المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ


امانى يسرى محمد
23-03-2020, 07:29 AM
سؤال بات يتردد على ألسنة كثيرين،هذه الأيام، مع تزايد الإصابة بالفيروسات المختلفة، آخرها، كورونا، وقبلها الحمى القلاعية، وسارس، وغيرها.
هل ظهر الفساد في البر والبحر تأكيدًا لقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
نعم.. بالتأكيد ظهر الفساد.. والسبب : بما كسبت أيدي الناس.. لماذا؟.. ليذيقهم الله عز وجل بعض الذي عملوا.. لماذا أيضًا.. لعلهم يرجعون.. لو ركزت هنا ستجد«بما كسبت أيدي الناس».. وليس أيدي الأشرار أو المجرمين.

المولى سبحانه وتعالى، حتى في وقت الفساد، الذي يضربالناس بسبب عمل أيديهم، يبشر الخائفين منه، في قوله تعالى: « وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ».. الصبر الذي يأتي من اليقين، ونتيجته الطمأنينة في الدنيا على الرغم من كل الآلام التي تحدث حولنا .. وآلم المؤمن الصابر مختلف تمامًا عن آلام غيره وإن كان نفس المُسبب!

شيوع المعاصي في المجتمعات وبروز المنكرات وانتشار الفواحش لهو نذير سوء؛
لما يترتب على ذلك من حلول العقوبات الربانية حتى وإن كان بهذه المجتمعات قوم صالحون.
إن الطالحين والصالحين – في المجتمع - ركاب سفينة واحدة، فإن هلك الطالحون لطلاحهم فسيهلك معهم الصالحون،وإن غرق المفسدون فسيغرق معهم الصالحون،والله -تبارك وتعالى- يقول:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}(الأنفال: 25).
وفي صحيح البخاري وغيره من حديث النعمان بن بشير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً حتى لا نؤذي من فوقنا، فلو تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم لنجوا جميعاً".

فكثير من المسلمين الآن يتصور أنه ما دام قد حقق الصلاح وامتثل الأمر واجتنب النهي فقد نجا، وينظر إلى المنكرات وإلى الذنوب والمعاصي التي خيمت سحبها القاتمة المظلمة الكثيفة على سماء الأمة ثم يهز كتفيه ويمضي، وكأن الأمر لا يعنيه ما دام يأكل ملء فمه، وينام ملء عينه، وظن المسكين أنه قد نجا
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده".وفي لفظ: "إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده، ثم يدعونه فلا يستجاب لهم" (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم بسند صحيح).

ثم ها هنا سؤال قد يرد، وهو أن قوله تعالى: {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام:164)، يوجب ألا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب. والجواب -كما قال ابن العربي-: إن الناس إذا تظاهروا بالمنكر، فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره؛ فإذا سكت عليه فكلهم عاص. هذا بفعله، وهذا برضاه. وقد جعل الله في حُكمه وحكمته الراضي بمنـزلة العامل؛ فانتظم الجميع في العقوبة.

وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)
1- هنيئا لمن مكنه الله لإحياء سنة التدافع التي بها يرفع الهلاك العام {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ{ / أبرار بنت فهد القاسم
2- وما كان ربُّك ليُهْلِكَ القُرى بظلمٍ وأَهلُها مُصْلحُون ﴾ لا يكفي أن تكون صالحاً سلبياً ؛ وإنما لابد أن تكون مصلحاً إيجابيا . / د. محمد العوضي
3-لا يكفي أن تكون صالحاً سلبياً ؛ وإنما لابد أن تكون مصلحاً إيجابيا . / د. محمد العوضي

{واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب} (الأنفال:25)، فقد حذرت الآية بكل وضوح أفراد المجتمع المسلم، بأن الظلم بكل أشكاله وأنواعه إذا ظهر بينهم فإن العقوبة تشملهم جميعاً، ويكون مقصود الآية التحذير من فتنة تتعدى الظالم، فتصيب الصالح والطالح.
الآيات التي نصت على عموم العذاب، فمحمولة على العقاب الدنيوي، وينطبق عليها الآيات الناصة على عموم العقاب، كقوله سبحانه: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (الأعراف:96)، وقوله تعالى: {وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} (النحل:112).
يرشد لهذا المعنى ما ثبت في "الصحيحين" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (إذا أنزل الله بقوم عذاباً، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم)، فالعذاب في الدنيا مشترك، أما في الآخرة فالحساب يكون بحسب الأعمال والنيات.

وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف: 170].
أمر الله بالإصلاح، وأثنى على المصلحين، وأخبر: أن ثوابهم لا يضيع: إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف: 170] فلهم أجر عظيم، وأجر كريم، وأجر كبير، وأجر حسن، وغير ممنون.
وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ [يوسف: 57].

وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164].
إذاً، قام هؤلاء اليهود يصيدون يوم السبت، وضعوا الشباك يوم الجمعة سحبوها يوم الأحد، وهكذا حصلت الحيل، فقام بعض المصلحين ينكرون ينصحون يحذرون: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [الأعراف: 165] فمسخهم الله قردة وخنازير.
قيل: إن الله -عز وجل- مسخ شبابهم قردة وشيوخهم خنازير.
والذين ينهون عن السوء أنجاهم الله -تعالى-، أهل الإصلاح.
انقسموا ثلاث فرق تلك القرية: فرقة فعلت المنكر، وفرقة نهت عن المنكر، وفرقة سكتت، ويقولون للمصلحين: لم تتعبون أنفسكم؟ وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف: 164]؟ ماذا كان جواب المصلحين؟ قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ حتى نعذر، حتى نقيم الحجة، حتى لا يكون علينا تبعة، حتى نكون قمنا بالواجب، وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ لعل قومنا يخافون الله، لعل قومنا يرجعون إلى الحق، فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ جاء العذاب.
الشاهد: أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ أهل الإصلاح ينجيهم الله -عز وجل-.

إذاً، إذا صار الإصلاح درأنا العذاب، وإذا لم يحدث الإصلاح فالعذاب واقع


قبسات من مقالات العلماء / موقع اسلام ويب