل الله أعرض أو تولى فكل له استخدام يليق به




- قال الله تعالى (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) وقال في موطن آخر في من كتابه(فانبجست من اثنتا عشرة عينا) يقول الراغب الأصفهاني الانفجار :هو خروج الماء بشدة أما الانبجاس :هو انصباب الماء بضعف لما قال الله (فانفجرت) دعاهم إلى الشرب في الآية وقال (كلوا واشربوا) لأن الماء وفير عندهم ولما قال (انبجست) لم يدعهم إلى الشرب لقلته بل قال لهم (قد علم كل أناس مشربهم) ومشرب اسم مكان لا يدل على الشرب فانظر للدقة المتناهية في التعبير!!!




- قال الحق تبارك وتعالى (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل) وقال (وسبع سنبلات خضر) فقال في آية البقر (سنابل) وهي جمع كثرة وقال في يوسف(سنبلات) وهي جمع قلة فلماذا ؟

المتأمل لآية البقرة يجدها في سياق الصدقة والحث عليها وأن الله سوف يضاعفها أضعافا كثيرة فلهذا كان الأنسب لهذا السياق جمع الكثرة ،أما في يوسف ففي سياق رؤيا الملك ولا مجال للمضاعفة وبالتالي فاللائق بهذا السياق جمع القلة




- قال المولى جل وعز (كمثل العنكبوت أتخذت بيتا وإن أوهن البيوت...) العنكبوت اسم يطلق على الذكر والأنثى من هذه الحشرة بيد أن الله يقول (أتخذت) دلالة على أن الذي يقوم بهذا العمل هو الأنثى لا الذكر ثم أن الله يقول (وإن أوهن) فهذا البيت واهن من جهات شتى فمن ناحية صناعة البيت يقول الله (أوهن) وهي اسم تفضيل أضيف لمعرفة (البيت) بلغ أسوأ درجات الضعف كما هو معلوم من الواقع ، أما من ناحية تركيبية وتنظيمية اجتماعية لعالم هذه الحشرة فهو أكثر سوء ووهنا أيضا فقد ثبت أن ذكر العنكبوت إذا لقح الأنثى قتلته الأنثى وتخلصت منه ثم إذا وضعت البيض وخرج أولادها للحياة قتلوا أمهم وتخلصوا منها فأي وهن هذا !!!




- قال الحق تبارك وتعالى (ما نفدت كلمات الله)

وقال (حتى يسمع كلام الله) ما الفرق بين كلمات وكلام ؟

كلمات جمع قلة وكلام جمع كثرة فالكلام كلمات وأكثر ،جمع القلة (كلمات) جاء في سياق أن القليل من كلام الله لن ينفد بالكتابة فكيف بالكثير و(كلام) جاء في سياق الدعوة لترغيب الكفار واستمالتهم لسماع للقرآن فانظر إلى عظمة القرآن ...



- قال الحق في تنزيله (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) أمر الله سبحانه وتعالى مريم عند ولادتها عيسى عليه السلام أن تفعل السبب وتهز النخلة للأكل من الرطب وفعل السبب لا ينافي التوكل كما قال يعقوب عليه السلام لما أرسل أبناءه لمصر(وقلا يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) خوفا من أن تصيبهم العين فأمرهم بفعل السبب ثم قال بعدها (وما أغني عنكم من الله من شئ إن الحكم إلا لله عليه توكلت...) وفي الحديث (اعقلها وتوكل)

ألـم تر أن الله قال (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا)ولو شـاء أن تجنـيه من غير هزه جنته ولكـــــــن كل رزق لـــه سـبب


أمر آخر أن الآية فيها دلالة على أن عيسى عليه السلام لم يولد في شهر يناير الميلادي كما زعمت النصارى فهذا الشهر يتوسط فصل الشتاء كما هو معلوم والله يقول لمريم (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) والرطب لا يكون إلا في الصيف في شهر أغسطس وهو شهر حار وهذا الثمر صيفي فمن أين أخذت النصارى أن عيسى ولد في يناير ، وبناء على هذا الأمر يكون بداية التأريخ الميلادي خطأ ... ألا يعقلون !!!





- (السميع) صيغة مبالغة قياسية على وزن فعيل هذه الصيغة لا تأتي إلا في سياق مدح في القرآن، تدل على ثبوت الصفة لله تعالى وقد وقد جاءت حصريا على الله في القرآن كقوله (إن الله هو السميع العليم)أما (سماع) فصيغة مبالغة على وزن فعال وهذه الصيغة لا تأتي إلا في سياق الذم ،تدل هذه الصيغة على امتهان الصفة وقد جاءت ثلاث مرات في القرآن كلها في سياق الناس كقوله (وفيكم سماعون لهم) (سماعون للكذب أكالون للسحت)

امانى يسرى محمد
07-04-2020, 04:58 PM
الفرق بين (تَسْتَطِع ، وتَسْطِع)
(قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)
(وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا )
و (اسْطَاعُوا ، اسْتَطَاعُوا)
(فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )
في البيان القرآني

الفرق : أولا ينبغي لنا أن نعرف قاعدة في اللغة تقول :
أن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى ،
وعليه نقول: أن الفعل (تستطع) أكثر في الحروف من(تسطع)
وبالتالي فالمعنى يكون في الفعل الأول أكثر زيادة من الثاني


ذلك أن الحوار الذي وقع بين موسى والخضر عليهما السلام كما جاء في سورة الكهف فالفعل (تستطع) قاله الخضر لموسى لما كانت الأحداث والوقائع _خرق السفينة ، قتل الغلام ، بناء الجدار _ التي وقعت من قبل الخضر غير واضحة وهي مبهمة ثقيلة بالنسبة لموسى ، فالحالة ثقيلة وغير معروفة المقصد ، فجاء بالفعل الثقيل وقال (تستطع) في قوله (سأنبّك بتأويل ما لم تستطع...)

ولما فسر الخضر الوقائع والمشاهد لموسى أصبح الأمر واضحاً وسهلاً لا لبس فيه ، جاء بالفعل الخفيف وقال (تسطع) في قوله (ذلك تأويل ما لم تسطع ..) كما جاء عند ابن كثير رحمه الله في تفسيره


ومثله في قصة ذي القرنين في قوله تعالى (فما اسطاعوا ، وما استطاعوا) فمعلوم أن يأجوج مأجوج حال بينهم وبين الخروج الجدارُ الذي بناه ذو القرنين ، خروجهم مما هم فيه محصور بين أمرين ، فهم إما أن ينقبوا الجدار أو أن يعتلوه ويظهروا عليه ، ولا ريب أن علو الجدار والظهور عليه أسهل من نقبه وخرقه ، فجاء بالفعل الخفيف (اسطاعوا) مع الحالة الخفيفة السهلة وهي الظهور على الجدار ، وجاء بالفعل الثقيل (استطاعوا) مع الحالة الثقيلة الصعبة وهي خرق الجدار ونقبه ، والله أعلم

..............

كلمة ( توارت ) في القرآن الكريم

وقفة تدبر و تأمل على لفظة ( التواري ) في القرآن الكريم

التواري : هو الاختفاء والاستتار ولكن حياء وخجلا من الآخرين ، هذا هو توظيف القرآن الكريم لهذه الكلمة ،
وبالنظر والتأمل للسياق القرآني نجد هذا جليا واضحا
ففي قوله تعالى في النحل
( يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ )
فاختفاؤه حياء و خجلا من قومه و عشيرته مما بشر به وخوفا من العار الذي يرى أنه لاحق به ، فلم يعبر القرآن الكريم بلفظ يستخفون أو غيرها لأن هذا لايتلاءم مع السياق ولا ينسجم
وفي قوله تعالى في الأعراف
( أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا )
فقال تعالى(يوارى) في سياق السوءة التي يتفق أصحاب العقول و الفطر السليمة على الاستحياء في شأن هذا الأمر
كما قال تعالى في المائدة
( لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ )
وفي سورة ص ، لما ألهت الخيل النبي سليمان عليه السلام عن صلاة العصر فاتته الصلاة ضرب سوقها وأعناقها، قال تعالى عن حال الشمس
( حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ )
فالشمس توارت حياء وخجلا من نبي فاتته صلاة العصر ، ولم يعبر القرآن الكريم بلفظ غابت أو غربت مثلاً أو نحو من ذلك فهذا اللفظ أو ذاك لا يمكن أن يؤدي التعبير المناسب والغرض المطلوب في السياق فكل كلمة في القرآن الكريم لها دلالتها البيانية التي لا يمكن أن تؤديها أي كلمة أخرى ولا يمكن أن تقوم مقامها

امانى يسرى محمد
09-04-2020, 04:20 PM
أي التعبيرين أنسب في يوسف عليه السلام (هلك) أو (مات)؟


- د. صالح بن عبد الله التركي

https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://files.fatakat.com/2010/6/1277301002.gif&key=35a67776901531f8913dc11bb1feb9b647a5c1353b93d1 2458fd1673c7f3573d (http://files.fatakat.com/2010/6/1277301002.gif)

قول الله عز وجلّ في سورة غافر

(وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ *حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا *كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34) غافر)

فجاء التعبير القرآني في الآية بقوله تبارك وتعالى (حَتَّى إِذَا هَلَكَ) وقرّاء كتاب الله عز وجلّ يثيرون تساؤلًا حول هذا اللفظ: ما مدى مدلول هذا اللفظ في سياق هذه الآية؟

فأقول إن معرفة معنى الفعل والدلالة البيانية لهذا الفعل من شأنه أن يزول به عجَبُ القارئ ومن شأنه أن تزول به تساؤلات القرّاء لكتاب الله عز وجلّ


https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=https://pa1.narvii.com/6449/e42d462625fab25ea4835e0ea4d3f059d819944a_hq.gif&key=7590044036e178487a02c0ff150aced087c70e9b7eb109 04854ff86dd4697eae (https://pa1.narvii.com/6449/e42d462625fab25ea4835e0ea4d3f059d819944a_hq.gif)

فما الدلالة البيانية للفعل (هلك) في القرآن الكريم؟



1. يأتي (هلك) في القرآن الكريم على معنى زال وفنِي كما قال الله عز وجلّ (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) الحاقة) أي زال وفنى وكما قال الله عز وجلّ (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص: 88] أي زائل.


2. ويأتي الفعل في القرآن الكريم بمعنى عذّب وعاقب كما قال الله عز وجلّ (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ (208) الشعراء) أي عذبنا وعاقبنا وكما قال الله عز وجلّ (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) [الأحقاف: 35] أي عاقبنا وعذّبنا


. 3. ويطلق الفعل في القرآن الكريم على من مات وليس له ذرية وليس له عقب وهذا شأن يوسف عليه السلام حيث عُمّر يوسف عليه السلام كما عند أهل التأويل 130 سنة ومات وليس له عقب وليس له ذرية. ومعلوم أن يوسف عليه السلام كما جاء في الحديث هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم فيوسف ابن يعقوب ابن إسحق ابن إبراهيم فيوسف عليه السلام هو سلالة أنبياء فلما مات وليس له عقب وهلك زعم الكفار أن النبوة والرسالة انقطعت بعد يوسف عليه السلام فردّ الله عز وجلّ عليهم بقوله تعالى (حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا *كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) وهذا شأن الكفار فجاء التعبير القرآني بأدق صورة وبأوفى تعبير فقال الله عز وجلّ (حَتَّى إِذَا هَلَكَ) إذ أن يوسف عليه السلام ليس له عقب وليس له ذرية وهذا شأن من مات وليس له عقب وليس له ذرية يطلق عليه هلك في القرآن الكريم كما قال الله عز وجلّ (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء: 176].



وبهذا تتجلى هذه الصورة البيانية البديعة الخلابة لهذا التعبير القرآني ويزول به عجب القارئ وتزول به التساؤلات حول هذا اللفظ القرآني والله أعلم.


https://akhawat.islamway.net/forum/applications/core/interface/imageproxy/imageproxy.php?img=http://www.bascota.com/vb/image/photo1371458323_815.gif&key=b713ece7974c330f54dfd102e86c87fbf800cabc42cc20 e4d92ddbec36746f39 (http://www.bascota.com/vb/image/photo1371458323_815.gif)

امانى يسرى محمد
11-04-2020, 09:36 AM
(ويكون الدين لله) (ويكون الدين كله لله)
د. صالح بن عبدالله التركي

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي جعل لنا القُرْآن ضياءًا ونورًا، وصلى الله وسلم على الهادي البشير نبينا محمد.
يقول الله -جَلَّ شأنه- في القُرْآن العظيم في سورة البقرة: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[البقرة: 193].
وقال الله عزَّ وجل في سورة الأنفال: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)[الأنفال: 39].

هذا حكمٌ من الله عزَّ وجل بقتال الكفار في كل زمانٍ ومكان، وهذا الحكم باقٍ إلى قيام الساعة، فقال الله عزَّ وجل في البقرة: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[البقرة: 193]، هذا حكمٌ خاصٌ بكفار مكة في زمن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما هو السياق القُرْآني. يقول الله عزَّ وجل: (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[البقرة: 191 - 193].

إِذًا هذا القتال وهذا الحكم خاصٌ بكفار مكة وبقتالهم عند الحرم، وهذا جاء عند الكرماني في "أسرار التكرار" وجاء أَيْضًا عند الغرناطي في "مِلاك التأويل". أما ما جاء في سورة الأنفال فَإِنَّ الحكم عامٌ لقتال الكفار في كل زمانٍ ومكان، حيث يقول الله عزَّ وجل: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)[الأنفال: 39]، فجاء بلفظ كل في الآية لأن القتال عامٌ لكل زمانٍ ومكان كما جاء أَيْضًا عند الكرماني في "أسرار التكرار" وعند غيره. فكل آيةٍ عبَّرت لحالة قتالٍ في كل زمانٍ ومكان، فآية البقرة خاصةٌ بقتال الكفار عند الحرم، وآية الأنفال عامةٌ لقتال الكفار في كل زمانٍ ومكان. أسأل -الله تَعَالَى- أن يجعل هذا حجةً لنا لا علينا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

.................................................. .





الدلالة اللفظية لكلمة ( الأمي) في التنزيل وأقوال المفسرين فيها
د. صالح بن عبد الله التركي

الحمد لله رب العالمين وبعد :

يقول المولى عز وجل في وصف نبيه عليه السلام في الأعراف (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي)
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : وهكذا كان، صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم القيامة، لا يُحْسِن الكتابة ولا يخط سطرا ولا حرفا بيده

قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : الأمي هو المنسوب للأمة الأمية التي هي على أصل ولادتها لا تقرأ ولا تكتب وحينما جاء جبريل عليه السلام للنبي عليه السلام في الغار وقال له ( اقرأ, فقال: ما أنا بقارئ ) والحديث في البخاري ويقول تعالى مبينا وصف هذه الأمة (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم)

وجاء في البخاري قال عليه الصلاة والسلام (نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب...)

