المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لحظات إيمانية في الشهر المبارك


المراقب العام
03-05-2020, 08:17 PM
http://i39.servimg.com/u/f39/14/26/64/84/untitl10.gif


نريد أن نعيش لحظات إيمانية في هذا الشهر المبارك، خصوصا وأنكم تعرفون ما تعرفون مما أصاب المسلمين من الكثير من الانكسارات، التي سببها هو تخلينا عن دين الله تعالى، وتخلينا عن نصرة هذا الدين، وتخلينا عن الاقتداء برسول الله ، وتخلينا عن السير على خطى الصحابة الكرام الذين اصطفاهم الله تعالى، فكانوا في المستوى المطلوب، فساروا في هذا الدين وفق ما يرضي الله عز وجل ويرضي رسوله، فنصرهم الله تعالى وأصبحوا متمكنين في الأرض كلها شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، وأسسوا للعالم حضارة لا مثيل لها، وعلى أنقاض تلك الحضارة نهض هؤلاء الناهضون اليوم، ولكنهم تحضروا ماديا ولم يتحضروا معنويا، ولذلك ونحن تخلفنا ماديا ومعنويا، فكانت النتيجة أن ذلك التخلف وذلك التخلي عن ديننا هو سبب نكساتنا.

فلهذا نريد أن نستعرض بعض الصور الجميلة الرائعة التي كانت وراء قيام هذه الأمة ووراء تأسيس حضارتها الإيمانية مع رسول الله ومع صحابته رضوان الله عليهم لعلها تنفعنا، ولعلها تُنهضنا، ولعلها توقظنا من غفلتنا إن شاء الله تعالى، لكن قبل ذلك نريد أن نعرف المنطلقات الأساسية للنهوض بهذا الدين، فما هي هذه المنطلقات؟ وكيف تساعدنا في النهوض والخروج من نكساتنا؟ منطلقات النهوض

> 1- الإيمان بأن هذا الدين نعمة رضيها الله تعالى لعباده : وأول منطلق ينبغي أن نضعه في أذهاننا هو أن هذا الدين هو نعمة من عند الله تعالى، أنعم الله تعالى بها علينا، فإذن هذا الدين هو نعمة لنا، وهو شرف لنا، وهو منحة ربانية اختارنا الله لها، واختارها لنا، وهذه المنحة الربانية حرم منها الأشقياء، ونحن عندما اختارنا الله تعالى واختار لنا هذه النعمة، وهذه المنحة الربانية اختارها لنكون من السعداء، وإن كنا من الضعفاء وإن كنا لم نستطع أن ننهض بها، ونحن ضعفاء لا نقدر على حملها فنرجو الله تعالى أن يعيننا، لنكون من السعداء، أما الذين حرموا من هذه النعمة فهم أشقياء، قطعا هذا الشعور هو الأساس الذي ينبغي أن يشعر به كل مسلم، يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله، فهو لم يقلها من تلقاء نفسه، وإنما الله عز وجل هو الذي هداه واختاره، كل مسلم يكبر الله، يركع لله، ويسجد لله فهو لم يأت بحوله وطوله، ولكنه أتى بفضل الله ونعمته عليه وهداه له فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء. فعندما نعرف أن هذه النعمة اختارنا الله لها ولا يختار الله لها إلا أحب العباد إليه، عندما يشعر المسلم بذلك يشعر أنه واحد من عباد الله، وواحد من أحباب الله، وواحد من أولياء الله: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” لكن من هم؟ “الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم}(يونس : 64). هل هناك فوز أحسن من أن تكون عبدا لله رضي الله عنك ورضيت عنه ولهذا يقول الله: في الصادقين “رضي الله عنهم ورضوا عنه” رضي الله عنهم عندما اختارهم، ورضوا عنه عندما اختارهم فهم يؤدون ما فرضه عليهم وما شرعه لهم عن طواعية واختيار، فهو رضي عنهم وهم رضوا عنه وهؤلاء هم الذين خشوا ربهم أولئك هم المفلحون في آية أخرى.
