المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حكام ودساتير سورة "الممتحنة".. كيف تتعامل مع هؤلاء؟


نبيل القيسي
08-04-2020, 03:38 PM
لا تتوقف سورة الممتحنة على بيان الحق من الباطل والحرام من الحلال.. بل امتدت لأكثر من ذلك إلى وضع أول دستور إلهي، علم فيه الإنسان كيف تصاغ القوانين، وكيف تصنع الدساتير.
فقد نزلت سورة المُمتحنة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة المنوَّرة، وهي من سور المفصل، وأول سور المفصل هي سورة ق وتمتد إلى آخر المصحف، وسُمِّي مفصلًا لكثرة الفصل بين سوره بالبسملة.
وتقع سورة المُمتحنة في المرتبة الستين من سور القرآن الكريم، وتحديدًا في الحزب الخامس والخمسين من الجزء الثامن والعشرين، وعدد آيات سورة المُمتحنة ثلاث عشرة آية، وقد نزلت السورة على النبي عليه الصلاة والسلام بعد نزول سورة الأحزاب، وبدأت سورة المُمتحنة بأسلوب النداء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المُمتحنة: 1]، للإعلان عن مبادئ التعايش مع الأخر في الدستور المنزل من فوق سبع سموات.
أسباب نزول سورة الممتحنة
اقرأ أيضا:

آية في القرآن تدفع قاطع طريق إلى التوبة ويصبح من كبار العبّاد (الشعراوي)
وتجلت سورة المُمتحنة بسبب حادثة الصحابي حاطب بن أبي بلتعة، وهو صحابي شهد غزوة بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنَّه عندما أذن الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بفتح بمكة بعث حاطب كتابًا مع امرأة من نساء مكة كانت في زيارة إلى المدينة المنورة يُحذّر فيه عشيرته، وأهله من جيش الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان نص الكتاب: من حاطب إلى أهل مكة إنّ رسول الله يريدكم فخذوا حذركم، وخرجت المرأة، ومعها الكتاب باتجاه مكة.
وحينها نزل جبريل عليه السلام، وأوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر، وأمره بأن يرسل وراءها من يأت بالكتاب منها، فإن أعطتهم الكتاب تركوها وشأنها، وإن أبت كان لهم أن يقطعوا عنقها، ولحق بالمرأة فرسان، ومعهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعندما وصلوها أمروها بأن تُخرج الكتاب، وأنكرت المرأة، وحلفت بالله بأنَّها لا تملك شيئًا، ولما همّ علي بن أبي طالب بالرجوع تذكّر وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: والله ما كَذَبْنَا ولاَ كُذِبْنَا وسَلَّ سيفه، وحذّرها بأنّها إن لم تُخرج الكتاب ليقطعنّ عنقها، فلما رأت المرأة منه الجدّ خافت، وأخرجت الكتاب، وعادت إلى مكة.
ورجع علي بالكتاب إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فأمر رسول الله بنداء حاطب، وسأله عن الكتاب، فاعترف حاطب بفعلته، ودافع عن نفسه بأنّ فعله كان خوفًا على أهله، وعشيرته في مكة، وليس كفرًا بالدين، وصدّقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعفا عنه.
فقال خاطب: " والله يا رسول الله ما حملني الرغبة في الكفر أو الرضا بالسوءة لله أو رسوله أو شيئًا من هذا القبيل لكني عذري هو كذا وكذا هو أن أهلي ليس لهم أنصار وعشيرة فأحببت أن أتقرب الى أهل مكة بهذا الخبر حتى يحموا أهلي وعشيرتي".
فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول دعني أضرب عنقه فانه قد نافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعه يا عمر فإن الله اطّلع إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم.
وأنزل الله هذه الآيات في ما صنع حاطب (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ).
مقاصد سورة المُمتحنة
تحدثت السورة عن مجموعة من المحاور، فاهتمت بأمور التشريع الإسلاميّ، وكذلك تحدثت عن مشاعر الحب، والبُغض في الله، وقد دعت السورة إلى وجوب التبرّؤ من الكفار وبغضهم، وعدم موالاتهم على دينهم الباطل، وأنَّ العداوة والبغضاء لا تنتهيان إلّا بدخولهم للدين الحق وتركهم للباطل.
وفرقت سورة الممتحنة بين نوعين من الكفار، هما: نوع يقاتل المسلمين ويعاديهم ويبغضهم، ونوع مسالمٌ لا يظهر العداوة للمسلمين، وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى وجوب معاداة النوع الأول، والإحسان إلى النوع الثاني منهم.
وضربت سورة المُمتحنة المثل في نبي الله ابراهيم عليه الصلاة والسلام إذ تبرّأ من الكفار هو ومن معه من المؤمنين.
كما تناولت السورة كذلك حكم المؤمنات المهاجرات، وبيَّنت كيفية التعامل معهنّ، وضرورة اختبار صدق إيمانهنّ قبل مبايعتهنّ على الدين الإسلاميّ.
وأمرت سورة الممتحنة بامتحان النساء فقال تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ) فيُقال لهن في الامتحان: آالله ما جاء بك إلا الرغبة في ما عند الله؟ أو الدار لآخرة؟ أو نحو ذلك فإذا حلفت على ذلك صُدِّقت وقُبِلَت كامرأة مسلمة جاءت من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام وأنها ما هاجرت من أجل رغبة في أمر من أمور الدنيا.
ثم خُتمت السورة بذكر بيعة النساء (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) وذكر على أي شيء تكون البيعة (علَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) البهتان هو أن تدّعي ولدًا ليس لها أو تُلحق بزوجها ولدًا ليس له. قال (وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).