ويقول الحق جل شأنه في مقررا حال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لرتاب المبطلون)

قال ابن كثير رحمه الله : قد لبثت في قومك -يا محمد -ومن قبل أن تأتي بهذا القرآن عُمرا لا تقرأ كتابا ولا تحسن الكتابة، بل كل أحد من قومك وغيرهم يعرف أنك رجل أمي لا تقرأ ولا تكتب

قال ابن عباس رضي الله عنه : كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أميا لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب

وصفة (الأمي) للرسول صلى الله عليه وسلم هي صفة كمال فيه ، كما هي صفة نقص في غيره من الأمة ولو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب ويقرأ لأصبح هنالك شك وريب عند المبطلين في قضية القران الكريم في صدق الرسول عليه الصلاة والسلام من عدمه ، ولكن لا حجة لهم بذلك ، لأن هذه الصفة (الأمي) قطعت الطريق والحجة على كل من لديه شك أو ريب في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الوحي وقد وصف الله تعالى هذه الأمة بقوله (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم) إذا الرسول صلى الله عليه وسلم من الأميين ،

قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية : الأميون الذين لا يكتبون . وكذلك كانت قريش وكانت اليهود تتعالى على العرب بقولها (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل )

جاء عند ابن جرير عن ابن عباس قال : وذلك أن أهل الكتاب كانوا يقولون : ليس علينا جناح فيما أصبنا من هؤلاء ، لأنهم أميون

وصفوة الكلام أن تفسير (الأمي) هو الذي لا يقرأ ولا يكتب كما قرره علماء التفسير وعلماء اللغة ، وليس لهذا التفسير صارف عن هذا المعنى وهذا التحقيق لا كما يدعيه المبطلون من العقلانيين وغيرهم من أن تفسير (الأمي) نسبة إلى أم القرى فلم يقل بهذا التفسير أحد من أهل التفسير المعتبرين من السلف والخلف

أسأل الله تعالى أن ينفع بما علمنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.من روائع القرآن الكريم - الدلالة اللفظية لكلمة ( الأمي) في التنزيل وأقوال المفسرين فيها

- د. صالح بن عبد الله التركي



إسلاميات

امانى يسرى محمد
13-04-2020, 05:24 PM
من روائع القرآن الكريم
- الدلالة البيانية للحرفين نعم وبلى في القرآن الكريم -
د. صالح بن عبد الله التركي

هذه وقفات سريعات عن الدلالة البيانية للحرفين ( نعم ) و ( بلى ) في القرآن الكريم (نعم) حرف جواب يفيد الإثبات والتوكيد والإقرار للسؤال المثبت نحو : هل وصل محمد فلما تقول نعم إذن أقررت وصوله ، ويفيد النفي والتوكيد للسؤال المنفي نحو : أما قرأت الرسالة ، فإن قلت نعم فالجواب نعم ما قرأتها ، وهو حرف لا محل له من الإعراب من حيث الإعراب النحوي وقد وردت (نعم) في القرآن الكريم أربع مرات نحو قوله تعالى (فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم) فأكدوا وأقروا جوابهم والتقدير: نعم وجدنا وقوله تعالى في الأعراف (إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم لمن المقربين) فأكّد فرعون كلامهم بقوله (نعم) موافقة لطلبهم وقوله تعالى في الشعراء (إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم إذًا لمن المقربين) فأجاب فرعون بقوله (بنعم) توكيدًا لكلامهم وطلبهم وقوله تعالى في الصفات (قل نعم وأنت داخرون) وهو جواب يؤكد للكفار البعث في الآخرة الذي أنكروه بقولهم (وقالوا أءِذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا ...) أما (بلى) فهي حرف مؤنث لا محل له من الإعراب ، وردت في القرآن الكريم في اثنين وعشرين موضعًا ، وأصلها (بل) وقيل الألف زائدة للتأنيث و(بلى) لها موضعان

أحدهما : تكون ردًا على نفي سبقها نحو قوله تعالى (وقالوا لن تمسنا النار ..) فكان جواب هذا النفي (بلى من كسب ..)
ومثله قوله تعالى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصرى) فكان جواب هذا النفي بقوله تعالى (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن) ونظير ذلك قوله تعالى (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي ..) كذلك قوله تعالى (ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله ...) وقوله تعالى (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا ...) فجاء جواب النفي بقوله (بلى ورسلنا لديهم ..)

الثاني : أن تكون جوابًا لسؤال دخل على نفي فتبطل هذا النفي وتقلبه للإيجاب ، لأن نفي النفي إثبات
، ومن أمثلة هذا الضرب قوله تعالى (ألست بربكم قالوا بلى وربنا) فجاءت (بلى) جوابا لسؤال منفي فقلبت هذا النفي لإثبات والتقدير : بلى أنت ربنا ، فهنا (بلى) أبطلت النفي قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لو قالوا نعم لكفروا ، لأنهم بذلك يقرون النفي بقولهم : نعم لست بربنا ونظير ذلك قوله تعالى (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا ) فكان الجواب للسؤال المنفي بقولهم (بلى) والتقدير: بلى هذا هو الحق كذلك قوله تعالى(ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى) فجاء الجواب بقولهم (بلى) التي قبلت النفي (ألم نكن) للإثبات ، والتقدير : بلى كنتم معنا ولو جاء الجواب في آية الحديد بقولهم (نعم) لكان المعنى : نعم لم تكونوا معنا وقوله تعالى (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثنّ) فكان الجواب بقوله (بلى) التي قبلت النفي (أن لن يبعثوا) إلى إثبات وقوله في يس (أوليس الذي خلق الذي خلق السموات والأرض بقادرعلى أن يخلق مثلهم بلى ..) فكان الجواب للنفي المسبوق باستفهام بقوله (بلى) وقوله تعالى (ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى) إذ لو كان جوابهم بنعم لكان التقدير : نعم لم تأتنا ، وهذا خلاف ما وقع !

ومن هذا النوع قول جحدر بن مالك وهو أحد الصعاليك يخاطب زوجته بعد أن وقع في قبضة الحجاج أليس الليل يجمع أم عمرو وإيانا فذاك بنا تداني بلى وترى الهلال كما أراه ويعلوها النهار إذا علاني فقال في جواب النفي المستفهم بلى ختاما : رأيتم إخوتي الفرق بين الحرفين (نعم ، بلى) حيث لا يمكن إحلال أحدهما مكان الآخر في نظم القرآن الكريم ، وبالتالي فإن لكل حرف سياقه ودلالته البيانية

إسلاميات

امانى يسرى محمد
15-04-2020, 12:35 PM
الفرق بين الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد
قال تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) يقول الله جل شأنه (حتى يلج الجمل في سم الخياط) وقال عز وجل (كأنه جمالة صفر) وقال تعالى (فعقروا الناقة ..) وقال تعالى (ونزداد كيل بعير) وقال تقدس اسمه (ولما فصلت العير) فجاءت هذه الآيات بألفاظ (الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير) فما الفرق بين هذه الألفاظ في سياق القرآن الكريم وهل تتساوى في التعبير القرآني و تتكافأ ، بالتأمل لكتاب الله تعالى نجد أن التعبير القرآني يزاوج بين هذه الألفاظ ، ويضع كل لفظة في مكانها المناسب ، فدعونا نتحاكم لبلاغة كتاب الله عز وجل بداية التعبير القرآني جاء موافقا لقواعد اللغة العربية وسننها ونظامها ، فالقرآن الكريم يحدث العرب ويكلمهم بما يعرفون ويشاهدون في بيئتهم ، وهذه سنة القرآن الكريم في خطابه للعرب ، وثمة أمر آخر وهو لا بد من معرفة سياق الآية المعنية بالتدبر والتأمل والرجوع لأقوال أهل التفسير فيها ، ومن هنا يتجلى شيء من لطائف الآية المعنية بالتدبر

الإبل : اسم جامع لكل أصناف هذا المخلوق فالجمل والناقة والبعير والعير وغيرها كل هذه من الإبل ، والإبل من حيث اللغة اسم جنس يشمل الجميع لا واحدة له من لفظة ، حيث دعا الله عز وجل للتفكر والنظر في خلق الإبل وعظم هيئتها وطريقة عيشها وتكاثرها وما أعطاها الله من مميزات في تأقلمها مع الصحاري والقفار وغير ذلك فقال (أفلا ينظرون إلى الإبل)

والجمل : بفتح الجيم والميم هو الفحل والذكر من الإبل ولا يطلق عليه جملا إلا إذا كان عظيم الهيئة والخلقة مهيبًا في خلقة وحجمه معدًا للتلقيح ، والله عز وجل علق دخول الكفار الجنة بولوج هذا الجمل المهيب الخلقة في سم الخياط وهذا تيئيس للكفار بدخول الجنة فقال (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) وجاء تفسير الجمل في الآية بالحيوان المعروف وهو قول أكثر اهل التفسير واختاره ابن جرير رحمه الله ، وهذا التفسير موافقا لحال العرب وفهمهم ومنسجم مع لغتهم ، ذلك أن القرآن يخاطبهم بما يرون في بيئتهم ويشاهدون ، وجاءت قراءة عن ابن عباس (الجُمَّل) وهو الحبل الغليظ الذي تشد به السفن

والجمالة : هي جمع جمل كحجر حجارة كما عند أهل اللغة ، وقرئت (جمالات) جمع جمال ، فقول الله تعالى(كأنه جمالة صفر) جمع جمل قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير ، وهذا الوصف والتشبيه يبين الله فيه عظمة وهول نار جهنم ا

الناقة : هي أنثى الإبل ، والله عز وجل جعلها آية لثمود (وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها) (هذه ناقة الله لكم آية) وكانت عظمية الخلق والهيئة (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) وهلكت ثمود بالصيحة لما عقروها وذبحوها

البعير : مفرد جمعه أباعر وبعران ، والبعير هو ما يحمل عليه المتاع والحاجة ويكون مذللا للركوب فيسمى عندها بعيرا وذلك إذا استكمل أربع سنين ويكون من الجمل والناقة ، يقول تعالى (ونزداد كيل بعير)( ولمن جاء به حمل بعير) فالمعدّ للحمل والركوب تطلق عليه العرب لفظ بعير

العير : هي القافلة من الأباعر المحملة بالبضائع والأثقال والميرة (ولما فصلت العير) أي خرجت من مصر باتجاه فلسطين وهي عير أخوة يوسف (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) وعند القرطبي رحمه الله : العير ما أُمتير عليه من الحمير والإبل والبغال وصفوة الكلام أحبتي هو أن كتاب الله تعالى لا يخلط بين هذه الألفاظ ولا غيرها ولا يمكن أن تقوم كلمة مكان أخرى ، فظاهر هذه الألفاظ الترادف وباطنها الاختلاف كما نرى ، وقد شاع عند بعض الناس الخلط بين معاني هذه الألفاظ وصرفت على غير مرادها وغير معناها أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا هداة مهتدين وصلى الله على نبينا محمد

كتبه : د. صالح بن عبدالله التركي
من روائع القرآن الكريم
- الفرق بين الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير -

إسلاميات

امانى يسرى محمد
17-04-2020, 05:21 PM
من روائع القرآن الكريم
إضافة اسم التفضيل إلى الاسم الظاهر أو الضمير في القرآن (أكثر الناس - أكثرهم)
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط

يقول الله تبارك وتعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ )
في حين يقول الله تبارك وتعالى (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )
فقال الله عز وجلّ في الآية الأولى (ولكن أكثر الناس) وقال في الآية الثانية (ولكن أكثرهم)
فأضاف اسم التفضيل في الآية الأولى إلى الاسم الظاهر وقال (ولكن أكثر الناس) في حين أنه أضاف اسم التفضيل في الآية الثانية إلى الضمير وقال (ولكن أكثرهم)

ومن قواعد العربية أن الإضافة إلى الاسم الظاهر تعني السعة والشمول والعموم والإحاطة في حين أن الإضافة إلى الضمير تعني الإيجاز والاختزال وكتاب ربنا شاهد على هذا وماثل على هذا. فإذا ولّينا أنظارنا إلى هذه الآية وغيرها وجدنا أن الله تبارك وتعالى قال في آية سورة البقرة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) كلمة (ألوف) جمع كثرة أي هو عدد كبير وشريحة من الناس كبيرة جدا فقال الله عز وجلّ (وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) لم يقل ولكن أكثرهم لأن الآية تتحدث عن ألوف من الناس وعن شريحة وجموع كثيرة حتى قال بعضهم أكثر من ثلاثين ألف، إذن قال في الآية (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) عندما تحدث عن عموم الناس وعن فئام كثيرة من الناس.

ويقول الله عز وجلّ في سورة غافر نظيرة لهذه الآية (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) هذا الأمر يخص جميع الناس فقال الله عز وجلّ (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) وهذا أمر يخص جميع الخلق وجميع الناس. ثم قال الله عز وجلّ بعدها (إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) لم يقل (ولكن أكثرهم) لأن الساعة تخص جميع الناس فقال الله عز وجلّ في ختام الآية (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)

في حين أن الله عز وجلّ يقول في سورة الأنعام (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) فأضاف اسم التفضيل إلى الضمير فقال (ولكن أكثرهم) وهذه الإضافة تدل على الإيجاز والاختزال ذلك أن هذه الآية تعني بمجموعة وطائفة من الناس وهم كفار مكة القائلين لهذا القول (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) كما جاء عند البغوي في معالم التنزيل وعند غيره. إذن قال الله عز وجلّ في نهاية الآية (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) لأن الآية تخاطب وتعني طائفة من الناس ليست بكثيرة.

وقال الله عز وجلّ نظير هذه الآية في سورة الحجرات (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) وهذه الآية نزلت في وفد تميم وهم وفد من الأعراب من نجد جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد اخرج إلينا فإن حمدنا زين وذمّنا شين فقال صلى الله عليه وسلم ذلك الله فأنزل الله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) لم يقل أكثر الناس لأن الآية تعني بطائفة من الناس حضروا عند النبي صلى الله عليه وسلم وشريحة ونزر بسيط فقال الله عز وجلّ في معرض الآية (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) فأضاف اسم التفضيل للضمير لأن الآية تعني بطائفة بسيطة ونزر قليل من الناس.

وخلاصة هذه الوقفة أن اسم التفضيل في القرآن الكريم إذا أضيف للاسم الظاهر فإنه يعني السعة والعموم والإحاطة والشمول وإذا أضيف للضمير فإنه يعني بطائفة قليلة من الناس وشريحة بسيطة من الناس تعرض لها السياق القرآني وذكرها والله أعلم بمراده.


موقع إسلاميات

امانى يسرى محمد
19-04-2020, 01:47 PM
من روائع القرآن الكريم
- (أياما معدودة) - (أياما معدودات) -
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط

(وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ( البقرة) (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ( آل عمران)

من جملة ما زعمت اليهود في كتاب الله عز وجلّ ما جاء في كتاب الله عز وجلّ في سورة البقرة (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) على حين أن الله عز وجلّ يقول في آي عمران (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) فاختلفت اليهود في هذا الزعم فطائفة تقول أياما معدودة وطائفة تقول أياما معدودات فما الفرق بين القولين؟
وهل يتساوى القولان في كتاب الله عز وجلّ من حيث التعبير القرآني ومن حيث الدلالة البيانية والله العربية؟

أولًا عندنا قاعدة في اللغة تقول أن وصف ما لا يعقل بالمفرد أكثر منه بالجمع فقول الله عز وجلّ أيام معدودة أكثر بالعدد من أيام معدودات كما تقول طريق معبّدة أكثر من طرق معبّدات.