> 2- تكبير الله في كل شيء : فعندما نرجع إلى وعينا إلى ذاتنا عندما نستيقظ ونعرف قيمتنا التي هي عند ربنا. ونعلم يقينا أن الله تعالى ربنا ورب كل شيء وهو أكبر، ومن في الدنيا مثل الله ومثل ربنا؟ لا أحد بالقطع، فأفضل شيء في الوجود هو الله عز وجل، فعندما يكون أكبر شيء وأعظم شيء في الوجود هو الذي اختارنا، وحين نكون نحن معه وهو معنا، هل هناك شرف أكبر من هذا؟ ولكن كم نحتاج إلى أن ترجع ذواتنا لهذا الإحساس ولهذا الإيمان واليقين: فحين ذاك يتطابق تكبير الله لسانا وحالا فنقول الله أكبر في الصلاة بلساننا وفي نفس الوقت نقول الله أكبر في قلبنا، في نفوسنا، في شعورنا، في أعمالنا، في سرنا، في علانيتنا. فهو أكبر من كل شيء في نفوسنا قبل أن ينطق بها لساننا. فأنت إذن تقف بين يدي الكبير المتعال رافعا صوتك الله أكبر؛ فهل يكون أكبر في قلبك وتعصيه؟! وهل يكون أكبر في نفسك ولا تطيعه؟! وهل يكون أكبر في قلبك وتشرك معه أحدا؟! هذا كذب إذا كنت تشرك مع الله أحدا فهو ليس كبيرا في قلبك والله اكبر من كل كبير. ولقد أدرك الرسول سر أمر الله تعالى {وربك فكبر} فامتثلوا حقا وصدقا وجعلوا الله وأوامره أكبر من كل شيء: من النفس والأهل والولد والوطن والقبيلة والعشيرة والمال..
> 3- الإحساس بحلاوة الإيمان، والاستعداد للتضحية بكل شيء في سبيل الله تعالى: إن هذا الشعور بهذه القيمة، وبهذا الفضل من الله تعالى علينا هو الذي نحتاج إلى استرجاعه واستعادته وهو الذي كان عند المسلمين الأولين، فالعرب قبل الإسلام لم يكن أحد يلتفت إليهم؛ كانوا يبحثون عن دور لهم في التاريخ فلا دور لهم. كانت تحيط بهم أعظم الدول وتتنافس عليهم: الفرس والروم، الهند، والصين، فكان العرب عبارة عن قبائل مشتتة لا يأبه لهم أحد ولا يهتم، وليس لهم حضارة يمكن أن تؤثر في الغير وإنما هم شبه بدويين لا يفقهون من الحياة شيئا لكن الله تعالى اختارهم وهم أميون، واختار الرسول منهم وهو أمي ليكون الرسول منبع العلم والمعرفة، ويكونوا هم الأميين أساتذة العالم، وفي ظرف 23 سنة أصبحوا أساتذة العالم يعلمون العالم كله، وأصبحوا يخاطبون عظماء الفرس وعظماء الروم، وعندما يسألونهم لماذا جئتم؟ يقولون: “الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد”. لقد أصبحوا أساتذة بسرعة لماذا لأنهم يعرفون ويعون أن الله تعالى اختارهم لتبليغ رسالته للناس، رسالة أن الله أكبر من كل شيء رسالة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأن تحميل الله للمسلمين هذه الرسالة هو نعمة وتشريف وتكليف بأمانة. هذه قضية يحتاج المسلم لأن يقتنع بها إذ اختاره الله لأداء رسالة وأفضل رسالة هي رسالة لا إله إلا الله، هي رسالة أن تُعبِّد الناس لله وحده، أن تدعو الناس لعبادة الله؟ لماذا؟ لأن الناس إذا عبدوا الله وكانوا عبادا لله تعالى ماذا يبتغون؟ يبتغون الرزق فربك هو الرزاق {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}، يبتغون العزة {فلله العزة ولرسوله وللمومنين}، يبتغون النصر فالنصر من عند الله {إن الله عزيز حكيم}، يبتغون الاطمئنان وهو أكبر النعم {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، يبتغون الشفاء من أمراضهم، يقول سيدنا إبراهيم \ {وإذا مرضت فهو يشفين}. إذن كل ما تطلبه هو عند الله تعالى: تطلبون الحياة الطيبة في الدنيا : {من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة}، تطلبون الفوز في الآخرة والخلود : {وللدار الآخرة خير وأبقى}، {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} من بيده كل هذا لابد أنه يستحق أن يعبد، وأن يخضع له، وأن يركع له، وأن يسجد له، وأن يذل له إنه الله وحده من يستحق. ولهذا نجد أن العرب عندما نزلت عليهم هذه الرسالة فهموها حق الفهم وعرفوا الشرف الحقيقي الذي شرفهم الله تعالى به، بفطرتهم ونجابتهم وذكائهم عرفوا أنهم أفضل من يمشي على الأرض على الإطلاق ولهذا وإن كانوا قلة كانوا يحسون في مكة أن هؤلاء الطغاة يهينونهم فلا يبالون فيه، ولنا في قصص الصحابة وما ضربوه لنا من نماذج في الصبر على البلاء والتضحية خير قدوة وأسوة لتجديد النهوض بهذا الدين، وتجديد التدين واستنهاض الهمم، نماذج لا تمحى ولا تنسى نماذج مثل بلال الحبشي رضي الله عنه وامرأة زنيرة وسمية وعبد الله بن مسعود وعباد بن بشر وأسيد بن حضير كل واحد منهم ـ رضي الله عنهم جميعا ـ ضرب أروع الأمثلة وأقوى النماذج في التاريخ للصبر والتضحية في سبيل هذا الدين، ونحن اليوم لا سبيل لنا للعودة إلى التاريخ إلا بأن نأخذ المبادرة بأيدينا وإرادتنا ونجدد الإيمان فينا، ونأخذ هذا الدين بقوة ويقين وحلاوة ومسارعة في التطبيق والامتثال. بماذا سننهض نحن إذا لم ننطلق من هذا المنطلق؟ لا يمكن أن ننهض إذا لم تكن حرارة إيماننا قوية، لابد إذن من حرارة الإيمان وحلاوته لنكون متفاعلين مع القرآن الكريم وسائر تكاليف الدين في كل مكان وفي كل حركة وفي كل سكنة، ولنكون صادقين مع الله ومع أنفسنا مقبلين راضين مرضيين. فعندما تصلي يا مسلم، وعندما تصوم يا مسلم، وعندما تتصدق يا مسلم، وعندما تتقي الله يا مسلم! اِعرف أن الله رضي لك ذلك {ورضيت لكم الاسلام دينا}، ومن ذا يستطيع أن يرضى شيئا آخر لا يرضاه الله تعالى؟ لا يمكن أن يفعل ذلك إلا الكفار إذن هذا منطلق من المنطلقات.
> 4- لا رسالة حقيقية إلا رسالة المسلم وأن الكافر لا رسالة له إلا الإفساد: هذا اعتقاد يجب أن يحمله كل مسلم وهو سبيل النهوض الحقيقي والعز الحقيقي، وما دام كثير من المسلمين قد تراجع اعتقادهم في هذا ومالوا إلى الاعتقاد بما عند الآخر، فقد رمت بهم سنن الله تعالى إلى الهامش وإلى الذل والتبعية. على المسلم أن يعتقد بإخبار الله له أن لا أحد يحمل رسالة الخير إلى الناس إلا المسلم، وأن الكافر لا رسالة له إلا الإفساد في الأرض ومحاربة الخير، ولهذا يقول الله تعالى:” {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد}. إذن ما رسالة الكافر؟ هو هلاك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد وهؤلاء مفسدون والله تعالى خلق الأرض صالحة لا من حيث البيئة ولا من حيث التربة ولا من حيث هواؤها . قال تعالى:” ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها” فماذا فعل فيها الكفار؟ لوثوا البحار، لوثوا الأرض، لوثوا الهواء والسماء، وسمموا كل قوت وكل مصدر للعيش والحياة: النبات، الحيوان. ماذا يخترعون؟ يخترعون الأسلحة الجرثومية ! القنابل الانشطارية! الأسلحة الفتاكة الكيميائية! التي تهلك الإنسان وتخرب العمران وتفتك بكل الأحياء هؤلاء أعداء الإنسانية، وأعداء كل ما خلق الله تعالى. يقتلون الإنسان الذي هو أهم شيء في هذا الحياة هو الإنسان فالله تعالى خلق الكون وخلق الإنسان وخلق الكون للإنسان وسخر لكم ما في السموات وما في الارض جميعا منه فعندما يدمر الإنسان وعند ما يدمر الإنسان نفسه يدمر كونه ويدمر محيطه ويدمر بيئته ويصبح إنسان يعيش في جحيم وشقاء في الدنيا لأنه يفسد ما أصلحه الله، أين العدل في شريعة الغرب؟ أين الرحمة في قوانينهم؟ أي رسالة للغرب غير النهب والاستحواذ والحروب من أجل المادة والثروة. ألا يعي المسلمون أنهم حملة الرسالة رسالة الإنقاذ والخير؟
> 5- وجوب ارتقاء المسلم إلى المستوى الحضاري المطلوب منه في رسالته: هذا مبدأ لا يصح أي انطلاق وسير إلا به إنه الإيمان بضرورة الأخذ بأسباب التدافع، والترقي في مدارج الحضارة عبر الترقي في سلم أسباب القوة. فالكفر لم يتغلب اليوم إلا لأنه لا يوجد مسلمون في المستوى المطلوب، وأهل الكفر تصدروا زعامة العالم وادعوا حمل رسالة الرفاهية والخير والسلام زورا وبهتانا لا لشيء إلا لغياب المسلم من ساحة التدافع، وتخلي المسلمين عن الأخذ بأسباب النصر والتمكين المادية والمعنوية، فعندما يوجد المسلمون في المستوى المطلوب تتغير الأحوال. لكن من هؤلاء المسلمون الذين بهم يقع الخلاص وبهم تصلح الأرض وتعمر بالعدل والفضل، إنهم الذين يقول فيهم الله جل وعلا : {الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}، هذا النموذج لما يوجد بعد، والذي يوجد اليوم مسلمون نقول عن أنفسنا مسلمين ونحن سارت فينا عدوى الكفار وأخلاقهم وسرنا نحن أيضا مثل أهل الدنيا والمادة لا نبحث إلا عن الدنيا، عن الأموال والشهوات؛ فتفشى فينا الظلم، وتفشى فينا الجهل، وتفشت فينا الانتهازية، وتفشت فينا المحاباة وتفشت فينا الرشوة، وتفشت الزنا وتناول الخمور وأخواتها، والتعامل بالربا، وتفشت فينا السرقة في أعلى مستوياتها سرقة الكبار ونهبهم لأموال الأمة ومقدراتها وثرواتها، يكنزونها كنزاً ويتركون الضعاف مشردين. فإذن هذه الأمة ما دام فيها هذا النوع من التهارش على المادة، التهارش على الدنيا، والتنافس عليها وانعدام الأخلاق في الكسب المادي وفي التعامل مع ما خلق الله بما شرع الله فلن يكون لنا التمكين الموعود حتى يوجد الجيل القائم بأسباب هذا التمكين المتحرر لله ،المخلص، لله المقبل على الله تعالى. فنحن تعلمنا منهم ونبذنا ما كان لنا من الرسالة و الحضارة والأخلاق والقيم التي عندنا في الإسلام فأخرنا الله تعالى تحت أقدام الأمم الكافرة.