وجاء عند ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن قتاده قال عند قوله تعالى (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً)
قال ذلك طائفة من اليهود: نعذّب بعدد الأيام التي ذهب فيها موسى إلى ربه والأيام التي عبدنا فيها العجل وهي أربعون يومًا. وجاء في فتح القدير عن الشوكاني عن مجاهد عن قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) قال ذلك طائفة من اليهود نُعذّب بعدد أيام الدنيا يعنون أيام الأسبوع.
وقال ابن جماعه رحمه الله كما نقل السيوطي في الاتقان: قال ذلك طائفتان من اليهود فزعمت الطائفة الأولى أنهم يعذبون بالنار بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل يعنون أربعون يوما وهذا القول ينزّل على آية البقرة والطائفة الأخرى تقول نعذّب بالنار بعدد أيام الدنيا يعنون أيام الأسبوع وهذا القول ينزّل على آية آل عمران فلا تضاد في كتاب الله عز وجلّ ولا تنافر بين آيات الله تبارك وتعالى والله عز وجلّ يقول (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ( النساء)

امانى يسرى محمد
29-10-2020, 10:30 AM
من روائع القرآن الكريم
- (وبطل ما كانوا..) - (وباطل ما كانوا..) -
د. صالح بن عبد الله التركي





(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) الأعراف)

(إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) الأعراف)



يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) الأعراف) في حين أن الله عز وجلّ يقول فيها أيضًا (إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) الأعراف) والآية الأولى في شأن قصة موسى مع السحرة والآية الثانية في شأن بني إسرائيل لما عبروا البحر وعكفوا على أصنام لهم فقال الله تبارك وتعالى في الآية الأولى بصيغة الفعل (وبطل) وقال في الآية الثانية بصيغة الاسم (وباطل) فما السر البياني في اختلاف هاتين الصيغتين في هذه الآيات.





قاعدة لغوية: التعبير بالفعل يدل على التجدد والحدوث والانقطاع وأن التعبير بالاسم يدل على الثبوت والدوام والاستقرار. فلما كانت الحالة انتهت وتلاشت واضمحلت وهي هزيمة السحرة من موسى عليه السلام عبّر القرآن الكريم بصيغة الفعل الذي يدل على الانقطاع وعلى التجدد وقال تعالى (وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولما كانت الحالة دائمة مستمرة ثابتة وهي حال القوم الذين يعكفون على أصنام لهم عبّر القرآن الكريم بصيغة الاسم وقال (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) إذ أن هؤلاء القوم معتكفون مقيمون على عبادة الأصنام كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الواحدي. فلما كانت الحالة ثابتة عبّر القرآن الكريم بصيغة الاسم وقال (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولما كانت الحالة منقطعة غير ثابتة عبّر القرآن الكريم بصيغة الفعل وقال (وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وذلك في هزيمة السحرة. وبهذا تتجلى هذه الألفاظ وهذا المعاني الربانية



,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


من روائع القرآن الكريم

- (لا يعقلون شيئا) - (لا يعلمون شيئا) -

د. صالح بن عبد الله التركي





(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170) البقرة)

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104) المائدة)



يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) على حين أن الله عز وجلّ يقول في سورة المائدة (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) كلتا هاتين الآيتين في شأن الكفار، ذمّ الله عز وجلّ الكفار في الآية الأولى بعدم العقل وذمّهم في الثانية بعدم العلم. فما السر البياني في اختلاف هذا الذم بين هاتين الآيتين؟



بالتدبر والنظر في سياق الآيتين نجد أن الله تبارك وتعالى دعا الكفار في الآية الأولى إلى اتباع ما أنزل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) ففضلوا ما ألفوا عليه آباءهم واتبعوا ضلال آبائهم بما أنزل الله عز وجلّ من النور والهدى والبينات فذمّهم الله عز وجلّ بعدم العقل.

أمر آخر أن الله عز وجلّ يقول في سياق الآية (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) وألفى في القرآن واللغة لا تأتي إلا في سياق الذم فذمّهم الله عز وجلّ بعدم العقل.

وثمة أمر ثالث أن الله عز وجلّ شبه أولئك الكفار بقطيع الأغنام التي لا تفقه ما يقول راعيها كما قال الله تبارك وتعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً) [البقرة: 171) فشبههم الله عز وجلّ بقطيع الأغنام ويكفي من هذا عدم عقل منهم فقال الله عز وجلّ في ذلك (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) فذمهم الله عز وجلّ بعدم العقل في سياق هذه الآيات.



أما في آية المائدة فإن الله عز وجلّ دعا الكفار إلى ما أنزل الله والرسول (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) فقولهم (حسبنا) يعني يكفينا فاكتفوا بما عند آبائهم من العلم فبيّن الله عز وجلّ أنه ليس عند آبائهم شيء من العلم وذمّهم الله عز وجلّ بعدم العلم أصلًا وقال (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) فلما اكتفوا بما عند آبائهم من العلم بيّن الله عز وجلّ أنه ليس عندهم أصلًا شيء من العلم وقال الله عز وجلّ في ذلك (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) فذمّ الله عز وجلّ الكفار في هاتين الآيتين بعدم العقل وعدم العلم ولا ريب أن الذم بعدم العقل أشد قبحًا من الذمّ بعدم العلم لأن الذي لا يعقل لن يعلم ولن يفهم شيئا وهذا جمع للآيتين الكريمتين والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.




اسلاميات

امانى يسرى محمد
31-10-2020, 02:38 PM
( مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ) - (مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ )


يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام: (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)[الأنعام:99]
في حين أن الله عز وجل يقول في آية أخرى: (وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)[الأنعام:141]،
فقال الله عز وجل في الآية الأولى: (مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)[الأنعام:99]
وقال في الثانية: (مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)[الأنعام:141]
فما السر البياني في مجيئ كل آية في سياقها؟!
وما الدلالة البيانية لهذه الألفاظ في التعبير القرآني؟!

بداية لا بد أن نرجع إلى معاني هذه الألفاظ عند علماء اللغة: فالمشتبه: هو ما أفاد شدة الالتباس والإشكال والإختلاط، ‏والمشتبه يصعب التفريق بينهما، وقد جاء المشتبه مرة واحدة في القرآن الكريم وهو من فعل ‏"اشتبه": أي التبس كما عند أهل المعاجم. أما المتشابه: فهو ما أفاد التناظر والتجانس والتماثل والتشابه بينهما، وقد جاء في القرآن الكريم تسع مرات، وهو ما دون الإشتباه كما قال العلماء.

‏- وإذا نظرنا إلى سياق الآيات وجدنا أن الله عزوجل يقول في الآية الأولى: (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)[الأنعام:99] وهذه الآية تبين عظيم صنع الله عزوجل وبديع خلقه في هذه الثمار والزروع؛ لذلك دعا الله عزوجل إلى النظر لمَّا قال: (مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)[الأنعام:99]

والمشتبه: هو ما أفاد شدة الالتباس، فلما قال:(مُشْتَبِهًا) دعا إلى النظر إلى شكلي الخارجي وقال: (انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ)[الأنعام:99] ثم عقَّب الله عز وجل على ذلك كله وقال : (إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[الأنعام:99] فهذه آية من آيات الله عزوجل ‏التي تدعو إلى النظر والتأمل والتدبر.
- أما في الآية الثانية فقد قال الله عزوجل: (وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[الأنعام:141] فلما ذكر المتشابه وهو ما دون الإشتباه وهو ما أفاد التناظر والتماثل دعا إلى الأكل وقال: ( كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ)[الأنعام:141] ثم عقَّب زيادة على ذلك وقال: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام:141] ‏وصفوة الكلام أن الآية الأولى في الشكل الخارجي للثمار لذلك دعا إلى النظر، ‏والآية الثانية في الطعم واللون لذلك دعا إلى الأكل، وهذا من تناظُر هذه الآيات المتشابهة في كتاب الله عزوجل ومن تأويلها ومن الكشف عن الدلالة البيانية لهذه الآيات
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



اسلاميات

امانى يسرى محمد
01-11-2020, 08:53 AM
من روائع القرآن الكريم
- (فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) - (وألقينا بينهم العداوة والبغضاء) -
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط

يقول الله جل شأنه في سورة المائدة (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)) وهذه الآية في شأن النصارى في حين أن الله عز وجلّ قال في شأن اليهود (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ ۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ۚ وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)) وهكذا جعل الله عز وجلّ العداوة والبغضاء بين طوائف النصارى وأحزاب اليهود عذابا عليهم ونكالا إلى يوم القيامة. وهذه العداوة والبغضاء بين النصارى تختلف بحسب اختلاف الدلالة البيانية لقوله تعالى (فأغرينا) (وألقينا) فما هي الدلالة البيانية لهذين اللفظين في كتاب الله عز وجلّ؟

أما الإغراء فهو إلصاق الشيء بالشيء فقولك أغريت أي ألصقت شيئا بشيء فلا انفكاك بين هذين الملصَقين وهذا من الغَراء المعروف وهذه المعاني جاءت عند صاحب فتح القدير للشوكاني رحمه الله وجاءت أيضا عند أهل المعاجم فالإغراء هو إلصاق الشيء بالشيء وهذا يعني أن العداوة والبغضاء مُلصَقة مُغراة بين طوائف النصارى فلا انفصام لها ولا انفكاك فيما بين هذه الطوائف في العداوة والبغضاء. والتاريخ لهذه الطائفة يشهد بهذا كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "وهكذا طوائف النصارى لا يزالون متباغضين يكفّر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا" وهذا من آثار قول الله عز وجلّ في هذه الطائفة (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

ومن آثار هذه العداوة والبغضاء بين طوائف النصارى الاختلاف الواسع الذي نجده في هذه الطائفة فالنصارى مختلفون في ذات الله عز وجلّ في أقوال شتى كما قرره القرآن الكريم والنصارى مختلفون في رسولهم عيسى عليه السلام وفي ميلاده وفي نسبه كما قرره القرآن الكريم، والنصارى مختلفون في كتابهم – كما نعلم – وكما قرره القرآن الكريم وإلى اليوم وهذا من آثار هذه العداوة والبغضاء بين هذه الطوائف وبين النصارى إلى يوم القيامة كما قال الله عز وجلّ.

ومن آثار هذه العداوة والبغضاء أيضًا ما نجده من اختلاف واسع وحروب طاحنة بين طوائف النصارى وأقرب مثال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وما خلفته من ضحايا لا حصر لها وهذا من معنى قوله تعالى (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

أما في شأن اليهود فقد قال الله عز وجلّ (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) والإلقاء هو الرمي دون اكتراث ودون أهمية وهذا يعني أن الإلقاء أقل حالا من الإلصاق فالإغراء هو إلصاق الشيء بالشيء وأما الإلقاء فهو الرمي دون هواده أو دون اكتراث. وهذا يعني أيضا أن العداوة والبغضاء فيما بين أحزاب اليهود أقل حالا وشأنا وشراسة واختلافا كما هو واقع بين النصارى فلا نجد اختلافا واسعا بين اليهود في نبيهم موسى عليه السلام ولا نجد اختلافا بين اليهود في ذات الله عز وجلّ كما هو في حال النصارى ولا نجد أيضًا اختلافا فيما بين اليهود في كتابهم كما هو اختلاف النصارى في كتابهم فيما يسمى "العهد الجديد".

وأيضًا لا نجد حروبًا طاحنة فيما بين أحزاب اليهود كما وقعت بين طوائف النصارى وهذا من دلالة هذين اللفظين في كتاب الله عز وجلّ وهو قوله (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) في شأن النصارى وفي شأن اليهود قال الله عز وجلّ (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وهذا من توجيه هذه الآيات المتناظرة في كتاب الله عز وجلّ جعلنا الله وإياكم متبصرين في كتابه متأملين فيه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



اسلاميات

امانى يسرى محمد
07-11-2020, 01:06 PM
من روائع القرآن الكريم
- الفوز المبين - الكبير - العظيم -
د. صالح بن عبد الله التركي

هذه وقفة لطيفة حول لفظ "الفوز" في القرآن الكريم.

الفوز: هو الظَفَر بالخير مع حصول السلامة، قال ذلك الراغب الأصفهاني ‏في مفرداته على القرآن الكريم. والفوز كُلُّ الفوز أن يفوز الإنسان بالآخرة، كما قال الله جل شأنه: ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ )[آل عمران:١٨٥].

وقد تعدد الفوز وتنوع في كتاب الله عزوجل ‏على ثلاث مراتب ووصف بثلاثة أوصاف:

أولها: الفوز المبين : وهو أن يُصرف عن صاحبه عذاب جهنم ويفوز برحمة الله عزوجل، كما قال الله تبارك وتعالى: ( مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ )[الأنعام:١٦]. ‏وقوله تعالى أيضاً: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ )[الجاثية:٣٠]. والفوز المبين جاء في القرآن الكريم مرتين.

وثانيها: الفوز الكبير، والفوز الكبير جاء في قصة ‏أصحاب الأخدود الذين افتُتنوا ‏في دينهم والذي أبتُلوا في دينهم، فوصف الله عزوجل فوزهم بالفوز الكبير، كما قال الله تبارك وتعالى: ( ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ )[البروج:١١] والفوز الكبير جاء في القرآن الكريم مرة واحدة. -

وثالث هذه المراتب هو: الفوز العظيم، وهو أعلى فوز جاء في القرآن الكريم، والفوز العظيم يأتي في سياق: - الخلود في الجنة. - والمساكن في الجنة. - ويأتي في سياق رضا الله عزوجل. وأعلى فوز جاء في القرآن الكريم ما جاء في سورة الصافات ‏في قوله تعالى: (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (٦١)) [الصافات:٦٠-٦١] هذا الفوز أفضى بصاحبه إلى الجنة وإلى دخولها، والآية فيها من المؤكدات الشيء الكثير الذي جعل هذه الآية تمثل وتتضمن ‏أعلى فوز جاء في القرآن الكريم، والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.


من روائع القرآن الكريم
- (‏بما تعملون بصير) ( ‏والله بما تعملون خبير) -
د. صالح بن عبد الله التركي

من روائع القرآن الكريم - (‏بما تعملون بصير) ( ‏والله بما تعملون خبير) - د. صالح بن عبد الله التركي
يقول الله جل شأنه في غير ما آية من كتابه : (‏والله بما تعملون بصير) ‏في حين يقول الله عزوجل نظيرةٌ له : (‏والله بما تعملون خبير) ‏هذه من الفواصل القرآنية التي تتردد كثيرا في كتاب الله عزوجل والتي يتسائل عنها القارئ للقرآن الكريم ‏عن سبب سِرِّ هذا الاختلاف بين هاتين الفاصلتين.

فمتى يختم القرآن الكريم ‏بقوله: ( والله بما تعملون بصير) وبقوله: ( ‏والله بما تعملون خبير) ‏؟ ‏بداية؛ البصير: هو العالم بظواهر الأمور وعلانيتها. ‏وأما الخبير: فهو العالم ببواطن الأمور وأسرارها. ‏والبصير والخبير من أبنية المبالغة على وزن فعيل، ‏كلتا الكلمتين ‏تدل على ثبوت الصفة لله تبارك وتعالى ثبوتاً قطعياً بما يليق بجلاله وعظمته.

- ‏وهذه الآيات ترددت في القرآن الكريم كثيرا، ‏فقوله تعالى: ( والله بما تعملون بصير ) ترددت في القرآن الكريم خمس عشرة مرة ‏باختلاف ‏صيغها.

- ‏وأما قوله: (والله بما تعملون خبير ) فقد ترددت في القرآن الكريم أربع عشرة مرة باختلاف صيغها.

- ‏فإذا كان السياق القرآني يتحدث عن أمورٍ مشاهدة مرئية مُبصرة ‏فإنه عندئذٍ يختم بقوله تعالى: (والله بما تعملون بصير) ‏كقوله تعالى في البقرة: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: ١١٠]، فختم بقوله : ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ ‏للأمور المُشاهدة المرئية المُبصرة مثل إقامة الصلاة. ‏ويقول الله عزوجل: ﴿ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾[سبأ: ١١]، وختم بقوله : ﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾[سبأ: ١١] أيضاً للأمور المشاهدة المرئية المُبصرة . ‏ويقول الله عزوجل في سورة الفتح : ﴿ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾[الفتح: ٢٤]، ‏فختم الله عزوجل الآية بقوله: ﴿وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾ [الفتح: ٢٤] ‏للسبب نفسه الذي ذُكر في الآيتين الآنفتين.

‏وأما قوله تعالى: ( والله بما تعملون خبير) ‏فيأتي هذا الختام ‏وتأتي هذه الفاصلة في الآيات ‏التي تتحدث: ·
عن أمور خفية غير ظاهرة. ·
وعن أمور قلبية. ·
وعن أسرار الأمور كقوله تعالى مثلا في النفقة: ﴿ إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾[البقرة: ٢٧١] ‏فختم الله عزوجل بهذه الفاصلة في النفقة الغير مرئية والتي أسرَّها المُنفق لله عزوجل، وقد حثَّ عليها القرآن بقوله تعالى : ﴿ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾[البقرة: ٢٧١]. ‏

ويقول الله عزوجل نظيرةٌ لهذه الآية في الذين بخلوا بأموالهم؛ كما قال الله عزوجل في سورة آل عمران : ﴿ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾[آل عمران: ١٨٠] ‏فختم الله عزوجل بقوله : ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾[آل عمران: ١٨٠] ‏للأمور القلبية وهو البُخل، فالآية تتحدث عن البُخل، والبُخل من الأمور القلبية فختم بهذه الآية مناسبةً للسياق.

- ‏وفي المشاكل الزوجية يقول الله تبارك وتعالى : ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ ﴾[النساء: ١٢٨]، ‏والشُّح هو البخل، ‏فختم بقوله تعالى: ﴿ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾[النساء: ١٢٨]. ‏إذن؛ ختاماً لهذه الفاصلة ‏ولهذه الوقفة: ‏يختم القرآن الكريم بقوله تعالى : (‏والله بما تعملون بصير) للأمور المُشاهدة المرئية، ‏ويختم بقوله تعالى: (والله بما تعملون خبير) للأمور القلبية السرية التي لا يعلمها إلا الله عزوجل. ‏وهذه الوقفة وهذه الآيات شاهدة على هذا الأمر وعلى هذا الخط العام في القرآن الكريم، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد

اسلاميات

امانى يسرى محمد
14-11-2020, 04:58 PM
من روائع القرآن الكريم - تقديم وتأخير "حكيم عليم" في الأنعام (حكيم عليم)
وفي يوسف (عليم حكيم) -
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط

يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأنعام (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا ۖ وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (139) الأنعام) في حين يقول الله تبارك وتعالى في سورة يوسف (وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6) يوسف) فقال الله عز وجلّ في سورة الأنعام (حكيم عليم) وقال في يوسف (عليم حكيم) فقدّم الله تبارك وتعالى الحكمة في سورة الأنعام في ثلاث آيات (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴿٨٣﴾ الأنعام) (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴿١٢٨﴾ الأنعام) (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴿١٣٩﴾ الأنعام)

وقدّم العلم في سورة يوسف في ثلاث آيات أيضًا

(وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٦﴾۞ يوسف)
(قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿٨٣﴾ يوسف)
(وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿١٠٠﴾۞ يوسف)

فما السر البياني في هذا التقديم والتأخير؟

لمتأمل والمتدبر لسورة الأنعام يجد أن السورة ذكرت مسائل فقهية كثيرة واحتفلت بها لا سيما في آخرها كقوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ﴿١١٨﴾ الأنعام) وقوله أيضاً (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) وقال تعالى (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) وقال عز وجلّ (وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ) وقال تعالى (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) وقال الله عز وجلّ أيضًا (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) هذه مسائل فقهية جاءت بها سورة الأنعام فقدّم الحكمة في السورة لأن الفقيه لا بد أن يكون حكيما فاقتضى تقديم الحكمة في هذه السورة لهذا السر البياني ولغيره.

وأما في سورة يوسف فإن الله عز وجلّ قدّم العلم في ثلاث آيات وقال تبارك وتعالى عليم حكيم ذلك أن سورة يوسف كلها أسرار فالسورة كلها مبنية على الأسرار كما قال الله عز وجلّ (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) هذا سر وقال تبارك وتعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ) هذا سر وقال الله عز وجلّ (فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا) هذا سر وقال الله تبارك وتعالى (فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) هذا أيضًا سر وغيره من الأسرار والعالم بهذه الأسرار هو الله جلّ جلاله فقّدم العلم في سورة يوسف وقال (عليم حكيم)

علاوة على هذا أن العلم ومشتقات هذه الكلمة ترددت في سورة يوسف 27 مرة فاقتضى في سورة يوسف تقديم العلم لهذا الأمر وغيره. في سورة الأنعام قدّم الحكمة لأجل مسائل فقهية وفي سورة يوسف قدّم العلم لأن السورة مبنية على أسرار كثيرة والعالم بهذه الأسرار هو الله جلّ جلاله والله أعلم. من روائع القرآن الكريم - تقديم وتأخير "حكيم عليم" في الأنعام (حكيم عليم) وفي يوسف (عليم حكيم) -

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

- أي التعبيرين أنسب في يوسف عليه السلام (هلك) أو (مات)؟
- د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط

يقول الله عز وجلّ في سورة غافر (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُم بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (34) غافر) فجاء التعبير القرآني في الآية بقوله تبارك وتعالى (حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ) وقرّاء كتاب الله عز وجلّ يثيرون تساؤلًا حول هذا اللفظ: ما مدى مدلول هذا اللفظ في سياق هذه الآية؟

فأقول إن معرفة معنى الفعل والدلالة البيانية لهذا الفعل من شأنه أن يزول به عجَبُ القارئ ومن شأنه أن تزول به تساؤلات القرّاء لكتاب الله عز وجلّ، فما الدلالة البيانية للفعل (هلك) في القرآن الكريم؟

1. يأتي (هلك) في القرآن الكريم على معنى زال وفنِي كما قال الله عز وجلّ (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) الحاقة) أي زال وفنى وكما قال الله عز وجلّ (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص: 88] أي زائل.

2. ويأتي الفعل في القرآن الكريم بمعنى عذّب وعاقب كما قال الله عز وجلّ (وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ (208) الشعراء) أي عذبنا وعاقبنا وكما قال الله عز وجلّ (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) [الأحقاف: 35] أي عاقبنا وعذّبنا.

3. ويطلق الفعل في القرآن الكريم على من مات وليس له ذرية وليس له عقب وهذا شأن يوسف عليه السلام حيث عُمّر يوسف عليه السلام كما عند أهل التأويل 130 سنة ومات وليس له عقب وليس له ذرية. ومعلوم أن يوسف عليه السلام كما جاء في الحديث هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم فيوسف ابن يعقوب ابن إسحق ابن إبراهيم فيوسف عليه السلام هو سلالة أنبياء فلما مات وليس له عقب وهلك زعم الكفار أن النبوة والرسالة انقطعت بعد يوسف عليه السلام فردّ الله عز وجلّ عليهم بقوله تعالى (حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ) وهذا شأن الكفار فجاء التعبير القرآني بأدق صورة وبأوفى تعبير فقال الله عز وجلّ (حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ) إذ أن يوسف عليه السلام ليس له عقب وليس له ذرية وهذا شأن من مات وليس له عقب وليس له ذرية يطلق عليه هلك في القرآن الكريم كما قال الله عز وجلّ (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء: 176].

وبهذا تتجلى هذه الصورة البيانية البديعة الخلابة لهذا التعبير القرآني ويزول به عجب القارئ وتزول به التساؤلات حول هذا اللفظ القرآني والله أعلم.من روائع القرآن الكريم - أي التعبيرين أنسب في يوسف عليه السلام (هلك) أو (مات)؟

اسلاميات

امانى يسرى محمد
21-11-2020, 11:56 AM
من روائع القرآن الكريم
- الدلالة البيانية للفظي "الوالدان" و "الأبوان" في تعبير القرآن الكريم
- د. صالح بن عبد الله التركي

يقول الله جل شأنه في سورة الأحقاف (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) [الأحقاف: 15] ويقول سبحانه وتعالى في سورة يوسف (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [يوسف: 100] فجاء لفظ الوالدين في الآية الأولى ولفظ الأبوين في الآية الثانية والوالدان والأبوان لفظان لمسمى واحد هما الأب والأم كلاهما جاء على جهة التغليب ومن باب التغليب في اللغو العربية

فما الدلالة البيانية في التعبير القرآني بهذين اللفظين؟

إذا أجرينا لمحة سريعة على القرآن الكريم وألقينا نظرة فاحصة في تعبير القرآن الكريم وجدنا أن الله تبارك وتعالى يوظّف لفظ الوالدين في باب الإحسان والبر والشفقة والدعاء والرحمة كما قال الله عز وجلّ (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [النساء: 36] وقال (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) [العنكبوت: 8] (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) [الأحقاف: 15] فكل هذه الآيات وغيرها من كتاب الله عز وجلّ يأتي فيها لفظ الوالدين في باب الإحسان والبر والصلة والدعاء ذلك أن الأم أكثر حقًا من الأب على الأبناء بالدعاء والبر والإحسان كما سأل الصحابي النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "من أحقُّ الناس بحسن صحبتي؟ قال أمك، قال: ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك" فالأم أكثر حقا من الأب على الأبناء في البر والإحسان والشفقة. وقد أخذ العلماء في دعاء إبراهيم عليه السلام (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) إبراهيم) أخذوا من هذه الآية أن أم إبراهيم كانت مؤمنة بدلالة لفظ (ولوالديّ) في الآية، أما أبوه فبنصّ القرآن الكريم هو مشرك.

وأما لفظ الأبوين فإن هذا اللفظ يأتي في سياق القرآن الكريم في ثلاثة مواطن:
أولها في سياق الإرث والميراث ومعلوم أن الأب أكثر حقا في الميراث من الأم كما قال الله عز وجلّ (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ) [النساء: 11] وكما قال تعالى (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ) [النساء: 11] ففي سياق الميراث يوظف القرآن الكريم لفظ الأبوين.

ثاني هذه المواطن في سياق الفخر ومعلوم أن العرب كانت تفتخر بآبائها ومن هذا المعنى قول الله عز وجلّ (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة: 200] كانت العرب في الجاهلية إذا نزلت مزدلفة تفتخر بآبائها فقال الله عز وجلّ آمرا عباده في الحج (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) اذكروا الله العظيم كذكركم أباءكم أو أشد ذكرا. ومن هذا أيضًا قول الله عز وجلّ (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) [يوسف: 100] وهذا مقام فخر.
وكان الفرزدق يفتخر على جرير بأبويه فيقول: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع فَيا عَجَبي حَتّى كُلَيْبٌ تَسُبّني كأنّ أباها نَهْشَلٌ أوْ مُجَاشَعُ

وثالث هذه المواطن في سياق النسب فالإنسان ينتسب لأبيه وقد أمر الله عز وجلّ بذلك فقال (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ) [الأحزاب: 5] وقوله تعالى في سورة الكهف (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ) [الكهف: 80]

ختامًا لهذه الوقفة يتبين لنا أن التعبير القرآني يجاوز بين الألفاظ ولا تترادف مثل هذه الألفاظ في سياق القرآن الكريم فهذه الألفاظ ظاهرها الترادف وباطنها الاختلاف وهذا من بديع التعبير القرآني والدلالة البيانية للفظ الوالدين والأبوين والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



من روائع القرآن الكريم
د. صالح التركي
لفظ الجلالة (الله)
تفريغ سمر الأرناؤوط



يقول الله تبارك وتعالى في أعظم آية في كتابه العزيز (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة: 255] هذه الآية العظيمة ابتدأت بأعظم أسماء الله تبارك وتعالى ولفظ الجلالة (الله). لفظ الجلالة (الله) أصله من هيئة تكوين الحرف (ألِه) أي غُبِد كما جاء ذلك عند أهل المعاجم،

فالله معناه المعبود لذلك لفظ الجلالة الله ارتبط بالعبادة في القرآن الكريم في أكثر من خمسين آية كما قال الله عز وجلّ (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) أي اعبدوا المعبود الحق الذي يجب أن تُصرف له العبادة. لفظ الجلالة الله هو أكثر أسماء الله ترددا في القرآن الكريم حيث جاء هذا الاسم في أكثر من ألفي آية مما يدل على أنه اسم الله الأعظم كما قال بذلك غير واحد من علماء السلف والخلف.



لفظ الجلالة الله هو الاسم الدال على الذات العليا لله تبارك وتعالى وهو الاسم الجامع لأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، فإذا دعوت بالعزيز فأنت تدعو بالعزة وإذا دعوت بالغفور فأنت تدعو بالمغفرة وإذا دعوت بالكريم فأنت تدعو بالكرم وإذا دعوت باسم الله فأنت تدعو بجميع هذه الصفات وجميع هذه المحامد والأسماء.

لفظ الجلالة الله هو الاسم الذي انفرد به الله جلّ جلاله عن بقية الآلهة المزعومة التي عبدها الكفار فلم يتسمّى أحد بهذا الاسم سوى الله جلّ جلاله. لفظ الجلالة الله هو الاسم الذي اعترف به الكفار وسائر الديانات كما قال تبارك وتعالى (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (87) الزخرف) الله يأتي في سياقات القرآن الكريم في مقام التخويف والتعظيم والتكليف وغير ذلك كما قال الله تبارك وتعالى (ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ) [الزمر: 16] وكما قال الله تبارك وتعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال: 2] وفي سياق التعظيم يقول الله عز وجلّ (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [الشورى: 10]



لفظ الجلالة الله نراه في سياق القرآن الكريم دائما في مقام المضاف إليه ولا يكون مضافا أبدا وأهل اللغة عندهم المضاف إليه أشرف من المضاف كما في القرآن الكريم (ناقة الله، رسل الله، آيات الله) وغير ذلك.



لفظ الجلالة الله إذا تأملنا في سياق القرآن الكريم نجده دائما موصوفا كما قال الله عز وجلّ (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) الحشر) والموصوف يأتي متبوعًا ولا يأتي تابعًا ولفظ الجلالة الله في هذا المقام لشرفه ولمكانته وعظمته. الله جلّ جلاله هو سلوى الحزين.

الله جلّ جلاله هو جاه الغني وهو غنى الفقير. الله جلّ جلاله هو ملاذ الخائف المستجير (ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [الشورى: 10] والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

امانى يسرى محمد
28-11-2020, 04:02 PM
من روائع القرآن الكريم -
(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله) - (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله)
- د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط

يقول الله جل شأنه في التنزيل (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران)
وقال الله تبارك وتعالى في كتابه أيضًا (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) يونس)

وهذا موطن تساؤل لدى كثير من الناس من قرّاءء كتاب الله تعالى عن سر سبب هذا الاختلاف فأقول أن آية آل عمران جاءت بين ثنايا الحديث عن معركة أحد ولا شك أن الداخل للمعركة قد يفقد نفسه أو يُقتل أو يموت أو يُستشهد فقال الله عز وجلّ في معرض الحديث عن المعركة (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) فجاءت الآية منسجمة مع موضوعها وسياقها.
وأما آية يونس فإن أواخر سورة يونس جاء الحديث فيه عن قضية الإيمان حيث ذكر الله تبارك وتعالى محاولة إيمان فرعون إذ يقول الله جل شأنه (قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ) وقال الله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٩٦﴾) ثم عرّض الله عز وجلّ بذكر إيمان قوم يونس حيث قال الله تبارك وتعالى (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) ثم قال الله عز وجلّ بعد هذه الآيات (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)
إذن هذه جاءت الآية مناسبة لسياقها ومنسجمة مع موضوعها

<<<<<<<<<<<<<

من روائع القرآن الكريم - (كلام الله) - (كلمات الله)
- د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط

يقول الله جل شأنه في سورة برآءة (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٦﴾ التوبة)
في حين يقول الله عز وجلّ في سورة لقمان (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴿٢٧﴾ لقمان)
فقال الله عز وجلّ في الآية الأولى (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) وقال في الثانية (كَلِمَاتُ اللَّهِ)

جاء عند عامة أهل التفسير أن كلام الله هو القرآن الكريم وكلمات الله هي علمه وشرعه وهداه.
فجاء في الاية الأولى بجمع الكثرة وقال (كلام الله) وجاء في االآية الثانية بجمع القلّة وقال (كلمات الله)
ولا ريب أن النظم القرآني هو الذي يحدد اختيار هذين اللفظين في هاتين الآييتين فلننظر في سياق الآيتين: يقول الله تبارك وتعالى في الآية الأولى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) والآية تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعطاء الأمان للكفار عند استماع القرآن الكريم.