> 6- المسلم محارب بسبب دينه ورسالته : هذه حقيقة أخرى ومنطلق يجب أن ننطلق منه ونستصحبه هو أن المسلم كلما تمسك بدينه إلا حورب وعودي، وعلينا أن نعرف أننا بهذا الدين الذي اختاره الله لنا نحن محاربون فيه، أعداؤنا يحاربوننا فيه ولهذا يصفهم الله ويقول: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}، ولو رأيت اللغات الدبلوماسية والسياسية والكثير من الكلام التطميني والكثير من الكذب المعسول، وأنهم لا يريدون أن يضربوا الدولة الفلانية أو الدولة الفلانية أو كذا، هذه كلها تطمينات لأجل أن نحس بالأمان، لكن هل هناك أمان عند الكفار؟ إذا كنا مسلمين فلا أمان لنا منهم، هذا كلام الله والتاريخ شاهد على ذلك، ففي التاريخ الإسلامي من البدء إلى الآن لا تجد الكفار إلا وهم على عداوة مقيتة للإسلام وأهله وقد وصفهم الله بهذا في كثير من المواطن فقال عز وجل: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة يرضونكم بأفواههم وتابى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}، ويقول الله تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}، ويقول الله تعالى في الذين يلاينون الكفار ويدارونهم ويسالمونهم ويطمئنون إليهم: {هانتم تحبونهم ولا يحبونكم وتومنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الانامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم}(آل عمران : 119). كم نحتاج لأن نرجع لكتابنا؟ هل نعرف قيمة أنفسنا عند الله وقيمة الكافرين عند الله؟ وهل نعرف العلاقة بين الكافرين والمؤمنين؟ هي علاقة حسد وكره، وعلاقة تنافس وعلاقة تباغض لأنه لا يمكن أن يكون هناك تحاب بين من يؤمن بالله وبين من يؤمن بالمادة فقط.
> 7- لا سبيل للنهوض الحقيقي ما يرق المسلم إلى درجة التضحية في سبيل هذا الدين بكل ما يملك: إذا فتشنا في الأسباب التي مكن الله تعالى للمسلمين الأوائل وجدنا من بين تلك الأسباب أنهم كانوا يفرحون بنزول الوحي وينتظرون بترقب ماذا ينزل من الأوامر والنواهي للعمل بها فعلا وتركا، وكانت نفوسهم تستبشر بالامتثال وتسارع فيه، وكان يبذلون الغالي والنفيس في سبيل طاعة الله تعالى وطاعة رسوله وامتثال أمرهما، واسترخاص كل شيء في سبيل ذلك، وليس لنا اليوم نحن من سبيل للنهوض إلا باستعادة هذا السنة الحميدة وهذا المسلك في تقديم أمر الله ورسوله على ما سواهما. وأنا سأمر مر الكرام على بعض النقط التي تبين لكم الفرح الذي كان يصيب هؤلاء المسلمين عندما ينجحون في التغلب على أنفسهم ويستقيمون مع ربهم في كل ما كلفهم الله تعالى به، وأقف هنا عند مثالين على سبيل التمثيل لا الحصر: الأول – في الهجرة: هل الهجرة والانتقال من مكان إلى مكان سهل أن تفرط في دارك؟ في أرضك؟ في متاعك؟ ثم تهاجر إلى بلاد غريبة عنك؟ ولكن الله تعالى قال لهم هاجروا وطلب منهم الرسول أن يهاجروا فهاجروا وسارعوا في الامتثال بل كانت الهجرة علامة فارقة على الإيمان والكفر،لنسأل لم هاجروا وقد كانوا أغنياء في دورهم؟ فأصبحوا فقراء لا يملكون شيئا في الأرض الغريبة لماذا ضحوا بدورهم، بأموالهم، والبعض منهم ترك زوجته وأولاده وذهب بنفسه كل ذلك تركه لله لمن لله من أجل الله ولهذا يقول الله تعالى مبينا الفضل العظيم لهؤلاء الفقراء المهاجرين: {الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله} ويشهد الله تعالى لهم بالصدق فيقول {أولئك هم الصادقون}.