إذن هو سياق استمالة لقلوب الكفار وترغيب لسماع القرآن الكريم ودعوة إلى الإسلام ولا ريب أن سماع الكثير من القرآن الكريم أدعى للقبول من سماع القليل لذا جاء بجمع الكثرة وقال (حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ)
أما في آية لقمان فإن الله تبارك وتعالى يقول (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) وهذه الآية تبين عظيم هدى الله وعظيم علمه وشرعه والمعنى لو أن أشجار الأرض كلها أقلام والبحر من بعده سبعة أبحر كله مداد يكتب به علم الله وشرغه ما نفذ القليل من كلمات الله فقال الله عز وجلّ (مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) ولا ريب ولا شك أن جمع القلة هنا أنسب من جمع الكثرة إذ هو يبين عظيم علم الله عز وجلّ وعظيم هداه وعظيم شرعه.

إذن كل آية جاءت بما يناسبها وكل جمع ناسب السياق القرآني وهذا من عظيم التعبير في كلام الله عز وجلّ الذي أعجز الله به صُنّاع الكلام والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


اسلاميات

امانى يسرى محمد
05-12-2020, 04:46 PM
من روائع القرآن الكريم - (خلائف) - (خلفاء) -
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط

يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) [الأعراف: 69]
وقال الله عز وجلّ في يونس (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ) [يونس: 73]
فقال الله عز وجلّ في الاية الأولى خلفاء وقال في الآية الثانية خلائف وكلتا الكلمتين ترجعان إلى أصل واحد وهو خليفة فما الفرق في التعبير القرآني بين هاتين الكلمتين؟

بالنظر والتأمل والتدبر في كتاب الله عز وجلّ نجد أن الخلفاء هم القوم الذين خلفوا أناسا صالحين مؤمنين مهتدين وأُمروا باتباع سنتهم وطريقتهم ومنهجهم كما قال الله عز وجلّ على لسان هود يذكّر قومه ويأمرهم (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ) فعادٌ عقب الطائفة المؤمنة الناجية من الطوفان والغرق مع نوح في السفينة فلما جاؤوا بعد هذه الطائفة المؤمنة ذكّرهم هود عليه السلام وأمرهم باتباع سنة وطريقة هذه الطائفة المؤمنة من قوم نوح وقال لهم (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ).

وصالح عليه السلام يقول لقومه ويذكّرهم (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٧٤﴾ الأعراف) ومعلوم أن الله تبارك وتعالى أهلك المجرمين من عاد بالصيحة ونجا هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين ثم جاء بعد تلك الطائفة المؤمنة ثمود فصالح عليه السلام يذكّر قومه بالطائفة الناجية المهتدية المؤمنة من قوم عاد ويقول لهم (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ)

إذن الخلفاء هم القوم الذين أُمروا باتباع سنة من قبلهم وهم الذين خلفوا أناسًا صالحين مهتدين مؤمنين لذلك نسمي أبا بكر وعمر وعثمان وعلي نسميهم خلفاء لأنهم خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم واقتدوا سنته وأثره وطريقته.

وأما الخلائف فهم القوم الذين خلفوا أناسًا فاسدين مجرمين كافرين وأُمروا بمخالفة سنتهم وطريقتهم وشرعهم وملّتهم كما قال الله تبارك وتعالى للناجين من قوم نوح بعد أن أهلك الله عز وجلّ وأهلك الله تبارك وتعالى الظالمين من قوم نوح قال الله عز وجلّ للطائفة المؤمنة (فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ) لم يقل الله عز وجلّ: خلفاء لأن هؤلاء خالفوا من قبلهم من الظالمين والمجرمين لذين هلكوا في الطوفان. ويقول الله عز وجلّ في يونس أيضا (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) يونس) لم يقل جعلناكم خلفاء لأن هؤلاء الخلائف جاؤوا بعد المجرمين كما قال الله عز وجلّ (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴿١٣﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴿١٤﴾ يونس) أي لتخالفوا سنتهم وكفرهم وطريقتهم ومنهجهم وما كانوا عليه من ظلم وشرك وعدوان.

أما خلفاء فقد جاءت في القرآن الكريم ثلاث مرات

خلفاء
(أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ۚ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69) الأعراف)
(وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (74) الأعراف)
(أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62) النمل)

وأما خلائف فقد جاءت في القرآن أربع مرات

خلائف
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (165) الأنعام)
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) يونس)
(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ (73) يونس) (هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39) فاطر)

وصفوة هذه الوقفة أن خلفاء هم القوم الذين عقبوا أناسًا صالحين مهتدين وأُمروا باتباع سنتهم وطريقتهم ومنهجهم أما الخلائف فهم القوم الذين عقبوا أناسا كافرين فاسدين مجرمين وأُمروا بمخالفة طريقتهم وبمخالفة سنتهم وشرعهم وبهذا يتبين أنه لا مكان للترادف في كتاب الله تبارك وتعالى فكل كلمة لها سياق وكل كلمة لها تعبير في نظم القرآن الكريم والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.م

اسلاميات

امانى يسرى محمد
10-12-2020, 12:56 PM
من روائع القرآن الكريم
- التنكير والتعريف في (البلد) بدعوة إبراهيم عليه السلام (هذا البلد) – (هذا بلدًا) -
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ الأخ الفاضل سليمان الغليقة

بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ دعى أبونا إِبْرَاهِيم - عَلَيْهِ السَّلَام- لمكة في القُرْآن بدعاءين: فجاء الدعاء الأول: في سورة البقرة بقوله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا}[البقرة: 126].
وجاء الدعاء الثاني في سورة إِبْرَاهِيمَ: بقوله الله عز وجل: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}[إبراهيم: 35].
فما السر البياني البلاغي للتنكير والتعريف في لفظ «البلد» بين هاتين الآيتين؟!

قال أهل التأويل: إن إِبْرَاهِيمَ-عَلَيْهِ السَّلَام- زار مكة مرتين: - فزارها لما كانت بلدًا قاحلًا ولما كانت واديًا غير ذي زرع؛ ولم تكن آهلةً بالسكان فدعى لها إِبْرَاهِيمُ-عَلَيْهِ السَّلَام- بقوله: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا}[البقرة: 126]، فناسب التنكير لمَّا كانت غير آهلةٍ بالسكان. - زارها إِبْرَاهِيمُ مرةً أخرى بعد أن ترك ابنه إسماعيل وأمه، فزارها مرةً أخرى وقد تأهَّلت بالسكان وسكنها الناس واستوطنها والتفَّ حولها العرب بعد أن نبع فيها ماء زمزم، فدعى إِبْرَاهِيمُ-عَلَيْهِ السَّلَام- لها مرةً أخرى بقوله تعالى في سورة إِبْرَاهِيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}[إبراهيم: 35]، فجاء التعريف لمَّا كانت آهلةً بالسكان.
فهذا شيءٌ من التوجيه البياني والدَلالة اللفظية للتنكير والتعريف للفظ «البلد» في هاتين الآيتين؛ والله تعالى أعلم بمراده وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

<<<<<<<<<<

من روائع القرآن الكريم
- (فجعلناهم الأخسرين) (فجعلناهم الأسفلين) -
د. صالح بن عبد الله التركي

يقول الله -جَلَّ شأنه- في قصة إِبْرَاهِيم في الأنبياء: (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ)[الأنبياء: 70]؛ وقال الله عزَّ وجل في الصافات: (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ)[الصافات: 98]. فاختلفت الفاصلة بين هاتين الآيتين مع إتحادٍ في القصة والمعاني، وذلك راجعٌ للسياق القُرْآني، حيث أن في الأنبياء وقع منافسةٌ في الكيد ومجاراةٌ في الكيد بين إِبْرَاهِيم-عَلَيْهِ السَّلَام- وبين قومه.

إذ أنَّ إِبْرَاهِيمَ-عَلَيْهِ السَّلَام- كاد أصنامهم حيث يقول الله عزَّ وجل: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ)[الأنبياء: 57]؛ وقال الله عزَّ وجل في شأنهم: (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا)[الأنبياء: 70]، هذه منافسة في الكيد ومجاراة؛ فيها منتصر وفيها خاسر فكانوا أخسرين في هذه المنافسة. أما في الصافات فَإِنَّ قوم إِبْرَاهِيم بنوا له بنيانًا ليلقوه في الجحيم، فقال الله عزَّ وجل فيه وفيهم: (قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ)[الصافات: 97]، فَأَرَادُوا أن يكون أسفلًا فكانوا هم الْأَسْفَلِينَ في هذا الكيد، فخسروا هذا الكيد وكانوا أسفلين فيه، فهذا توجيهٌ لهاتين الفاصلتين.
أسأل الله بمنِّه وكرمه أن ينفعنا بما سمعنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


اسلاميات

امانى يسرى محمد
18-12-2020, 12:02 AM
من روائع القرآن الكريم
- بعض مواطن تقديم الجن على الإنس في التنزيل -
د. صالح بن عبد الله التركي

قدَّم الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في التنزيل الجِنَّ على الإنس وقدَّم الله عزَّ وجل الإنس على الجِنِّ أَيْضًا؛ فمن تقديم الجن على الإنس في القُرْآن الكريم لما كان الحديث عن خلقهما يقول الله عزَّ وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: 56].
فقدَّم الجن هنا لأنهم خُلقوا قبل الإنس كما قال الله عزَّ وجل: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ)[الحجر: 26، 27].

وقدَّم الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الجن على الإنس في التنزيل لما كان الحديث عن دخول النار؛ ومعلومٌ أن أول الداخلين للنار هم الجن، يقول الله عزَّ وجل: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا)[الأعراف: 179]؛ فقدَّم الله عزَّ وجل الجن لأنهم هم أول الداخلين النار كما قال الله عزَّ وجل: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[السجدة: 13]، وآياتٌ أُخر.

وقدَّم الله عزَّ وجل الجن على الإنس لما كان الحديث عن اختراق السموات والأرض، كما قال الله عزَّ وجل في الرحمن: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)[الرحمن: 33]، ولا جرم أن الجن هم أكثر استطاعةً من الإنس في هذا الأمر، فقدَّمهم الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عنايةً بهم واحتفالًا لهم في السياق.

وقدَّم الله عزَّ وجل الجن أَيْضًا لما كان الحديث عن الضلال والغِواية والإضلال، كما قال الله عزَّ وجل في فصلت: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)[فصلت: 29]. ومعلومٌ أن الشيطان نفسه أخذ على نفسه عهدًا أن يضل بني آدم كما قال الله عزَّ وجل عنه: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)[النساء: 119].
وقال الله عزَّ وجل عنه: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)[الناس: 4-5].
وقال الله عزَّ وجل عنه كذلك: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ)[طه: 120].

إِذًا مسألة تقديم الجن على الإنس والإنس على الجن فنٌ قرآنيٌ فريد اعتنى به كتاب الله عزَّ وجل فيقدم الكلمة إذا كان لها الأهمية في السياق ولها العناية في السياق والتركيز، وهذا شأنه شأن اللغة العربية. أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن ينفعنا بما سمعنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

اسلاميات

امانى يسرى محمد
22-12-2020, 06:39 AM
من روائع القرآن الكريم
- (ولكن أنفسهم يظلمون) - (ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) -
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ الأخ الفاضل سليمان الغليقة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد: في التنزيل يقول الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[آل عمران: 117]، وهذه الآية الوحيدة في القُرْآن الكريم التي خلت من لفظة "كانوا"، وهذه الآية في آل عمران، وبقيَّة آيات الله عزَّ وجل في التنزيل يقول الله عزَّ وجل فيها: (وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة (57)، والأعراف (160)، والتوبة (70)، والنحل (33)، والنحل (118)، والعنكبوت (40)، والروم (9)] .

فللسائل أن يتساءل عن سبب سِرِّ هذا الاختلاف بين هذه الآيات المتناظرة المتشابهة، فأقول: إن في آية آل عمران مثْلًا ضربه الله عزَّ وجل للناس إذا يقول الله عزَّ وجل فيها: (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[آل عمران: 117]. قال الله فيها: (وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[آل عمران: 117]، لأنه مثلٌ لم يقع أصلًا ولم يحدث في سير الزمان فقال الله عزَّ وجل فيها: (وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[آل عمران: 117].

والسخاوي في منظومته-رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- يقول: ولفظ كان في الكتاب ما سقط إلا الذي في آل عمران فقط

وأما بقيّة الآيات في القُرْآن الكريم فَإِن الله عزَّ وجل يقول فيها: (وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة (57)، والأعراف (160)، والتوبة (70)، والنحل (33)، والنحل (118)، والعنكبوت (40)، والروم (9)]؛ قال: (وَلَكِنْ كَانُوا) [البقرة (57)، والأعراف (160)، والتوبة (70)، والنحل (33)، والنحل (118)، والعنكبوت (40)، والروم (9)]، لأن بقيَّة هذه الآيات ضمَّت أحداثًا وقعت. كقول الله عزَّ وجل في سورة العنكبوت مثْلًا: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا)[العنكبوت: 40] كحال قوم لوط: (وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ)[العنكبوت: 40] كحال قوم عادٍ وثمود: (وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ)[العنكبوت: 40] كحال قارون: (وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا)[العنكبوت: 40] كحال قوم نوح وفرعون، ثم قال الله عزَّ وجل في نهاية الآية: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت: 40]، قال الله عزَّ وجل فيها: (وَلَكِنْ كَانُوا)[العنكبوت: 40]، لأن هذه الآية ضمَّت أحداثًا ووقائع لها وجودٌ في سير الزمان وعلى شريط الحياة، فقال الله عزَّ وجل في نهاية الفاصلة: (وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت: 40]. هذا من التوجيه لهذا المتشابه ولهذه الآيات المتناظرة في كتاب الله عزَّ وجل، أسأل الله بمنّه وكرمه أن ينفعنا بما سمعنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد



اسلاميات

امانى يسرى محمد
28-12-2020, 12:36 PM
من روائع القرآن الكريم
- (يسألونك عن الأهلة قل ..) - (ويسألونك عن الجبال فقل ..) -
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ الأخ الفاضل سليمان الغليقة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي خلق فسوى وقدَّر فهدى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد: يقول الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في تنزيله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة: 189]، وقال الله-جَلَّ شأنه-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)[البقرة: 217].

قال العُلَمَاء: "كل ما جاء من لفظ "يَسْأَلُونَكَ" في القُرْآن الكريم جاء الجواب بقوله: "قُلْ"؛ لأن هذه الأسئلة وقعت للرسول-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-"؛ وسُئل عنها النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من قِبل الصَّحَابَة أو من غيرهم، كما سألته اليهود عن الروح كما جاء في سورة الإسراء: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)[الإسراء: 85]، إِذًا هذه الأسئلة وقعت للرسول-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأجاب عنها النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء الجواب بقوله تعالى: (قُلِ)[الإسراء: 85].