فامتثال أمر الهجرة يمثل عنوان التضحية بالمال والنفس والأهل والولد والبلد في سبيل شيء واحد هو طاعة أمر الله وأمر رسوله وتقديمهما على كل ما سواهما. الثاني- غزوة تبوك وكانت تسمى غزوة العسرة لأنها جاءت والعام عام جدب وفيه قلة الزرع وقلة الضرع، فطلب الرسول من المسلمين أن يتطوعوا فبدأوا يتطوعون وهنا نجد عثمان بن عفان رضي الله عنه أعطى مائة بعير بأثقالها وأحمالها وأزوادها، وظل الرسول يخطب ويشجع فأتي عثمان بمائة بعير أخرى ثم خطب الرسول يحث الناس على الإنفاق مائة فجاء عثمان مرة أخرى بمائة بعير أخرى فقال رسول الله : “ما ضر عثمان ما فعل بعدها أبدا”. لننظر أناساً فقراء لا يملكون إلا الأجر الذي يأخذونه في يومهم وهو عبارة عن صاع من التمر لكن عندما يأتي الأمر بالإنفاق في سبيل الله تجد المرء منهم يقسمه نصفين نصف يأخذه لأولاده ليأكلوه ونصف يأتي به إلى رسول الله إنهم كانوا ينفقون ولو من القليل، وذلك بسبب قوة الإيمان في حين أن المنافقين كانوا يستثقلون الإنفاق في سبيل الله ويلمزون المؤمنين المتطوعين بالصدقات يقول تعالى مخبرا عن المنافقين ومدافعا عن المومنين: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم}(التوبة : 80). نعم إننا متى ما ارتقينا في إيماننا إلى درجة التضحية بكل ما نملك في سبيل هذا الدين نكون قد وضعنا أرجلنا في الطريق الصحيح للنهوض، إذ لا نهضة لأمة في التاريخ تبخل عن دينها وتفضل المال والنفس والدنيا على التضحية في سبيل الدين والمبدأ.
وهذا الذي فعله الرسول وفعله الصحابة لهو حقيقة منطلق صحيح في النهوض والريادة، وهذا يعطينا أننا نحن في حاجة إلى أن ترجع لنا هذه الهمة والهمة الإيمانية الصادقة مع الله تعالى، إذا نحن شعرنا بهذه العزة الإيمانية وبهذا الشرف الإيماني وبهذا الشرف الإسلامي الذي شرفنا الله به، وعرفنا أن لنا رسالة فلا يهمنا ما يقع، فنحن إذا كنا عند الله أعزة وعند الله أشرف من كل الناس فلا نبالي بأحد، ولا يهمنا ونحن عندنا الشهادة من عند الله بأننا أولياؤه وأننا بوعده آمنون: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون} وشهادة أخرى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا}، شهادة وثيقة من عند الله مفتوحة واحد كل واحد ينظر لعلاقته مع الله .
فلهذا إخواني هذه بعض المنطلقات نذكرها ونذكر بها لأجل أن نقول لكم إن المسلمين الأول عرفوا هذه القيمة لهذا الدين وعرفوا الميزة التي ميزهم الله تعالى بهذا الإسلام وبهذه الرسالة الخالدة، وعرفوا أن هذا الدين شرف وليس مسؤولية فقط، شرف وتشريف من عند الله تعالى وتكليف كلفنا ولكن في نفس الوقت شرفنا بهذا الدين وأن هذا الدين ليس سهلا أن يهتدي إليه الإنسان ونحن مهمتنا لا أن نحقد على هؤلاء فليس في الإسلام حقد وليس في الإسلام مكر ولا خديعة لأن المسلمين ليس عندهم شيء يخشون منه أو يستحيون منه، المسلمون رسالتهم كلها فيها الخير للإنسانية كلها، ومن واجبهم أن يعتنقوا هذا الخير وأن يتمسكوا به وأن ينشروه، ليس من حقهم أن يمسكوه عندهم بل من حقهم أن ينقذوا العالم مما هو فيه من الشرور والآثام. فلهذا إخواني أقول هؤلاء الصحابة ومن تبعهم من جيل الأخيار من التابعين ذوي الرسوخ في العلم هم الذين أحسوا بهذه النعمة أعطوا الكثير لهذا الدين واتخذوا طرقا ومسالك لنصرته يمكن اعتبارها بحق منطلقات يسترشد بها في النهوض من جديد واستعادة عز هذا الدين وعزة أهله.
نحتاج إلى الاستقامة على هذه المعاني والاستعداد للحياة الطيبة على هدى الله تعالى وهدي رسوله الكريم اللهم اجعلنا من أهل الفردوس واجعلنا من أهل الغرفة واجعلنا من أهل جنة عدن واجعلنا من المكرمين عند ربنا يوم نلقاه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
المفضل فلواتي رحمه الله تعالى
——–