أما ما جاء في طه من قوله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا)[طه: 105]، فجاء الجواب بقوله تعالى: (فَقُلْ)[طه: 105]، هذا السؤال لم يقع للرسول-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لذا جاء الجواب بقوله: (فَقُلْ)[طه: 105]، وهذه هي الآية الوحيدة في القُرْآن الكريم التي جاء جوابها بقوله: (فَقُلْ)[طه: 105]، لأن هذا السؤال لم يحدث للنبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يقع له، لذا كان التأويل: "إذا سُئلت يا محمد فَقُلْ"، كما جاء عند الكرماني في "أسرار التكرار" وعند غيره، هذا من التوجيه لهذه الآيات المتناظرة،
أسأل-الله تَعَالَى- أن يجعل القُرْآن ربيع قلوبنا وجلاء همومنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

من روائع القرآن الكريم - (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)- (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) -
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ الأخ الفاضل سليمان الغليقة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد سيد أهل البيان. يقول الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في سورة البقرة: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286]؛ وقال الله عزَّ وجل في سورة الطلاق: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)[الطلاق: 7].

فاختلف اللفظ بين الآيتين بحسب اختلاف السياق في السورتين، إذ أنَّ الله عزَّ وجل يقول في البقرة: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286]؛ وذلك جاء في سياق العمل فقد روى ابن جريرٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في تفسيره: أنه لما نزل قول الله عزَّ وجل: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ)[البقرة: 284] شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاءوا إلى النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقَالُوا: "إنّا لمؤاخذون بما نُحدّث به أنفسنا؟"، فأنزل الله عزَّ وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة: 286]؛ أي: إلا ما استطاعت من العمل كالصلاة والصيام والصدقة والصوم وغيره، فلا يكلّف اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أي: إلا بما استطاعت واقتدرت عليه من العمل، وذلك رحمةٌ من الله عزَّ وجل ولطفٌ من الله عزَّ وجل بعباده المُؤْمِنِيْن.

وأما في سورة الطلاق: فَإِنَّ السياق يتحدث في السورة عن الإنفاق على الحامل والمرضع من المال، كما قال الله عزَّ وجل: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ)[الطلاق: 6].

إِذًا السياق يتحدث عن الإنفاق على الحامل والمرضع، والله عزَّ وجل لا يكلف الولي إلا بما استطاع من النفقة، لذلك قال الله عزَّ وجل في نهاية السياق: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)[الطلاق: 7]. فهذا توجيهٌ لهذه الآيات المتناظرة المتشابهة في كتاب الله عزَّ وجل ولما اختلفت به الآيتان من هذا اللفظ،

أسأل -الله تَعَالَى- أن يجعل القُرْآن ربيع قلوبنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

اسلاميات

امانى يسرى محمد
03-01-2021, 11:00 AM
من روائع القرآن الكريم

- (وكلا منها رغدا حيث شئتما)

- (وكلوا منها حيث شئتم رغدا) -

د. صالح بن عبد الله التركي


بسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. يقول الله -جَلَّ شأنه- في التنزيل في قصة آدم في البقرة: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا)[البقرة: 35]، على حين أن الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يقول في قصة بَنِي إِسْرَائِيْل: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا) [البقرة: 58].
فقدَّم الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الرَغَدَ في شأن قصة آدم وأخَّره في قصة بَنِي إِسْرَائِيْل، وما ذلك إلا لأمرٍ يقتضيه السياق القُرْآني، والرغدُ عند ابن عباسٍ -رَضِيَ اَللَّهُ تعالى عَنْهُمَا-: "هو سِعةٌ في المعيشة" وهكذا جاء تأويله عند غير واحدٍ من أهل التأويل على اختلاف عباراتهم.
فقدَّم الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- الرَغَد لما كان الحديث في الجنة كما قال الله عزَّ وجل: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة: 35]، إِذًا الحديث في الجنة فقدَّم الله عزَّ وجل الرغد فيها، ولما كان الحديث في الدنيا قال الله عزَّ وجل لبَنِي إِسْرَائِيْل: (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ) [البقرة: 58]،
والقرية: هي بيت المقدس، (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا) [البقرة: 58]، فقدَّم الرَغَد لما كان الحديث في الجنة وأخَّره لما كان الحديث في الدنيا، ومعلومٌ أن رغد الجنة مقدمٌ على رغد الدنيا، وهذا من توجيه هذا التقديم والتأخير في بلاغة كتاب الله عزَّ وجل.


أسأل-الله تَعَالَى- أن يجعل القُرْآن ربيع قلوبنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

<<<<<<<<<<<

من روائع القرآن الكريم -

(قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)

(قل آمنا بالله وما أنزل علينا) -

د. صالح بن عبد الله التركي


من جملة الآيات المتناظرة المتشابهة في كتاب الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- ما جاء في قوله تعالى في البقرة: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) [البقرة: 136]، ونظيرةٌ لهذه الآية يقول الله عزَّ وجل في آل عمران: (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا) [آل عمران: 84] فما سبب سِرِّ هذه الاختلاف بين هاتين الآيتين؟!
لما أمر الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- عباده بقوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ) [البقرة: 136]، ناسب أن يأتي بعده بقوله تعالى: (إِلَيْنَا) [البقرة: 136]، و"إلى" هنا تفيد انتهاء الغاية كما تقول: ذهبت إلى البيت، فانتهت هذه الكتب المنزلة إلى الناس. وقال الله عزَّ وجل: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) [البقرة: 136]، أي: أن القُرْآن الكريم انتهى عند الناس واستقرَّ بأيدي الناس، فناسب قوله تعالى: (إِلَيْنَا) [البقرة: 136] بعد أن قال وخاطب عباده المُؤْمِنِيْن بقوله تعالى: (قُولُوا) [البقرة: 136].
أما ما جاء في سورة آل عمران فَإِن الخطاب موجَّهٌ إلى النبي-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما جاء عن الكرماني في "أسرار التكرار"، ولما خاطب الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- نبيه بقوله تعالى: (قُلْ) [آل عمران: 84] ناسب أن يأتي بعده بقوله تعالى: (عَلَيْنَا) [آل عمران: 84]، و"على" تفيد الفوقية كما عند النُحاة وعند أهل العربية. والكتب أُنزلت على الأنبياء، والقرآن الكريم أُنزل على محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فتناسبت الألفاظ فكل لفظةٍ جاءت مناسبة لسياقها ولمعانيها، هذا من توجيه هذه الآيات المتناظرة.
أسأل-الله تَعَالَى- بمنه وكرمه أن ينفعنا بما سمعنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

امانى يسرى محمد
08-01-2021, 09:47 PM
من روائع القرآن الكريم

- (قسط) و(أقسط) في التعبير القرآني -

د. صالح بن عبد الله التركي




بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. يقول الله-جَلَّ شأنه- في التنزيل: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا)[الجن: 14، 15]. وقال الله عزَّ وجل في آيةٍ أخرى: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الحجرات: 9]. فقال في الآية الأولى: (الْقَاسِطُونَ)[الجن: 15]، وقال في الآية الثانية: (الْمُقْسِطِينَ)[الحجرات: 9]،

فهل تتساوى هذه الكلمات في التعبير القُرْآني؟




لاشك أن بينهما بَونًا شاسعًا في المعنى. فـ(القاسِط): من قَسَطَ إذا ظلم وجار وبخس الناس حقوقهم وظلم نفسه في جنب الله عزَّ وجل؛ تقول الجن: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ)[الجن: 14]، أي: الذين أسلموا لله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- والذين انقادوا لله عزَّ وجل ، (وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ)[الجن: 14]، الذين ظلموا وجاروا في جنب الله عزَّ وجل.


وأما (المُقْسِط): من أقسط، والفعل أقسط فيه همزة تسمى عند أهل العربية "همزة الإزاحة" أي: إزاحة هذا الظلم، فـ(أقسط) يَعْنِي: أزاح هذا الظلم ونفى هذا الظلم، والله عزَّ وجل يثني على عباده ويقول: (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)[الحجرات: 9]، والمقسطين: هم العادلون، هم الذين أقاموا العدل ونَفَوا الجور.


ونظيرٌ لهذا المعنى يقول الله عزَّ وجل في سورة إِبْرَاهِيمَ على لسان الشيطان: (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ)[إبراهيم: 22]، فمن جرَّاء هذا العذاب في النار للشيطان ولأتباعه وهم يصطرخون فيها في النار يقول الشيطان: (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ)[إبراهيم: 22]، و(مُصْرِخ) :من أصرخ أي لا أستطيع إزاحة هذا الصراخ عنكم ولا أنتم أَيْضًا تستطيعون إزاحة هذا الصراخ عني، فأصرخ مثل أقسط في المعنى.


إِذًا كما ترون أيها الأحبة هذه الكلمات لها تعبيرٌ خاصٌ في نظم كتاب الله عزَّ وجل ، فتختلف هذه الكلمات باختلاف السياق القُرْآني، لكل كلمة شخصيتها في البيان القُرْآني، وهذا من بديع وروائع هذا الكتاب العظيم



,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,


من روائع القرآن الكريم

-(ولن يتمنوه أبدا)-(ولا يتمنونه أبدا) -

د. صالح بن عبد الله التركي



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. من جملة مزاعم اليهود في القُرْآن الكريم، ومن جملة افتراءاتهم: ما جاء قوله تعالى في البقرة: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[البقرة: 94]، ثم قال الله عزَّ وجل: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[البقرة: 95].

وهنالك زعمٌ آخر لليهود في سورة الجمعة بقول الله عزَّ وجل: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الجمعة: 6]؛ ثم قال الله عزَّ وجل: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[الجمعة: 7]، تلك من مزاعم اليهود فردَّ الله عليه وطلب منهم أن يتمنوا الموت.


قال ابن عباسٍ-رَضِيَ اَللَّهُ تعالى عَنْهُمَا- كما جاء عند أهل التأويل: "لو تمنى أحدهم الموت لمات"، فاختلف ردُّ القُرْآن وتباين أسلوب القُرْآن باختلاف مزاعم اليهود، ففي الزعم الأول في سورة البقرة قَالُوا: "إنَّ الدارَ الآخرة لنا" كما قال الله عزَّ وجل: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ)[البقرة: 94]، فزعموا أنَّ الدار الآخرة خاصةٌ بهم من دون الناس وأنها لهم، والدار الآخرة أمرٌ مستقبلي لم يأتي بعد فنفى الله عزَّ وجل المستقبل، وجاء بأداة النفي التي تفيد نفي المستقبل فقال الله-تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فيه: (وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[البقرة: 95].


وأما في الزعم الآخر -وهو في سورة الجمعة- فَإِنهم ادَّعوا أنهم خيرُ عباد الله وأنهم أولياء الله من دون الناس، وأنهم كما يقولون اليوم: "شعب الله المختار" فزعموا هذا الزعم بقولهم، وردَّ عليهم القُرْآن بقوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الجمعة: 6]. فاختلف الرد والنفي، فقال الله عزَّ وجل: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)[الجمعة: 7]، لما زعموا أنهم أولياء لله على مدار التاريخ وأنهم أفضل شعبٍ على مدار الزمان في جميع الأزمنة ردَّ القُرْآن بأداة النفي "لا" التي تفيد التأبيد، وهي أقوى أدوات النفي عند أهل العربية بقوله تعالى: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[الجمعة: 7]. فجاء الرد بالنفي بحسب اختلاف الزعم: - لما كان أمرًا مستقبليًا نفى الله عزَّ وجل المستقبل.


- ولما كان الزعم على مدار التاريخ نفى الله على جهة التأبيد، وجاء النفي على جميع الأزمنة بقوله تعالى: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)[الجمعة: 7]، وهذه من جملة ادعاءات اليهود التي كثرت في القُرْآن الكريم

امانى يسرى محمد
15-01-2021, 11:00 AM
من روائع القرآن الكريم - د. صالح التركي
- (أولئك لم يكونوا معجزين ..)(وما أنتم بمعجزين..)
تفريغ الأخ الفاضل سليمان الغليقة جزاه الله خيرا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
يقول الله -جَلَّ شأنه- في التنزيل في سورة هود: (أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ)[هود: 20].
وقال الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- في سورة العنكبوت: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)[العنكبوت: 22].
وقال الله عزَّ وجل في الشورى: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ)[الشورى: 31].

تلك آياتٌ ثلاث -أيها الأحبة- يعلن الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فيها التحدِّي لخلقه أجمعين بأنهم لم ولن يعجزوا الله كما قال الله عزَّ وجل: (أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا)[البقرة: 148].

ربما يتساءل القارئ لكتاب الله عزَّ وجل عن سبب سِرِّ هذا الاختلاف بين هذه الآيات الثلاث!
فأقول: أنَّ في سورة هود وفي آية هود إشارةٌ للأمم السابقة السحيقة الغابرة التي سبقت أمة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما جاء في أول الآية؛ يقول الله عزَّ وجل فيها: (أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ)[هود: 20]، فجاء باسم الإشارة لهذه الأمم السابقة التي سبقت أمة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ والتي عَرَّض بها القُرْآن الكريم قبل هذه الآية، كما قال الله عزَّ وجل: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ)[هود: 17]؛ فالإشارة تُشير إلى الأحزاب: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ)[هود: 17].

وأما ما جاء في سورة العنكبوت فهو حديثٌ دار بين إِبْرَاهِيمَ -عَلَيْهِ السَّلَام- وبين ملكِ زمانه الذي ادَّعى الإلوهية، والذي أوهم لشعبه أنه سيصعد إلى السماء فتحدَّاه إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَام- بقوله تعالى: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)[العنكبوت: 22]، فزاد في لفظ "السماء" لأن هذا الطاغوت أوهم أنه سيصعد إلى السماء.
وأما ما جاء في سورة الشورى فهو خطابٌ وتحدٍّ لهذه الأمة المحمدية بقول الله عزَّ وجل: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)[الشورى: 31].

فلا تكرار في كتاب الله عزَّ وجل كما ترون أيها الأحبة، ولا تضارب كما يدَّعيه المبطلون والذين افتروا على كذبًا في كتابه، والذي ما فتئوا أن يطعنوا في كتاب الله عزَّ وجل.

أسأل -الله تَعَالَى- أن يُنوِّر قلوبنا بالقُرْآن الكريم في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

<<<<<<<<

من روائع القرآن الكريم - د. صالح التركي -
(لقد أبلغتكم رسالة ربي) (لقد أبلغتكم رسالات ربي)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي جعل القُرْآن هدىً وشفاءً للناس، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد. يقول الله -جَلَّ شأنه- في التنزيل في قصة صالح في الأعراف: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)[الأعراف: 79].

وقال الله عزَّ وجل في قصة شعيب في الأعراف: (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ)[الأعراف: 93]! فقال صالحٌ -عَلَيْهِ السَّلَام-: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي)[الأعراف: 79]، وقال شعيبٌ -عَلَيْهِ السَّلَام-: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي)[الأعراف: 93]، هذه من الآيات المتناظرة في كتاب الله عزَّ وجل فما هي رسالة صالح وما هي رسالات شعيب؟!

خير ما يُفسَّر به كلام الله هو القُرْآن العظيم فنفسر القُرْآنَ العظيم بالقُرْآنِ العظيم، وتفسير ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- حافلٌ وماثلٌ بتطبيق هذه القاعدة التي هي من أهم قواعد أهل التأويل والتفسير.

فقال الله عزَّ وجل في شأن صالح في أول القصة: (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[الأعراف: 73]، هذه هي رسالة صالح التي هي الناقة فبلَّغها قومه.

أما شعيبٌ -عَلَيْهِ السَّلَام- فَإِنه الله عزَّ وجل قال عنه في أول القصة: (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ)[الأعراف: 85]، فأخذ شعيبٌ -عَلَيْهِ السَّلَام- يُعدِّد ما أرسل به من لدن الله عزَّ وجل، فقال لقومه: (قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)[الأعراف: 85، 86] إلى آخر ما قال -عَلَيْهِ السَّلَام-.

فهذه آياتُ شعيب وهذه رسالات شعيبٍ -عَلَيْهِ السَّلَام- بلَّغها قومه وأنذر بها قومه، فكل رسولٍ أنذر قومه ما أُرسل به من لدن الله عزَّ وجل، هذا من توجيه هذه الآيات المتناظرة، جعلني الله وإياكم من أهل القُرْآن، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

اسلاميات

امانى يسرى محمد
21-10-2022, 01:55 PM
الدلالة البيانية للفاصلة في القرآن الكريم





من أساليب كتاب الله عز وجلّ أسلوب الفاصلة في القرآن الكريم والفاصلة في القرآن الكريم هي الكلمة الأخيرة في الآية، هكذا جاء عند ابن منظور في (لسان العرب)، وجاء عند غيره كما عند الزركشي في (البرهان) أن الكلمة الأخيرة في الآية تسمى فاصلة. أُخذت هذه التسمية من قول الله عز وجل: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) فصلت﴾، ومن قوله تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [سورة هود:1]، وأخذت أيضًا من قول الله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) الأنعام﴾.

إذن الكلمة الأخيرة في الآية تسمى (فاصلة)، هذه الفاصلة أسلوب عربي فصيح، وهذه الفاصلة من أساليب كتاب الله عز وجل، تعطي الآية رونقًا وجمالًا علاوة على هذا إتمامها لمعنى الآية.

فالفاصلة المهمة الأولى لها تخدم الآية، وتكمل معنى الآية، وهي الفصل الأخير من معاني الآية، ولا يجوز أن نقول العكس “أن الآية تخدم الفاصلة” هذا لا يكون في كتاب الله عز وجل.
بل هي متمكنة في بابها تمكنًا عجيبًا، وهذه الفاصلة لا يمكن أن تستبدل بها كلمة أخرى إطلاقًا. وكما ذكرت هذه الفاصلة تخدم الآية وتكمل وتتمم معنى الآية.
وأنكر الزمخشري في (الكشاف) أن تكون الفاصلة غايتها تحسين اللفظ، فقال: فإما أن تُهمل المعاني ويهتم بتحسين اللفظ وحده فليس من قبيل البلاغة.
إذن الفاصلة هي الكلمة الأخيرة في الآية، وخدمتها ومهمتها أن تكمل وتتمم معنى الآية، فهي تخضع لما في الآية من معنى، وكما قلت هي الجزء الأخير من معاني الآية.
وهذه الفاصلة لم تأتِ لتلوين الخطاب أو تحسين اللفظ فحسب، بل هي تعطي الآية توضيحًا أكثر، على خلاف ما نجد في أشعار العرب وفي نثر العرب.

والفاصلة تسمية قرآنية فريدة، خاصة بالقرآن الكريم. هذه الفاصلة خاصة بكتاب الله عز وجل، والسجع خاص بالشعر والنثر، والسجع والنثر والشعر في لغة العرب أحيانًا يتلون خطاب العرب بألفاظ تخرق معنى وتخرم القواعد النحوية لأجل القواعد العروضية أو لأجل تحسين اللفظ، أما هذا لا نجده في كتاب الله عز وجل، فلا نجد أن الفاصلة يُهتم بها على حساب المعنى أبدًا، على عكس ما نجد في القافية الشعرية أو في الأوزان الشعرية، أو بما يسمى الضرورة الشعرية في أشعار العرب.

فالضرورة الشعرية هي رُخَص تُعطى للشعراء لأجل تحسين الوزن واستقامة الوزن، فالشاعر يضطر لخرم القواعد النحوية من أجل القواعد العروضية، فيهتم باللفظ على حساب المعنى، كما في قول زهير:

وما الحرب إلا ما علمتمْ وذقتمُ وما هو عنها بالحديث المرجم

فقال: ذقتمُ والأصل ذقتمْ
أو كما في قول العباس بن مرداس السلمي أمام النبي صلى الله عليه وسلم:
وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع
فقال: مرداس، والأصل مرداسًا

فخرم القواعد النحوية لأجل استقامة العروض، هذا الكلام لا نجده في الفاصلة في القرآن الكريم، والقرآن الكريم راعى الذوق العربي الفصيح والبيان العربي الفصيح.

فبالسبر للقرآن الكريم وللفواصل في كتاب الله عز وجل نجد أن أكثر الفواصل جاءت بأجمل الأصوات نهاية، فلما نتأمل ونتدبر في كتاب الله عز وجل نجد أن أكثر الفواصل ختمت بأجمل صوت وهو (النون) يعلمون- يعقلون- تذكرون- … هكذا، النون أجمل الأصوات للعرب فختمت أكثر الفواصل بحرف النون، أو حرف (الميم) وهو الحرف الثاني من الفواصل أو الحرف الثالث، وجاءت النون في أكثر من ثلاثة آلاف فاصلة. وهذا سبر وتبيين لمقام الفاصلة في القرآن الكريم، فكما ذكرت أن النون أكثر ترددًا في نهاية الفواصل، على حين أننا لا نجد أن حرف (الخاء) جاءت به فاصلة أو انتهت به فاصلة، لا تجد آية في القرآن الكريم انتهت بحرف الخاء، ولا بحرف (الغين) لسوء هذين اللفظين، لما تنتهي بكلمة فيها خاء سيء الصوت، والقرآن راعى جميل الصوت والذوق العربي الفصيح، فلا تجد فاصلة في القرآن انتهت بحرف الخاء، ولتوضيح الكلام نجد حرف الميم في: ﴿ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة النساء:26] هنا انتهت الفاصلة بالميم.

لا تجد فاصلة انتهت بالخاء، ولا فاصلة انتهت بالغين، هذان الحرفان الحلقيان لا تجد فاصلة انتهت بهما؛ لسوء هذين الصوتين.

فانظر حتى مثل هذه الأمور جاء بها كتاب الله عز وجل ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [سورة هود:1].

ومن أمثلة الفاصلة في كتاب الله عز وجلّ لنرى جمال التعبير وسمو هذه البلاغة وهذا النظم وهذه التراكيب في كتاب الله تبارك وتعالى:


أولًا: الفاصلة تنقسم إلى قسمين في القرآن الكريم:


– فاصلة واضحة.


– وفاصلة تحتاج إلى تأمل وتدبر وتمعن وطول نظر.


* فاصلة واضحة مثل:


– قول الله عز وجل: ﴿ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [سورة الحجرات:9].


– وقوله تعالى: ﴿ وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [سورة آل عمران:8] فختم بالوهاب لأنه ذكر هذه الهبة في أول الآية.



– وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [سورة القصص:77].

– و ﴿ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ [سورة القصص:76].

– و ﴿ وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21) الفتح﴾ لاحظ “لم تقدروا عليها” فأنتم لم تقدروا، والله هو القدير.

هذه فاصلة واضحة، بالتأمل والتدريب نستطيع أن ندرّب أنفسنا على مثل هذه الفواصل وغيرها من أساليب كتاب الله عز وجل.

* وفاصلة تحتاج إلى تأمل وتدبر ووقوف وطول نظر، منها:


– قول الله عز وجل في الآية 18 من سورة البقرة: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾، على حين أن الله عز وجل يقول: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ [سورة البقرة:171]، فختم الله عز وجل بقوله:﴿ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ وختم الله عز وجل بقوله: ﴿ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ فلماذا اختلفت الفاصلة مع أن الآيات ربما تكون متحدة في المعنى؟ – ربما للرائي أن تكون متحدة لأول وهلة -.


قوله تعالى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ هذه في صدر سورة البقرة والحديث عن المنافقين وخطر المنافقين في المجتمعات ﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17) ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ (سورة البقرة)، قال الله عز وجل: ﴿وَتَرَكَهُمْ﴾ وقال تعالى:﴿ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ﴾ ﴿ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾، لا يستطيعون إرجاع هذا النور الذي ذُهب به، هم لا يستطيعون إرجاعه، ولا الرجوع إليه، والمقصود بالنور هو كتاب الله عز وجل وآيات الله تبارك وتعالى وهدى الله عز وجل، فقال الله عز وجل: ﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ (17)﴾ ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ جموع كثرة ﴿ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ لا يستطيعون الرجوع إلى هذا النور، هذا أمر، من ناحية أخرى أنهم هم لا يستطيعون إرجاعه، لا هم يستطيعون الرجوع ولا يستطيعون إرجاع النور، فقال الله عز وجل: ﴿ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ﴾ الترك في اللغة كما عند ابن منظور في (لسان العرب) هو: تخلية الشيء وعدم الرجوع له، أنت لما تترك شيئًا بمعنى أنك لن ترجع إليه، ﴿ وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24) الدخان﴾ لن يرجع إليه، ﴿ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ [سورة يوسف:37].


الترك في اللغة يقتضي عدم الرجوع للشيء، لاحظ ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ و ﴿ وَتَرَكَهُمْ﴾ الله عز وجل تركهم وهذا عذاب لأولئك المنافقين، فإذن الترك في اللغة هو عدم الرجوع للشيء ﴿ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ﴾ [سورة البقرة:180] انتهى ومات فلن يرجع إليه، وقال الله عز وجلّ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ) [البقرة: 180] ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ﴾ [سورة النساء:7] انتهوا من الحياة، إذن الترك هو عدم الرجوع للشيء، يقول عنترة في المعلّقة يهدد أقرانه والأبطال:


ولقد خشيت بأن أموت ولم تدُر للحرب دائرة على ابني ضمضم

الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لم ألقهما دمي
إن يفعلا فلقد تركت أباهما جَزَر السباع وكل نسرٍ قشعم

إن يفعلا: أي لو قتلوني، فلقد تركت أباهما: تركته مائدة مفتوحة للسباع والنسور الجارحة.

إذن الترك عدم الرجوع للشيء، فانظر لمّا ختم الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ وذلك
لأمرين:


أولًا: ﴿ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ﴾ و ﴿ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ ثم لاحظ حالهم في قوله تعالى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ ﴾ كيف سيرجع للحال الأولى مَن كان هذا وضعه؟! فهذه حال المنافقين، والقرآن يبين حجم خطورة المنافقين في كل زمان ومكان.

على حين أن الله عز وجل قال في آية أخرى: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ وهذا ذمٌّ أشد مما في الآية الأولى، فقال تعالى: ﴿ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ من هم الذين لا يعقلون؟ هم الكفار قطعًا، ولكن قوله تعالى في الآية الثانية: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171) البقرة﴾ جاء عند البغوي في (معالم التنزيل) وعند غيره أن أولئك كحال البهائم التي يدعوها الراعي وتسمع أصواتًا ولا تفقه ما يقول ذاك الراعي، فقال الله عز وجل: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)﴾ وهذا ذم أشد مما في الآية الأولى، والدليل على أنه أشدّ قول الله عز وجلّ: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا﴾ (ألفى) إذا جاءت في اللغة تأتي في مقام وفي سياق الذم، وقد جاءت في كتاب الله عز وجل ثلاث مرات، في قوله عز وجلّ في هذه الآية، وفي قوله عز وجل في سورة يوسف: ﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ﴾ (الآية 25) وهذا أسلوب ذم، وفي قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءهُمْ ضَالِّينَ (69)﴾ (سورة الصافات) وهذا أسلوب ذم، فألفى لا تأتي إلا في سياق الذم في اللغة.
فذمهم الله بقوله: ﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا﴾.
أبو ذؤيب الهذلي يقول في مرثية أبنائه:
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم فإذا المنية أقبلت لا تُدفَع
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيتُ كل تميمةٍ لا تنفع

ألفيت: أي علمت وتيقنت أن هذه أمور لا قيمة لها ولا تنفع، فقال ألفيت، إذن ألفى تأتي في مقام الذم.

ثم قال الله عز وجل: ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾، إذن لا يعقلون لهذه الأوامر والنواهي ولهدى الله عز وجل، فهم كحال البهائم التي يناديها الراعي ولا تفقه شيئًا مما يقول وينادي به.
إذن الفاصلة جاءت في كتاب الله عز وجل لغرض دقيق، فالفاصلة تخدم المعنى وتكمل معنى الآية، وليست الفاصلة من قبيل تحسين اللفظ كما ذكر العلماء.

– وقفة أخرى مع قول الله عز وجل: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) آل عمران ﴾ فقال الله عز وجل في فاصلة الآية: ﴿وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ في حين أن الله عز وجل قال: ﴿ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل ﴾ فختم الله عز وجل بقوله: ﴿ الْمُتَكَبِّرِينَ﴾، وأيضًا يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) الزمر﴾، وهنالك رابعة في سورة غافر: ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)﴾ فجاءت ﴿ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ آية وحيدة في القرآن، ذلك أن الآية تتحدث عن المشركين، ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾ إذن الآية تتحدث عن المشركين، وأعظم الشرك هو الشرك بالله، ولكن الشرك جاء تفسيره وجاءت تعبيراته في القرآن الكريم في غير ما آية بـ(الظلم) كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)﴾ (سورة الأنعام)، ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [سورة لقمان:13].


الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فهم وضعوا آلهة في غير موضعها، ولذلك لما نسبر كتاب الله عز وجل ونجري عليه مسحة سريعة وننظر إليه لوجدنا أن جُلّ الآيات بل كل الآيات التي خُتمت بالظلم تتحدث عن الشرك، أو عن وضع شيء في غير موضعه، كما قال الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّآ إِذًا لَّظَالِمُونَ (79) يوسف ﴾ هذا ظلم، ويقول الله عز وجل في الأنبياء: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) الأنبياء﴾، إذن عندما نتأمل في كتاب الله وفي الفاصلة التي ختمت بـ (الظالمين) أو (الظالمون) نجد أنها إما تتحدث عن مشركين، أو عن وضع شيء في غير موضعه، هذا في جميع القرآن، هذا سبر لكتاب الله عز وجل. هنا قال الله تبارك وتعالى: ﴿بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾ إذن هذه الفاصلة خدمت المعنى، وليس العكس كما يقول بعض المفسرين أنها جاءت لموافقة أواخر الآي في السورة، هكذا يردد بعض المفسرين أن هذه الآية وافقت أواخر الآي في السورة فحسب عندهم.


ويقول الله عز وجل: ﴿ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل﴾ هؤلاء تكبروا عن آيات الله عز وجل، وأعرضوا عنها، وأحجموا عنها.


فهذه الفاصلة جاء ثلاث آيات في القرآن بقوله: ﴿مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ كل هذه الثلاث جاءت في الإعراض عن آيات الله عز وجل، يقول الله عز وجلّ: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ …﴾ إلى آخر السياق ثم قال الله عز وجل: ﴿ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل ﴾.

كذلك في سورة الزمر: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [الآية 71] فأولئك أعرضوا عن آيات الله عز وجل فاستحقوا وصف (المتكبرين) فقال الله عز وجل في نهاية السياق: ﴿ قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)﴾.
وفي سورة غافر يقول الله عز وجل: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ …﴾ إلى آخر السياق، ثم قال الله عز وجل: ﴿ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)﴾.
إذن ختم الله تعالى بـ (المتكبرين) في جميع الآيات الثلاث لأنها تتكلم عن الذين تكبروا عن آيات الله عز وجل.

يبقى لماذا تفضلت آية سورة النحل بقوله: ﴿ فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ باللام؟، لماذا جاءت هذه الزيادة في آية سورة النحل؟ زيدت عليهم اللام تنكيلًا بهم وعذابًا لهم، أولئك الذين ذكرهم الله عز وجل في سورة النحل، ضلّوا أناسًا وضلوا أنفسهم، فجمعوا ضلالتين، في سياق الآيات: ﴿ لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ (25) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ …﴾ إذن ضلوا أنفسهم وضلوا آخرين فجمع الله عليهم التنكيل والعذاب يوم القيامة ﴿ فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)﴾ فجاءت اللام زيادة عليهم وتوكيدًا لهم.


– موطن آخر يقول الله تبارك وتعالى فيه: ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ [سورة الحديد:20] فقال الله عز وجل في الفاصلة: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ بضم الغين، وقال الله عز وجل أيضًا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) فاطر﴾ فهل الغُرور هو الغَرور؟ هل الضمّ يتساوى مع الفتح؟ عندنا قاعدة في اللغة العربية تقول أن الضم أقوى الحركات، أقوى الحركات صوتيًا الضم، وأما أقواها إملائيًا فالكسر، هذه قاعدة مطّردة في اللغة. صوتيًا الضم أقوى؛ لأن الضم يحتاج إلى جهد عضلي كبير لإخراج الضم إخراجًا صحيحًا، فكل عضلات الفم تتحرك مع نطق الضم، على حين أن مع الكسر هناك بعض الأشياء لا تتحرك، إذن الضم أقوى، هذه القوة لها تأثير في المعنى، ليست قوة في الصوت فقط، إنما لها تأثير في المعنى، أما الفتح فهو أضعف بكثير من الضم، بخلاف ما يفهم بعض طلبة العلم أن الكسر أقوى من الضم، هذا إملائيًا، نحن لا علاقة لنا هنا في الإملاء نحن نتكلم عن الصوت، الصوت الضمّ أقوى.


فالغُرور أكثر معنى من الغَرور، إذ الغُرور جاء في تفسيرها الدنيا برمتها بملذاتها بما فيها، ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ بالضمّ، ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ بالفتح والغَرور بالفتح هو الشيطان فحسب، لاحظ لما جاء بالضم جاء بأكثر معنى، فالزيادة في المبنى تدل على زيادة في المعنى في اللغة، ولما جاء بالفتح جاء بما يناسب الفتح، لاحظ جمال كتاب الله عز وجل والفاصلة التي خدمت هذه الآيات، وخدمت المعنى والسياق، وهو أسلوب قرآني فريد أعطى هذه الفاصلة زيادة في المعنى على ما جاء فيها من معنى. وقال الله عز وجل في آية أخرى: ﴿ وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ [سورة الحديد:14] الذي هو الشيطان، وهذا تفسيره عن ابن عباس عند ابن جرير رحمه الله تعالى في (جامع البيان).


إذن نقول أن الضمّ أقوى من الفتح نطقًا ومعنى وصوتًا، هذا في جميع اللغة، وكذلك لما قال الله عز وجل “كُرهًا” اختلف المعنى عنه بقوله “كَرهًا” ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ [سوة البقرة:214] كُره بالضم، وقال الله عز وجل أيضًا: ﴿ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا﴾ [سورة النساء:14]، إذن عندنا كُرهًا وعندنا كَرهًا، بالضم والفتح واختلف المعنى عليه بالضم والفتح، فالكُره بالضم هو المعاناة النفسية والبدنية، ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ﴾ القتال يحتاج إلى جهد بدني وجهد نفسي، ولكن قول الله عز وجل في المنافقين: ﴿ قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) التوبة﴾ كَرهًا جهد نفسي فقط، فاختلف الفتح عن الضم صوتيًا ومعنويًا.


– الوقفة الرابعة: يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [سورة المائدة:110] فختم الله عز وجل بقوله: ﴿ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾، هذه الفاصلة جاءت في كتاب الله عز وجل تسع مرات، السحر هو خلاف الواقع كما نعلم، الساحر يعمل أعمالًا وأفعالًا خلاف الواقع، هي ليس لها حقيقة، ولا رصيد من الواقع ﴿ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [سورة طه:66] هذا هو السحر، السحر في اللغة هو الصرف، الساحر يصرف سواء ذهنيًا أو بصريًا المشاهد عن الشيء إلى لا شيء، هذا هو الواقع في السحر على اختلاف في التعبير، إذن قول الله تبارك وتعالىِ: ﴿ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ أي هذا ليس له واقع، فقال الذين كفروا هذا سحر، إذن متى يختم القرآن بهذه الفاصلة؟ إذا كانت الآية تتحدث عن وقائع وحقائق، فهنا تختم الآية بقوله تعالى: ﴿ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾، فإذا جاءت الآية بحقائق ووقائع جاءت هذه الفاصلة لتخدم هذا المعنى وتكمل هذا المعنى، فقوله تعالى: ﴿ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الواضحات، أشياء مرئية مشاهَدة وهي: آيات عيسى عليه السلام ﴿وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي ..﴾ [سورة المائدة:110] إلى آخر الآيات ﴿ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ﴾ لهذه الحقائق والوقائع والبينات الواضحات ﴿ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ هذا ليس حقيقة.

وقول الله عز وجل: ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ (7) الأنعام﴾ لمسوا هذا الكتاب، إلى هذه الدرجة من الحقيقة والواقع، ﴿ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾ مشاهَد، مُبصَر، مرئي، وحتى إلى درجة أنهم لمسوه بأيديهم ﴿ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أرأيت قلب الحقائق؟ فالآية جاءت بحقائق ووقائع وأشياء محسوسة ومشاهدة ومبصَرة.

وقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [سورة هود:7] أي قالوا هذا ليس حقيقة، فالكفار ردوا البعث وأنكروا البعث وجعلوه سحرًا، ﴿سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ سحر واضح.

وأيضًا يقول الله عز وجل: ﴿ قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) الأعراف﴾ وهذا سحر السحرة الذي ليس له واقع، ﴿ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ وصفه الله عز وجل بهذه العظمة.
ويقول الله عز وجل: ﴿ وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2) القمر﴾.
إذن هذه الآيات تحمل وقائع وحقائق فتختم هذه الآيات بقوله تعالى: ﴿ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أو ﴿ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ﴾ أو ﴿ سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [سورة المدثر:24].
وأيضًا يقول الله عز وجل: ﴿ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ [سورة سبأ:43].
فكل هذه الآيات وغيرها تحمل حقائق ووقائع فجاءت الفاصلة مكملة لها بقوله تعالى: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ فاتّهم الكفار حقائق الله وقائعه ووآياته وكل ما جاءت به الرسل اتهموها ونفوها وقلبوها إلى سحر ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾.

– موطن آخر يقول الله تعالى فيه: ﴿ حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ [سورة الأنعام:25] فختم الله تعالى بقوله: ﴿ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ هذه الفاصلة جاءت في القرآن الكريم (8) مرات، الأساطير جمع أسطورة، والأسطورة كما نعلم هي الأكذوبة، الأكاذيب، فالكفار ردوا آيات الله عز وجل وردوا تنزيل الله تبارك وتعالى بقولهم ﴿ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾، ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) الفرقان ﴾، فإذا كان المتحدَّث عنه تنزيل الله تبارك وتعالى تأتي هذه الفاصلة، ﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) الأنعام﴾ أي قالوا هذا ليس حقيقة وليست آيات من لدن الله عز وجل إنما هو أساطير جاء بها – كما تزعم الكفار- النبي صلى الله عليه وسلم، فالآيات التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وصفها الكفار بالأساطير، وهذا عين الجحود والكفر، هذا إفلاس الكفار، إفلسوا من كل شيء، فردّوا الحقائق والوقائع والآيات إلى أساطير، فهم لا يرون أن الله عز وجل أنزل شيئًا. ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (24) النحل﴾ هم لا يرون أن الله عز وجل أنزل شيئًا والآية هنا في هذا المعنى، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ﴾ أَسَاطِيرُ بالضم هي هنا خبر لمبتدأ محذوف، ليست فاعل كما يعربها بعض المفسرين إنما هي خبر، لو أعربناها فاعل لاختل المعنى اختلالًا كبيرًا.

﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (24)﴾ يعني هي أساطير لم ينزل الله شيئًا، ويزعمون أنها أساطير جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو أعربناها فاعل (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِير) يعني أنزل أساطير، هنا لا يأتي المعنى، فهم أصلًا ينفون كل النفي أن الله تعالى أنزل شيئًا.

﴿ … كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ …﴾ (سورة الملك) أصلًا.

في آية سورة النحل تعرب “أساطير” خبرًا، لاستقامة المعنى: هي أساطير.
أما في حال المؤمنين: ﴿ وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ﴾ [سورة النحل:30] ﴿ خَيْرًا﴾ هنا مفعول به، أنزل خيرًا، فيختلف المعنى.
وكما ذكرت الأساطير جمع أسطورة، وهذه الفاصلة جاءت في غير ما آية من كتابه في حال الحديث عما أنزل الله تبارك وتعالى وأن الكفار وصفوه بالأساطير وأنه ليس حقيقة.
﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) الأحقاف ﴾.
إذن نحن نرى أن هذه الفاصلة أكملت المعنى وأتمته أيما إتمام، وليس من قبيل تحسين اللفظ، ولا تجميل السياق، بل هي مكملة للآية ومتممة لها.

– موطن آخر من مواطن الفاصلة في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)﴾ (سورة الأنعام) هذه الفاصلة جاءت (4) مرات في القرآن الكريم، على حين أن الله عز وجل يقول: ﴿ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) يونس ﴾.

فمتى يختم القرآن بقوله: ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ وبقوله ﴿ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾؟ الإفك في اللغة هو الكذب، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ﴾ [سورة النور:11] فالإفك أصله الكذب، ﴿ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ﴾ [سورة الجاثية:7] أي كذاب. هذه الآية وغيرها كذب بها المشركون قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ كيف تكذبون بألوهية الله عز وجل وبربوبيته وبقوله؟! ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ كيف يكون لكم هذا التكذيب كما يقول الزجاج في (معاني القرآن) وغيره من المفسرين.
أيضًا قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) يونس﴾ هذه حقائق ووقائع، فكيف تكذبون بألوهية الله عز وجل وبربوبيته وأحقيته بالعبادة؟! وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3) فاطر ﴾ ما من معبود إلا الله ﴿ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ أي كيف تكذبون بهذه العبودية لله عز وجل؟! على حين أن الله عز وجل يقول: ﴿ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) يونس﴾ جاءت هذه الفاصلة ﴿ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ مرتين في القرآن الكريم، الصرف في اللغة هو تحويل الشيء إلى آخر كما يقول الخليل بن أحمد إمام اللغة، إذن الصرف في اللغة أن تحول شيئًا إلى شيء آخر، وهو تحويل الأمر من جهة إلى جهة أخرى، هذا هو الصرف في اللغة، هو تحويل الشيء من جهة إلى جهة أخرى.
يقول الله تبارك وتعالى على لسان يوسف: ﴿ … وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ(33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ..﴾ [سورة يوسف] صرفًا كاملًا.
أنت لما تقول أنصرفنا من الصلاة يعني كنا بوجوهنا وقلوبنا وبكل ما نملك باتجاه الله عز وجل فأنصرفنا إلى الدنيا، فانصرف الناس من الصلاة، من جهة إلى جهة أخرى بكل ما تحمله هذه الجهة، لذلك يدعو المؤمنون ربهم بقولهم: ﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [سورة الفرقان:65] أصرفه صرفًا كاملًا، ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ أي لصيق مغرم بالكفار، الغارم والغريم، الدائن والمديون، الدين يلحق مدينه، لاصقٌ به، تصور هذا الوصف الجميل في الآية ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ عاشق للكفار، مغرّم بالكفار.

﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ إذن الصرف في اللغة هو تحويل الشيء إلى جهة أخرى، وهذه الآيات تحتمل وتتضمن هذه المعاني، يقول الله عز وجل: ﴿ فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ﴾ أليس على طرفي نقيض؟ ﴿ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ كيف صرفتم عن هذا الحق إلى الضلال؟ فانظر إلى عظمة كتاب الله عز وجل لما ختم وجاء بهذه الفاصلة مناسبة لهذا المعنى في سياقها.

ويقول الله عز وجل في سورة الزمر: ﴿ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ﴾ هذه تحولات للإنسان في بطن أمه ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [الآية 6] لاحظ الآية تحدثت وبينت خلق الإنسان وتحولاته في بطن أمه، فبيّن الله عز وجل وخاطب الكفار: كيف تصرفون عن ألوهية الله عز وجل وعن ربوبيته وأحقيته في العبادة؟، فانظر إلى هذه الفاصلة أتمت المعنى أيما إتمام!.
– أيضًا من الفواصل قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) المدثر﴾ وهذه الفاصلة خالفت ما قبلها من الفواصل وما بعدها من الفواصل في السورة، وهذا رد على من يقول من المفسرين أن الفاصلة توافق أواخر الآي، فجعلوا هذا هو السبب الأول والرئيس في الفاصلة، فقال الله عز وجل في وصف أحد كفار قريش وأحد أئمة الكفر: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا (14)﴾ لاحظ الفاصلة ﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)﴾ فسكنت الفاصلة لأن الزيادة لن تحدث، ﴿ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)﴾ هذا رد على من يقول أن الفاصلة تخدم أواخر الآي، لو كانت تخدم أواخر الآي لقال: ثم يطمع أن أزيدا، ولكن هذا فعل مضارع لا يدخله ألف الإطلاق في اللغة.
يقول الله عز وجل في سورة الأحزاب: ﴿ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الآية 4] لاحظ هذه الفاصلة خالفت الفواصل في سورة الأحزاب، على حين أنه في آخر السورة يقول الله عز وجل على لسان المعذبين: ﴿ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ [الآية 67] ونحن نعلم أن المعرف بـ (أل) لا تدخله الألف، لما تنصب معرفًا بـ (أل) تقول: أخذت الكتابَ لا تقول: أخذت الكتابا، هنا لا حاجة لمجيء ألف الإطلاق في الكلمة، لأن الكلمة أصلًا معرفة بـ (أل) فلا يدخلها ألف الإطلاق في اللغة، أما هنا فدخلت ألف الإطلاق لصراخ هؤلاء المعذبين في النار (نعوذ بالله)! ﴿ رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ فجاءت ألف الإطلاق لتبين صراخهم وعويلهم في النار.

أما الآية الأولى سكنت ولم تزد، لأن الزيادة أصلًا لم تحدث لهذا الكافر الذي أمده الله في الدنيا بكل شيء، ﴿ وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا (14)﴾ وهو الوليد بن المغيرة، فقد كان أحد أصحاب الملايين بمكة، كما يقال ملياردير بمكة، حتى يقول بعض المؤرخين أن الذهب كان يقسم عنده بالفؤوس، ويقول الله تبارك وتعالى فيه: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا (12)﴾ أي يزيد كل لحظة، لكن ما الفائدة من هذه الأموال؟ هو خالد مخلد في النار. فانظر إلى هذه الفاصلة خالفت أواخر الآي لأجل المعنى، فالمعنى لن يتم والفاصلة سكنت وهذا من جميل التعبير في كتاب الله عز وجل. هذه الفاصلة لها نظائر كثيرة في القرآن الكريم، يضيق المقام بذكرها.


أسأل الله العظيم بمنه وكرمه وجوده أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وجلاء همومنا وأحزاننا، وقائدنا إلى الجنة.

اللهم اختم بالصالحات آجالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد.


الشيخ صالح بن عبد الله التركي
مركز تفسير للدراسات القرآنية
التفريغ لموقع إسلاميات حصريًا